قراءة تحليلية لقصيدة "وردة الانبهار" للشاعر قاصد
الكحلانيلماذا
وأنتِ الغريبة عني
تجيئين نحوي ؟
أهاربةٌ أنتِ من جمرة الانتظار !
وماذا وراء العيون اللواتي رقصن لعينيَّ
ماذا تخبِّئُ لي وردةُ الانبهار ؟
أعوذ بوجهك يا رشقة الضوء
من وجع في الغياب
إذا امتدَّ بيني وبينكِ هذا المساءُ
سأُقفل كلَّ الأغاني
وأَرتادُ صوتك
أقطف حورية الكستناء
هو الوعد مرتعشٌ بيننا
والأماني مهيأةٌ للقاء
رويدًا رويدًا بقلبي الجريح
فإني
أعضّ على شجرات التمني
وما زلت أوقن
أن اللياليَ تأتي
وأن البكاءات تأتي
وأن الحبيبة .. تنأى
وأن دمًا..شاردٌ في العراء.
مقدمة عن القصيدة:
لأن النص ينتمي إلى الشعر الحر فهو متعدد القراءات، ولأن وسائل الاستقراء
للنص تتأسس وفق علائق المنهج البنيوي بالنص، وحتى يتم تأسيس رؤية تحليلية
وفق وسائط المنهج المتقدم، فإن المنهج البنيوي يحيل القارئ إلى الحرية في
اكتشاف عوالم النص الذي يتسم بأنه نص مفتوح .
وفي البدء نتجه نحو عنوان القصيدة الذي نراه متعدد الدلالات مستوعب المعاني
مختزل الألفاظ،من خلال الاستعارة الجميلة للحبيبة، أو الوحدة، أو الوطن ..
أو أي شيء آخر يحتمله العنوان ويجتهد فيه القارئ.
وهذه الرمزية في العنوان هي إحدى إفرازات الشعر الحديث وعلى وجه الخصوص
(الشعر الحر).
وأرى بأن وردة الانبهار تعد معادلا موضوعيا للشاعر، إذ أن هناك شيئا يبحث
عنه فلم يجده فاستدعاه من العقل الباطن وأسّسَ له معادلة رمزية في العنوان.
وأحسب أن الشاعر تأثر بقصيدة عمر الجاوي (زهرة الانتقام) في عنوانها بيد
أنه قد طور عنوان قصيدته دلاليا في بناه العميقة فجعله (وردة الانبهار)
ليوحي بالاكتمال والنضوج الذي قصده الشاعر في مشروع الدلالة العميقة
للعنوان الذي أثبت مراحل نمو الزهرة حتى غدت وردة مستعدة للقطف لاكتمال
بنائها ونضوجها حتى أنه أطلق عليها وصف الابهار لمن رآها كناية عن قيمتها
الجمالية التي ينبهر أمامها كل من يراها.
لأن النص ينتمي إلى
الشعر الحر فهو متعدد القراءات، ولأن وسائل الاستقراء للنص تتأسس وفق
علائق المنهج البنيوي بالنص، وحتى يتم تأسيس رؤية تحليلية وفق وسائط المنهج
المتقدم، فإن المنهج البنيوي يحيل القارئ إلى الحرية في اكتشاف عوالم النص
الذي يتسم بأنه نص مفتوح .وفي البدء نتجه نحو عنوان القصيدة الذي نراه
متعدد الدلالات مستوعب المعاني مختزل الألفاظ،من خلال الاستعارة الجميلة
للحبيبة، أو الوحدة، أو الوطن .. أو أي شيء آخر يحتمله العنوان ويجتهد فيه
القارئ. وهذه الرمزية في العنوان هي إحدى إفرازات الشعر الحديث وعلى وجه
الخصوص (الشعر الحر). وأرى بأن وردة الانبهار تعد معادلا موضوعيا للشاعر،
إذ أن هناك شيئا يبحث عنه فلم يجده فاستدعاه من العقل الباطن وأسّسَ له
معادلة رمزية في العنوان.وأحسب أن الشاعر تأثر بقصيدة عمر الجاوي (زهرة
الانتقام) في عنوانها بيد أنه قد طور عنوان قصيدته دلاليا في بناه العميقة
فجعله (وردة الانبهار) ليوحي بالاكتمال والنضوج الذي قصده الشاعر في مشروع
الدلالة العميقة للعنوان الذي أثبت مراحل نمو الزهرة حتى غدت وردة مستعدة
للقطف لاكتمال بنائها ونضوجها حتى أنه أطلق عليها وصف الابهار لمن رآها
كناية عن قيمتها الجمالية التي ينبهر أمامها كل من يراها.
