جزيرة الخيال(*)
استخدام جزيرة كيريباتي الواقعة في المحيط الهادي بصفتها مثالاً للتدليل على الخراب
الذي يُحدثه ارتفاع مستوى سطح مياه البحار، ليس مضللا فحسب، بل قد يكون مضرا أيضا.
باختصار
تسارع بلدان ومنظمات دولية إلى بناء أسوار بحرية والقيام بخطوات أخرى في محاولة لحماية سكان الجزر المرجانية الفقراء من ارتفاع مستوى سطح البحار. لكن بعض هذه الجزر لا تعاني فيضان المياه عليها، بل قد تكون أرضها آخذة بالارتفاع عن سطح البحر نتيجة لعمليات بيئية طبيعية.
وقد أدى هذا الاندفاع لفعل الخير للجزر، والافتقار إلى علوم وخبرات عملية محلية، وتردد السكان المحليين في أن يقولوا (لا) للغرباء، إلى تبني مشاريع سيئة.
فالحاجة تدعو إلى تفهم علمي وثقافي أعمق بغية استنباط أفضل الحلول التي يحتاج إليها مواطنو هذه الجزر الذين يكافحون التغير المناخي، وأن تتضمن هذه الحلول وسائل لإعادة إسكان هؤلاء الناس في مكان آخر بطريقة تكفل المحافظة على كرامتهم. |
|
توفر جزر تاراوا المرجانية الضيقة والخضراء الخصبة موطنا ومورد رزق لنصف مواطني كيريباتي. |
[rtl]لم يكن قد بقي لي سوى ثلاثة أيام لانتهاء رحلة أبحاث طويلة كنت أقوم بها عندما شاهدت أخيرا الأمر الذي قطعت نصف العالم لتوثيقه، ألا وهو ارتفاع مستوى سطح البحر.
[/rtl]
[rtl]فقد هبَّت رياح شمالية غربيّة هوجاء على الهور(1) الهادئ للجزيرة المرجانية تاراوا Tarawa. وتاراوا هذه هي عاصمة دولة كيريباتي التي تضم عددا من الجزر المرجانية، وتعتبر الآن نموذجا مثاليا للأماكن التي يحتمل إلى حد بعيد أن تغمرها المياه مع التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر. فخلال مدٍّ عال بعد ظهر ذلك اليوم، كانت الأمواج تكتسح الأسوار البحرية(2) وتؤدي إلى فيضان المياه على الطرقات وإغراق البيوت على طول جزر تاراوا الجنوبية المكتظة بالسكان.
[/rtl]
[rtl]وكنت أتوقع، كجميع الأجانب الآخرين الذين وصلت معهم إلى مطار بونريكي(3) الدولي وأسناننا ما زالت تصطك رعبا نتيجة لهبوط الطائرة على مدرج يمتد من ساحل الجزيرة إلى ساحلها الآخر، أن أكتشف بسهولة ويسر تأثيرات التغير المناخي في تلك البلاد النامية البعيدة والمفتقرة إلى المال والمعرفة الضروريين للتكيف مع عواقب هذا التغير. وقد بدا لي أن ارتفاع مياه الهور الذي حدث يؤكد فرضيتي. ففي ذلك الشهر سجل مقياس المد، لأول مرة على الإطلاق، ارتفاعا يتجاوز ثلاثة أمتار فوق المعدل.إذن، لقد جاء المستقبل الذي كان متوقعا.
[/rtl]
[rtl]لقد كان ذلك في عام 2005.
[/rtl]
[rtl]وصادف ذلك العامُ الذكرى السنوية العاشرة لرحلتي الأولى التي صرت بعدها أقوم برحلات منتظمة إلى جزر كيريباتي لإجراء أبحاث تتعلق باحتمال تكيفها، هي وسكانها، مع التغيرات الحادثة في الغلاف الجوي والمحيط أو عدم تكيفها. وفي ذلك الوقت كانت تلك البلاد قد انتقلت من مجرد مكان غير مسجل في بيانات وكيل سفرياتي، لتصبح ذات شهرة عالمية، مع أن مقياس المد لم يسجل بعد ذلك ارتفاعا قدره ثلاثة أمتار مرة أخرى.
[/rtl]
[rtl]وينبغي عليكم ألا تخطئوا، إذ إن كيريباتي وبلدان الجزر المرجانية الأخرى، مثل توفالو وجزر مارشال والمالديف, هي بالفعل مهددة بارتفاع سطح مياه البحر. وقد أدى ذلك إلى ازدياد التعاطف العالمي مع «إنقاذ كيريباتي»، وزيادة المخصصات المالية لتحقيق هذا الهدف زيادة كبيرة. ومع ذلك فأنا أرى، لأنني موجود على الأرض هناك، أن بعض الاستجابات الدولية لمعالجة الوضع في كيريباتي لم تُستَوْعَبْ جيدا، ويمكن أن تؤدي إلى الضرر أكثر من النفع.
[/rtl]
[rtl]وأستطيع أن أقول ذلك لأنني عملت مع شعب كيريباتي، واستمعت إلى حكاياته، وتعلمت عاداته التي باركها أَسلافه، وجلست القرفصاء على الحُصُر خلال اجتماعاته، وتناولت أطعمته البحرية المحلية، واستحضرت شخصيةGilligans̓ Island من The Professor[size=1]ا(4) لإصلاح معدات الغطس من دون أي أداة، وعولجت عنده حتى شفيت من حمى الضنك(5). فهذه الخبرات إضافة إلى تحليلاتي لأنماط المناخ ومستويات سطح البحر علمتني المزيد عن التحديات العالمية الحقيقية، وما تعلمته يتجاوز ما تعلمه أي شخص آخر بعيد عن تلك البلاد. ومن الواضح الآن ما مِن أحدٍ يحتاج إلى إحاطة الجزر فورا بالأسوار البحرية، أو إجلاء سكانها عنها.
