** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 تاملات في التارريخ المقدس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
متوكل
" ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
تاملات في التارريخ المقدس Biere3
متوكل


عدد الرسائل : 425

الموقع : صراع من اجل الاشتراكية
تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

تاملات في التارريخ المقدس Empty
17072010
مُساهمةتاملات في التارريخ المقدس

واطر حول التاريخ
المقدس








محمد المزوغي




أفترض أنّ القارئ مُلمّ بأسس التاريخ الإسلاميّ عموما، وله معرفة بالسيرة
النبوية
وبأدبيات المغازي في خطوطها العريضة. لن أتوقّف عند التفاصيل، وأحاول
الولوج في صلب
الموضوع انطلاقا من عمل تاريخيّ حديث، وأقصد كتاب "الفتنة الكبرى" للمؤرّخ
التونسيّ
هشام جعيط.



1-
أطروحات المستشرقين:




يستهلّ جعيط عمله بنقد أطروحات المستشرقين، ويخصّ بالذكر نظرتهم للسيرة
النبوية
وللدوافع الثاوية وراء الدعوة المحمدية. جعيّط يرى أنه "من المستحيل
الاعتقاد،
مثلما فعل عدد من المستشرقين، أنّ الدعوة المحمدية طيلة 13 سنة كانت ذات
أهداف
سياسية أي الهيمنة على مكة"، لأنّ المسألة التي صادفها النبيّ حسب رأيه "هي
مسألة
دينية وثقافية، لا علاقة لها بالتجارة أو بالسياسة. وشيمة اتجاهه الروحي،
كانت
دعوته دينية أولا، وثقافية ثانيا. كانت ثقافية من حيث أنها كانت تريد بوعي
أو بلا
وعي … أن تعطي للشعب العربي كتابه المقدس، نبيّه، مؤدّبه الدينيّ
والأخلاقيّ الذي
يكون بإمكانه غدا، يوم القيامة، أن يقول لله: هذه أمّتي، تلك التي اتبعتني،
لقد
أنذرتها وآمنت بك(1)".




نغضّ الطرف عن كلمة "يوم القيامة" التي ليس لها في ميدان التاريخ أيّ معنى،
ونواصل.
يستنتج المؤرخ جعيّط، على أساس قناعته المبدئية أعلاه، ضرورة "الفصل المطلق
بين
التبشير الدينيّ لمحمّد طيلة 13 سنة في مكة بالذات، التبشير الذي كان
البارقة
الدينية المحض التي أدت إلى ولادة الإسلام، وبين التوليف المقبل في المدينة
بين
الدولة والدين». هذا استنتاج صائب من وجهة نظر التاريخ الإسلامي المقدّس،
لكن
المعضلة الكبرى والعنصر الأكثر إشكالا في تاريخ السيرة، هو بالتحديد
المنعرج العملي
والمنحى السياسي الفعلي الذي أخذته الدعوة في فترة ما بعد مكة. السؤال
الملحّ هنا
هو: "كيف يمكن لدعوة انطلقت من أسس دينية أخلاقية بحتة أن تتطوّر بشكل
مفاجئ حتى
تنقلب جذريا وتأخذ بعدا دنيويا سياسيا في لحظة تاريخية تالية؟" وهذا سؤال
مشروع
وهامّ ومحيّر لكلّ من أراد أن يفهم تاريخ الإنسانية والأحداث التي صنعها
رجاله، من
وجهة نظر دنيوية وبأسبابها الواقعية الصرفة قصد التوصل إلى فهم مسار
التاريخ فهما
عقليا.




