** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
دلائلية نوع: قصيدة النثر I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 دلائلية نوع: قصيدة النثر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سميح القاسم
المد يــر العـام *****
المد يــر  العـام *****
سميح القاسم


التوقيع : تخطفني الغاب، هذه امنيتي الحارقة حملتها قافلتي من : الجرح الرجيم ! أعبر من ازقة موتي الكامن لاكتوي بلهب الصبح.. والصبح حرية .

عدد الرسائل : 3170

تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

دلائلية نوع: قصيدة النثر Empty
09062010
مُساهمةدلائلية نوع: قصيدة النثر


تكتفي أغلب الدراسات حول قصيدة النثر عموما، بتحليل النصوص المندرجة تحت
هذا الاسم، لمجرد أن الشاعر أو الناقد قد جعلها بهذه الصفة. وربما تذهب
إلى حد بيان كيفية اشتغال هذه النصوص، ولكنه يتعذر عليها أن تقبض على
الخصائص المميزة لها عن الخطابات الأدبية عامة، فضلا عن إخفاقها في تحديد
السمات الكونية الخاصة بقصيدة النثر. وإذا كان سهلا تمييز مقومات هذه
الأخيرة عن تلك المتعلقة بالقصيدة العروضية، فإن الأمور تعود في غاية
الصعوبة لتمييزها عن النثر (هذا دون الحديث عن النثر الشعري- الذي لا يعتبر
على أية حال أولوية في التحليل النصي المعاصر). لقد ذهب أراغون إلى حد
القول بأنه "لا توجد ضوابط تمكننا من التعرف على قصيدة النثر من قطعة نثر
معزولة". ومع ذلك فملاحظته لا تكتسي مشروعيتها إلا في حالة واحدة: حينما
يعزل الشاعر اعتباطيا مقطعا نثريا ويعنونه ويدعوه "قصيدة". هذا المقطع لا
يعود شعرا إلا حينما تفرقه البياضات، محددة إياه كموضوع للتأمل، بغض النظر
عما يحمله من معنى، ما دام قد تم عزله عن سياقه المولد، وعن الجمل التي
يمكن أن ينزاح عنها. يصبح شعرا لنفس السبب الذي تحوز فيه بعض الاستشهادات،
وهي معزولة عن سياقها، على وضع أدبي قائم الذات كأمثال سائرة، ولنفس السبب
الذي يجعل من شيء مؤطر أو مرفوع فوق رف موضوعَ تأمُّل un ready-made.

لنفحص الحالات الأخرى: نظرا لأن القراء هم مصدر الظاهرة الأدبية، ولأنهم
مقتنعون بوجود شيء اسمه "قصيدة نثر"، فنحن ملزمون بمحاولة تحديد المكونات
المسئولة عن هذا الشعور ب"الوحدة، وبكلية الأثر والإحساس به". هذه الوحدة
الشكلية ليست شيئا آخر غير التدلال نفسه، وغير ملاحظة السمات الثابتة
بتزامن مع اكتشاف القارئ للتكافؤات.
فعلى صعيد الجملة أو التركيب لا يمكن للوحدة العضوية في ذاتها أن تتمخض عن
نص موحَّد، لأن ذلك شيء مشترك في الخطاب الشعري أكان نثرا أم وزنا، وقد
نجده أيضا في بعض الروايات، كروايات كلود سيمون أو ريكاردو. ولكي تصبح
الوحدة العضوية متلائمة مع القصيدة، ينبغي أن تضم وحدة أعلى من الجملة،
باعتبار أن هذا المستوى هو وحده الكفيل بتحقيق قراءة تأويلية، ووحده يمكننا
من الموازنة بين المتغيرات.
سأحاول إذن، أن أتغلب على صعوبة التعريف بالبحث داخل قصيدة النثر –
الموسومة تجريبيا بأنها وحدة دلالية، تتميز بالإيجاز والوحدة العضوية،
ومحصورة بشكل حاسم- عما يقوم مقام الوزن ويضطلع بنفس وظيفته. لست أول من
سلك هذا السبيل، غير أنه لحد الآن كل المحاولات ركزت جهودها على البحث عن
السمات الصوتية والإيقاعية الخاصة بالوزن داخل النثر، هذا فيما لا تحتوي
كثير من قصائد النثر على أي من هذه السمات. ومع ذلك يقترح البيت الشعري
بمعزل عن العروض والقافية إلخ، شكلا أوليا غريبا نسبيا عن المحتوى ومنفصلا
عنه، شكلا هو في آن علامة إشارية للاختلاف، حادثا متعمدا وربما مصطنعا.