[/rtl][/size]
[rtl]إن ما يحتاج إليه شعب كيريباتي وشعوب البلدان المنخفضة الأخرى، بدلا من ذلك، هو خطط تكيف معدلة ومدروسة بعناية، إضافة إلى معونة دولية ثابتة - وليس إلى اندفاعه متعجلة لتثبتٍ سريع لنظمٍ جديدة تجعل بقية العالم تشعر بالارتياح، وتجعل سكان الجزيرة يؤدون دور الضحايا العاجزين.
[/rtl]
حامل ملصق إعلاني(**)
[rtl]من المؤكد أن كيريباتي (وتلفظ كيريباس) تبدو كأنها حامل ملصق إعلاني لإثارة الخوف من ارتفاع مستوى سطح البحر. فهي ليست ببساطة مجرد بلاد تقع في وسط المحيط الهادي: بل إنها فعلا منتصف ذلك المحيط. فهي البلاد الوحيدة التي تجتاز خط الاستواء، وخط تغير تاريخ اليوم(6)، وهي منطقة الشفق(7) وهي تذهل من يزورها لأول مرة.
[/rtl]
[rtl]إن مساحة جزر كيريباتي لو التصق بعضها ببعض، لما غطت سوى مساحة تعادل مساحة ثلثي مدينة نيويورك، ولكنها تنتشر في المحيط على مساحة تعادل مساحة الهند. ويقيم معظم سكانها البالغ عددهم 000 103 نسمة في جزر گيلبيرت(8) التي لا يرتفع ثلثا أراضيها سوى أقل من مترين فوق معدل ارتفاع سطح البحر. وكثير من هذه الأراضي هي من الضيق بحيث يمكنك أن تقف على شاطئ هورٍ هادئ وتسمع صوت الأمواج وهي تصطدم بشاطئ البحر خلفك.
[/rtl]
[rtl]وقد أدى معدل الولادات المرتفع والبحث عن عمل إلى تجمع نصف عدد السكان في تاراوا الجنوبية, وهي صف من مجموعة جزر گيلبيرت، وهذا الصف مكتظ بالبيوت وأبنية الدوائر الحكومية وحطام السفن من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وأنقاض المباني ومكبات النفايات. وفضلا عن ذلك، ليس في هذه الجزر ما يكفي من الأنابيب السليمة لتمديدات المياه أو المراحيض. وكمثال على مدى ضيق عرض هذه الجزيرة، فإن بإمكان <U. بولت>، وهو أسرع إنسان في العالم، أن يقطع عرض معظمها عدْوا في أقل من 20 ثانية وذلك على الرغم من احتمال سقوطه في حفرة للقلقاس(9)، أو مواجهته زريبة خنازير، أو صدمه بشاحنة يابانية صغيرة مسرعة من دون أبواب صُنعت في التسعينات وتستخدم لنقل الركاب، أو أن يدوس شخصا يقضي حاجته تحت خط المد الأعلى(10) الذي يسحب المياه والبراز والبول إلى البحر.
[/rtl]
|
|
بإمكان سكان مبدعين أن يتكيفوا مع تغيرات محيط بعدة طرق. ونرى في الصورة العليا امرأة وابنها يصونان سورهما البحري، وفي الصورة السفلى نرى رجلا يتمتع ببيته المرتفع. |
[rtl]وليس من المستغرب أن تُختارَ وكالةُ إنماء كيريباتي بالذات عندما قام البنك الدولي «بلف الكرة الأرضية» لاختيار البلد المهدد أكثر من غيره بأن تغمره مياه البحر، وذلك للتركيز عليه في مشروع يشرح بالأمثلة والتجارب مدى تكيفه مع التغير المناخي. ويقول <R. ريمون> [المسؤول عن الاتصالات في مكتب رئيس البلاد] إنه يتلقى حاليا ما يصل إلى خمسة طلبات أسبوعيا من إعلاميين أجانب يريدون أن يرووا قصة بلد يكافح ارتفاع مستوى سطح البحر.
[/rtl]
[rtl]ومع ذلك، فإن جزر كيريباتي لا تستسلم ببساطة إلى البحر؛ فالتنبؤ بمستقبل الجزر المرجانية في الحيود البحرية يشبه عملية موازنة حساب مصرفي؛ ذلك أنه لا يمكنك أن تأخذ بعين الاعتبار فقط السحوبات من الحساب، فأنت بحاجة أيضا إلى النظر في الإيداعات فيه، بمعنى أن خسارة الأرض عن طريق غمرها بالمياه أو بسبب التأكّل يقابلها نمو الأرض في بعض المناطق الأخرى. وأكثر من ذلك، فإن بعض الفيضانات التي تحدث هناك لا يمكن اعتبارها حتى الآن على الأقل، نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر.
[/rtl]
رمال متحركة(***)
[rtl]الجزر المرجانية هي جزر حية بإمكانها أن تنمو. فهذه السلسلة من الجزر المرجانية في الحيود البحرية الضيقة ذات الأشكال الحلقية هي من بين أحدث الأراضي وجودا في الكرة الأرضية. ويوجد على سواحل كاليفورنيا شجر عملاق فارع الطول من الفصيلة الصنوبرية(11)، وهي أقدم وجودا من معظم الجزر المرجانية في كيريباتي.
[/rtl]
[rtl]ويمكن أن يعود فهمنا للجزر المرجانية إلى نفاذ بصيرة لدى مربي حمام فذٍّ عاش في القرن التاسع عشر يدعى <Ch. داروين>. نعم، إنه <داروين> ذاته. فعندما كان يقوم برحلة بحرية على متن السفينة the Beagleاستنتج أن هذه الجزر المرجانية هي مُنتج للمرجان الحي الذي ينمو في الحيود البحرية التي تحب الشمس على منحدرات البراكين الغارقة. وقد تمَّ التوثق من صحة النظرية <داروين> بعد ذلك بأكثر من قرن، أي في الخمسينات من القرن الماضي، عندما كان علماء أمريكيون يحفرون الأرض في الجزيرة Eniwetok المرجانية، وهي من مجموعة جزر مارشال، تمهيدا لإجراء اختبارات الخمسينات من القرن الماضي على القنبلة الهدروجينية, عندها اكتشفوا قاعدة بركانية على عمق آلاف الأمتار تحت بنية الأحجار الكلسية للحيد البحري.