الثنائيات في القصيدة:
ترتبط الثنائيات عند الشاعر بالبحث عن شيء قد ضاع على حين يتخذ البحث مسارا
دائريا في (الضوء - المساء، نحوي - عني، أقفل - أرتاد، تأتي - هاربة، تنأى
- تجيء، البكاءات/ الليالي - الحبيبة).
إن قصيدة (وردة الانبهار) توازي الداخل والخارج وتقاطعهما في نقطة لقاء
وفراق موّارة بالحركة مما يبلغ التوتر بين هذه الثنائيات حدته قبل انقطاع
الوتر الأخير والإيغال حول الزمان والمكان مما يجعل القصيدة تدور في المسار
اللانهائي . إن التوتر السائد يتصاعد في إثارة التقابلات بين المكان
والزمن المعتم في المساء، شبه المغلق الذي يكون بالداخل والمكان المفتوح
الظاهر الضوء، الشاسع الاتساع، المكشوف في وضوح وجلاء، وإذا كانت الليالي
تمثل رعب الداخل فإن العراء يمثل رعب الخارج وقواه السلبية.
والثنائية بين (نحوي - عني) أكدت قدرة الشاعر على تسليط الذات بشكل بارز
ليلفت الأنظار نحوه بأنه محبوب مهم يتسم بالإغراء، وثنائية (تنأى - تجيء،
الليالي - الحبيبة) يعبر بها الشاعر عن مدى التناقض الذي يعيشه في عدم
الوصول إلى تحقيق حلمه الذي يراه يتبدد في النهاية ويبدو شاردا مقتولا دون
إمكان الوصول إليه إلا في مخيلته فقط، وهذا يدلل على سكونية الأحداث وعدم
تصاعدها على الشكل الذي كان يحلم به الشاعر .
المستوى الصوتي للقصيدة:
يقوم النص في بنائه الصوتي على بروز نسقي لعدد من حروفه من خلال بروز
الفاعلية الصوتية لبعض حروفه ولا سيما التي ترددت في النص كثيرا، و هذا
البناء الصوتي يعكس عمقا دلاليا في استجابة الأصوات لموضوع القصيدة التي
أسس لها الشاعر.
ومن خلال استقراء النص تم وضع جدول إحصائي لبعض الحروف التي هيمنت على
القصيدة ومدى استجابتها للعمق الدلالي في بناء النص والتواؤم بين حروفه
وصفاته و مخارجه .
الحرف و تكراره في النص على التوالي : (النون التاء الهمزة الباء الميم
الواو العين الياء الراء) (25، 25، 20، 13، 14، 10، 9، 25، 18).
تتوزع هذه الحروف من ناحية صفاتها إلى:
التاء من صفات الهمس وبقية الحروف المبينة في الجدول السابق من حروف الجهر،
وجميع الحروف السابقة يطلق عليها صفة الاستفال وهو: انحطاط اللسان عند
خروج الحرف إلى قاع الفم وهو ضد الاستعلاء، و الحروف جميعها من ناحية
صفاتها يطلق عليها صفة الانفتاح وهو: تجافي كل من طائفة اللسان والحنك
الأعلى عن بعضهما حتى يخرج النفس من بينهما عند النطق بالحرف، وهي جميعها
يطلق عليها صفة الإصمات وهو: منع انفراد حروفه في أصول الكلمات العربية
الرباعية أو الخماسية، ماعدا حروف الراء والميم والنون فإنه يطلق عليها صفة
الإذلاق وهي : خفة الحرف بخروجه من ذلق اللسان والشفة (وذلق اللسان :
طرفه).