عديد المستشرقين طرحوا هذه المسألة وطلبوا الإجابة عنها بالتعويل على
ملكاتهم
العقلانية وعلى المنهجية التاريخية الفيلولوجية، التي هي الوسيلة الوحيدة
لتقشيع
هالة القداسة عن الأحداث وتخليص التاريخ من اعتباطية التعالي. المؤرخ لا
يمكنه أن
يُنزل تفسيرا لاهوتيا على أحداث دنيوية صنعها الإنسان؛ لا يمكنه أن يعزوَ
مثلا تلك
التحوّلات الجذرية إلى الإله، الذي يغيّر من أفعاله حسب الشروط الخارجية،
حيث يجعل
من رسوله ـ لمدة طويلة من الزمن ـ داعية ونذيرا ثم إثر ذلك ـ ونظرا للتصدي
والإخفاق
ـ ينتهج نهج الفعل المباشر والتدخل في صنع الأحداث وتغييرها بالوسائل
السياسية
الحربية.



هذا
التفسير لمَجرى أحداث التاريخ لا يَفي بغرض الموضوعية العلمية، ولا يفي
بالغرض
المعرفيّ حتى في منحاه اللاهوتيّ. إنه يحتوي في جوهره على سمات تشبيه
خطيرة، وهو
أيضا تدَخّل ذو تكلفة عالية، وقد يواري أيضا تعجيزا للإله. فأصحاب هذا
الرأي لا
يستطيعون الردّ على من سألهم: ما مَنَع الإله من أن يَنتهج السبيل الأقرب
والأيسر
لنُصرة أنبيائه، أي بإدخال الإقناع في قلوب الناس وتطويع إرادتهم لتقبّل
رسالته
بلطف وسهولة؟ وكأنّ الإله كان ملزما بترك الإنسانية في العماء كي يتسنّى له
إرسال
الرسل لإرجاع الناس إلى الطريق السويّ. هذا الأمر لا يُقدِم عليه أبسط
الناس
وأقلّهم حصافة، فكيف بخالق هذا العالم ومدبّره.



لا
أريد الدخول في جدال كلاميّ لاهوتيّ لأنّ موضوعنا أبعد ما يكون عن ذلك، لكن
حتى وإن
عُزيت هذه الأحداث إلى إرادة متعالية، فإن تدخّلها في التاريخ وتَسييرها
الأحداث لا
تُجيب بوضوح عن الأسئلة المطروحة، ولا هي قادرة على تنزيه صورة الإله من
التشبيه
والتغيّر والانقلاب.



لكن
من المؤكد أن لا أحد من المؤرخين المحدثين، أو المستشرقين الجدّيين، مستعدّ
أن
يَركن لمثل هذه الأمور أو يقتنع بمثل هذه التفسيرات وأن يعتبر العلل
الغيبية
والإرادة الإلهية المتغيرة، حسب الظروف، سببا يبرّر هذا الانقلاب الفجئي،
لا لشيء
إلا لأنها تفرغ علم التاريخ من محتواه المعرفي هذا إن لم تقض عليه تماما.




ولذلك فقد ذهب العديد منهم إلى أنه قد يكون الدافع الأهمّ للدعوة المحمدية
هو دافع
سياسي، على الأقل في فترة ما بعد الهجرة. أغراض عملية إذن أكثر منها دينية
أو
أخلاقية ثقافية. فعلا، إذا أُبعد الإله وتدخله في أحداث التاريخ وتُرك
جانبا
التفسير الغيبي للوقائع العينية، فلا يبقى من خيار، أمام رجل العلم، إلا
الالتجاء
إلى العلل المادية الدنيوية.




ويبدو، إن لم أخطئ، أنّ المؤرّخ جعيّط يرفض التفسير الأخير، فيُهاجم
المستشرقين
بشدّة في لهجة تذكّرنا بالمفكرين الإسلاميين، لكنه يَستثني منهم من لم
يَرُدّوا
الرسالة إلى أسباب دنيوية بحتة، أي هو يُزكّي المستشرقين الذين يقتربون من
النموذج
الإسلامي الكلاسيكي للسيرة: "إذن لم يكن العنصر السياسي موجودا في المرحلة
المكيّة.
ومع ذلك يواصل الاستشراق الاعتقاد بوجوده، حتى في كتاباته الأخيرة […] من
المدهش أن
الاستشراق لم يقم بغير النكوص والتراجع في فهمه للبعثة النبوية، منذ تور
أندري: وفي
هذا السياق يمكن اعتبار كتاب منتغمري واط مقبولا، ولكنه يرغب مع ذلك في
تفسير
الظاهرة بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية. أما كُتب رودنسون وباتريسيا
كرون، فإنها
تُظهر عمى عميقا إزاء خصوصية الحركة الدينية النبوية: وتبقى كلها منغلقة في

