عالمية الاسلام والعولمة الأمريكية
الاسلام دعوة عامة ومنهج شامل للناس انه رسالة تخاطب كل الأمم والأجناس وهذ
وضحه القرآن في كثير من الآيات كقوله تعالي : (قل ياأيها الناس اني رسول
الله اليكم جميعا ) الأعراف : 158 ، (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين )
الأنبياء : 107 وبهذا العموم الذي يقرره القران يتميز الاسلام عن غيره من
الرسالات السابقة التي اختص كل منها بقوم معينين وكان من مقتضي هذه
العمومية للاسلام أنه سوي بين أتباعه علي اختلاف أجناسهم وألوانهم وصهرهم
في أمة واحدة الكل فيها سواء لافضل لعربي علي عجمي ولا أبيض علي أسود الا
بالتقوي والعمل الصالح فقال تعالي
ان
أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13 وسيرة الرسول (ص) وأحاديثه تؤكد
علي هذه المساواة فقد روي عنه أنه قال : (ان أمر عليكم عبد أسود يقودكم
بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ) رواه مسلم (عالمية الاسلام والعولمة : د .
عبد المقصود عبد الغني من كتاب الاسلام في عصر العولمة ، المؤتمر الدولي
الرابع للفلسفة الاسلامية )
ولقد امتاز الاسلام بمبادئ جعلته دينا صالحا للبشرية علي اختلاف زمانها
ومكانها والباحثون الغربيون أنفسهم قدموا شهاداتهم بهذا الخصوص والتي تجئ
كاعتراف حر مدعم بالقناعات العقلية وموثق بالرؤية المقارنة لما تتضمنه
حضارة الاسلام من قيم وخصائص متميزة وفعالة يمكن أن تمارس دورها في صياغة
حاضر الانسان ومستقبله
فرجل القانون الفرنسي المعاصر بوازار يقول : " ان هذا الدين يعود في العالم
العربي المعاصر بوصفه أحد الحلول للمشكلات التي يطرحها مصير الانسان
والمجتمع " ولطالما أعرب عن اقتناعه بأن في وسع العالم الاسلامي من بين
عوالم أخري أن يقدم مشاركة أساسية في تكوين المجتمع الدولي المرتقب وأهمية
المشاركة الاسلامية تبدو في نظر بوازار في التوازن الذي يمنحه الاسلام بين
التقدم المادي (التقني ) وبين المطامح الروحية والانسانية عامة لاسيما وأن "
الانخراط في المجتمع التكنولوجي والمواجهة بين الاسلام والثورة التقنية
لاتدفع المسلم الي انكار موقفه الديني بل الي تعميقه أمام العالم وأمام
الله ...ومحاولة ادراك الامكانات بشكل أفضل في اطار اسلامي شامل " ( الوسيط
في الحضارة الاسلامية ص 387 ، 388 )
ولأن تكوين الانسان كما خلقه الله هو مزيج من المادة والروح فقد أتي
الاسلام يمثل الاتجاه الوسط حيث لا اسراف في المادة أو الروح كعاملي حضارة
معا وكما يقول علي عزت بيجوفيتش : " ليست الثنائية فلسفة اسلامية وانما هي
نوع من الحياة الانسانية السامية ...ومن هنا جاءت أهمية الاسلام لأنه يعترف
بالثنائية في طبيعته ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون )
الروم : 30 وأي حل مختلف يغلب جانبا من طبيعة الانسان علي حساب جانبه الآخر
من شأنه أن يعوق انطلاق القوي الانسانية أو يؤدي الي الصراع الداخلي ان
الانسان بطبيعته الثنائية أكبر حجة للاسلام " ( الاسلام بين الشرق والغرب :
علي عزت بيجوفيتش ،ص318 ، 319 )
وقد أدي غياب هذه النظرة الثنائية للطبيعة الانسانية في الفلسفة الغربية
الي أن تحول العالم الي غابة يأكل القوي فيها الضعيف ويتحكم في مصيره عبر