وهناك حروف تتوسط بين الشدة والرخاوة تواجدت في القصيدة وهي (اللام، النون،
العين، الميم، الراء).
ومن ناحية مخارج الحروف التي جاءت عليها حروف القصيدة، فالواو والميم
والباء مابين الشفتين، والعين من الحلق، والهمزة من أقصى الحلق، والميم
والنون من أقصى الخيشوم، والتاء من غار الحنك الأعلى، والراء ما بين رأس
اللسان مع ظهره مما يلي رأسه وما يحاذيهما ولثة الثنيتين العلويتين .والباء
والتاء من الحروف التي توصف بأنها شديدة ينحبس عند نطقها جزء من الصوت
فإذا أُزيل الغلْق المحكم فجأة أحدث النفَس صوتاً شديداً يسمونه انفجارياً.
ولعل القصيدة في البناء الصوتي استجابت للسمات التعبيرية التي أبرزها
الشاعر في تحقيق العاطفة لها، حتى أنك ترى الأصوات المهيمنة داخل القصيدة
ماعدا الميم والعين والباء، قد تشكل منها العنوان (وردة الانبهار) وهي
معادلة صوتية تستمد فاعليتها الصوتية من الحروف المهيمنة.
ومع اختلاف مخارج الحروف فإن الغالب عليها أنها تتساوى في صفاتها .ولقد
حققت هذه الحروف حضورا فاعلا أظهر الجو العاطفي من قبل الشاعر من خلال
البنية الصوتية في الحروف المهيمنة على القصيدة وحضورها معا بشكل تناغمي
يجذب الانتباه، والعنوان يأتي وردة الانبهار تقابلها أصوات انفجار لتعكس
قيمة دلالية للأصوات في تأثيرها على المتلقي وتعكس الحضور الفاعل لصوت
الشاعر في أسطر القصيدة، وهي تسيطر على نفس الشاعر، ويلجأ الشاعر إلى تكرار
عناصر صوتية وإيقاعية معينة تصبح معادلا شكليا للمعنى المقصود.
المستوى الصرفي للقصيدة:
لقد جاء النص مؤكدا لخصوصية الشاعر - التي يتميز بها في نتاجه الشعري - وما
يكابده لتذهب الألفاظ إلى المنحى الذاتي راسمة المعادل الموضوعي في النص
(وردة الانبهار) من خلال استخدام المصادر الخماسية(الانبهار، الانتظار)
المأخوذة من الفعل الخماسي (انفعل) الذي يعمق أفكار الشاعر في تأسيس فكرته
الرمزية.
بعض الألفاظ وردت مكررة كالسؤال (لماذا، ماذا، ماذا) وهي تحمل دلالات ترسم
أفقا لفظيا خاصا بالشاعر للتأكيد على ذاتيته التي عوّض بها عن جمود الأحداث
التي تحقق له بعدا في تحقيق أحلامه وأحلام غيره التي عبر عن (الأنا
الفردي) بدلا عن (الشعور الجمعي) الذي تم استدعاؤه تعويضا عن الأخير وجاءت
بعض المشتقات مثل اسم الفاعل (هاربة - مرتعش - شارد) لتؤكد على قدرة الشاعر
على تكييف الألفاظ والتلاعب في استخدام الاشتقاقات بما يحقق جوا ملائما
للنص ينسجم مع البنية الدلالية له في أداء لفظي ينشد إلى موضوع النص.
ولقد جاءت ألفاظ القصيدة (بوصفها دوال) من طاقات تعبيرية لتجسد المدلولات
التي يتحرك النص ليتشكل فيها . وتداول النص مفردات واصلت ارتباطها باللفظة
السيدة للنص وهي(وردة الانبهار) فأنشأت بيئة دلالية خاصة بها، و جاءت
الكلمات من وسط البيئة المعيشة سهلة ليس فيها غموض تجنح إلى المعجم
الرومانسي الذي ينسجم مع توجهات النص في العاطفة المستخدمة فيه.