[/rtl]
[rtl]وقد تكونت هياكل الحيود البحرية التي تقع أسفل الجزر المرجانية الحالية، قبل زمن بعيد. فخلال سنوات مستويات البحر المنخفضة في العصر الجليدي الأخير، كونت تلك الهياكل جزرا صخرية تعلو عشرات الأمتار فوق سطح البحر. وعندما ذاب الجليد غمرت المياه تلك الجزر؛ فنما مرجان جديد فوقها ملاحقا البحر الآخذ بالارتفاع، وذلك بإنشاء صخرة الحيد البحري تحته. وفي نهاية المطاف، خرجت أجزاء من الحيد البحري الجديد فوق سطح البحر؛ فقتلت بعض المرجان الذي أصبح خارج سطح البحر. ومع أن هذا المقدار الضئيل من المرجان أصبح ميتا بيولوجيا، إلاّ أنه ظل حيّا جيولوجيا، لأنه عمل على احتجاز الرمال ومواد أخرى نجمت عن تأكل الحيود البحرية المجاورة الموجودة تحت الماء، وهذا أدى إلى توسع الشواطئ وامتدادها داخل البحر. ومن ثم حملت الرياح البذور إلى هذه الشواطئ؛ فنمت النباتات. ومع مرور الزمن، ولدت الجزر المرجانية - وهي تجمعات من الحصى والرسوبيات تجثم فوق تجمعات الحيد البحري للمرجان الذي مضى على موته زمن طويل.
[/rtl]
[rtl]وحتى وقت قريب، كان هناك علماء يفترضون أن ازدياد رقعة الأرض على كوكبنا حدث بعد انتهاء ذوبان الجليد في أعقاب العصر الجليدي الأخير وبدء سطح البحر بالانخفاض ببطء. لكن، في السنوات العشرين الأخيرة، عثر جيولوجيون مثل <S .P. كينش> [من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا] على دليل على أن بعض الجزر المرجانية نمت فوق سطح البحر عندما كان هذا السطح ما زال آخذا بالارتفاع. فالجزر المرجانية، كما أشار مرة كل من <S. نيومان> [من جامعة نورث كارولاينا في تشابل هِلْ] و <I. ماكينتاير> [من معهد سميثسونيان] «لا تستسلم» دائما لارتفاع سطح البحر، بل إنها قد تكون قادرة على «البقاء» على ما هي عليه من «الارتفاع»، وذلك يعتمد على التوازن بين معدل ارتفاع سطح البحر والمعدل الذي تجمع فيه هذه الجزر مواد البناء.
[/rtl]
[جغرافيا]
جزر منبسطة ومتباعدة بعضها عن بعض(****)
تتألف جمهورية كيريباتي من ثلاث مجموعات من الجزر: گيلبيرت وفينيكس ولاين. وتضم هذه المجموعات 33 جزيرة منعزلة ومرجانية (حلقة من الجزر حول هور)، ومن هذه الجزر 21 جزيرة مأهولة. وتبلغ المساحة الكلية للكتلة الأرضية لكيريباتي 811 كيلو مترا مربعا، أي ما يعادل مساحة أرض مدينة نيويورك تقريبا، وهي منتشرة على مساحة 3.5 مليون كيلو متر مربع في المحيط، أي ما يعادل مساحة الهند. ويقيم نحو نصف السكان البالغ عددهم 000 103 نسمة في مجموعة جزر تاراوا المرجانية (في اليسار). ومعظم الجزر يبلغ عرضها بضع مئات من الأمتار ولها مظهر جانبي متماثل (في الأسفل): منحدر بسيط من الأرض الرملية يبدأ بالارتفاع من جانب الهور ثم يهبط هبوطا حادا على جانب الحيد البحري. وهذا «الهبوط الحاد» هو حاد نسبيا لأن أعلى نقطة في معظم الجزر ترتفع أقل من أربعة أمتار. أما أكثر المعالم الشديدة الانحدار في هذه الجزر، فهي عبارة عن حفرات حفرها السكان لزراعة القلقاس المستخدم كطعام.
|
[rtl]هنا يتعقد المستقبل بالنسبة إلى كيريباتي، وذلك لأنه بسبب الاختلافات في تيارات المحيط، والمساحة التي تمتد فيها الحيود البحرية التي تطوق الجزر، وكون شواطئها متعددة الأشكال، بل حتى بسبب بناء رصيف يمتد في البحر، حتى ولو كان امتدادا بسيطا، فإن جزيرة من مجموعة الجزر المرجانية يمكن أن تتأكّل بالتحات، في حين تنمو جزيرة أخرى مجاورة لها، بل قد ينمو الشاطئ المقابل في الجزيرة ذاتها. وتختلف العمليات من سنة إلى أخرى مع الارتفاع والانخفاض الطبيعيين للمحيط. وهكذا، فإن بعض جزر كيريباتي تتضاءل مساحتها في حين تنمو مساحات جزر أخرى.
[/rtl]
[rtl]واحتمال نمو الجزر المرجانية ليس الحالة الوحيدة التي توحي أنه لا داعي للخوف على سلامة المنطقة حتى الآن. ذلك أنه على الرغم من الوضع الذي تصوره وسائل الإعلام، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر لم يؤدِّ حتى الآن إلى تنظيم مراقبة على مدار الساعة للفيضانات في كيريباتي، أو توفالو، أو في أي بلد آخر من البلدان التي تتألف من جزر مرجانية. فالتغير المناخي يؤدي إلى أَحداث بالغة الشدة مثل الفيضانات؛ ولكن ارتفاع سطح البحر محليا في هذه البلدان، في أي وقت من الأوقات، ما زال يعتمد على التغيرات الطبيعية التي تحدث في المد والطقس وديناميكية المحيط واسعة النطاق.