مؤسسات مصطنعة لخدمة هذه الأغراض ومانراه من تفجيرات للصراعات في كل مكان
وخاصة في منطقتنا العربية شاهد علي ذلك وقد عكس لنا جارودي هذا المعني
بتصويره للانسان في الحضارة الغربية تحت عنوان (أساطير التقدم والحداثة )
كما صوره فلاسفة الغرب ولد ثقافة تقوم من خلال ثلاثة فروض أساسية :
الفرض الاساسي لديكارت " جعلنا أسيادا وملّاكا للطبيعة " الطبيعة المنتقصة المختزلة في شكلها الميكانيكي
الغرض الاساسي لهوبز " الانسان ذئب للانسان " هذا في تعريفه للعلاقات بيت
البشر علاقات تنافس علي الأسواق مواجهات الغابة بين الافراد والجماعات
الفرض الأساسي لمارلو في كتابه فاوست الذي أعلن مسبقا وفاة الاله : " أيها
الانسان طريق عقلك القوي تصبح الها المالك والسيد لكل العناصر " وهكذا كما
يقول جارودي تم تكريس القضاء علي الأبعاد السامية للانسان والرفض لكل القيم
المطلقة وأصبح المعيار الوحيد للتقدم في هذا المنظور الثقافي الشاذ هو
النمو العلمي والتقني الذي من خلاله تقاس قدرة الانسان علي الطبيعة وعلي
الآخرين من البشر "( حفاروا القبور ..الحضارة التي تحفر للانسانية قبرها :
روجيه جارودي ص 94 ، 95 )
وهذه النظرة المادية للانسان والمتوحشة في آن واحد كانت تمثل المناخ الذي
انبثق عنه نظرية " صدام الحضارات " لصمويل هنتنجتون فبحسب عبارته " الكره
شئ انساني ولتعريف النفس ودفعها يحتاج الناس الي أعداء منافسين في العمل
خصوما في الانجاز وفي السياسة " ( صدام الحضارات : صموئيل هنتجتون )
ويذكر هنتجتون : " أن الحضارة الغربية هي الوحيدة التي كان لها تأثير رئيسي
وأحيانا مدمر علي كل الحضارات الأخري بسبب رغبة هذه الحضارة في فرض
نموذجها الحضاري وثقافتها علي الآخرين ومايؤدي اليه ذلك من رد فعل مضاد من
جانب الحضارات الاخري بسبب رفضها لهذا النموذج وتمسكها بخصائصها وهويتها
الثقافية فهو فرض وهيمنة من جانب ورفض ونفور من جانب آخر " ( الاسلام
والغرب في ظل العولمة : د . عبد الحميد مدكور من كتاب الاسلام في عصر
العولمة )
وهكذا تم ترجمة الأسس النظرية التي قامت عليها الفلسفة الغربية الي واقع
مرير يعيشه الانسان في ظل علاقات تحكمها الهيمنة والغطرسة والاستعمار فهو
مناخ يغذي الكراهية بين الانسانية جمعاء ويؤجج لنار العداوة من أجل رغبات
مادية لا تنتهي تزهق من أجلها ملايين الأرواح وتهدر فيها كرامة الانسان
وترفع شعارات براقة لا تجد لها ترجمة عملية في واقع الحياة اللهم الا اذا
كان لمصلحة الغرب نفسه ولغرض هيمنته ومن أجل ذلك وجدناهم يرمون الاسلام
بالارهاب هكذا علي العموم ولكن كان هناك من يدافع عن الاسلام في تلك
الناحية وأخذ دفاعهم منحنين :
الأول : يقول ان الاسلام هو ضحية الارهاب
الثاني : بيان الأسس التي أقام عليها الاسلام علاقته مع غيره وفي كلا الناحيتين نعكس وجهة نظر المفكريين الغربيين المنصفين
فبالنسبة للجانب الأول وهو الذي يمثله بعض الباحثين الغربيين والسياسيين
والذين يحاولون كشف اللثام عن أرضية مشتركة للتعايش السلمي بين الغرب
والاسلام قائمة علي الاحترام المتبادل للثقافة التي تقوم عليها كلتا
الحضارتين وتتسع لعلاقات من الحوار والتعاون رافضين نظرية كل من فوكوياما