تبدو الجمل المؤكدة في النص أكثر من الجمل غير المؤكدة حتى تلتحم وتتقوى
دلاليا من أجل إضفاء صفة التأكيد على السكونية للنص الأدبي الذي ينغلق على
مفاهيم الإحباط المتكئة على جانب الحلم الذي يتعلق به الشاعر .
دلالة الجملة الفعلية في حضورها وتراكيبها:
امتلك النص خمسة عشر فعلا واسم فعل أمر، ليصبح للماضي ثلاثة أفعال،
وللمضارع اثناعشر فعلا، وواحد لاسم فعل الأمر . وكان واضحا على حركية الجمل
الفعلية ارتباطها بزمن الحضور أكثر من سواه، حتى الأفعال الماضية إنما
جاءت من أجل معاضدة التشكل الزماني الحاضر، وتخفق الحركة في الوصول؛ لتضافر
قوى السكون التي أحبطت استمرار الحركة المتعثرة التي تتخذ من الحلم مجالا
لها، ومن ثم يكون الارتداد عقب ذلك إلى نفي الحركة إلى الثنائيات التي
استخدمت في النص، ولكن الحركة إذ تنكسر كل مرة تعود لتنطلق من جديد في
أجزاء القصيدة في مقطعها الأخير :
وما زلت أوقن
أن الليالي تأتي
وأن البكاءات تأتي
وأن الحبيبة .. تنأى
ليجسد بهذه الحركة التطلع إلى واقع جديد قد يتغير رغم تناقضاته.
ويلاحظ الغياب لفعل الأمر إلا ما كان من اسم فعل الأمر (رويدا رويدا بقلبي
الجريح) وهذا تعبير طبيعي بهذه الصيغة عن عدم قدرة الشاعر على التحكم
بالحدث وتغييره حاليا بسبب الجمود الكائن.
ولقد جاء حرف الجر "على" (أعض على شجرات التمني) مدللاً على الاستعلاء
والظهور للشاعر حتى يؤدي الوظيفة الدلالية له في هيمنة الرمز على تجربة
الشاعر من خلال التوظيف المجازي الذي عبر فيه الشاعر في جملته السابقة.
المستوى التركيبي في القصيدة:
الجمل والتراكيب في القصيدة تعلن تفوقا واضحا للجملة الاسمية على الجملة
الفعلية في كل أجزاء النص، ويلاحظ القارئ هيمنة الجملة الاسمية بداية من
العنوان (وردة الانبهار) حتى تأكيد فاعلية الأسماء في استهلال القصيدة، وإن
غاير العنوان استهلال القصيدة حين ضمنه الغرابة في الحبيبة، ومن الواضح أن
الشاعر مدرك لسمات الحداثة الشعرية حيث نجد لديه تبايناً شكلياً بين
العنوان والاستهلال حتى لا تصبح القصيدة محبسا للثقافة الاعتيادية التي
تقوم بالمزاوجة بينهما، ولعل الترابط بين الاسمية في العنوان والاسمية في
الاستهلال، وهيمنة الاسمية في القصيدة تتحدد بوقائع نفسية واجتماعية
وبنائية، ففاعلية الجملة الاسمية في ركود بنائها، لأنها تحيل الحركة
الداخلية لها إلى فاعلية محدودة بين الابتداء والإخبار لذلك لا تكون
الاستهلالات الاسمية مولدة لنوى داخل النص، وبالتالي فهيمنة الاسمية تدفع
الشاعر لأن يضع "أناه" موضع الفاعلية، وهيمنة الجملة الاسمية ترتبط
بالسياق الشعوري للشاعر خاصة في مراحله الأولى حتى أنه استعمل المجاز بداية
من العنوان وهذه طريقة بنائية تدفع بمخيلة القارئ للتفكير بالمستويات داخل
القصيدة التي تكثر فيها الاستعارات والمجازات .