[/rtl]
[جيولوجيا]
ارتفاع الجزر المرجانية وانخفاضها(*****)
تنمو الجزر المرجانية وتتفتت مع مرور الزمن، ويمكن أن تتغير معالمها تغيرا مهما خلال بضعة قرون. وبعض هذه الجزر تتطور بطرق مفاجئة عندما يرتفع مستوى سطح البحر. وبإمكان تيارات المحيط المحلية أن توسع إحدى الجزر، في حين تعمل أيضا على تأكل جزيرة مجاورة لها عن طريق تزويد الأولى بالرسوبيات وسلبها من الثانية. ومن ثمَّ، فإن تشييد بناء ما كرصيف ممتد في البحر، أو حاجز مائي لوقاية الميناء، يمكن أن يغير التوازن بصورة غير متعمدة.
تشكيل: كما كان قبل عدة سنوات (في اليسار) عندما بدأ المرجان المحب لضوء الشمس ببناء الحيود البحرية على بركان في وسط المحيط. وفي نهاية المطاف تأكل البركان (في الوسط)، وأدى ذوبان المجلدات إلى ارتفاع مستوى سطح البحر. ونما المرجان نحو الأعلى باتجاه ضوء الشمس ملاحقا ارتفاع المياه ومشكلا حلقة حول هور مائي. وعندما استقرت مستويات ارتفاع سطح البحر (في اليمين) اخترقت مستعمرات المرجان السطح؛ فمات المرجان الذي أَصبح خارج الماء، وعمل على احتجاز الرمال ومواد أخرى نجمت عن تأكل هياكل المرجان المجاور الذي بقي على قيد الحياة، وهذا أدى إلى تشكيل جزر منخفضة، ومن ثم نمت أشجار ونباتات.
تطور: تجلب العواصفُ والأمواج الرمالَ والحصى، وهذا يؤدي إلى بناء تلة في قاع المحيط إلى جانب الجزيرة (في اليسار)، ويستقر الناس في الوسط بحماية هذه التلة، ويكونون قريبين من المياه الجوفية وتبقى الأرض الواقعة إلى جانب الهور أكثر انبساطا. وعندما يرتفع سطح البحر (في اليمين)، قد تعمل الأمواج على تأكل التلة؛ فتفيض المياه فوق الهور، وهذا يجعل المياه الجوفية مالحة؛ فتقتل النباتات. وإذا كان ارتفاع مستوى سطح البحر متدرجا، فإن الرمال والحصى المتراكمة يمكن أن تبني أرضا بسرعة كافية لتبقى الجزيرة فوق سطح البحر. أما إذا كان ارتفاع سطح البحر سريعا، فإن الفيضان يمكن أن ينحت الأرض ويغرقها. |
[rtl]وليس هناك مكان آخر تكون فيه هذه التغيرات واضحة أكثر من كيريباتي لأنها البلاد الوحيدة التي تقع بأكملها على مسار ألنينو(12)؛ وألنينو، كما هو معروف، هو التفاعل المؤذي بين المحيط الهادي والغلاف الجوي والذي يؤدي إلى إيقاع الفوضى في المناخ كل بضع سنوات. فالتغيرات في الرياح الاستوائية والتيارات البحرية التي يتسم بهما ألنينو تؤدي إلى ارتفاع سطح البحر في كيريباتي. وقد كان الفرق في متوسط مستوى سطح البحر في تاراوا بين الارتفاع الذي أحدثه ألنينو عام 1997 والانخفاض الذي أحدثته في العام التالي لانينا(13)، وهي الظاهرة المعاكسة لألنينو، يساوي 45 سنتمترا، أي قدما ونصف القدم، وهذا يعادل ارتفاع تلة في كيريباتي ذات الأراضي المنبسطة.
[/rtl]
[rtl]والفيضان القياسي الذي شاهدتُه خلال زيارتي عام 2005 كان يمثل عاصفة مثالية لألنينو، إذ سادت أحوال جوية مصاحبة للضغط الجوي المنخفض، عملت على دفع المياه نحو جزيرة تاراوا وحدوث المد الأعلى السنوي. وشارك في هذه الجريمة ارتفاع سطح البحر، لكنه كان مجرد عضو واحد من مجموعة كبيرة من المجرمين. فألنينو والطقس وحوادث والمد تجعل من الصعوبة بمكان، حتى يومنا هذا، تحري المدى الذي يسهم فيه ارتفاع سطح البحر في حدوث الفيضانات وتأكّل الأرض في كيريباتي.
[/rtl]
[rtl]ومازال ارتفاع سطح البحر يمثل المؤشر الرئيسي على العواقب المستقبلية لفيضانات عام 2005. ولسوء الحظ، فإن سعي العالم إلى العثور على أمثلة لشعوب وأماكن تأثرت بالتغير المناخي، وإيجاد الخط الفاصل الذي يميز بين ما يشبه ارتفاعا لسطح البحر والارتفاع الحقيقي لهذا السطح، لم يتوصل إلى نتائج واضحة المعالم.
[/rtl]
|
|
|
بإمكان مياه البحر التي تتجاوز الأراضي الرملية أن تقتل أشجار جوز الهند (1)، وتجعل مياه الآبار مالحة (2)، وتؤذي القلقاس، وهو نبات ثابت له جذور وأوراق صالحة للأكل ويزرع في حُفر عميقة (3). |
سمة زائفة تتكرر من دون تغيير(******)
[rtl]لدى العالم انطباع بأن كيريباتي تغرق لأن وضع الحياة الحقيقي فيها لا ينقل على نحو مضبوط. وغالبا ما يرفق كل ما يُروى عن الجزر بصورة أو شريط فيديو مأخوذين لقرية بيكينيكورا Bikenikoura، وهي قطاع هامشي من الرمال وغابات المانگروڤ(14) التي تغرق جزئيا عند حدوث مد عال. وتتلقى حكومة كيريباتي فيضا من الطلبات من صحفيين أجانب وشخصيات دولية بارزة كالأمين العام للأمم المتحدة <بان كي مون> «لرؤية» ارتفاع مستوى سطح البحر، فيتوجهون إلى بيكينيكورا. ويقول ريمون: «إن ذلك يشبه دراستنا للحالة(15).» ويرى الزائرون المدَّ ينسل إلى the maneaba، الكوخ الذي تعقد فيه الاجتماعات العامة، ثم يعودون إلى بلدانهم حاملين معهم قصة بلد يبتلعه البحر.
