[rtl]لوركا يقرأ والت ويتمان:[/rtl]
[rtl]ضدكم يا من تمنحون الاولاد قطرات من موت قذر![/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]ألبير بن سوسان[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]يسلط هذا النص الذي نقدم ترجمته العربية الضوء على الافتتان الذي أبداه شاعر غرناطة فيديريكو غارسيا لوركا بالشاعر الأمريكي والت ويتمان. وقد جاء اكتشافه لسيرة وتجربة هذا الرجل أثناء إقامته في نيويورك. [/rtl]
[rtl]ويذهب الكاتب في هذا المعرض إلى الاحتجاج لافتراض مؤداه أن الافتتان الذي أفصح عنه لوركا حيال ويتمان كان محصلة اشتراكهما في الرؤية إلى العالم ورفضهما لسطوة المدينة الصناعية وتراتبية قيمها وأعرافها. سوف يتجسد الاحتفاء في المقام الأول والأخير في التعبير الشعري؛ وتخصيصا في قصيدة ‘أغنية إلى والت ويتمان’ التي أبدعها الشاعر أثناء مقامه في نيويورك الذي استغرق ستة شهور احتفاء بالشاعر الأمريكي وبدفاعه الشعري عن المثلية الجنسية وتمثيلاتها في الحياة والشعر..[/rtl]
[rtl]النص:[/rtl]
[rtl]يعود الفضل إلى فيليب كومينغس في تعريف لوركا بالشاعر والت ويتمان. كان فيديريكو قد محض الشاعر ثقته وأفضى إليه بهواجسه وقلقه وألمه المترتب عن كونه مفرطا في اختلافه عن الآخرين؛ وهو ما جعله دائما موضع اتهام في إسبانيا. اعترف له علاوة على ذلك بقرفه الناجم عن اضطراره إلى اللجوء إلى المداهنة ورد الفعل وحمله لذويه على الاعتقاد في تسببه في تحطيم قلوب بعض الصبايا في مدريد أو كاداكيس، وخصوصا حين كان يعمد إلى التعبير المتبجح في رسائله الموجهة إلى أمه بجمال وملاحة آنا ماريا شقيقة سلفادور دالي.. ، كان يستغل في نيويورك أيضا سذاجة جاره في الطابق الذي كان يقيم فيه واسمه جان كرو إلى الدرجة التي حمل فيها هذا الرجل على أن يقدمه في الكتاب الذي ألف عن فيديريكو عام 1945 والذي صدر عن منشورات جامعة كاليفورنيا باعتباره رفيقا مبتهجا ومسرورا يذرع المدينة طولا وعرضا ويطارد الصبايا.[/rtl]
[rtl]كان لوركا وهذا صحيح يتعمد حمل معجبيه الأمريكيين على الاعتقاد بأن قصيدة ‘المرأة الخائنة’ الشهيرة والمتضمنة في ديوان ‘أغان غجرية’ تروي حكاية حقيقية كان فيديريكو بطلها وفاعلها الرئيس والرجل الفحل الذي يخضع المرأة الأنثى لرغباته ويرغمها على تلبية كل نزواته واستيهاماته الجنسية. وسوف نقرأ الناقد الأمريكي وهو يصور لنا لوركا باعتباره مفرطا في قواه أثناء مغامراته الليلية. كان يشرب ويداعب الفتيات ويتصرف ويحيا مثل أي حيوان ذكر في فورة الفتوة ويعطي الانطباع بأنه ينهل من متع ومسرات الحياة حتى الثمالة.[/rtl]
[rtl]لن يكون في مقدورنا الزعم بأننا قد جاوزنا الحقيقة في هذا الخصوص. بيد أن الشاعر كان يرى نيويورك ويعزى الفضل في ذلك إلى كومينغس وبعض الأصدقاء الأمريكيين تخصيصا من خلال عيني والت ويتمان. يتعلق الأمر بمدينة صناعية وعمل يحث على الاستلاب وعمال يتصببون عرقا وهم مغمورون بالأوساخ علاوة على الصخب والهياج والسعار. أعني في هذا الخصوص جميع ما كان يسم شعر ويتمان الذي كان يدعو في نصوصه إلى العودة إلى الطبيعة والذي اشتهر بتنقيحه الدائب لديوان ‘أوراق العشب’ الذي سوف يقرأه لوركا حتما على شفاه محاوريه؛ وهو الذي كان يجد عسرا وعنتا في القراءة والحديث باللغة الإنجليزية. [/rtl]
[rtl]لن يكون في مقدورنا العثور داخل شعر لوركا على أثر لويتمان، بيد أن بعض الأبيات من قصيدته ‘أغنية إلى ويتمان’ التي كتبها في عين المكان، أقصد في نيويورك سوف تترجم إعجابا شديدا بأكبر شاعر أمريكي في القرن التاسع عشر. وعلى سبيل المثال وفي غمرة النقد الذي خص به هذه المدينة الكبيرة التي تغص بمظاهر الكدح والشقاء، يكتب: ليس ثمة من شخص يرغب في أن بتحول إلى نهر. ليس ثمة من شخص يحب الأوراق الكبيرة’. ألا يعارض في هذا الخصوص مؤلف ‘ أوراق العشب ‘ الذي كان يحلم بأن يتحول إلى نهر. وهو ما سوف يكتبه لاحقا في قصيدة ‘أغنية إلى ويتمان’ والتي تمثل دفاعا رائعا عن نشيد المثلية الجنسية المتحررة.[/rtl]