وهنتجتون المؤججة للصراع ومن أبرز هؤلاء المفكرين " هاليداي " في كتابه "
الاسلام وخرافة المواجهة " الذي يرفض مايسمي بالخطر الاسلامي ويصفه بأنه
خرافة ونوع من الحماقة لأنه ليس هناك خطر عسكري تثيره قوات اسلامية موحدة
وكما يقول " ان البلدان الاسلامية قد تابعت مصالح دولها القومية الفردية
وفي أحيان كثيرة حاربت بعضها بعضا " " وان الحركات الاسلامية نفسها معنية
بما يجري داخل العالم الاسلامي وليس بفتح العالم ) ثم يرفض اتهام الاسلام
بانه يسوغ الارهاب لأن الاسلام ليس له علاقة بالارهاب وأن الارهاب عندما
ظهر في القرن التاسع عشر لم يكن المسلمون هم الذين شقوا طريقه وانما نشأ
علي أيدي غيرهم
" وعلي أية حال لم يكن العالم الاسلامي هو الذي نظم مذابح اليهود في الحرب
العالمية الثانية ولاهو الذي طرد السفارديم من أسبانيا وفي كثير من البلدان
اليوم نجد أن المسلمين هم ضحايا القمع والارهاب في بورما وكشمير وفلسطين
وفي الآونة الأخيرة في البوسنة ولا يستطيع أحد أن يزعم أن المسلمين
المناضلين هم المسئولون عن هذه الأزمات ان كانوا مسئولين أصلا " (الأمير
تشارلز : الاسلام في عصر العولمة د . حمدي زقزوق )
وفي هذا الصدد أيضا يذكر فوللر وليسر في كتابيهما : ( الاسلام والغرب بين
التعاون والمواجهة ) : " نحن لا نعتقد أن العلاقات بين الاسلام والغرب تمثل
بذاتها المجال المقبل للصراع الايدولوجي العالمي فالاسلام كعقيدة ليس علي
طريق التصادم مع الغرب " ثم يقولان : " ان العالم الاسلامي لايخلو من العنف
والصراع السياسي وهولا يختلف في ذلك عن بلدان العالم الثالث وهذه الأنماط
السلوكية تتجه في الغالب نحو بلدان اسلامية أكثر ماتتجه الي الغربيين " "
وان تاريخ العالم زاخر بالحوادث الدموية في شرق آسيا وغرب أوربا والشرق
الأدني فيما قبل الاسلام وأمريكا اللا تينية وافريقيا واذا نظرنا الي الأمر
من زاوية التكوينات العرقية فسنجد أن الأوربيين البيض هم أكثر الأعراق
اثما من حيث الدم المسفوح في الصراعات وهو ما يظهر علي نحو يقيني في القرن
العشرين "
الجانب الثاني : الأساس الذي أقام عليه الاسلام علاقته مع الآخر (العلاقات الدولية )
العلاقة مع الآخر لا تخرج عن كونها حالة سلم وهذا منهج الاسلام وحالة الحرب
لا يعترف بها الاسلام من مثل الحروب العدوانية الا اذا حدث اعتداء علي
ديار الاسلام فهنا كان الجهاد فرض عين حتي علي الزوجة لها أن تخرج دون اذن
زوجها للجهاد ضد المعتدين وفي كلتا الحالتين كانت هناك أخلاقيات أقرها
الاسلام وطبقها المسلمون وكان قدوتهم في ذلك الرسول (ص) وصحابته الكرام
وكما يقول د . محمد عبد الله دراز : " لو أننا بحثنا فكرة القانون الدولي
في أوربا في العصور الحديثة ماوجدنا كبير فرق بينها وبين تلك العصور الأولي
علي الرغم من التقدم الفعلي في تدوين قواعد هذا التشريع العام ذلك أن فكر
الاسلام المحافظة علي آثار وثقافة الحضارات السابقة وان مما يؤكد احترام
الاسلام للحضارات السابقة أن الصحابة رضوان الله عليهم الذين فتحوا البلاد
شرقا وغربا وجدوا فيها الكثير من المتاحف والتماثيل لم يمسوها بسوء وخاصة
مصر وكان ذلك منة عظيمة أسداها الصحابة للعالم مقارنة بالهمجية التي تعامل