ويلوح أن الحل يكمن في العثور على استمرارية شكلية مماثلة داخل قصيدة
النثر. وينبغي أن تكون هذه الثابتة مورفلوجية- وليست دلائلية فقط، كالتدلال
العادي- بدون ذلك لن يكون بمقدورها أن تشير، كما يفعل الشعر الموزون إلى
أن المكونات المختلفة للنص ليست سوى تسلسل منطقي بسيط، وتحمل في نفس الآن
طابع المجاز (تماما مثلما هو الشعر الموزون مجرد شكل حائد عما سيكون عليه
حين صياغته نثرا.) وفي حالة وجود ثابتة من هذا القبيل، فينبغي عليها أن
تتحدد، كغيرها، بواسطة المولدة matrice التي تولد التدلال- المولدة التي
تعد كل جمل النص متغيرات لها. وقد تكون هذه المولدة مضمرة، وقد تكون حاضرة
بشكل جزئي، أي أنها تكون مجسدة في كلمة (في الحالة التي تكون فيها محيَّنة
بشكل كامل، فإن المولدة تقترح، في شكل إحدى الجمل، مجموعة من السمات أو
الأفكار المسبقة التي تنتمي إلى حقل الكلمة).
إن ما يميز قصيدة النثر بالنسبة لي، هو وجود مولدة تضطلع بوظيفتين عوض
وظيفة واحدة: فهي تولد الدلالة كما هو الحال في كل شعر، وتولد في نفس الآن
ثابتة شكلية، خاصيتها أنها منتشرة مع النص، وغير منفصمة عن الدلالة. وهذه
الثابتة الشكلية تتميز بانعدام الحواشي ولا تتخللها البياضات؛ إن ما يميزها
هو تشابك متتاليتين تحيدان في نفس الآن عن المولدة، الأمر الذي كانت
الأبيات تضطلع به: لذلك لا يغدو النص متوفرا على لحمته العضوية فقط، بل إن
وحدتة العضوية تصبح بادية للعيان، ووضوحها لا يمكن إلا أن يسترعي انتباه
القارئ.
أميز بين ثلاثة أنماط من الانحرافات المضاعفة. واحدة فقط من المتتاليتين
الحائدتين، في النمط الأول تكون حاضرة في النص، بينما تحضر الأخرى بشكل
ضمني. الانحراف الصريح انعكاس للانحراف الضمني (وهو انعكاس ناجم عن تبادل
العلامات). سأمثل للنمط الأول بقصيدة حمام toilette لبول إلوار. وتحضر
المولدة في العنوان وهذا العنوان ينطوي على نوعين من الانحراف؛ كونه عنوانا
لقصيدة وفي نفس الوقت لتيمة أيقونية.
دخلت غُريْفتَها لتغيير ثيابها، فيما كان غلاَّيها يغني.
صفق تيار الهواء، الآتي من النافذة، الباب وراءها.
ولهنيهة، لَمَّعت عُريها الفريد، الأبيض والمنتصب.
وانسابت بعدها في فستان أرملة.
القصيدة خالية من كل الملامح الأسلوبية البارزة؛ نجد فيها ما يمكن اعتباره
جناسا استهلاليا ( chambrette ,changer,chantait) واستعارة واحدة (لَمَّعت
عريها). وهذه السمات الأسلوبية ليست مرتبطة مع ذلك، بشكل مباشر بخاصية
النثر الشعري في النص، ما دام أنه لا توجد أية علاقة واضحة بين هذه
المحسنات كعناصر تنتمي للشكل، ومجموع النص كمعنى.