[rtl]نعرف بأن ويتمان كان يعاني في زمنه وبشكل أكثر حدة مما كان ينوء لوركا تحت وطأته، وتحديدا في بلده أمريكا الذي لم يكن يقل طهرانية عن إسبانيا. كان الشاعر الأمريكي يجد عنتا في أن يعيش ويعبر عن مثليته الجنسية. بلى، كان ويتمان يحب الأولاد الصغار الذين كانوا عمالا أو سائسي عربات؛ وهي هاته الفئة التي سوف تتحول في القرن العشرين إلى سائقي الشاحنات ذوي الحظوة الشديدة في الميثولوجيا المثلية الجنسية. ولأنه كان عاجزا عن الاعتراف بميوله، فإنه كان يعمد إلى حمل طريدته على التنكر وارتداء فستان نسائي ويخاطبها في رسائله قائلا: يا حبيبتي.بضمير الأنثى عوض ‘حبيبي’ بضمير المذكر. وكان يهاجم بشراسة الرجال الذين يحترفون الدعارة آو ‘العمات’ وفق التعبير الخاص بعالم المثليين الجنسيين؛ وهو ما سوف يستعيده لوركا في قصيدته الهجائية المتعددة اللغات :[/rtl]
[rtl]ضدكم يا من تمنحون للأولاد[/rtl]
[rtl]قطرات من موت قذر وسم زعاف[/rtl]
[rtl]ضدكم أبدا..[/rtl]
[rtl]يا فايريس أمريكا[/rtl]
[rtl]وباخاروس هافانا[/rtl]
[rtl]وخوطوس مكسيكو[/rtl]
[rtl]وساراساس قادس[/rtl]
[rtl]وآبيوس إشبيلية[/rtl]
[rtl]وكانكوس مدريد[/rtl]
[rtl]وفلوراس أليكانطي[/rtl]
[rtl]وأديلادياس البرتغال[/rtl]
[rtl]يا ‘عمات’ العالم كله، ويا قتلة الحمائم…[/rtl]
[rtl]كان العنف الذي أفصح عنه لوركا عظيما وموازيا للنفور الذي كان يحف بخطواته في الحياة. كان يرفض بدوره هذه الصورة المنحطة لحب الرجال. كان يتذكر في الآن نفسه قراءاته الأولى لأفلاطون وعمله الموسوم ‘لوبانكي’. وكان أن عثر في والت ويتمان على المدافع الحقيقي والوحيد عن الحب الخالص بين الرفاق. وهو حب يتسم بطابعه الأخوي. وهذا ما يفسر انتهاء قصيدته بهذه الاستعارة الرائعة: حلول عهد سيادة السنبلة. كان فيديريكو الذي فهم جيدا المقاطع الشعرية لويتمان وإلهامه سوف يخلف لنا احتفاء مثيرا بقصيدة ويتمان هاته التي قام فيليب كومينغس بإنشادها مثل طائر قوي فوق جناحيه الحرين..[/rtl]
[rtl]لم أكف للحظة واحدة يا والت ويتمان العجوز والجميل[/rtl]
[rtl]عن التملي برؤية لحيتك المغمورة بالفراشات[/rtl]
[rtl]وكتفيك المخمليين المصقولين بضوء القمر[/rtl]
[rtl]وفخذيك الشبيهين بفخذي أبولون[/rtl]
[rtl]ولم أكف عن سماع صوتك الشبيه[/rtl]
[rtl]بعمود من الرماد[/rtl]
[rtl]أيها العجوز الجميل مثل سراب[/rtl]
[rtl]والذي كان يئن مثل عصفور[/rtl]
[rtl]يطمح المثلي الجنسي كما يعلمنا لوركا وفي ارتباط برؤية شقيقه الأكبر والعظيم ويتمان إلى حياة عادية وخالصة وطبيعية وضدا على الكليشيهات الرديئة والسمجة التي كانت سائدة في إسبانيا آنذاك والإيحاءات الجارحة المتضمنة في فيلم ‘كلب أندلسي’ التي كانت تسيء في رأي الشاعر إلى مشاعر الحب النبيل التي محضها لسلفادور دالي أو إيميليو ألدارين. تمتح الحمولة الدلالية لقصيدة ‘أغنية إلى ويتمان’ من هذا النزوع نحو التبرير أو الدفاع عن ‘شخصه’. وهذا الاحتفاء الذي خص به ‘الإنسي المثلي الجنسي’ ومن ثم شخصه، باحثا في الكلمات والاستعارات والمقاطع ذات الأبيات الحرة التي تحتفظ بالدرس الخاص بشعر ويتمان- على مسكن ضروري لمظاهر القلق والاضطراب التي كانت ما تفتأ في ذلك الصيف النيويوركي تلح على وجوده، والتي سوف تضمحل وتتلاشى شيئا فشيئا عقب زيارته إلى هافانا. وهي الزيارة التي سوف تهدي إلى الحياة وطور النضج رجلا حرا بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات. [/rtl]
[rtl]ترجمة وتقديم: عبد المنعم الشنتوف[/rtl]
[rtl] [/rtl]