بها الغرب الاستعماري بقيادة نابليون الذي سلط مدافعه علي أبي الهول حتي
هشم أنفه وشوه وجهه (الحضارة صراع أم حوار : بحث للدكتور أحمد حمد من كتاب
الاسلام وحوار الحضارات )
وحرب بغداد التي مازلنا نعيش مرارتها مافعل بآثارها وحضارتها ليس عنا ببعيد
وقد وجد من الغربيين من كان يصرخ للمحافظة علي الارث الحضاري بها من
الهجمة الأمريكية وحلفائها لما عرف عنهم من أنهم أبعد مايكونون عن القيم
الحضارية الانسانية ومن هؤلاء العالم الفرنسي بيروروس الذي صرح قبل أيام من
بدء قصف بغداد بالقنابل والصواريخ عام 2003 قائلا : " انتبهوا الي ماتلحقه
الحرب من أذي في آثار بابل والرافدين احرصوا علي متحف بغداد ومكتبتها كيلا
تعاد صورة هولاكو الي قرننا " ولقد ارتبط هذا العالم الفرنسي بالعالم
العربي واعترف بفضل الحضارة العربية الأولي علي الحضارات الأخري فأخذ يوجه
نداءه للغرب : أفيقوا فان العروبة تسري في دمائنا وليس من حضارة وجدت الا
وهي تلميذة الحضارة العربية الأولي ( مشار اليه في "مسخ الصورة وتحريف تراث
الأمة " سلسلة : عندما نطق السراة ، جمعية التجديد الثقافية بالبحرين ) ،
(هل الذاكرة العربية مهددة : حسين حموي ) وماذا كانت نتيجة الهجمة البربرية
الشرسة علي بغداد نهب متحفها وأحرقت مكتبتها الوطنية في محاولة لوأد
الذاكرة العربية بكل مايربطها بتراثها الذي به عزتها
أما المسلمون الأوائل فان ماحدا بهم الي ابقاء هذه الآثار : هي نظرية
الاسلام في " تدافع الأمم " وليس صراع الحضارات كما يذهب الغرب حيث ان
الأمة التي تتولي مقاليد السلطة في الأرض وتستغل ذلك لنشر الفساد والمظالم
يسلط الله عليها أمة أخري تدفعها عن مكانها وتمحو فسادها ومظالمها ثم اذا
سارت الأمة الحديثة بسيرة ماقبلها جرت عليها سنة الله في الهلاك وبالتالي
كان بقاء هذه الآثار لحضارات الأمم السابقة من أجل العظة والاعتبار (
الاسلام وحوار الحضارات ، سنن القران في قيام الحضارات ) وكما قال تعالي : (
او لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد
منهم قوة ) فاطر : 44 ، ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة
المكذبين ) الأنعام : 11
المحافظة علي التراث الثقافي للحضارات السابقة
حينما فتح العرب دولا عديدة وامبراطوريات كالفرس والروم وغيرها قاموا
بالمحافظة علي تراثهم الحضاري من خلال حركة ترجمة واسعة شملته وتم العكوف
علي دراسته وبذل من أجل ذلك كل غال ووجدت العناية بهذا التراث من أعلي سلطة
في الدولة فلولا ما قام به المسلمون من ترجمة للتراث اليوناني والمحافظة
عليه ماكان الغرب ليعرف عنه شيئا ومن المواقف المشهورة في هذا الصدد " أن
هارون الرشيد طلب بعد فتح الجيش الاسلامي لعمورية وأنقرة تسليم المخطوطات
الاغريقية القديمة وأن المأمون عندما انتصر علي ميخائيل الثالث قيصر بيزنطة
طالبه بتسليم كتب الفلاسفة القدماء وسجل ذلك في وثيقة الصلح ...وتعلق
المستشرقة الألمانية سجريد هونكة علي ذلك قائلة : أليس هذا فتحا جديدا في
عالم الحرب ؟ أليس ذلك دليلا فذا علي أن الحروب الاسلامية كانت حروب سلام
وأمن ومجد ؟ ( شمس العرب تسطع علي الغرب : سجريد هونكة )
وأجمع المؤرخون علي أن حركة الترجمة العربية التي تمت علي أيدي مترجمين