إن الرابطة أو السمة الحاملة للتدلال تعتبر انحرافا عن العنوان، لا يتجاوز
مداه النص، ليس فقط لكونه يتوقف مع النص، ولكن لأنه لا يستطيع أن يمتد إلى
ما ورائه. ميزته الثابتة تكمن في إعادة تحيين سمة "البساطة" أو "البساطة
الحميمية": غُريفة، غلاي يغني، ديكور متواضع، باب مغلق نتيجة تيار هوائي،
وأخيرا فستان أرملة. وفي هذا السياق فإن نعت الأرملة، إذ يشير إلى فستان
اسود بسيط خال من الزخارف، فإنه يشير بالأحرى إلى ملابس عادية لامرأة،
خزانة ملابسها شبه خاوية، وفي عالم الكلمات (وهو الذي يعنينا هنا)، فإن نعت
الأرملة يعتبر رمزا دارجا للمرأة المتقشفة أو الفقيرة. الكل يساهم في رسم
مشهد مفعم بواقعية محتشمة، تذكر بشعر الحياة المتواضعة، حيث ساهمت إثارة
العواطف الرخيصة ل فرانسوا كوبي في فقدان هذا الشعر لمكانته. الكل يتوقف
على اللغة؛ إن الباب الذي يصفق يعد كُلَيْشها أدبيا، يشير إلى حياة المنزل
اليومية: تطل هذه الحياة خفية ولا مرئية، ولكنها تتناهى إلى أسماعنا (هكذا
ما تكاد تنحصر المياه في "بعد الطوفان" لرامبو، حتى يصفق باب معلنا رمزيا
عودة العالم لوضعه المألوف. كما يعد الغلاي مسكوكا مماثلا: فهو يشير إلى
المتع الصغيرة للموقد.
إن كل ما أشرت إليه ينحرف صراحة عن كلمة حمام، شرط أن تحيل هذه، من بين
أشياء أخرى، على الأشياء المتواضعة والحميمية مثل طاولة الزينة table de
toilette ( وهي كلمة مركبة لا تتضمن على سبيل المثال، الإيحاءات الباذخة
للمزينة coiffeuse، أو على إيحاءات السرعة في تزيين المرأة لنفسها). فعليا،
تنحرف هذه المكونات بشكل أخص، عن القيمة التصغيرية المتضمنة في كلمة
toilette، على اعتبار أنه تمَّ تحيين chambretteالمنحرفة عن المعنى
الاشتقاقي، المنسي اليوم، من لاحقة petite toile. لا ينبغي أن يفهم بأني
أضفي على هذه اللاحقة أكثر مما تستحق من معنى، فهذا إلوار نفسه قد استبدل
في مسودته petite chambre ب chambrette دون أن يلتفت إلى مخاطر الإتيان
بقافية غريبة بوجه عام.
في النهاية يفرض الانحراف نسقه على مجموع القصيدة، على اعتبار أن فستان
الأرملة يعد المتغيرة الأخيرة في المتتالية. إن القول بتوقف القصيدة لأن
الشخصية أكملت لباسها ليس مبررا. فإذا كان ارتداء الفستان يعتبر عمليا
المرحلة الأخيرة لفعل التغيير se changer، والنموذج أو المتغير الأصلي
للمولدة، فإنه يعد في نفس الآن على صعيد العلامات المعادل والقرين لهذه
العملية، لوجود اللباس المتواضع في نفس المرتبة على مستوى سجلِّ الكلمات
البديلة من فعل غير se changerالمرادف الأقرب أو العملي لفعل لبس، الذي إما
أنه يحوز في ذاته على قيمة محايدة، أو أنه يشير إلى عملية التحضير
المتأنية التي تسبق سهرة راقية.
إذا لم يفض العنوان "حمام" إلى نصين متوازيين، فسوف لن يكون مجموع النص
أكثر من نموذج للنزعة الواقعية المبتذلة. وبالفعل، يتوفر كعنوان على مكانته
على سلم القيم الجاهزة والمتحققة؛ لإحالته على نوع، أو على مجموعة من
التمثلات المألوفة. المزينةtoilette هي الاسم النوعي لتيمة مستثمرة من طرف
الفنانين بوجه خاص: مزينة كتلك التي تعود ل فان ميريس، أو مزينات فينوس ل
بوشي أو ل جوردينز أو لتيتان لكي لا نسوق إلا الأعمال المشهورة، أو أيضا
العديد من اللوحات المندرجة تحت اسم "امرأة في المرآة". هذه اللوحات تعكس
في جزء كبير منها صالونات فاخرة، إذا كانت الصورة المرسومة عارية، وإذا
كانت في لباسها، تخصص لها أثواب فاخرة، غنية بالألوان والرسوم المتداخلة.