[/rtl]
[rtl]ومع ذلك، فإن بيكينيكورا، أو «الشاطئ الذهبي» كما تسمى، لا تمثل المنطقة ككل. ولكن الجمعيات العالمية الخيرية لرابطة الكنائس الدولية عندما بحثت عن مكان لإقامة أهالي الجزر المتطرفة الذين يهاجرون إلى تاراوا الجنوبية بحثا عن عمل، اضطرت إلى اختيار هذه القطعة الصغيرة من الأرض لأن الأراضي مرتفعة الثمن في هذه المنطقة التي تشهد نشاطا بشريا صاخبا. وكما يحدث في أماكن عديدة من البلدان النامية، فإن تفاقم عدد السكان والضغوط الاقتصادية تدفعان الناس إلى الهجرة من أماكن سكنهم الأكثر أمنا في المناطق المتطرفة ليقيموا في مواطن أكثر عرضة للمخاطر قرب المراكز السكانية الرئيسية. إن شاطئ هور تاراوا الجنوبية مليء بأسوار بحرية مكسرة ومستنقعات فائضة، وهذا ولَّد اعتقادا متوارثا - أقوى من الاعتقاد السائد أن مستوى البحر - مفاده بأن ثمة جهودا بذلت لاستصلاح الأراضي دون أن يكتب لها النجاح.
[/rtl]
[rtl]وتعتبر تيبونگيناگو Tebunginako، وهي المقصد المماثل لبيكينيكورا وللسواح الذين يريدون رؤية ارتفاع مستوى سطح البحر، حالة مشابهة للهوية الخاطئة. فالفيضان هناك هو نتيجة مؤسفة لانسداد قناة تربط بين الهور والمحيط انسدادا طبيعيا قبل عدة أجيال، وذلك بفعل عاصفة على الأغلب، كما جاء في تحليل للجنة جنوب المحيط الهادي للعلوم الأرضية التطبيقية(16). والجدير بالذكر أن التسمية القديمة للأرض المجاورة للقرية هيTerawabono، وتعني «القناة المسدودة».
[/rtl]
[rtl]وتعزى الفيضانات في أماكن مثل بيكينيكورا وتيبونگيناكو خطأ إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب توقعاتنا. وتعمل على استمرار هذه المقولة الخاطئة الثقافةُ الشعبية المستقاة من حكايات خيالية قديمة رواها متسكعو شواطئ(17) أوروبيون في الحانات المحلية، وتتكرر هذه الحكايات نفسها عن جزر خيالية سكنها أناس بسطاء وسذّج. وزيارة لمدة أسبوع واحد فقط بهدف محدد، هو توثيق عواقب ارتفاع مستوى سطح البحر، لن تنتهي إلا بتقوية صورة هذه الجزر باعتبارها غير آمنة، وهذا يسود الثقافة الشعبية هناك.
[/rtl]
|
الطرق المعبدة المرتفعة فوق الأراضي المنخفضة أو السبخات التي أقيمت قبل عدة عقود من الزمن لكي تصل بين جزر بيشو وبايريكي الصغيرة أوقفت تدفق المياه والرسوبيات؛ وهذا أدى إلى تغير شكل الجزر القريبة دون قصد. |
[rtl]كذلك، فإن مسافرا من أمريكا الشمالية أو أوروبا إلى كيريباتي قد يجد نفسه أنه هو أيضا ينتقل عبر ثقب دودي(18) من هذا الكون إلى كون آخر. فإذا جمعنا تلك السذاجة لشعب كيريباتي مع طبيعته المتحفظة وعاداته في الإذعان لما يريده الغرباء، وتراثه الطويل من التساؤلات عن التغير المناخي، وافتقاره إلى مقدرة علمية محلية للتوثق من صحة الادعاءات، فإن قرية تعرضت لفيضان طبيعي تصبح برأيه ضحية لارتفاع مستوى سطح البحر. وإذا أضفنا إلى ذلك مبادئ علم السياسة الطبيعية(19)، فإن بلدا صغيرا مثل كيريباتي يكون بحاجة إلى وكالة تتولى على المسرح العالمي مهمة زيادة إدراك العالم للخطر الذي يهدد وجوده، بحيث تصبح المبالغة في تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر قضية تحظى باهتمام العالم، سواء أكان ذلك صحيحا أم لا.
[/rtl]
تزايد النقاش حول الجزر الآيلة إلى الغرق(*******)
[rtl]إن المبالغة، بصرف النظر عن قوتها الدافعة، لابد أن يكون لها تأثير عكسي، وهو أمر ضار نظرا لأن من شأنه أن يحرم الشعب من الحصول على النوع الملائم من المساعدة.
[/rtl]
[rtl]وقد بدأت ردود الأفعال على تلك المبالغة عام 2010 عندما نشرت مجلة Global and PlanetaryChange مقالة كتبها <كينش> وزميله الخبير الجيولوجي في السواحل <A. ويب>, وكان آنذاك يعمل في لجنة جزر المحيط الهادي للعلوم الإنسانية التطبيقية(20). وجاء في تلك الدراسة أن المساحة في 23 جزيرة مرجانية من أصل27 جزيرة من جزر كيريباتي وتوفالوا ودولة ميكرونيسيا الفدرالية إما ازدادت أو بقيت مستقرة. ولهذه الجزر الثلاث والعشرين صور قديمة مأخوذة من الجو. ومثل هذه البيانات التاريخية غير متوفرة لمعظم البلدان المؤلفة من جزر، مع أن نتائج مماثلة سجلت منذ ذلك الحين لجزر مرجانية في بولينيزيا الفرنسية.