نصاري او يهود أو صابئة أنقذت التراث القديم كله من الضياع فلم تكن أوروبا
تهتم به أو تعرف عنه شيئا ( تاريخ الفكر العربي الي أيام بن خلدون : عمر
فروخ مشار اليه في مبحث " المجتمع الاسلامي بين حركتي الفكلر الوافد
والاستشراق : محمد المسير كتاب الاسلام وحوار الحضارات )
وبناءا علي ماسبق لايبقي مجال للشك أنه في ظل الاسلام وحضارته كان هناك
اقرار بتعددية للحضارات قائمة علي أسس ومبادئ دعي اليها الاسلام قرآنا وسنة
وتأكدت من خلال التطبيق العملي لما قام به الفاتحون المسلمون من المحافظة
علي آثار هذه الحضارات وعلي الارث الثقافي لها ومن خلال كل ذلك أسس الاسلام
مبادئ وأسس القانون الدولي علي قاعدة المساواة والعدل والحرية والتي لم
تعرفها البشرية خلال مراحل حياتها الا علي أيدي المسلمين حتي في وقتنا
الحضر وهذا ماأكده المفكرون الغربيون وشهد عليه سلوك الاستعماريين الجدد
متسربلا الذي أتي بنظريات مثل "نهاية التاريخ " "وصدام الحضارات" وتحويل
حياة البشر الي جحيم وعمرانهم الي خراب تحت مؤسسات دولية يتحكمون هم في صنع
القرار فيها بعكس منهج الاسلام الذي يعتبر ذلك مقررات الهية لا يجوز
للانسان أن يتدخل فيها لأنها تتعلق بالمحافظة علي العيش في أمان في هذا
الكوكب لكل الأجناس والأعراق والحضارات وهذا مافعله الاسلام حين كانت
الحضارة بيده
وأختتم هذا الموضوع بما ذكره علماؤنا من انه " ليست للاسلام وأمته وحضارتة
مشكلة مع علاقات دولية عادلة فالتعددية في الشرائع ومن ثم في الحضارات
بالنص القراني سنة الهية وقضاء تكويني لاتبديل له ولاتحريف واقامة العلاقة
بين فرقاء هذه التعددية بالمعروف وعلي قاعدة المساواة في الكرامة فالتكريم
الالهي هو لبني آدم وليس لشعب او جنس أو حتي لأبناء دين بعينه (ولقد كرمنا
بني آدم ...) والعدالة في تبادل المنافع هي تكليف الهي والتفاعل بين
الحضارة الاسلامية وسائر الحضارات الانسانية البائدة منها والحية هو أيضا
تكليف الهي أقامه المسلمون بانفتاحهم علي كافة الحضارات ...فالسياسة
الشرعية لاتقف عند البلاغ القرآني والبيان النبوي وانما يدخل فيها كل
مايحقق الصلاح وينفي الفساد اذ هي في تعريف السلف : الأعمال والتدابير التي
يكون الناس معها أقرب الي الصلاح وأبعد عن الفساد وان لم ينزل بها وحي أو
ينطق بها رسول ( هل الاسلام هو الحل : محمد عمارة ص187 ، اعلام الموقعين :
ابن القيم ج4 /372 ) والمسلمون مدعوون الي طلب الحكمة من أي مصدر أو حضارة
وكما يقول الرسول (ص) : " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "
رواه الترمذي وابن ماجه وهي في التعريف النبوي " الاصابة في غير النبوة "
رواه البخاري
واذا أردنا توصيف لحضارتنا بما يميزها عن الحضارات الاخري فانها كما قيل : "
حضارة ايمانية عقيدية ملتزمة أصيلة منفتحة قديرة علي الاستجابة للتحديات
متوازنة شاملة ايجابية بنّاءة واقعية قديرة علي التحقق في كافة مناحي
الحياة والوجود ثم هي في اطارها ونسيجها انسانية تعبر عن طموح الانسان
لعمارة العالم وتحضيره وتسعي للاستجابة لأشواق الانسان ومنازعه أيا كان
الانسان في الزمن والمكان والانتماء ..." (مدخل الي الحضارة الاسلامية :
عماد الدين خليل ، 178 )