وحين تتمرأى في المرآة تظهر صورة أخرى تجلس قبالتها، قد تكون لوصيفة أو
لعاشق. وفي قصيدتنا تتعطل كل هذه المسكوكات الواحدة تلو الأخرى.
إن نص إلوار لا يمكن تصنيفه كمقطع واقعي منتقى بالصدفة، قائم على المحاكاة
المباشرة لمشهد مرفق بديكوره مع تنويعات مستوحاة من وقائع الحياة المعيشة؛
إنه يشكل نسقا مورفلوجيا منظما بدقة ويحتوي على عدد محدد من المسكوكات.
وشكل هذا النسق محدد انطلاقا من أول كلمة فيه، ويأتي انطباع الواقعية من
تنازع التناص بين الانحراف الصريح والانحراف الضمني الذي يقدم في العادة،
كرمز لتأملاتنا الشاردة عن الترف والملذات. وينبني تدلاله على انصهار
المعنى والشكل، وعلى واقع إحالته على خطاب تشكيلي، وليس على شخصية حية
تعاني من شظف العيش. في النمطين الآخرين من الانحراف المضاعف توجد
المتتاليتان الحائدتان محيَّنتين في القصيدة. ويتميز النمط الثاني
بانحرافين يمثل أحدهما المسند إليه، ويمثل الآخر المسند المنتمي إلى الجملة
المولدة. ويعارض أحدهما الآخر نتيجة تناقض دلالي.
تتحدث قصيدة النثر "سطوع القمر" ل كلوديل عن القمر ليلة تمامه. وقد تجسدت
المولدة في العنوان، أو تحديدا، عن لا نحويته، ولا نحويته هذه ناجمة عن
طبيعة تركيبه المعجمي، فكلمة سطوع لا تنطبق في الغالب إلا على الشمس. أما
بخصوص القمر فإننا ننتظر كلمات من قبيل نور أو ضوء التي تدل على نسبة أقل
قوة، والتي يمكن مع ذلك تقليصها بصفات: باهت، ضعيف، أو شفاف. أما سطوع
فإنها تحول التعارض شمس/ قمر إلى نوع من التماثل. ويمكن تبعا لذلك أن نقترح
المولدة التالية: القمر شمس (مقلوبة)، والأجدى أن نقول القمر يشع، إذا لم
يكن استعمال هذا الفعل يقتصر فقط على النور الشمسي.
من جهة، تفرز المولدة متغيرة – هي مجموع التفاصيل المتعاقبة التي تؤثث
المشهد لنور القمر. وتفرز من جهة أخرى، ثابتة شكلية، تتعرض بموجبها كل
تفصيلة للتحوير بالاعتماد على إحدى الصفات المختارة من القاموس الخاص بضوء
النهار. ولسوف تندرج هذه القصيدة ضمن النمط الأول من الانحراف، لو بقي نور
القمر المتعارف عليه مضمرا، والحال أن الكلمات الخاصة بالنهار وتلك الخاصة
بالليل، توجد هنا ملتحمة ببعضها البعض، بالرغم من تعارضهما المتبادل. وتبقى
وحدة النص رهينة بواقع أن نور القمر يتم صياغته بالاعتماد على دليل التوهج
الشمسي:
(...) كل ما يسَعُه الفضاء أراه مفعما بنورك، يا شمس الأحلام!
(...) ككاهن نبه لتلقي الأسرار، خرجت من مضجعي للنظر
في هذه المرآة السحرية. باعثٌ للحياة والخلق هو نور الشمس،
ورؤيانا إحدى مصادر طاقته. بيد أن سطوع القمر يعد نظيرا
لباعث الفكر.
