الراهن الشعري المغربي قصيدة النثر وأشياء أخرى – June 6, 2012
الراهن الشعري المغربي قصيدة النثر وأشياء أخرى
عبد الهادي روضي
1 ــ أعتقد ،من وجهة نظر، متأتية من متابعة تكاد تكون يومية للراهن الشعري
المغربي، أن قصيدة النثر المغربية لم تستطع أن تنجب شعراء حقيقيين، حتى في
ظل الإصدارات المضاعفة اليوم، واتساع دائرة حلقات تدارس الشعر، وتنامي
المواسم الشعرية التي تقام بمدن المملكة المغربية، ويستدعى إليها جيش
عرمرم من الشعراء وأنصافهم، مما يجعل راهننا الشعري ملتبسا شاء من شاء
وأبى من أبى، وعليه فالقصيدة والنص الشعري معا يحبوان، ولم يصلا إلى مرحلة
النضج والاكتمال الشعريين رغم انتساب شعريتنا إلى أزمنة ليست بالقريبة
منا، والأسباب متعددة منها ما يرتبط بالجانب المعرفي لدى الشعراء الذين
يتشدقون بكتابة الشعر، والانتساب إلي مياهه الوطنية والإقليمية والدولية،
إذ تكاد تنعدم الرؤية التنظيرية للاشتغال الشعري في غالبية الدواوين التي
اقتنيتها أو توصلت بها، ومن ثمة نلمس غياب التجربة الشعرية الخاصة لدى
الشاعر أو الشاعرة، فالأسماء المغربية التي تشتغل بقصيدة النثر معظمها
تقدم نصوصا مترامية الأفكار، لا ينتظمها أي رابط إلا ما نذر، و جملا
تقريرية، مثلما تعتمد الوصف والسرد الجامدين للمرئي، حتى إن بعض الإصدارات
لو أجاد أصحابها الإنصات لدواتهم، خارج موجات التطبيل والتهليل المنهالة
عليهم مغربيا وعربيا، وأعادوا صياغتها في مشروع سردي حتما سيكون أجدى من
مسمى الشعر ، الذي يجنس إصدارهم المقدم للقارئ، ويمارس عليه غباء مضاعفا،
هي نصوص تغرد، بموازاة كل ذلك، خارج فعل الدهشة الذي يقف موازيا ومصاحبا
لفعل الكتابة ذاته، ولذلك يتواصل مسلسل إخفاق الشعراء المغاربة في تأسيس
اتجاهات شعرية واضحة الميسم، وتلك خصيصة لازمت الممارسة الشعرية لأجيال
طويلة من عمر القصيدة المغربية.
2 ــ كنت دوما أومن بأن القصيدة أو
النص الشعري هو الماء الذي ترتوي منه الذات الشاعرة في بحثها المتواصل عن
أقاصي الشعر، غير أنه رغم ما يحدث ، والتطبيل والتهليل اللذان يطالان كل
الواجهات الملاحق الثقافية، المجلات المختصة، المهرجانات الشعرية، الجوائز
المشبوهة ، لا يخفي هزالة وضعف ما ينشر ويطبع هنا وهناك، وما يحزن أكثر هو
التفكير جماعيا في صياغة أسئلة جوهرية في حال الشعر، بعيدا عن لغة الوجدان
التي تغلف العلائق الإبداعية من طنجة إلى الكويرة، طرح السؤال هو بداية
المعرفة الشعرية، ومعناه أنك تتنازل عن أبراجك العالية، وتتواضع من أجل
المعرفة، فما هو الشعر؟ ماهي قصيدة النثر؟ وهل نمتلك تصورا تنظيريا يجعلنا
نؤسس حدود تجربة قصيدة نثر مغربية في أبعادها المحلية والإقليمية
والعالمية؟.