[/rtl]
[rtl]وتبيّن لنا هذه النتائج أن التيارات السائدة في المحيط والتطور الساحلي، إضافة إلى عوامل أخرى، كان لها حتى الآن تأثير في مساحات أرض الجزر أقوى من تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر. وتلاحظ المقالة التي كتبها <كينش> و<ويب>، على سبيل المثال، أن جزيرة بواريكي Buariki، وهي جزيرة غير متطورة من جزر تاراوا الشمالية ازدادت مساحتها 2 في المئة منذ عام 1943، وذلك بفضل النمو الطبيعي لشاطئ الهور. وحدث اتساع أكبر من ذلك بكثير في الجزر المتطورة. ويعود سبب ذلك، في أغلبية الحالات، إلى نشاطات بشرية غير مقصودة، ففي إحدى الحالات أدت سنوات من العمل على وصل جزر تاراوا الجنوبية بعضها ببعض بطرق مرتفعة عبر السبخات إلى حبس تدفق الماء وتغيير اتجاه انتقال الرمال من الهور إلى الجزر الصغيرة المكتظة بالسكان، كما حدث في المركز الحكومي في جزيرة بايريكي Bairiki التي ازدادت مساحتها بنسبة 16 في المئة منذ عام 1969.
[/rtl]
[rtl]ولكن هذه النتائج التي تم التوصل إليها لا تخبرنا عما إذا كانت هذه الجزر قد ازداد ارتفاعها عن سطح البحر أو ما إذا كانت ستواصل الاتساع بنسبة تفوق نسبة ارتفاع مستوى سطح البحر، وكذلك ما إذا كانت ستواصل احتجاز ما يكفي من المياه العذبة لسد احتياجات الناس والنباتات. وبالطبع، فإن جُزرا يمكن أن تتأكل erodeaway أيضا، وهذا أمر يبدو واضحا لأي زائر يقف على شاطئ بايريكي المزدحم وينظر إلى هور جزيرة بايكمان الصغيرة وغير الآهلة بالسكان. وكانت هذه الجزيرة قد تحولت من بقعة خضراء على خرائط المستعمرات البريطانية إلى مجرد امتداد رملي يُرى بالكاد عند حدوث مدٍّ عال. وقد تشكل بسلب الرسوبيات بالطريقة نفسها التي جرت لإنشاء بعض الطرق المرتفعة عند السبخات، والتي أدت إلى توسيع بايريكي.
[/rtl]
[rtl]ولسوء الحظ، فإن الأحاديث الشعبية والمقالات المسيسة عن التغير المناخي لا تختلف إلا قليلا عما توصلت إليه العلوم الخاصة بجزر الحيود البحرية المرجانية. فبعد نشر مقالة <ويب> و <كينش> سخرت عناوين الصحف من الادعاءات السابقة بأن كيريباتي وبلدان الجزر المرجانية الأخرى مهددة بالغرق نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر. وهكذا أصبحت العواقب الحالية لارتفاع مستوى سطح البحر منذ ذلك الحين بمثابة لعبة كرة قدم سياسية يتولى فيها الرئيس <A. تونكك> وبعض النشطاء السياسيين الادعاء بأن النهاية باتت وشيكة، في حين يتساءل المشككون داخل كيريباتي وخارجها عما إذا كان الرئيس والسياسيون الآخرون، أو البلد ككل، يستخدمون الحديث عن ارتفاع مستوى سطح البحر لجذب انتباه العالم والحصول على مكاسب مادية.
[/rtl]
الاندفاع نحو إقامة الأسوار البحرية(********)
[rtl]الأخبار الجيدة عن دينامية(21) جزر الحيود البحرية المرجانية هي أن بوسع أماكن مثل كيريباتي أن يكون لديها الوقت الملائم للتكيف مع هذه الدينامية. وهذا قد يعني عقودا أو أكثر من الزمن يمكن تكريسها بغية التكيف مع هذه الدينامية وعدم إجلاء السكان عن بلادهم.
[/rtl]
[rtl]أما الأخبار السيئة، فهي أن الحديث المنذر بكارثة تنتهي بغرق سريع للجزر يجعل من المهمة الصعبة أساسا للتكيف مع ارتفاع مستوى سطح البحر أكثر صعوبة. ويلاحظ زميلي <S. ويبر> [الخريج الجامعي المتخصص بالجغرافيا من جامعة بريتش كولومبيا] أنه عندما يُطرح مكان ما باعتباره النموذج المعبر عن التغير المناخي، يجب أن يواصل أداء الدور ذاته أمام العالم. ويقول: «إنك عندما تؤدي دورا ما لمدة طويلة، فإنك تخاطر بأن تصبح صاحب الدور.»
[/rtl]
[rtl]إن كيريباتي في خطر حقيقي، ومع ذلك فإن المبالغة في التركيز على هذا الخطر يمكن أن تقوض مقدرة هذه الجزر وسكانها على التكيف بسهولة مع ارتفاع مستوى سطح البحر. وعلى سبيل المثال، فإن جزر گيلبيرت الجنوبية العطشى مشهورة في كيريباتي بالأخلاق العالية لسكانها في العمل وبروحهم الجماعية، ولكن عندما تحولت المياه في بئر إحدى هذه الجزر إلى الملوحة قبل نحو سنتين رفع السكان أياديهم استسلاما وألقوا باللائمة على التغير المناخي.
[/rtl]
[rtl]وهؤلاء السكان لم يشكّوا في مضخات الماء الجديدة التي تعمل بالطاقة الشمسية ولم يفحصوها. وكانت إحدى وكالات المساعدات قد زودتهم بها لتحل محل المضخات القديمة التي تعمل بزيت الوقود. وفي وقت لاحق اكتشف مستشار محلي أن المضخات الجديدة كانت تعمل دون انقطاع، وهذا يؤدي إلى سحب المياه الجوفية المالحة؛ فتمت معالجة هذه المشكلة. ولكن هذا الحادث يلقي الضوء على الناحية السيئة غير المتعمدة لأجانب صادقي النية لإنقاذ الغير. وهكذا، فإن اللغة التي تتسم بالمغالاة في الأخطار التي تتعرض لها الكرة الأرضية يمكن أن تجعل، حتى الشعوب المكتفية ذاتيا، تلوم العالم على مشكلاتها وتشكك في مقدرته على القيام بالعمل المناسب لمعالجة هذه المشكلات.