إن أي تركيب متجانس لكونه متغيرا للمولدة، يتوفر على مسند إليه قمر أو ما
يقوم كناية عنه، وعلى مسند شمس أو ما يقوم كناية عنها. وسنكون بإزاء تراكيب
صحيحة إعرابيا ولكنها خارجة عن المألوف دلاليا (شمس الأحلام، شمس ما بعد
منتصف الليل، سطوع) مستعارة من الشمس للقمر، ونور من القمر للشمس. وسنعثر
على جمل من قبيل "منتصبة ومعزولة، مثل ليلكة كبيرة بيضاء، ومثل زوجة ليلية،
كانت هذه الشجرة العظيمة قد نورت، وأخذت ترتعش وقد شارف تقززها من النور
غايته" حيث تتوج "زوجة ليلية" بشكل خلافي وصفا مبالغا فيه للنور، وأيضا من
قبيل: "النجمة القصية، هناك في الأعلى، والأكثر انتحاء وضياعا في غمرة من
الضياء" حيث ترسيمة النجمة القصية التي لا تكاد تلحظ في أتون الظلمة، تتعرض
للقلب، لتصبح نجمة تكاد تمحي في بحر من النور.
ويعود الفضل على ما أعتقد إلى رامبو الذي صاغ تعارضات من هذا القبيل. وتعد
تعارضاته أيضا الأكثر تطرفا. لنتأمل مثلا القسم الثاني من "طفولة"، من
الإشراقات:
إنها هي، الميتة الصغيرة خلف أشجار الورد – الأم الصغيرة
المتوفية تهبط الدرج- عربة خيل العم تزعق فوق الرمل-
الأخ الأصغر (الموجود في الهند!) هنا أمام الغروب، على
مرج القرنفل- العجرة الذين دفناهم وهم وقوف في
المتراس الخاص بالخيري.
المشكل المطروح على القارئ يكمن فيما يلي: فيما يواصل أفراد العائلة
نشاطاتهم الاعتيادية (المرأة الشابة تهبط الدرج، الأخ الأصغر موجود فوق
المرج، الخ.)، فإن الإشارة إليهم تتم بواسطة أوصاف تنتمي إلى الموت، أو
بواسطة ملفوظات دالة على الغياب تحيد هذه النشاطات. المحاكاة توجد هنا
مقوضة، أو إذا شئنا، فان نوعين من المحاكاة يتنافسان في الجمل ذاتها. هذا
من منطلق انه يتم التلفظ، في كل مرة، وداخل الجملة الواحدة بهذه التمثلات
المتنافرة بغض النظر عن ثنائية القطبية. ونتيجة لموائمة هذه التمثيلات
بواسطة متتاليات لفظية مقبولة نحويا، تفرز تناقضات تجعل احتمالها صعب
التصور، وتقف حائلا أمام القارئ لتمثل المشهد اللهم إذا اعتبر استدعاء
للفوق- طبيعي، أو نظر إلى النص باعتباره هلوسة. وهذا بالضبط ما يقوم به عدد
من الدارسين لهذا النوع من النصوص. وهم بذلك يكشفون عن المأزق الذي يوجدون
فيه. ومع ذلك فهذا المأزق هو الذي يساهم في تشكيل تدلال النص في مجموعه.
وللعثور على التدلال ينبغي القبول بهذه المقدمة المنطقية التي تدل عليها
التمثيلات شريطة الكف عن النظر إلى الواقع ككتابة مرجعية، وإدراجه كعلامة
نصية تحيل على مفهوم- أكان ترسيمة، أم تيمة، موضوعا أم مفهوما شعريا يشكل
النص أو يخبر عنه.
إن الحياة الموصوفة من طرف رامبو تنتمي لمرحلة الطفولة. وكل كلمة تعين احد
الآباء تبدو صادرة من فم طفل: الشاهد إما في عنفوان شبابه (أم صغيرة،
عجوز)، أو يصدر عنه كلام طفولي (الميتة الصغيرة، الأخ الأصغر). إن منظر
الحديقة الذي يوجد أيضا في تقابل مع صور الموت هو استعادة للغة الطفولة.
فحديقة الذكريات بمثابة ثيمة لها ارتباط وثيق بما له علاقة بعهد الصبا،
سواء أكانت الحديقة حقيقية مثل حديقة الفطريات ل هوغو، أو كانت مجازية
كالجنة الخضراء لغراميات الطفولة لبودلير.
