واعتراف مذهل لمسؤول عسكري أميركي
الرئيس الايراني حسن روحاني ومرشد الدولة اية الله علي خامنئي
ماذا وراء الخصام الحاد والعلني بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ يتبع كثير من المعلقين مقولة البيت الأبيض إن المسألة هي عداوة شخصية بين الرجلين، بينما يركز البعض الآخر على الشرخ الاستراتيجي حول مسألة البرنامج النووي الإيراني. إنما حقيقة هذا الشرخ أعمق بكثير. بالإضافة إلى كل المسائل المذكورة، يقف أوباما في الموقف النقيض لنتنياهو حول دور إيران في المنطقة. تبعا، تقع سوريا في صلب خلافهما.
الشهر الفائت، شنت قوات الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» هجوما في ريفي درعا والقنيطرة جنوب سوريا. واللافت أن إيران والحزب تبجحا علنا بدورهما القيادي، وبذلك بينا أن جنوب سوريا أصبح مسرح عمليات لطهران. كما أنهما أكدا ما كان معروفا منذ زمن، وهو أن نظام الأسد وقواته مجرد توابع خاضعة لإيران.
لا تستطيع إسرائيل تجاهل هذه التطورات. دخول إيران إلى الجولان يفرض على إسرائيل اتخاذ قرارات صعبة، ليس في ما يتعلق بسياستها في سوريا، إنما أيضا حول كيفية معالجة الشرخ الواسع في العلاقة مع إدارة أوباما.
حتى الآن، اتسمت السياسة الإسرائيلية في سوريا بالوقوف جانبا، والرد على أي خرق على الحدود، دون التدخل مباشرة في مسار الحرب، وإن كانت العمليات الإسرائيلية في سوريا تضرب أهدافا إيرانية وأسدية حصرا. ورغم كل الكلام عن الخطر الداهم من تنظيم داعش، فإن الضربة الإسرائيلية في القنيطرة في 18 يناير (كانون الثاني)، التي استهدفت قياديين كبارا في الحرس الثوري و«حزب الله»، والحملة العسكرية الإيرانية في جنوب سوريا، قد أبرزتا حقيقة أن التهديد الأساسي، الاستراتيجي والداهم، يأتي من إيران.
كشف التصميم الإيراني على التقدم إلى جنوب سوريا ضعف سياسة الجلوس جانبا والانتظار الإسرائيلية. فحتى إن أرادت إسرائيل أن تنأى بنفسها عن الحرب السورية، فإن لإيران أفكارا أخرى، خصوصا إذ تلحظ ضوءا أخضر من واشنطن. كل هذه العوامل تدفع إسرائيل إلى مراجعة خياراتها. في هذا السياق، كتب خبيران إسرائيليان مخضرمان مقالتين مهمتين عن طبيعة هذه الخيارات. تقدم الخبيران، السفير السابق لدى واشنطن، إيتامار رابينوفيتش، والأستاذ إفرايم عنبار، مدير مركز بيغن السادات. بالخلاصة نفسها: الرد على خطط إيران واستفزازاتها في الجولان يكون عبر استهداف الأسد. «الخيار الأفضل»، كتب رابينوفيتش، هو في إفهام طهران أن الرد الإسرائيلي سيكون ضد الأسد بطريقة «تؤثر على مسار الحرب الأهلية السورية». تابع السفير السابق: «إن هذا القرار، سوف تضطر القيادة الإسرائيلية لاتخاذه، إن بقيت التطورات التي شهدناها في يناير سائرة في الاتجاه نفسه».
طبعا، هذه الاتجاهات الإيرانية ستستمر، وستأتي ساعة القرار الإسرائيلي. إنما، كما يدرك رابينوفيتش وعنبار في مقالتيهما، ستكون لهذا القرار تبعات مهمة على العلاقة المتوترة مع واشنطن. يريد البيت الأبيض أن يبقى الكل مركزا على «داعش»، بينما يبني سياسته على التعاون مع طهران والتكيف مع مصالحها. لا يخفي البيت الأبيض معارضته ضرب نظام الأسد. لا، بل أرسل الرئيس أوباما رسالة إلى علي خامنئي ليطمئنه بأن التحالف لن يمس الأسد. كما وترى إسرائيل أن أوباما بات يعترف بمناطق النفوذ الإيرانية في المنطقة. ومنذ بروز الخطة الإيرانية لتأسيس بنية عسكرية في الجولان، لم يصدر عن الإدارة الأميركية أي بيان يعلن أن التوسع الإيراني في الجولان غير مقبول.
على العكس، كل ما فعلته الإدارة هو دعوة إسرائيل لتفادي التصعيد. في الواقع، يعتبر البيت الأبيض سوريا منطقة نفوذ إيرانية. لهذا السبب، سيكون من المستحيل على إسرائيل العمل بنصيحة رابينوفيتش وأن تحرص على أن «يتوافق» خيارها العتيد باستهداف الأسد «مع السياسة الأميركية في سوريا والعراق». فالواقع هو أن السياسة الأميركية في سوريا تتعارض تماما مع مصالح إسرائيل وأمنها القومي.
وربما خير دليل على ذلك تصريحات مسؤول عسكري أميركي لصحيفة «وول ستريت جورنال» الشهر الماضي. في سياق الحديث عن إمكانية تدريب بعض الثوار السوريين ليساعدوا في الحملة ضد «داعش»، كشف المسؤول العسكري أن الإدارة الأميركية قلقة من أن يقوم هؤلاء الثوار بأي خطوة ضد الأسد، لأن ذلك قد يؤدي إلى أن تستهدف الميليشيات العراقية التابعة لإيران الجنود الأميركيين الموجودين حاليا في العراق. أضاف المسؤول: «إذا انتهكت خطا أحمر في سوريا، تكون قد تعديت على ما تعتبره إيران مصالحها بعيدة المدى، وعندها قد تنتقل هذه الميليشيات الشيعية إلى المقلب الآخر».
هذا الاعتراف المذهل بمصالح إيران في سوريا يدعو لطرح عدة أسئلة. هل تنطبق المعايير المفروضة على الثوار أيضا على إسرائيل؟ هل يخطئ نتنياهو إذا استخلص أن أوباما سينظر إلى أي عمل إسرائيلي ينتهك الخطوط الحمر الإيرانية في سوريا على أنه يخاطر بحياة الجنود الأميركيين؟ فعلى سبيل المثال، لقد أوضح البيت الأبيض أنه يرى الدعم الإسرائيلي لفرض الكونغرس عقوبات على إيران على أنه عمل يدفع بالولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران.
الأمر الأكيد هو أن إيران ستسعى لاختبار حدود الدعم الأميركي الضمني. ويأتي الإعلان عن دورها القيادي في الجنوب السوري في هذا السياق، إذ تعلم طهران، كما كتب إفرايم عنبار، أن سوريا أصبحت «مسألة خلافية إضافية» بين إسرائيل وأميركا.
بينما ينظر البيت الأبيض إلى إيران على أنها، في الواقع، شريك في حربه على «داعش»، تعتبر إسرائيل إيران تهديدا وجوديا. ولردع طهران، قد تقرر إسرائيل أن توجه ضربة للأسد. لكن، هذا سيعني أنها ستمضي ضد واشنطن، التي تقف الآن في المقلب الآخر في سوريا. هذه الحقيقة بدأت الآن تتضح للإسرائيليين.