ولقد جاءت الأسماء المحلاة بالألف واللام سبعة عشر اسما (الغريبة -
الانتظار - العيون الانبهار - الضوء- الغياب - المساء - الأغاني- الكستناء -
الوعد -الأماني - الجريح - التمني- الليالي- البكاءات- الحبيبة - العراء)
وهذا يؤكد البنية الدلالية لهذه الأسماء المعرفة التي عبرت عن سكونية الحدث
وعدم الحركة السريعة .وجاءت الأسماء معرفة بدون ألف ولام، ولكن من خلال
الإضافة إلى الضمائر (نحوي - جمرة الانتظار - لعيني- وردة الانبهار - وجهك -
صوتك - حورية الكستناء - قلبي - شجرات التمني) و صيغ التخصيص والتقييد
الوصفي أو الإضافة للضمير تعمق دلالة الاسمية في النص وهي تبرز الثبوت
القيمي رغبة في تحقيق رؤية متكاملة في وعي المتلقي لطبيعة التشكل الذي
تَحققَ لهذه (الوردة) عبر مراحل الصعوبات التي واجهت الوردة في طريقها إلى
حبيبها .ولقد جاءت حروف الجر لتؤكد مدى الترابط بين جزئيات ومكونات القصيدة
. كذلك عملت الإضافات على ترسيخ قيم الثبات في الجملة الاسمية.
وجاء اسم الفاعل ثلاث مرات في القصيدة (هاربة-مرتعش -شارد) ليعمق دلالة
سكونية الحركة متعاضدا مع الاسم في خدمة قيمته النفعية والتأثيرية في
سياقات الجمل.
ونلاحظ التسلسل الأفقي فنجد الفعل الذي تولد عنه أول حب (تجيئين نحوي) في
الصيغة الأولى يصبح هنا المرسل والذات في موضع المرسل إليه، ومضمون الرسالة
يتشكل من علاقات جديدة تتولد عن العلاقات السابقة لكنها تختلف عنها قليلاً
إذ يستدعي الشاعر دالاً جديداً من المحور الرأسي هو "الحلم أو الوعد أو
الأماني" ليدخل في سياق يشكل مضمون الرسالة.
والشاعر لا يكتفي أن ينمي إحساسه بالمكان فيعتمد على رصد فيزيائي مرئي من
خلال ملابساته وحقائقه ولكنه يتوحد بمورفولوجية الأرض بنباتها وسماتها
الجغرافية لكنه يتخطى هذا الواقع المرئي ذاته وصولاً إلى توحد أعمق مع روح
المكان . ومن هنا نتقصى حقل الكلمات الدالة على التوحد ويرتبط بالحياة
النباتية مثل: أقطف حورية الكستناء (الكستناء) أعض على شجرات التمني
(شجرات).
وهذه النباتات تعكس الحياة النفسية للشاعر من خلال كسر السياق الواقعي
لصالح سياق حلمي يظل معلقاً بزمن غائم مكبل بذلك البعد الحلمي نفسه من خلال
بواعث الأمل في عنصر التوحد مع الأرض ومفرداتها النباتية، ومفردة الكستناء
من الكلمات الجميلة غير المألوفه ولكن لها إيماء دلاليا كبيرا وإيقاعا.
بالنظر إلى النص نجد أن الجمل الخبرية أكثر من الجمل الإنشائية وهذا يُدلل
على سكونية الأحداث إذ أن أغلب الجمل الإنشائية تُدلل على الحركية والتنوع
في الأحداث في القصيدة لكن الخبرية إنما جاءت من أجل تحقيق ثبوتية الأحداث
وعدم تفاعلها بشكل نقي .
التقديم والتأخير جاء في جملتين ولم يكن خارجا عن المألوف ولم يحقق
انزياحاً وإنما كان ضمن دائرة المعقول وهي: تخبئ لي وردة الانبهار أمتد
بيني وبينك هذا المساء
أما الحشو فلم يكن موجوداً في النص وهذا يدَلل على حسن استخدام الشاعر لكل
المفردات التي ارتبطت بمعانيها وحققت جواً مألوفاً.