المقطع الموالي للذي استشهدت به لرامبو، نكتشف مدينة صغيرة هجرها سكانها
(كالمدينة اليونانية Urn لكيتس)، هذه المدينة تعطي الانطباع بأنها كمبراي
قبل الأوان يعمرها راعي الكنيسة وحده، أو مدينة مارسيل بروست: ضاحية سوان
Du cote de chez Swan (منزل الجنرال)، أو ضاحية عائلة الغرمانت (القصر،
مساكن الحرس). باختصار ينظر إلى عناصر هذا المنظر باعتبارها انحرافا عن
العنوان "طفولة". بيد أن التدلال الذي يغمر بالتوليفات النحوية المكونات
المتنافرة في هذا الماضي (ماض لأنه مؤسس على الموت والغياب) الذي ما يزال
قائما- وإذن فالتدلال عبارة عن ذاكرة أو ذكرى، وهو المرادف الآخر للطفولة،
أو معادله المثير للأشجان. بذا يمكننا كتابة الجملة الأصل كامتداد لكلمة
ذاكرة: طفولة حية، لكنها لم تعد من الحياة، الصيغة الأخرى لثيمة عزيزة على
الكتاب الرومانسيين: الحياة داخل الموت.
في النمط الثالث من الانحراف المضاعف توجد المتتاليتان جنبا إلى جنب داخل
النص، مع مقابلة إحداهما للأخرى على الصعيد الأسلوبي، بحيث تحتوي إحدى
المتتاليتين على عدد من الاستعارات وتخلو الأخرى منها. لذلك نجد انحرافا
حرفيا ومباشرا من جهة، وانحرافا مجازيا غنيا بالتوريات من جهة أخرى.
تعطي قصيدة النثر الـ "اللوحة" لفرانسيس بونج انطباعا مسليا، بوصف اللوحة
من جهة خصائصها كمعدن وكلون وكأداة مدرسية الخ. ويمكن أن نعثر على كل
الدلالات الموجودة في القواميس، مرتبة بشكل دقيق، بحيث أن أي عالم بالمعادن
أو أي واضع للمعاجم، لا يستطيع أن يضيف إليها شيئا. إن الأمر يتعلق بحالة
شبيهة بتلك الخاصة ب "حمام" حيث نجد المولدة والعنوان والانحراف الحرفي
الذي يكاد يستنفذ كل المنظومة الوصفية للكلمة. فضلا عن أن القصيدة توجد
مطعمة بالصور الطريفة: تشبيه اللوحة بمعلمة عجوز في نهاية القسوة، وبنثر
الجرائد. صحيح أن لعبا بالكلمات هو المسؤول عن الجو الهزلي من البداية؛
ولهذا تظهر القصيدة وكأنها حذلقة فكرية حول المسند إليه أي، حرفيا، حول
اللوحة في حد ذاتها: "حتى في حالة إمعان الفكر فالحصيلة هزيلة، لأن اللوحة
تتوفر على إحالات محدودة جدا"، ولكن بالرغم من أن هذا المعطى الأولي يبرر
لعبية النص ويبرر من ثم نوعا من وحدة الصوت، فان ذلك لا يقلل من المجانية
الواضحة للصور. وعلى أية حال فقراءة هذه الصور ثانية يكشف عن صدورها عن
المولدة بشكل قوي، بواسطة الانحراف الكنائي. وتتجلى الثابتة هنا، في كون كل
استعارة خاصة باللوحة، إذ تظهر بأنها غير معللة، فهي في واقع الحال منبثقة
عن إحدى كناياتها. ومن ثم:
"لو أن بها [باللوحة] كتابا، فلن يكون إلا نثراSad...)
عمود جريدة(...) مزين بأقدم المستحثات المعروفة".
