طلعت رضوان
دأب الإسلاميون على استخدام مصطلح (إسرائيليات) فى الرد على المختلفين معهم فى تفسير آية قرآنية أوأسباب النزول. ومن أمثلة التفسير ما جاء فى تفسير(الجلاليْن) عن الآية 44من سورة النمل ((وكشفتْ عن ساقيْها)) إذْ ((كان سليمان على سريره فى صدرالصرح فرأى ساقيْها وقدميْها حسانـًا)) ولأنّ مُحقق تفسير(الجلاليْن) لم يُعجبه ذلك كتب فى الهامش:
روى القرطبى أنه (أى سليمان) قال لها ذلك بعد أنْ صرف بصره عنها. وهذا يتفق مع مقام سيدنا سليمان. وأما الروايات التى تثبتْ أنه أمعن النظرفى ساقيها حتى رآها حسانـًا، فلعلها من الإسرائيليات المدسوسة فى كتب التفسير
التشابه يصل
إلى حد التطابق
وكتب أ. أمين الخولى أنّ راحة الإسلام تكون بالتخلص من الإسرائيليات التى أقحمتْ عليه[1]. يربط العقل الحر هذا الكلام (التخلص من الإسرائيليات التى أقحمتْ على الإسلام) بما ورد فى القرآن من سورعديدة ُمجّدتْ بنى إسرائيل (البقرة/40،47، 122والجاثية/ 16).
هدف مصطلح إسرائيليات (من وجهة نظر مستخدميه) هو تشويه الإسلام، فكيف يكون ذلك مع تمجيد القرآن فى بنى إسرائيل؟ وكيف يكون ذلك مع تطابق القرآن والعهد القديم (مع اختلاف فى بعض التفاصيل فى قصة الخلق (قرآن- الأعراف/ 54، يونس/3، هود/7) وأنّ خلق السماوات والأرض تم فى ستة أيام، وهو ما يتطابق مع سفر التكوين الذى ذكرأنّ خلق السماوات والأرض تم فى ستة أيام. والخلاف الوحيد بين القرآن والعهد القديم أنّ الأخيرنص على
فرغ الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل، فاستراح فى اليوم السابع (تكوين، إصحاح 1،2)
"خلق الشمس والقمر" من رسوم الرسام ميكيلانجيلو في كنيسة سيستينا في مدينة الفاتيكان (1511)
والإنسان خلق من تراب (قرآن- الكهف/37 والعهد القديم تكوين2) وكذا الطرد من الجنة (قرآن- الأعراف/ من 19- 24 وطه- من 116- 125) وفى العهد القديم (تكوين- إصحاح2، 3) مع اختلاف فى التفاصيل.
وكما قتل (قايين) أخاه هابيل فى العهد القديم (تكوين- إصحاح4) حدث نفس الشىء فى القرآن (المائدة- من 27- 31) كما أنّ الإله فى المصدريْن تقبل قربان هابيل (من أبكار غنمه) ورفض قربان الزارع. والتشابه أيضًا فى قصة نوح والطوفان (عهد قديم- إصحاح 6، 7) والقرآن- الأعراف من 59- 64، يونس 71، 72و هود- من 25- 46 والمؤمنون من 23- 29 والشعراء من 105- 120 والصافات من 75- 82 وسورة نوح بالكامل.
هذا التطابق ورد
فى القرآن بنفس
المعنى وأحيانـًا
بذات الألفاظ
فإذا انتقلنا من الوقائع والشخصيات إلى النظرة العامة للإنسان، نجد أيضًا التطابق، فمثلا المرأة فى العهد القديم تحت سيطرة الرجل فيُخاطبها قائلا ((هويسود عليكِ)) (تكوين3) يقابلها فى القرآن ((وللرجال عليهن درجة)) (البقرة/228) و((الرجال قوامون على النساء)) (النساء/ 34) والرجل فى العهد القديم (بعل المرأة) (خروج 21) وهو ما يتردد فى القرآن فى أكثرمن سورة (النساء/ 128) والبعل فى اللغة العربية أحد الآلهة قبل الإسلام وهوما أكده القرآن إذ جاء به ((أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)) (الصافات/125) وفى العهد القديم تكريس لمنظومة العبودية (خروج 21) وفى القرآن تثبيت لمنظومة (ما ملكت أيمانكم) الواردة فى (النساء/ 24، 25، 36 والنحل/71 والنور/31، 58 والروم/28 والأحزاب/50، 52،55 والمعارج/30).