أما المحسنات البديعية في القصيدة فقد جاءت على الشكل التالي:-
1- الطباق في (عني - نحوي) (تجيئين- هاربة)(الضوء، المساء)(أقفل
-ارتاد)(تأتي -تنأى) الذي جاء من أجل تأكيد المعاني وتقوية الألفاظ
وإكسابها الجمال البلاغي في وظيفتها.
2- حسن التقسيم في الجمل التالية :- أن الليالي تأتي ، وأن البكاءات تأتي،
وأن الحبيبة .. تنأى
حتى جعل الإيقاع منسجما يتفاعل معه ويتأثر به المتلقي.
المستوى الدلالي في القصيدة:
تبدأ حركة الخطاب الشعري في المستوى الأول بصورة مميزة في أسئلة متلاحقة
يبحث فيها الشاعر عن شيء يوفر له حافزاً ودافعاً في حياته من خلال خلق
معادل موضوعي في خطابه للحبيبة بشكل حواري بينه وبين ذاته يدفع بالحركة
لتقوم بوظيفتها،وهذا التوظيف الذاتي للأسئلة الاستفهامية في القصيدة
(لماذا-ماذا - الهمزة) تؤدي وظائف شعورية يؤكد عليها الشاعر من خلال إبراز
مساحات واسعة من الولع بالنفس والإعجاب بها من خلال تناقضات ذاتيه في موضوع
القصيدة التي بدأها بأن الحبيبة غير مألوفة لكنها هي من تتجه نحوه
أولاً،وهو بعد ذلك عاذ بوجهها وحجب السمع عن غيرها. ويتنقل الخطاب الشعري
بين ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب المفرد في القصيدة.
ويسيطر ضمير التكلم حاضراً كان أو غائباً على مسارات القصيدة وهو ما يؤكد
ارتداد الشاعر إلى ذاته
ويبرز صوت الشاعر في صيغة المتكلم المفرد في مواجهة الأقدار (أعض على شجرات
التمني) وهو يؤكد على حتمية الصراع بين آماله وآلامه في الليالي -البكاءات
-الحبيبة،التي تهيمن على خاتمة القصيدة حينما قام فيها بإيجاد حالة تعادل
بين عوامل الصراع حتى يصل بها إلى خاتمة حزينة تبدو من خلال الدم الذي يرمز
للألم في نهاية القصيدة لكنه لا يمكنه إغلاق النص إذ أنه ينفتح ربما على
بدايات جديدة.
ويبدو أن حركة انتقال صوت الشاعر المفرد ترتبط بعنصري الزمان والمكان (أن
الليالي تأتي،وأن البكاءات تأتي وأن الحبيبة تنأى) يعد من عناصر الارتباط
الوثيق بالمكان وكذلك يعد من فاعلية الإبداع في تشكيل أبنية الوعي لدى
الشاعر الذي لا ينصاع لمؤثرات الواقع وجموده.
إن حركة الاستهلال بسؤال " لماذا" قائم ضمناً على أنا الشاعر الجدلية في
استغراب وقوع الحدث ومن ثم القبول به والتعايش بشغف رغم التضحيات والصعاب
التي ستأتي وهذه البداية المبهمة في النص جاءت لأن الموقف ما زال في طور
النمو. ولذلك لا يصلح للبدايات إلا المواقف المشبعة بالغموض والإشارات
الصغيرة وشد القارئ إليها.
المستوى البياني في القصيدة:
إن حركة الخيال في القصيدة تجسد ذاتية الشاعر في سياق حلمي يبدأ عند الشاعر
بانبهار وينتهي بانكسار من استخراج العواطف المكبوتة التي ربطها الشاعر
بصفات زمانية ومكانية ليختمها بخاتمة تراجيدية يشوبها نوع من الغموض، وهو
يؤدي هذه الصور البيانية، التي مكوناتها من البيئة المحيطة إلا أنه يعبر عن
مشاعره من خلال أشكال حسية ومجسدة في الحياة اليومية، ومن ضمن أعمدة
الخيال التي في القصيدة الاستعارات (أقطف حورية الكستناء) استعاره مكنية
حيث يشبه الحبيبة بالوردة التي تقطف،واستعار لوردة الكستناء حورية وهو نوع
من التأثر بالمضمون القرآني والنبوي .