يقوم التسويغ المرجعي الوحيد (وإن كان ضعيفا، إذا أردنا الدقة) على واقع أن
اللوحة تتكون من صفيحات دقيقة مماثلة بشكل عام لأوراق الجريدة. بيد أن
كتابا آخرين سبق واستثمروا هذه الصورة، مثلا يقارن كلوديل اللوحة ب "حزمة
أوراق سوداء مقتطعة من أرشيف الطبيعة". يجوز أن هذه الاستعارة تجد تفسيرها
في الوظيفة المرجعية للغة؛ ويبدو لي من المرجح، أن كلوديل، تماما مثل بونج
يستدعي هنا صورا تعرضت للتنميط. وما يمنح مثالنا ميزة خاصة هو الانحراف،
لأن تبريره الحقيقي شكلي يشتغل بطريقة رجعية ما دام أنَّا لا نفهم الصورة
أو أننا لا نعترف بخاصيتها إلا حينما نكتشف الصورة التي تليها. وتعد صورة
الجريدة، من بين كل الأشياء التي تتخذ صبغة ورقية والتي يمكن الإشارة إليها
في هذا المقام، النموذج المتطرف لكتابة النثر، ويصبح أردواز اللوحة نثرا
بالمقارنة مع الرخام، شرط أن ينظر إلى الرخام باعتباره الشعر. وفعلا، يشير
سطران في مكان آخر من النص إلى أن الأردواز كامد بينما الرخام لامع، بل
متوهج. ولقد تم تبرير هذا التوهج بتفسير مبتكر: بنات كاررار Carrare(يقصد
الرخام) اللواتي "أصابعهن، في الكتف، إصبع النار" – حقيقة جيولوجية يتم
صياغتها بواسطة لغة شعرية. ويكفي أن نذكر من ينزعج من تفسير بونج للمنشأ
البركاني للمعادن بكلمات شعرية، وسعيه للبحث عن الأردواز من بين كل المعادن
الممكنة من أجل أن يقابلها بالرخام، يكفي أن نذكره ببيت دو بِلاَّي Bellay
الشهير:
"بقدر ما يزداد الرخام صلابة، يروق لي الأردواز الرقيق"
إن التشخيص "بنات كاررار" وهو تعبير شعري كلاسيكي، يعين المنشأ أو الانتساب
– تماما كقولنا بأن الخمرة ابنة العنب الخ؛ تتمخض بنات كاررار من جهتهن عن
معلمة. "هؤلاء الأوانس ينتمين لنهاية المرحلة الثانوية"، هذا ما يؤكده
النص: وإذا كان زمن تكوين الرخام يعود للعهد الجيولوجي الثاني، وكان الرخام
هو بنات في مقتبل العمر، فإن الأخيرات سينهين دراستهن الثانوية، وما دام
الأردواز يعود إلى العهد الجيولوجي الأول أو القديم فإن تشخيصه لا يمكن إلا
أن يعود إلى مستوى التعليم الأولي:
"تنتمي معلمتنا، لمؤسسات التعليم الأولي، فهي بعمر الحجر العتيق،
تلوح بوجه كئيب، متهالك: طلاؤه يوحي بالأثر المضني للزمن أكثر
مما يوحي بالليل"
قد يظهر التحليل مبالغا فيه، ومع ذلك فالانحراف اللفظي هو من القوة
لاستناده على الصورة النمطية للمدرسة التي تجعل منها فتاة عانسا، الفارق
هنا هو الإفصاح عن عمرها بواسطة صورة معدنية (الحجر العتيق) المنمطة هي
بدورها. لأن التقليد في تراتبية المدرسين يوكل للمعلمة أمر أطفال المستوى
الأولي، وتقوم اللوحة كناية عنها وبالعكس تقوم هي كناية عن اللوحة.
وبقدر انزياح النص عن التمثيل المباشر – يكون أكثر قربا من مرادفات اللوحة.
وبالفعل تنجم الطرافة أساسا عن اللانحوية وهو الباعث في كون النص يوجه
الاهتمام نحو نص آخر غائب، الذي بمقدار الإحالة عليه يكون استناد اللانحوية
على الاستعمال المنزاح للكناية أكثر من استنادها على التشابه في منظومة
المجازات؛ وعليه فمعلمة المدرسة كاستعارة تمثل اللوحة لا لاعتبار المشابهة،
ولكن لأن اللوحة نعت أليغوري للمعلمة. وفي حالة كهذه فان الثابتة الشكلية
للقصيدة تتميز بانعدام الملاءمة، وبالالتفاف اللفظي في حدوده القصوى- تصبح
اللوحة إذا شئنا، لا-لوحة، محددة بطريقة تجعل منها شيئا آخر. وهذه الغيرية
المعجمية ليست مع ذلك ثمرة الصدفة، لأنه إذا كان تمثيل ما غير ملائم يتم من
خلال كلمة غير ملائمة، فان هذه الكلمة تقترح ما يلائمها. لذلك يعمل انحراف
لفظي على تحيين منظومة اللوحة، فيما يتم تكييف انحراف مجازي آخر بواسطة
الحضور المكبوح لهذه المنظومة. وتنكشف قصيدة نثر كهذه عن دائرية غاية في
الاكتمال بما أن محتوى الاستعارة، لوحة، يتخذ كقالب له معادله التوري؛ وذاك
هو نجاح الاكتفاء الذاتي اللفظي والشكل الخالص للأدبية كصنعة.