إشكاليات موروثة عن العصر الغربي الوسيط أو القرون الحديثة الأولى: هل كان
محمد
صادقا؟ هل رسالته طريفة؟ كما لو كانت هذه المسألة يجب طرحها على محمد وحده
بين كبار
مؤسسي الأديان، وكما لو أن هؤلاء المؤسسين لم يكونوا حقا رجالا إلهيين، على
علاقة
واتصال بالألوهية، يستوحون بعمق من روحها، ولم يَبيّنوا الأطر العقلية،
لجوانب
كثيرة وعريضة من الإنسانية، ولزمن طويل(2) ".




عندما يُقصِي المؤرخ التفسير المادي للتاريخ لا يَبقى أمامه إلاّ تَبنى
التفسير
الغيبي والتعليلات الماورائية التي توصد- بالفعل- الأبواب أمام كل من تطلّع
إلى
معرفة موضوعية. فالتركيز على البعد الروحاني، حتى في بداية الدعوة، يخرج
الأنبياء
بصفة عامة من حتميات التاريخ، ويعوق أي مقاربة سوسيولوجية لبروز دعوتهم.
طبقا لهذه
النظرة فإنّ القارئ يجد أمامه رجالا إلهيين باتصال مع الغيب، قد حبَتهم
العناية
الإلهية بشرف المخاطبة والتواصل والوحي. مَن يعتقد في هذه الأمور ويجعل
منها ثوابت
مرجعية لا يستطيع قراءة أحداث التاريخ بتجرّد وموضوعية، ولا يمكن أن يُعمل
عقله
بكلّ نزاهة، لأنها تخمينات تُنكر العقل، بل تخذله وتذلّه.




الإشكالية، كما قلتُ، لا تكمن بالتحديد في أن الدعوة المحمدية الأولى التي
تواصلت
لمدة 13 عشر سنة كانت ذات أهداف سياسية، بل إن الإشكالية التي تُحيّر أكثر
هي كيف
تحولت وجهة الدعوة وفق تحول الظروف المادية والمكانية. لماذا أخذت في يثرب
منحى
دنيويا وسياسيا أكثر مما كان عليه الأمر في مكة؟ إنها الإشكالية المحدّدة
والأكثر
حرجا في التاريخ الإسلامي: ألا تتضارب روح الغزوات والحروب والتقتيل
والغنائم
والسّبي مع الدعوة الدينية الخالصة السلمية التي من المفروض أن تترك لمشيئة
الله
تصريف الأمور على الوجه الأحسن؟ هناك انقلاب وتغيّر جذريّ طرأ على روح
الدعوة
الأولى ومسّ جميع نقاطها الحساسة ونفذت حتى إلى تصوّر الألوهية ذاته.



في
كتابه "العقيدة والشريعة"، يُصوّر المستشرق إجناس جولتزيهر هذا التغيّر
الكيفيّ بين
الدعوة المكية والدعوة المدنية، ونتائجه العملية واللاهوتية بصورة مباشرة
ومدعّمة
بمجموعة من الشواهد والآيات القرآنية. يقول إنّ الخطاب القرآنيّ في الفترة
الأولى
كان يحتوي على: « صُور مرسومة بألوان قويّة عن نهاية العالم والحساب
الأخير؛ حضّ
على إعداد المرء نفسه لهذا اليوم بترك الكفر ونبذ الحياة الدّنسة التي كان
يحياها
أولا؛ قصص عن سلوك الأمم القديمة نحو من أرسل إليها من الأنبياء والرسل عن
مصيرها؛
تدليل بخلق العالم وتكوين الإنسان تكوينا عجيبا، على قدرة الله المطلقة
وتبعيّة
المخلوق له، حتى إن الله يستطيع أن يميته ويبعثه كما يشاء (3) ".