(العيون رقصن لعيني) حيث شبه العيون بالمرأة التي ترقص وهي استعارة مكنية.
(تخبئ لي وردة الانبهار) حيث شبه الوردة بالإنسان الذي يتحرك فيمشي فيخبئ
وهي كذلك استعارة مكنية حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه .
(هو الوعد مرتعش بيننا) حيث شبه الوعد بالإنسان الذي يرتعش فهنا استعارة
مكنية .
والاستعارات المكنية في الليالي -البكاءات -الحبيبة بأنهن تنأى -تأتي حيث
شبه الليالي -البكاءات -الحبيبة بالإنسان الذي يأتي وينأى وحذف المشبه به
وأتى بشيء من لوازمه.
ثم الاستعارة الأخيرة في قوله(وأن دماً... شارد في العراء) حيث شبه الدم
بالإبل الشرود فأتى بالمشبه الدم وحذف المشبه به وجاء بشيئ من لوازمه .
أما المجازات في القصيدة فهي (أعوذ بوجهك، إذا امتد بيني وبينك هذا المساء،
أعض على شجرات التمني)
أما الكنايات مثل (أهاربة أنت من جمرة الانتظار) كناية عن خوفها.
و يحقق المستوى البياني في النص عمقا دلاليا في استجابة الصور لمقاصد
الشاعر، وذلك لأنها صور مبتكرة وشفافة ونابعة من بيئة الشاعر النفسية
والواقعية.
المستوى الإيقاعي:
القافية: لم يأت حرف الروي موحداً وهذا من خصوصيات الشعر الحر، و انبنت
القافية على الشخصية في النص وهي (وردة الانبهار) وما تعالق بها من نعوت
وإضافات.
وجاء حرف الروي ساكناً وهو ما يجعل النص يدور حول الوردة.
وتبدو حركة الإيقاع جميلة من خلال هيمنة الأصوات في صفات ومخارج حروفها
لتفصح عن معان مكبوتة عند الشاعر حتى الجمل في تراكيبها واشتقاق كلماتها
جاءت منسجمة مع البنية العميقة للنص من خلال التجسيد الثنائي لبعض مفردات
النص التي تهيمن على القصيدة من أجل بروز مساحات التفاعل بين البنى.
ويصل النغم أو التنغيم إلى مرحلة عالية في القصيدة ففي قوله:
أقطف حورية الكستناء
هو الوعد مرتعش بيننا
والأماني مهيأة للقاء
وقبلها: أعوذ بوجهك يا رشقة الضوء
من وجع في الغياب
إذا امتد بيني وبينك هذا المساء يبدو النغم في حروف المد في الكلمات المشتملة على حروف علة وكأنه معزوفة
سيمفونية لا يتركنا إلا وقد بدت الأرض في شكل زهرة الكستناء التي تنمو
بالقرب من شاطئ البحر.
ويساعد التكرار المتناظر على بروز الإيقاع النغمي وكذلك حسن التقسيم :
أن الليالي تأتي
وأن البكاءات تأتي
وأن الحبيبة .. تنأى ويوظف الجرس الصوتي للحروف المتكررة للربط بين الفضاءات المكانية
والزمانية، وتداخل الموجودات مع اللغة والإيقاع قد أدت مجتمعة إلى تكثيف
الرؤية الجوهرية لسيطرة العوامل السكونية على إمكانيات الحركة المكبوحة
بقدر مجهول.
والقصيدة من بحر المتقارب (فعولن فعولن فعولن فعولن ........... فعولن..
ونلمس قصر بعض الكلمات المؤسسة لوجود التفعيلة في كل سطر إذ احتوى بعضها
كلمة واحدة، و بعضها تنجزّ تفعيلة واحدة، مثل (فإني) وظهر في القصيدة بعض
الزحافات التي تتوازى مع بعض الانكسارات المسارية التي احتفلت بها القصيدة
في موضوعها ورؤيتها لما حولها
الجمعة يونيو 25, 2010 2:44 pm من طرف بن عبد الله