[/rtl]
[rtl]كما أن التركيز على أن الجزر المرجانية غير الحصينة وسريعة التأثر بالتغير المناخي يدفع وسائل الإعلام الدولية، بل وحتى حكومة كيريباتي، نحو أمور جانبية من شأنها أن تحدث دعاية بدلا من إحراز تحسين راسخ على الأرض. وعلى سبيل المثال، فإن رجلا من كيريباتي طلب منحه وضع لاجئ في نيوزيلندا مدعيا أن التغير المناخي يهدد بلده، أما الحقيقة فهي أنه كان قد تجاوز الموعد المرخص له للإقامة في تلك البلاد، ولم يكن يريد مغادرتها. وكذلك، فإن الادعاء بأن صفقات شراء حكومة كيريباتي الأخيرة لأراض من فيجي(22) التي تمت تغطية أخبارها على نطاق واسع بذريعة إسكان مواطنين من الجزر إذا طرأت هناك حاجة ملحة إلى إجلائهم، ادعاء غير صحيح. وفي الواقع، فإن شراء تلك الأراضي إنما كان استثمارا مختلفا عليه لمزرعة لأشجار جوز الهند الذي تحتاج إليه كيريباتي كمادة غذائية ولأسباب أخرى. وقد انتقد تلك الصفقة معارضو الرئيس <تونگ> باعتبارها دعاية هدفها الإثارة.
[/rtl]
[rtl]والحقيقة هي أن تكيف جزر الحيود البحرية المنخفضة سيكون مكلفا في العقود القليلة المقبلة. أما النجاح في ذلك, فلن يتم عن طريق صفقة وحيدة لشراء أراض أو مشاريع معونة محدودة المدة، بل عن طريق قضاء سنوات في التجربة والخطأ، وبرامج استثمارات طويلة الأجل يقوم بها المجتمع الدولي في تطبيق حلول تلائم كل بقعة على حدة.
[/rtl]
[rtl]وقد كشف أحد هذه البرامج وهو «برنامج تَكيّف كيريباتي»(23) الذي يموله البنك الدولي وآخرون لتبيان كيفية تحقيق هذا الهدف مدى صعوبة العمل المطلوب. فقد مضت ثماني سنوات طويلة من المشاورات والتدريب والتطوير السياسي وتحديد الأولويات قبل أن يحقق المشروع شيئا ما راسخا على الأرض عام 2011، وهو إقامة أسوار بحرية في أماكن متعددة شملت طرف مدرج مطار وطرف أحد الأحياء الغنية وأجزاء من اثنين من الطرق المرتفعة المقامة فوق الأراضي المنخفضة. وتحت ضغط من المانحين وحكومة كيريباتي والجمهور لاتخاذ إجراء مرئي، وقع اختيار قادة المشروع والمقاولين الدوليين على مخطط بسيط يمكن للحكومة المحلية أن تكرره في المستقبل. ولكن هذا المخطط، باعتباره جاء كحل وسط، يفتقر إلى ما أوصى به خبراء السواحل وهو تنفيذ إجراءات مكلفة تهدف إلى تخفيض قوة الأمواج والحد من التأكل.
[/rtl]
[rtl]لذلك، فإن أَطراف الأسوار البحرية قد تضررت في غضون بضعة أشهر بفعل قوة الأمواج وتأكل الشاطئ المجاور لهذه الأسوار، وفي إحدى الحالات كشفت الأمواج بشكل خطير الأنبوب الذي يزود تاراوا الجنوبية بالمياه العذبة. وقد أشارت أصابع الاتهام إلى مقاولي المشروع والبنك الدولي والمانحين الدوليين بسبب الإجراءات غير المرنة والتوقعات التي أثرت في اتخاذ القرارات، وأيضا إلى قادة المشروع وحكومة كيريباتي لأنهم لم يقدروا حق قدرها تلك التأثيرات المحتملة غير الملائمة في الأسوار البحرية.
[/rtl]
[rtl]ومع ذلك، فما زال بالإمكان تحويل الفشل إلى نجاح. فعمال المشروع يعملون حاليا على إعادة تأهيل الأسوار البحرية، متبعين خطة تتضمن جعل الأسوار أكثر انحدارا، وتمكن من زراعة المزيد من النباتات بغية امتصاص بعض من قوة الأمواج، كما أن قادة المشروع يقومون بوضع نظام جديد لمشاريع التكيف في المستقبل. فالاستجابة للتغير المناخي في مكان مثل كيريباتي تتطلب التزاما ثابتا ببناء قدرات علمية وهندسية محلية والتعلم من الأخطاء.
[/rtl]
مستقبل بكرامة(*********)
[rtl]الحقيقة هي أن كون الجزر المرجانية للحيود البحرية قادرة على النمو في بعض الحالات، وكون إجراءات التكيف مع التغير المناخي، قد يساعدان، إلا أنهما لن ينقذا كيريباتي إلى الأبد، وبخاصة إذا أخفق العالم في التقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري(24). فالنماذج المناخية تتنبأ بأن مستوى سطح البحر يمكن أن يرتفع في نهاية هذا القرن بمعدل أعلى بخمس مرات من معدله الحالي إذا نحن واصلنا إطلاق غازات الاحتباس الحراري بالمعدل الحالي. وحتى إذا افترضنا الحالة غير المحتملة، وهي أن بإمكان هذه الجزر أن تواصل تجميعها الرسابة والحصى بالمعدل الحالي، فإن الاحتمال الأقوى هو أنها ربما ستصبح أكثر ضيقا ورطوبة، وأقل حصولا على المياه العذبة، وهذا يحول دون السكن فيها بسبب التكاليف العالية.