3 ــ جوهر المشكلة كامن في حقيقة يتحتم حضورها، وهي أنه
يجب أن نتحدث بصدق وأن نزيل يافطات الزيف والمجاملات التي تغلف عقول
الكثير من أصدقاء الشعر، والشعراء وأشباههم، والشواعر وأشباههن، وأن ننتصر
للأصوات والتجارب الشعرية الجميلة، وأن نحتفي بها، أعرف أن المجاملة جزء
من لعبة الكتابة، وتداول فعل الشعر، لكن المخجل والخطير أن تتحول إلى
مقياس لتكريس الرديء، والضعيف، والغث مما يكتبه الكثير منا، ويغط الطرف عن
الخلاق والشعري، لقد طُلِبَ مني في مهرجان شعري حضرته أن أبدي ملاحظات
بخصوص ما قرأه شاعر متحمس، ومكرَّس، وحظي ديوانه بعطف اتحاد كذاب المغرب ،
عذرا، اتحاد كتاب المغرب، وعندما أخرجت مُدوِّنتي وأبديت جملة ملاحظات كنت
قد سجلتها كما هي عادتي استجابة لنداءاته، ثارت ثائرته، حاول أن يبرر
قناعاته التي بيَّنت لي بالملموس ضعف مخزونه النظري فيما يرتبط بالكتابة
الشعرية، الغريب أنه تشدق بكلام دنيء يشي بكثير من الخواء الفكري والشعري،
وحاول أن يمارس علي غباء معرفيا تحت مسميات كثيرة كالانزياح والخرق
والضبابية والعماء والتيه، لحظتها أدركت أن الشعر وفعل الكتابة يعيشان
غربه سحيقة وعميقة.
4 ــ المؤسف الكثير من شعرائنا وشواعرنا يرتكب
مجازر لغوية ونحوية كثيرة، ويتحدث عن نظريات شعرية حديثة لا يعرف منها سور
القشور، بل الأنكى لا يجسدها في تعاطيه اليومي والمستمر مع حرقة الشعر،
ويستدعى للملتقيات وولائم القصيدة، ويمنح الجوائز الهبات ، والنتيجة توالي
غربة الشعر وهو يختط آفاق جديدة فرضتها العولمة الظالمة، ورياح التغيير،
فالمنتديات بالشبكة العنكبوتية ساهمت في تكسير السلطة الرمزية التي كانت
بيد بعض المنابر الجادة والمسؤولة، وجعلت ثلة ممن كان الباب موصودا
ينطلقون كجحافل نمل، يكتبون نصوصا مهترئة، ومدجنة، ومصابة بالعقم قبل وبعد
ولادتها، ولا أحد يقول اللهم إن هذا لمنكر، الكل يطبل، الكل يشجع، حتى صار
اللا شاعر شاعرا، والشاعر لا شاعرا.
5 ــ من تداعيات وانعكاسات هذا الوضع الشعري المدجَّن، بروز ظواهر كثيرة أبرزها
استدعاء أسماء بعينها لملتقيات بعينها، وتمجيد رداءتها، والنفخ في
خربشاتها، تكريم أسماء جديدة لم تراكم ما يستوجب لها التكريم، وتهميش
أسماء هي جديرة بالاحتفاء الرمزي، تكريسا لاستمرارية القصيدة، وأخذ
الشعراء ببعضهم.
التراشق بالألقاب حتى صار البعض بقدر قادر أمير قصيدة النثر والأخرى فارسة القصيدة ذاتها.
تبخيس الشعراء الصادحين برؤاهم وتصوراتهم الجادة، والتشكيك في غيرتهم، والتشويش على حضورهم الشعري والنقدي.
تشكيل ما يسمى لوبيات إبداعية صغيرة، شعارها الدفاع على المعارف الشعرية، وما يندرج ضمن باب المعارف.
المتاجرة بقيم الشعر والسعي إلى الاغتناء المادي عبر إقامة ملتقيات ومواكب تحت مسمى الإبداع الشعري والقصصي والزجلي.
السعي إلى خلق أسماء شعرية وقصصية وهمية، والنفخ في نصوصها، ضمن مشاريع غير بريئة وعقلانية.
تأسيس دور نشر وهمية هدفها الأساس تمييع المشهد الإبداعي، وسحب البساط من تحت المؤسسات ودور الطبع الجادة.
6
ــ هذه الملاحظات لا تحصى كل ما استبد بساحتنا الثقافة والإبداعية من جهل،
واستشرى من خواء وحصار، وفوضى، لكنها تتلمس بعض مظاهره، مركزة على جزئيات
علَّها تضيء الذي خفي، متسلحة بجرأتها في التوضيح، متعالية على كل نية
مبيتة، و هي إذ تشرف على نهايتها تؤكد حقيقة ثانية مؤداها يجب أن تتوفر
المشروعية في المشهد الثقافي المغربي عندئذ يمكننا أن نتحدث عن قصيدة
النثر، مالها وما عليها، أما في الوقت الراهن فالأمور ملتبسة جدا، وملغومة
أكثر..