ومريم أم السيد المسيح هى فى نفس الوقت أخت هارون الذى هوأخوموسى ، رغم الفارق الزمنى بين عصر موسى وعصر عيسى بأكثرمن ألف سنة. وهذا التشابه موجود فى العهد القديم (خروج 15) والقرآن (مريم/28 وآل عمران من 35- 45) والتشابه يصل إلى حد التطابق (مع اختلاف فى بعض التفاصيل) فيما يتعلق بالأنبياء مثل إبراهيم ويوسف إلخ (أنظر مشاهد غواية يوسف ثم سجنه ثم تفسير حلم ملك مصر الذى عيّن يوسف وزيرًا- العهد القديم – تكوين إصحاح 27- 42) وفى العهد القديم فإنّ موسى يقتل إنسانـًا مصريًا (خروج 15 وصموئيل الثانى23 وأخبار الأيام11) وفى القرآن (القصص15، 16 وطه 40) وموسى يذهب للقاء ربه الذى يقول له ((اخلع حذاءك من رجليك. لأنّ الموضع الذى أنت واقف عليه أرض مقدسة)) (خروج 3) وفى القرآن (النساء/164 وفى سورة طه يكون المعنى أكثر وضوحا ((نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس)) (طه11، 12) وفى العهد القديم فإنّ عصا موسى تتحول إلى حية تبتلع عصى المصريين التى تحولت إلى ثعابين (خروج 4، 7) وفى القرآن (طه- من 17- 23 ويونس 75-82 والشعراء من 32- 45 والنمل من 10- 12)
صراع قابيل وهابيل للرسام تيتيان (بين 1542 و1544)
إنّ مقارنة ما ورد فى العهد القديم والقرآن عن مصرالقديمة، تـُبرزالتطابق التام من حيث الانحيازلبنى إسرائيل مقابل العداء للمصريين. ففى العهد القديم يقول الرب العبرى
إنى أنا الرب. ها أنا أضرب بالعصا التى فى يدى على الماء الذى فى النهرفيتحول دمًا. ويموت السمك الذى فى النهر، وينتن النهر، فيعاف المصريون أنْ يشربوا ماءً من النهر. ثم قال الرب لموسى قل لهارون خذ عصاك ومد يدك على ماء المصريين. على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دمًا. فيكون دم فى كل أرض مصر، فى الأخشاب وفى الأحجار.. وكان الدم فى كل أرض مصر (خروج 7، 8)
وأرجو من القارىء الرجوع إلى سفر الخروج كله وإلى أسفار التثنية وعدد ويشوع وصموئيل الأول وهوشع وحزقيال للتأكد من حجم العداء غير المبرر على المستوييْن التاريخى والإنسانى ضد المصريين القدماء. وهذا التطابق ورد فى القرآن بنفس المعنى وأحيانـًا بذات الألفاظ، ففى العهد القديم
خلص الرب فى ذاك اليوم إسرائيل من يد المصريين. ونظر إسرائيل المصريين أمواتـًا على شاطىء البحر.. وقال موسى للشعب لاتخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذى يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لاتعودون ترونهم أيضًا إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خروج 14)
يقابله فى القرآن:
وإذْ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (البقرة 50)
وإذا كان العهد القديم به آيات عديدة عن غضب الرب ضد مصرفسلط عليها الضفادع والجراد والذبان ، فإنّ القرآن فعل نفس الشىء إذْ ورد به
فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين.. فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم.. وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها.. وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (الأعراف من 133- 137)
"تحول عصا موسى إلى حية" للرسام نيكولا بوسين (1645)
إزاء هذا التطابق فى العهد القديم والقرآن، فإنّ العقل الحريتساءل عن أسباب صك مصطلح (إسرائيليات) من قِبل الإسلاميين(معتدلين ومُتشددين) وأعتقد أنّ الإجابة تكمن فى احتمال واحد: ضَعْفْ حجة الإسلاميين للرد على ما يرونه ضد العروبة والإسلام، فمثلا فإنّ أغلب المفسرين يتجاوزون الآية 59 من سورة الشعراء التى تـُورث مصر لبنى إسرائيل، بينما اللجنة التى وضعتْ كتاب (المنتخب فى تفسير القرآن الكريم) كانت لديها شجاعة الكتابة بأنّ تفسير الآية 57:
فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها النهار.
وتفسير الآية 58: ((وأخرجناهم كذلك من كنوز الذهب والفضة)) وتفسير الآية 59: ((أخرجناهم وجعلنا هذا المُلك وما فيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل بعد أنْ كانوا معدمين))[2].
ورغم أنّ الآية 59 من سورة الشعراء صريحة فى توريث مصرلبنى إسرائيل (خاصة مع ربطها بالآيات السابقة عليها) فإنّ البعض إما يلزم الصمت المشين مثلما فعل ابن كثير وغيره. أويكتب أنّ ذاك التفسير من (الإسرائيليات) ونفس الشىء فيما يتعلق بفرض الحجاب فى سورة الأحزاب، إذْ ذكر الطبرى وابن كثير أنّ الهدف كان التفرقة بين العبدة والحرة. ونفس الشىء فيما ذكره ابن كثير فى تفسيره لسورة الأعراف إذْ كتب
أما الجراد فمعروف ومشهور وهومأكول لما ثبت فى الصحيحيْن عن عبدالله بن أبى عن الجراد فقال (غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكل الجراد. أما الضب فكان عمربن الخطاب يشتهيه ويحبه. وعن فلان سمع أنس بن مالك يقول ((كانت زوجات النبى يتهادين الجراد على الأطباق)).[3]
يفضح القرآن فى
أكثر من سورة
على أنه امتداد
لما قبله فى
كتب العبريين
إنّ مصطلح إسرائيليات يفضحه القرآن الذى نصّ فى أكثرمن سورة على أنه امتداد لما قبله فى كتب العبريين (البقرة/4، 41، 87، 97، 136 وآل عمران/3، 81، 84، 184 والنساء/47، 136، 163 والمائدة/43، 44 وفى الأخيرة يكون صريحا فينص على (إنـّا نزلنا التوراة فيها هدى ونور) ويتكرر المعنى فى سورة الأنعام/91 والتوبة/111 ويوسف/111 والنحل/44. والقرآن يعترف بأنّ (الله) هو الذى منح الزابور لداود (الإسراء/55) ويتأكد ذات المعنى فينص على
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان (الأنبياء/48)
ومع ملاحظة أنّ الفرقان = القرآن كما جاء فى تفسير الجلاليْن لسورة الفرقان. بل إنّ (الله) فى القرآن هو الذى كتب الزابور(الأنبياء/105) ويكون التواصل مع كتب التراث العبرى أكثر وضوحًا ومباشرة عندما ينص القرآن على
إنّ هذا (أى القرآن) لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى (الأعلى/18، 19).
فهل بعد هذا الاستشهاد من القرآن (وأنا تغاضيتُ عن الكثير خشية التكرار) الذى مجّد بنى إسرائيل وأنّ مُنزل القرآن هومُنزل كتب العبريين، يصمد مصطلح إسرائيليات فى مواجهة العقل الحر