[/rtl]
[rtl]ويعتبر نمو الجزر المرجانية المتطورة مع ارتفاع مستوى سطح البحر نعمة ونقمة في الوقت نفسه، سواء أكانت هذه الجزر تاراوا أم مالي، العاصمة المكتظة بالسكان لجزر المالديف. ففي غابر الأيام كانت البيوت تُبنى من القش وتَبلى كل سبع سنوات تقريبا، وهذا يعني أن التلازم بين ارتفاع مستوى سطح البحر ونمو الجزر ربما كان حقيقيا. لكن في هذه الأيام، فإن النمو المحتمل للجزر عن طريق تكوّم الرمل والحصى على حافات الجزر أو أعاليها إنما يحدث حيث توجد بيوت وطرق ومستشفيات وموانئ. والبنية التحتية قد تكبح التطور الطبيعي للجزر، وإلا فإن التطور قد يجعل من الضروري إعادة بناء البنى التحتية في مكان آخر، إما بتكلفة عالية أو في مكان يتعذر إقامتها فيه. كما أن توقع انتقال جميع الناس إلى جزر خارجية أقل سكانا وتطورا، مثل جزيرة كيريتيماتي Kiritimati التي هي أكبر مساحة وأشد جفافا وتبعد آلاف الكيلومترات إلى الشرق من تاراوا، سيكون عملا يتصف بالحماقة. فالجهود الرامية إلى إعادة إسكان الناس في أماكن أخرى لابد أن تصطدم بقوة قد تكون أكبر من قوة التغير المناخي ونعني بها: تطوير الإنسان للبنى التحتية.
[/rtl]
[rtl]وبدلا من ذلك, أطلقت كيريباتي مبادرة تعتبر مثالا يُحتذى به من قبل دول الجزر الأخرى القلقة بالنسبة إلى مستقبلها. وهذه المبادرة التي تدعى «النزوح بكرامة»، تتطلع إلى بلدان مثل أستراليا تعاني شيخوخة سكانية تجعلها تمنح شبان كيريباتي مكانا فيها بسبب احتياجها إلى قوى عاملة. وبهذه الطريقة، إذا جاء يوم النزوح من كيريباتي، فإن النازحين سينضمون إلى مجتمع مغترب موجود بالفعل بدلا من معاملتهم كلاجئين.
[/rtl]
[rtl]وهذه المبادرة هي بمثابة تذكير لشعب كيريباتي بأنه بحاجة إلى أكثر من مجرد أموال واهتمام من العالم لكي يتغلب على مشكلات التغير المناخي. إنه بحاجة إلى الاحترام. وهذا يعني عدم استخدام كيريباتي حكاية تُرَوى كلما دار نقاش حول التغير المناخي كأن يقال: «إننا بحاجة إلى التقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لإنقاذ هذه الجزر المهددة بالغرق،» أو استخدامها كواجهة عرض لإثبات أن مؤسسة ما تساعد شعبا يتعامل مع التغير المناخي. وعلى كل حال، فإن الإسراع في نشر قصص حسنة القصد، ووضع برامج مساعدات محدودة المدة، يؤديان إلى هدر الوقت والموارد على أفكار من دون جدوى، بدلا من استغلال الوقت في تطوير المهارات ووضع استراتيجيات لإدارة بعيدة المدى لهذه المشكلة، وهما أمران ضروريان للتهيئة لمستقبل غير مؤكد لهذه الجزر. وكنت أظن عندما سافرت إلى كيريباتي عام 2005 أن مدة ثلاثة أسابيع كافية لكي أفهم كيف يؤثر التغير المناخي في تلك البلاد. لكن، وبعد مضي عشر سنوات على تلك الزيارة ما زلت أحاول أن أصل إلى إجابة نهائية لهذا السؤال.
[/rtl]
[rtl]وعندما تغادر كيريباتي بحرا، تختفي هذه الجزر المنبسطة عن نظرك بسرعة خلف الأفق. وفي غابر الزمن كان صيادو السمك يستخدمون انعكاس صورة مياه الأهوار المخضرة على السحب كبوصلة للعودة إلى جزرهم. وفي يوم ما في المستقبل البعيد، يمكن للعديد من جزر كيريباتي أن تستسلم للبحر، وحينذاك يمكن أن يكون سكانها قد رحلوا عنها وماتت أشجارها وأرضها قد تحولت إلى حيد بحري تحت الماء. ولكن الأهوار، التي ظلت ضحلة، خلافا للمحيط العميق المفتوح، ستبقى خضراء كسابق عهدها.
[/rtl]
[rtl]وبالنسبة إلى الغرباء، ستكون كيريباتي قد زالت عن الوجود. أما بالنسبة إلى شعبها، فإن طيف وطنهم السابق سيواصل حضوره في أذهانهم الشاردة.
[/rtl]
[rtl]المؤلف[/rtl] | Simon D. Donner |
<دونر> أستاذ مساعد في علم المناخ بجامعة بريتش كولومبيا. ويركز في أبحاثه على سبب تأثير المناخ في الأنظمة البيئية والمجتمع. وطوال عشر سنوات عكف على دراسة تأثير التغير المناخي في الجزر المرجانية في الحيود البحرية، والتحدي الذي يتمثل بتكيف الناس في جزر المحيط الهادي المرجانية مع التأثيرات المناخية. | |
مراجع للاستزادة
Nature and Stability of Atoll Island Shorelines: Gilbert Island Chain, Kiribati, Equatorial Pacific. Eugene C. Rankey in Sedimentology, Vol. 58, No. 7, pages 1831–1859; December 2011.
Sea Level Rise and the Ongoing Battle of Tarawa. Simon Donner in EOS, Transactions of the American Geophysical Union, Vol. 93, No. 17, pages 169–170; April 20, 2012.
Obstacles to Climate Change Adaptation Decisions: A Case Study of Sea-Level Rise and Coastal Protection Measures in Kiribati. Simon D. Donner and Sophie Webber in Sustainability Science, Vol. 9, No. 3, pages 331–345; July 2014.
Developments in Coral Reef and Reef Island Geomorphology. Paul S. Kench in Geomorphology, Vol. 222, pages 1–2; October 1, 2014.
(*)FANTASY ISLAND(**)POSTER CHILD(***)SHIFTING SANDS(****)Flat and Far Between(*****)The Rise and Fall of Atolls(******)FALSE STEREOTYPE(*******)RISING DEBATE ABOUT SINKING ISLANDS(********)RUSHING THE WALL(*********)A FUTURE WITH DIGNITY