والخلاصة أن ما يميز قصيدة النثر هو كون المولدة تتضمن أصلا تناقضا في
الألفاظ. ويظل النص يحل هذه التناقضات فيما هو ينمو، كما هو الشأن في قصيدة
بونج، أو هو يكررها كما هو الشأن في نصوص كلوديل، رامبو والوار. وعليه
تغدو قصيدة النثر نموذجا للانتشار في أسمى حالاته.
ويتطابق تدلالها مع التناص، ما دامت تستند على قدرة القارئ على رؤية (وليس
بالضرورة على وصف) تعالق كلا المتتاليتين، في نفس الوقت، على الصعيدين
العلائقي والصراعي. وبذلك فقصيدة النثر تتطلب مساهمة فعالة من لدن القارئ
(مما يجعلها تتجاوب مع التعريف الذي أعطاه بارث للكتابة scriptible )،
وهنا يوجد اختلاف فعلي يميز قصيدة النثر عن القصيدة العروضية، ذلك أن الشعر
الموزون قد لا يكون في حاجة إلى مولدة، وبعبارة أخرى يمكن للمولدة
العروضية إلا تكون متوقفة على المولدة الخاصة بالنص: فهي تالية للنص، مثلها
في ذلك مثل أي مفهوم آخر. بينما في قصيدة النثر تستبدل المولدة الشكل
الجاهز بشكل اللغة الفردية المعمول خصيصا لتوائم القصيدة. ولان قصيدة النثر
تولد من ثابت يحددها ويشكل جوهرها فإنها تتلاءم دائما مع هذه الثابتة بشكل
تام ونهائي.
وفي الأخير، فإن هذا التدلال المنبثق عن التناص، يقدم نفسه كمعنى، وليس
بالضرورة كمحتوى. وينزع المعنى لأن يصبح تجليا للشكل: فعل التعريض للرؤية
لدى الوار، "النتوء" أو الفكر عند بونج. إن قصيدة النثر لا تبعد أن تكون
محاكاة للواقعة الأدبية نفسها.

عن
كتاب: دلائلية الشعر، لميكائيل ريفاتير، المترجم عن الإنجليزية من طرف جان
جاك توماس، مارس 1983، صص: 148-15
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

دلائلية نوع: قصيدة النثر :: تعاليق

هشام مزيان
رد: دلائلية نوع: قصيدة النثر
مُساهمة الخميس يونيو 10, 2010 10:41 am من طرف هشام مزيان
ة في التحليل النصي المعاصر). لقد ذهب أراغون إلى حد
القول بأنه "لا
توجد ضوابط تمكننا من التعرف على قصيدة النثر من قطعة نثر
معزولة". ومع
ذلك فملاحظته لا تكتسي مشروعيتها إلا في حالة واحدة: حينما
يعزل
الشاعر اعتباطيا مقطعا نثريا ويعنونه ويدعوه "قصيدة". هذا المقطع لا
يعود
شعرا إلا حينما تفرقه البياضات، محددة إياه كموضوع للتأمل، بغض النظر
عما
يحمله من معنى، ما
 

دلائلية نوع: قصيدة النثر

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» سجال قصيدة النثر والشعر العمودي – May 25, 2012 Print Friendly سجال قصيدة النثر والشعر العمودي زيد الشهيد في ولعه بالشعر وخروجه عن أسار القافية تلقف الشاعر العراقي الثمانيني ما كان ادونيس وانسي الحاج نشراه في مجلة شعر مما سمي بـ قصيدة المثر في خضم اندلاع
» السرد في قصيدة النثر
» قصيدة النثر في اليمن
» سيرة قصيدة النثر العربية.
» الراهن الشعري المغربي قصيدة النثر وأشياء أخرى

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: