بن عبد الله مراقب
التوقيع :
عدد الرسائل : 1537
الموقع : في قلب الامة تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | وماذا عن الاستبداد المقدس؟! | |
في معرض مشاركته في برنامج بالقناة المغربية الثانية (2m) تحدث المفكر الجزائري محمد أركون عن ما أسماه بالجهل المقدس، والحقيقة أن هذا المفهوم هو نقل غير أمين لعنوان كتاب أصدره الباحث الفرنسي Olivier Roy بعنوان " La sainte ignorance..Le temps de la religion sans culture" أي "الجهل المقدس وزمن الدين بلا ثقافة". أوليفي روا في هذا الكتاب معني بالبحث في التحولات الدينية والمذهبية في العالمين العربي والغربي على حد سواء، ويعطي مثالا للفكر السلفي الذي يشهد انتشارا لافتا في الدول الأوربية عكس فكر الجماعات الإسلامية المعتدلة والتي تؤمن بالاندماج والقبول بمكاسب الحداثة في حد المشترك الإنساني. فالأصوليات المستندة إلى الدين في عصرنا الحالي – حسب أولفيي روا- سواء كان دين الإسلام أو دين النصرانية، فإن هذه الأصوليات تتخلص من الثقافة ويتم تعريف الديني بالنسبة لها كمعارض للثقافة وكمعارض أيضا للوقت الحالي، فالسلفيون مثلا يتمسكون بالحديث النبوي ويعتبرون الثقافة عديمة الجدوى، وفي أسوأ الأحوال أنها تباعد عن الدين، وينطبق هذا على المؤمنين غير المسلمين الذين يعيشون بوصفهم أقلية تحوطها ثقافة تدنيس ملحدة إباحية ومادية والتي اختارت آلهة كاذبة: المال والجنس والإنسان نفسه. ويعتبر أن الذين يترددون على الكنائس لا يعرفون شيئا عن المسيحية، كما أن الذين لا يترددون على الكنائس لا يعرفون شيئا عن الدين أيضا، بينما كان المعارضون لسلطة الكنيسة والقساوسة في بداية القرن العشرين يعرفون كل شيء عن الثقافة الكاثوليكية، وهذا الجهل المقدس – برأي روا- يعتبر عاملا مهما في زيادة منسوب الأصوليات وبالتالي يسهم في تقليص مساحات الديمقراطية.المفكر محمد أركون حاول أن يحرف هذا المفهوم الذي تحدث عنه أوليفي روا، وأراد أن يغالط المشاهد كونه يعرفه جيدا وهو صديقه كما قال، ليسهل له الطريق في تبليغ رسالته العدوانية على الهوية الحضارية والدينية للأمة حين اعتبر بشكل صريح أن القرآن غير منزل فهو نص كباقي النصوص التاريخية التي يتم تقديسها وانتزاعها عن السياق التاريخي والثقافي الذي ساهم في تبلور هذا النص الديني، أي القرآن. وحين أراد أن يعطي تحقيبا لظهور الجهل المقدس في العالم العربي والإسلامي احتار كيف يحدد البداية، فتارة قال منذ عام 1979 أي تاريخ الثورة الإسلامية في إيران، وهو ينسى أو يتناسى أو يجهل ويتجاهل، أن أوليفي روا يتقن اللغة الفارسية وغير معني بتاتا بالمذهب الشيعي باعتباره مذهبا رسميا للدولة والمجتمع، وإنما بالسلفية في طبعتها السنية، ومرة حاول أن يجد البداية لما سماه بالجهل المقدس عام 1928 وهو تاريخ انطلاق جماعة الإخوان المسلمين من مصر، وهو يتجاهل أن هذه الجماعة تتعايش مع الحداثة ومكاسبها الكونية وأن خطابها أصبح موجها ضد الاستبداد أكثر من أي شيء آخر، فجماعة الإخوان المسلمين في مصر ما باتت تتحدث عن الإسلام وقضاياه المتشابكة، لأن الهوية الدينية في مصر محسومة أصلا على عكس بعض الدول العربية، بل إن النظام المصري يزايد على الجماعة في هذا الموضوع، وأن المرجعية السنية للأزهر الشريف تمت خوصصتها من قبل النظام نفسه قبل زمان، علاوة على ظاهرة الدعاة الجدد أو ما يسمى بـ" إسلام السوق" بتعبير الصديق "باتريك هاني" الذي يرى أنها تقلل من جاذبية حركات الإسلام السياسي، كما يمكن أن نضيف، وهذا هو الأهم، أن ما يزيد عن 75 % من الكتب الإسلامية في جميع مناحي المعرفة في العالم كله إنما ألفها كتاب لهم صلة بهذه الجماعة، ويمكن للسيد أركون أن يقارن بين عدد طبعات كتبه التي ألفها وبين عدد طبعات كاتب واحد محسوب على الإخوان المسلمين كالشيخ محمد الغزالي يرحمه الله. فالمسألة في عالمنا العربي والإسلامي لا تتعلق بالجهل المقدس كما يذهب أركون، وإنما في الاستبداد المقدس!!كما يجب أن ننوه إلى أن فكر التكفير في عالمنا العربي إنما خرج من أتون السجون، ويمكن ،هنا، أن نفيد أركون أن الإخوان المسلمين كانوا ضد التكفير بالرغم من المحنة التي تعرضوا لها في النظام الملكي مع اغتيال المرشد المؤسس حسن البنا، والنظام الجمهوري مع الرؤساء الثلاث وخاصة إبان العهد الناصري، ومع ذلك أصدر مرشد الجماعة الهضيبي آنئذ ، أي في العصر الناصري، كتابا يمج فيه هذه الظاهرة ويرفضها حين كتب " دعاة لا قضاة" . ناهيك على أن ظاهرة التكفير برزت كرد فعل لاستبداد الحاكم العربي وانفراده بالرأي من غير مشورة، وفرض رأيه بالقوة، عبر تكميم الأفواه وقطع الألسن. فالحاكم العربي لم يدع مجالا لرأي معارض، أو فكر محايد، أو قول حق صريح، أو موقف غير مؤيد للحاكم المستبد، بل بات الحاكم المستبد في عالمنا العربي والإسلامي يحجر على أفكار "المواطن" وخواطره، ويعد عليه أنفاسه وزفراته. هذا المستنقع الآسن القائم على الاستبداد المقدس الذي لا يتيح للرأي المعارض مجالا للحرية هو الذي أنتج "القاعدة وأخواتها" وأفرز هوة عميقة بين الحاكم والشعوب، فلو وجد الناس أحزابا يؤمنون بها وبجدواها في إطار المدافعة والمتافنة حاملة لمشروع مجتمعي حقيقي وبرنامج سياسي يحترم ذكاء المواطن، في ظل أجواء للحرية تتسع للجميع، ولو كان الحاكم العربي منتخبا بشكل ديمقراطي يرضي الأغلبية كما هو الأمر في البلدان الديمقراطية التي تحترم مواطنيها لألفينا السياسيين في عالمنا العربي والإسلامي يخطبون ود أسامة بلادن أثناء كل حملة انتخابية للظفر بأصوات المتطرفين منا كما يفعل الحكام الصهاينة مع متطرفيهم، وكذلك الرؤساء الأمريكيون والأوربيون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة...فالمسألة لا تتعلق بفكر سلفي ما يعني أننا نحتاج لإصلاح ديني كما يروج، بل إن الأصوليات في الغرب، وفي سويسرا تحديدا هي من دفع في اتجاه تنظيم الاستفتاء الشعبي حول منع بناء المآذن يوم 29 نونبر 2009 ( يمكن مراجعة مقال باتريك هاني وسمير أمغار في لوموند ديبلوماتيك عدد يناير 1010 بعنوان: Le mythe renaissant de l’islam conquerrant" كما يوجد في أمريكا بعض القساوسة من أفتوا بأن بوش الابن دخل الجنةـ أي حصل على تذكرة الجنة قبل وفاته، لأنه قضى على الشيطان في العراق، وأن الجلطة الديماغية التي أصيب بها شارون هي بسبب خروجه من غزة..وهذا المتطرف الإنجيلي تستضيفه القنوات الأمريكية وتجري معه الجرائد الحوارات وتأخذ عنه التصريحات !! ( لا ندافع عن التطرف كيفما كان مأتاه، وإنما نحاول أن نستفهم ليس إلا)الدكتورأركون لم ينتبه إلى هذا ويتجاهل الأصوليات الصهيونية ويغالط الناس بأن السلفية في العالم الإسلامي أو ما سماه بالجهل المقدس هو من يجعل الغرب يقوم برد فعل على ما سماه بالأفعال الإجرامية في البلدان من أندونيسيا إلى المغرب وبعض الدول الغربية... لم يتكلم السيد أركون عن الحاكم العربي المقدس، وأسرته المقدسة، وبطانته المقدسة، وعن النكت المقدسة، والبلغة المقدسة، والعمارية المقدسة، والكاريكاتور المقدس... كل شيء مقدس إلى كلام الله وكلام نبيه عليه أفضل السلام الذي جعله أركون غير مقدس، ومجرد نص ينبغي دراسته وفق السياق التاريخي والثقافي الذي ساهم في بلورته !!على سبيل الختام:يحكى أن المولى سليمان كان له صديقا أقرب إلى قلبه من حبل الوريد كما يتوهم هذا الصديق، يشتغل إلى جانبه كوزير للحرب، أو ما يسمى بـ" النياش" بلغة ذلك العصر، فكان يخرجا معا إلى ساحة فيبدأ النياش في تصويب البارود إلى الهدف فيخطئه، فيأخذ منه المولى سليمان البندقية فيصيب الهدف بسرعة، وكان الوزير يظن أنه لا يملك الكفاءة اللازمة حتى يتبوأ هذا المنصب، ولكن قربه من السلطان/الملك هو من يجعله يتنعم في هذا المنصب السامي دون غيره من الرعايا، وكان المولى سليمان عالما، سياسيا بلغة اليوم، فقال قولته المشهورة لوزيره في الحرب " نحن الملوك من أحبنا أذللناه، ومن كرهنا قربناه، ومن أحبه الله ما عرفنا ولا عرفناه" !!هل تغير اليوم شيء ؟؟ ! | |
|