لكنّ المنعرج المدنيّ أضفى على الدعوة المحمدية "اتجاها جديدا، فلم يُصبح
حديثه
حديث من استولت عليه الرؤى المشبّعة بالدار الآخرة وما يكون فيها. بل إن
تلك الحالة
الجديدة جعلت منه أيضا مجاهدا وغازيا، ورجل دولة (…) إنه في المدينة فقط
ظهر
الإسلام له طابعا خاصا، وله في الوقت نفسه صورة الهيئة المكافحة؛ إنه في
المدينة
قامت طبول الحرب التي تردد صداها في جميع أزمنة التاريخ. (…) إنّ العصر
المدنيّ قد
أدخل تعديلا جوهريا حتى في الفكرة التي كوّنها محمّد عن طابعه الخاص؛ ففي
مكة كان
يشعر أنه نبي يتمم رسالته سلسلة رسل التوراة، وأن لهذا عليه ـ مثل أولئك
الرسل ـ أن
يقوم بإنذار أمثاله في الإنسانية وإنقاذهم من الضلال. أما في المدينة، وقد
تغيرت
الظروف الخارجية، فقد تغيرت مقاصده وخططه واتجهت اتجاها آخر كذلك بحكم تلك
الظروف
الخارجية… إنه يريد الآن إصلاح دين إبراهيم وإعادته إلى أصله بعد أن نال
منه
التغيير والفساد(4) ".



أما
من جهة الجانب السياسي العملي يقول جولدتزيهر: " لا نستطيع أن نُطبّق في
العصر
المدني على عمل محمد المثل القائل: "الكلمة أقوى من السيف" فمنذ تَركه مكة
تغيّر
الزمن ولم يصر واجبا ﴿الإعراض على المشركين﴾ ( سورة الحجر: 94)، أو دعوتهم
كما يقول
القرآن ﴿بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ (سورة النحل: 125)) بل حان الوقت لتتخذ
كلمته
لهجة أخرى: ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم

واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد﴾ (سورة التوبة: 5) ﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾
(سورة
البقرة: 244 ). وبعد أن كانت الرؤيا تكشف له انهيار هذا العالم السيئ،
انتقل فجأة
إلى تصور مملكة في هذا العالم. وقد أدى هذا إلى نتائج محتومة بسبب التغير
السياسي
الذي أثاره في الجزيرة العربية نجاح تبشيره، والدور الشخصي الذي قام به
وكان له
الأثر الكبير في الدعوة. فهو الآن يحمل السيف في العالم، ولا يكتفي بـ"عصاه
التي
يضرب بها الأرض" ولا بنفثات شفتيه لإبادة الكفرة، بل هو نفير الحرب الذي
كان ينفخ
فيه؛ وهو السيف الدامي الذي رفعه لإقامة مملكته. وفي رواية إسلامية
متواترة، تتبين
منها مهمته مركزة فيها، إنه اللقب الذي ورد في التوراة وهو : "نبي القتال
والحرب".




المستشرق جولدزيهر يعزو هذا التقلّب إلى البيئة الجديدة التي وجد فيها
النبيّ نفسه،
بما تُحتّمه من تغيير في تكتيك المعاملات: " إذن البيئة التي شعر أن من
واجبه العمل
فيها بأمر الله، لم تكن لتتيح له أن يعلل نفسه براحة مأمونة: "إن الله
يحارب من
أجلك ويمكنك أن تسكت". بل كان عليه أن يقوم بكفاح مادي، في الأمة التي بعث
فيها وفي
العالم كله، لضمان ذيوع دعوته، والاعتراف بسيطرتها وتعاليمها، وكان هذا
الجهاد هو
الوصية التي تركها محمد لخلفائه. والنتيجة أنه لم يكن عنده أي إيثار
للسلام. ﴿يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم… فلا
تهنوا
وتَدْعُوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يبتركم أعمالكم﴾ (سورة
محمد: 33
ـ 35 ). ويجب الجهاد حتى تكون ﴿كلمة الله هي العليا﴾. ومن قعد عن الجهاد من

المؤمنين اعتبر كأنه لا يأبه بإرادة الله، ومسالمة الوثنيين الذين يصدون عن
سبيل
الله لا يمكن أن تكون فضيلة؛ ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي
الضرر
والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم
وأنفسهم على
القاعدين درجة وكلاّ وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين
أجرا عظيما،
درجات منه ومغفرة ورحمة﴾ (سورة النساء: 95 96 )(5)".



لقد
أتى التوجّه السياسي، حسب رأي المستشرق، على كلّ شيء واخترق حتى الجانب
اللاهوتي،
أعني تصور الألوهية في الخطاب القرآني: "وهكذا كان الجهاد والنصر،
المعتبرين وسيلة
لرسالته النبوية، أن غيّر الفكرة عن الله، الذي أراد أن يؤكد في ذلك الحين
وما بعده
النصر بقوة السلاح. ومما لا شك فيه أن محمدا تصور الله بصفات مطبوعة بقوة
بطابع
التوحيد (…) ولم ينس محمد صفة المحبة بين الصفات التي يذكرها الله: إن الله
ودود
محب، ﴿إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾ ( سورة
آل عمران:
31 )… لكن الله أيضا إله الجهاد الذي يقاتل أعداءه بواسطة النبي وأتباع
النبي، وهذه
الصفة أدت إلى نتيجة حتمية، وهي أن تمتزج بفكرة الله ـ كما كان يمثلها محمد
ـ بعض
السمات الأسطورية التي تقلل من شأنها، كما لو أن المحارب ذا القدرة
اللانهائية في
حاجة إلى الدفاع عن نفسه، ضد كيد أعدائه ومقاومتهم بلا انقطاع، بوسائل تشبه
وسائلهم
وإن كانت أقوى منها؛ لأنه حسب مثل عربي قديم مأثور، "الحرب خدعة"؛ وفي
القرآن ﴿إنهم
يكيدون كيدا، وأكيد كيدا﴾ (سورة الطارق: 15 16 ). ويصف الله الطريقة التي
يراها
لعقاب منكري وحيه، باعتبارها كيدا قويا، فيقول ﴿والذين كذبوا بآياتنا
سنستدرجهم من
حيث لا يعلمون، وأملي لهم. إن كيدي متين﴾ (سورة الأعراف: 183)، وهذا يساوي
ما في
الآية 45 من سورة القلم(6)".



على
هذا الأساس فإن الرجل، بخصوص التغير الذي طرأ على تصور محمّد لله، يقدّم
تفسيرا
دنيويا في جوهره، ولا مجال فيه للمقدس. هذا التفسير قد يَجرح إحساس الإنسان
المؤمن
كما كان الأمر بالنسبة لليهود والنصارى حينما عمدت الدراسات التاريخية
الحديثة إلى
نقد التاريخ المقدس وكشف الجانب الإنساني الهش من شخصيات أنبياء العهد
القديم. يقول
جولدتسيهر: " إن الطريقة التي اصطنعها محمد، والأسلوب الذي يعبّر به في وصف
الله
ربّ العالم، وهو يقاوم كيد الكائدين، يصور سياسة النبي الحقيقية التي
انتهجها
ليقاوم ما أقيم في سبيله من عقبات. فعقليته الخاصة، والخطة التي اتخذها ضد
أعدائه
في الداخل، قد انعكست صورتها على الله الذي ـ كما قال ـ يضمن لنبيه النصر
بأسلحته
التي يراها: ﴿وأما تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا
يحب
الخائنين، ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون﴾ (سورة الأنفال: 58 ـ
59 ).
وعلى كل، فإن هذه الكلمات التي لها دلالتها الاصطلاحية تدل على عقلية سياسي
محنك،
أكثر من دلالتها على عقلية رجل صابر سلاحه المثابرة، ويجب أن نلح خاصة على
هذه
النقطة التي لم تؤثر في أخلاق الإسلام والذي يحظر بشدة الغدر حتى
بالكافرين. ومع
هذا فهناك ضلال أسطوري في الطريقة التي يتصور بها محمد الله، إذ تؤدي إلى
أن الله
ينزل من عليائه السماوية ليصبح الشريك المعين للنبيّ في جهاده الذي أخذ
بالاضطلاع
به في هذا العالم(7)".



2-
أطروحات جعيّط:



أرى
بخصوص هذه النقطة، أنه كان على المستشرق، على أية حال، أن ينبّه إلى أن تلك
الأطر
اللاهوتية التي تسحب الإله للحرب وتجعله راعيا للمؤمنين ومؤيدا لهم في
إباداتهم
للشعوب الأخرى، موجودة في العهد القديم، وهو فعلا الإطار المرجعي الذي وفر
للمسيحيين والمسلمين الترسانة الإيديولوجية لتبرير أعمالهم.




الغريب في الأمر أنّ المؤرّخ جعيّط نفسه، بعد إقصائه أيّ دوافع سياسية
محركة للدعوة
في بدايتها، يعود ليُركّز بشدّة على فكرة أن الدعوة حملت السلاح ورفعت راية
الحرب
في فترة لاحقة بعد أن انتهجت نهج السلم في بدايتها: "صحيح أن النبي كان
يسعى لنشر
حقيقته وانتشار عقيدته، لكنه حقق ذلك بلعبة القوّة والحرب، بواسطة وسائل
عصره
وعالمه، ويلاحظ في بدر أيضا أن الغنائم صارت عنصرا حاسما لاجتذاب
الرجال(8)".




إذن، لعبة القوة حققت انتشار العقيدة، وإغراءات الغنائم استمالت قلوب الناس
للدين
الجديد. يجب تسجيل هذا الأمر لأن المؤرّخ التونسي هشام جعيّط نفسه، هو الذي
يركّز
كثيرا عليه. وقد يصل في بعض الأحيان إلى تقديم محمد في صورة سياسي مُحنك،
ومكيافلّي
خالص، لا همّ له إلاّ تحقيق مشروعه السياسي: كلّ شيء يبرّر قيام الدّولة
حتى ولو
أدّى إلى تفعيل مبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة". فكَسره لليهود في بعض غزواته
ومجزرة
بني قريظة، كما سردها المؤرخون القدامى، يُعيد سردها مجدّدا ولكنه يلقيها
على كاهل
العقل والعقلانية (يدعوها مجزرة عقلانية، كما لو أن العقل هكذا في المطلق،
وليس
الناس أصحاب العقل، هو المسؤول الأساسي عن ذلك) : "فالدّولة الإسلامية
الآخذة في
التكوّن تنزع، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن تصبح دولة أنفال وغنائم، متقيّدة
بشرائع
الحرب وقوانينها في شبه الجزيرة، ولكن مع حزم وانتظام لم يستعملا في الحروب
بين
القبائل. وبشكل خاصّ فإن حادثة المجزرة الباردة والعقلانية لبني قريظة
ستُدشّن عنف
دولة حقيقية وحرب حقيقية، لم يظهر له مثيل إطلاقا في الجزيرة العربية، وهو
عنف
مشتقّ من ممارسة الشرق العتيق: ذبح الرّجال كافة، استرقاق النساء
والأطفال(9)".




أودّ أن أسأل هل أن أقوالا من هذا القبيل قد تتعارض مع أقوال المستشرقين
الذين
ركّزوا على الجانب العملي للدعوة المحمدية؟ حسب ما أورده المؤرّخ، بكلّ
برودة، في
هذا المقطع وفي مواضع أخرى من كتابه، أرى أنه لم يفعل إلاّ أن دعّم آراءهم
وجرّ
القارئ إلى الحيطة والشك في إمكانية أن تكون رسالة محمد رسالة روحية
أخلاقية خالصة
لله وحده. أنا لا أحكم، ولا أقيّم، وإنما أجمّع المعطيات، أسرد وأقارن وأضع

الأطروحات جنبا لجنب، التقييم يأتي في مرحلة تالية.



لقد
غابت الدعوة الدينية واضمحلّ مفهوم التوحيد النقيّ الخالص الذي ركّز عليه
في
البداية، ولم يَبق ـ بعد إدماج العقل في لعبة القتل ـ إلاّ المشروع القوميّ

المُبيّت والمبَرمج له مسبقا: أي توحيد الجزيرة العربية، ومشروع حربي هجومي
لإدخال
الناس تحت مظلّة الدعوة الجديدة، سواء بالقوّة أو بسياسة الترغيب المادّي:
"منذ
مرحلة الحديبية، يكتب جعيّط، توضّح هذا الهدف: فالمقصود هو توحيد العرب
أوّلا،
ودفعهم من ثمّ نحو فتح الشمال(10)"؛ ليس هذا فقط بل إن السلطة النبوية
الجديدة
"تلتزم بجدليّةٍ تطرح أعداءً وتُجرّدهم من ممتلكاتهم، وتغذّي الولاءات
انطلاقا من
هذا التجريد للممتلكات، إنها بالذات جدلية الدّولة المحاربة المنظّمة،
المبرّرة
والمدعّمة هنا بالدّين(11)".



لقد
أنّب المستشرقين على تساؤلهم عن صدق محمد، وقال بأن هذه التساؤلات هي من
موروثات
القرون الوسطى، لكن الصورة التي رسمها للنبيّ ولدولته الصاعدة، التي تفرّق
بين
الصديق والعدوّ، ثم تُجرّد الناس من ممتلكاتهم، لكي تمنحها آخرين وذلك لكسب
ولائهم،
لا تبعد كثيرا عمّا رسمه أهل الإستشراق.



ومن
حق الدارس الحديث أن يطرح بكل تجرّد وموضوعية جميع أصناف التساؤلات على
التاريخ
القديم وعلى مصداقية الروايات. ألا تنتابنا الحيرة من تصرفات من هذا
القبيل؟ من
انقلابات فجئية، ومما سماه جعيط نفسه جدلية طرح أعداء وتجريدهم من
ممتلكاتهم؟ لا،
بالنسبة لمؤرخنا ليس لدينا الحق في التساؤل، وممنوع علينا الحيرة، الأمر
هكذا وكفى.
إنّ مَثل جعيط كمَثل مؤرخينا القدامى، من حيث إمعانهم في تقديم محمّد نبيّ
الإسلام
على صورة قائد حربي لا يُثنيه عن تحقيق مشروعه السياسي الدنيوي أي مبدإ
أخلاقي،
وأية قيمة إنسانية، ولو أدّى ذلك إلى نقض العهود وتمزيقها واستعمال الخدعة
السياسية
في جميع أشكالها إلى درجة امّحاء أيّ أثر للدين والأخلاق. هذا كلام جعيّط
نفسه:
"عندما حاصر النبيّ مكّة … قاطعا هدنة العشر سنوات، فقط بعد سنتين من
إعلانها،
تراءى بمظهر قائد حربي فاتح حقيقي، لم تشهد الجزيرة العربية مثيلا له (…)
كان الجيش
منظما على أكمل وجه، مع أجنحة وقلب (…) دخلت قريش في الإسلام وجيش النبيّ،
الذي
سيصطدم عمّا قريب بعشرين ألف رجل من قبيلة هوازن، سيهزمهم ويستولي على
غنائم عظيمة
سيجري توزيعها وفقا لحسابات سياسية ترمي إلى تعز
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تاملات في التارريخ المقدس :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

تاملات في التارريخ المقدس

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» صناعة المقدس
» خواطر حول التاريخ المقدس
» وماذا عن الاستبداد المقدس؟!
» الكتاب المقدس للملحدين – جون كونر
»  النصب والاحتيال في الكتاب المقدس

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: