الموقع : صهوة الشعرتعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض تاريخ التسجيل : 23/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
تحت عنوان الجوع في أمريكا بثت إحدى القنوات الفضائية الأمريكية حواراً مع أحد المختصين بالاقتصاد وانعكاساته على المجتمعات تعرض خلاله إلى حكاية مثيرة لزميل له يعمل مدرساً في إحدى مدارس مدينة "ماريلاند" أرسل يستدعي تلميذا سلم ورقة امتحانه ولم يجب فيها على أي سؤال من الأسئلة بل هي بيضاء إلا من اسمه ليسأله عن السبب؟!... فأدهشه جوابه إذ قال "إن ذلك لا يعنيني في شيء فأنا لم أتناول طعاماً اليوم ولم آكل ليلة أمس" واستمر الحوار بين مقدم البرنامج وضيفه مبيناً له وعلى الخارطة حوالي 20 مدينة أمريكية يعاني أطفالها من الجوع.
وفي ذات التوجه يكتب في "الأهرام اليومي" الكاتب عاصم عبد الخالق مبيناً أن مكتب الإحصاء الفيدرالي الأمريكي وفي تقريره اعترف بوجود 8.39 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر (بالمقياس الأمريكي) أي حوالي 2.13% من السكان ويفسر ذلك لماذا ازداد الطلب على "كوبونات" الطعام المجانية ويتابع وبغض النظر عن التباينات في أعداد الفقراء فإن مستوى الدخل راح يتدنى في السنين الأخيرة بمقدار يزيد عن 6.3% والتدهور الصحي وهو أحد إفرازات الفقر ارتفعت أرقامه فهناك 3.46 مليون أمريكي محرومين من الرعاية الصحية وفي دراسة لجامعة "هارفارد" تقول أن 45 ألف مواطن يموتون سنوياً بسبب نقص الرعاية.
هذه التشوهات الصادمة في البنيتين الاجتماعية والاقتصادية لا تحتاج إلى كبير جهد لمعرفة السبب الرئيسي لها فبإجماع المفكرين والاقتصاديين والسياسيين يكمن ذلك تحت عنوان واحد وهو الإنفاق الهائل، وفي بعض منه إنفاق هدري يتزايد بمعدلات كبيرة بينما الناتج المحلي الإجمالي لا يرتفع حتى يوازي الإنفاق المتزايد بل في أحيان كثيرة ربما راوحت نسبه في مكانها
فالحروب الأمريكية العديدة المتزايدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تتوقف بل استمرت بشكل مباشر أو غير مباشر بما سمي بالحروب البديلة دخلتها أمريكا والتي أرهقت نفقاتها الموازنات الاتحادية وإضافة الى ذلك فالكاتب "ستيفان ليهي" يلقي الضوء على جانب من الإنفاق الهدري يدعو للدهشة والاستغراب فرغم أرباح شركات النفط الأمريكية البالغة ما بين 20 – 40 مليار دولار فالحكومة المركزية تدعم هذه الشركات ﺑ40 مليار دولار سنوياً زيادة على أرباحها الكاملة والرئيس بوش في عام 2005 اعتمد قانون سياسة الطاقة الذي يسمح بتقديم 32.5 مليار دولار إضافية على صورة دعم ضريبي وخفض لرسوم البراءات على مدى خمس سنوات والحديث عن نفقات الحروب فيكفي أن نورد شاهداً واحداً لنقدر ونتصور المبالغ المنفقة على القتل والدمار فاحتلال العراق يقدر كلفته الأمريكي "جوزيف ستيملبر" بثلاثة آلاف مليار دولار، هذه السياسات الرعناء التي لم تقدم للبشرية خيراً ولا حتى للشعب الأمريكي بل أثقلت كاهل اقتصاده، فقد أعلنت الخزانة الأمريكية أنها رفعت الدين العام إلى ما فوق نسبة 100% من إجمالي الناتج الداخلي فور إقرار الكونغرس رفع سقف الديون فدين الدولة الفيدرالية وصل إلى 14580.7 مليار دولار متخطياً إجمالي الناتج الداخلي للعام 2010 البالغ 14526.5 مليار دولار وبهذا الوضع العجزي تنضم الولايات المتحدة إلى مجموعة الدول التي يتخطى دينها العام إجمالي ناتجها الداخلي ومنها بحسب بيانات صندوق النقد الدولي اليابان 229% - اليونان 152% - وجامايكا 137% ولبنان 134% وايطاليا 120% - وايرلندا 114% - وأيسلندا 103% والأسلوب الذي اعتمدته الإدارات الأمريكية في تغطية العجوز في موازناتها فما أن يصدر الكونغرس الأمريكي قراره برفع سقف الدين بمبلغ معين حتى تصدر لتغطيته سندات قروض على الخزينة معادلة له وبفوائد مغرية تغطى داخلياً ببيع قسم منها للصناديق ذات الأهداف الاجتماعية (صندوق الضمان الصحي وصندوق التقاعد) وخارجياً تشتريها دول كالصين مالكة النصيب الأكبر منها وتليها اليابان وبعض البلدان العربية والصناديق السيادية فيها ومما يجدر ذكره هنا أن أمريكا ومنذ عام 1971 نزعت الغطاء الذهبي عن عملتها وراحت تطبع الدولارات بدون توقف لا تساوي قيمتها الحقيقية إلا قيمة الورق الذي طبعت عليه وكذلك قيمة سندات الخزينة المباعة المجهولة المصير في ظل هذا الواقع الاقتصادي حيث تنعدم بوارق الأمل في إصلاحه لظروف موضوعية وقاسية، والصين تشتري السندات مرغمة حفاظاً وخوفاً من انهيار سعر الدولار فاحتياطها المالي بالدولار لكن مؤخراً ومنذ أكثر من سنة عمدت لإبرام اتفاقيات تجارية مع الدول المجاورة لها بعملتها المحلية "اليوان" بدلاً من الدولار ضماناً لمصالحها المستقبلية وتعزيزاً لعملتها وحتى ندرك مدى الخطر القائم والأشد خطورة ما هو قادم فقد نشرت وكالة "الأسيوتشيد برس" خبراً في عددها بتاريخ 4 كانون الثاني/ ديسمبر – 2007 تقول فيه "إن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الدين الداخلي يزداد بحولي 1.4 مليار دولار يومياً أي بحوالي مليون دولار كل دقيقة" يضاف الى هذه المصائب تنامي العجز في الميزان التجاري لعدم قدرة العديد من المنتجات الأمريكية من منافسة مثيلاتها من إنتاج دول عديدة لغلاء أسعارها بينما بقي الاستهلاك المحلي للسلع المستوردة على حاله فقد ناهز العجز في عام 2008 ما يقارب 696 مليار دولار وما زال يتذبذب صعوداً وهبوطاً في الأعوام التي تلته، وبعض المحللين يرجعون انخفاض نسبة العجز أحيانا الى انخفاض الواردات بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي
وطبيعي بل ومنطقي أيضاً أن يتم البحث عن الحل أو الحلول لهذا الواقع المتأزم وجميع الباحثين في هذا المجال يقرون أسلوبين لتلافي النتائج الخطرة المترتبة على استمرار هذه السياسات الاقتصادية
1- خفض النفقات
2- زيادة الضرائب
والبعض يرى أنه لابد من الأخذ والعمل على تنفيذ هذه الثنائية في آن واحد تخفيض من جانب وزيادة في آخر مدركين أن الخفض لابد وأن يشمل النفقات العسكرية وبالتالي من التأثير سلباً على هذه القوة كما أنه سيشمل حكماً الصناديق الاجتماعية، وعن زيادة الضرائب تلعب اعتبارات سياسية داخلية بعيدة البعد كله عن الغاية المنشودة والسؤال المطروح لدى الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي على من ستفرض؟؟... أي على أي الشرائح الاجتماعية ستفرض الزيادة وتتباين الرؤى هنا لاعتبارات انتخابية وإرضاء أكبر عدد من الناخبين هل ستجبي فقط من الأغنياء؟ أم من أصحاب الشركات والمعامل والحرف أم من الجميع ولكل قرار محاذيره الداخلية فزيادة الضرائب على السلع المنتجة سيؤدي إلى زيادة أسعارها على المستهلك وسيزيد من عدم قدرتها على منافسة مثيلاتها المنتجة في بلدان أخرى وحتماً سيتصاعد العجز التجاري كما أن القوة الشرائية المحلية لتلك المنتجات ستتدنى أكثر وأكثر مما يهدد مصير هذه المؤسسات المنتجة ووفق ما قدمنا فشرائح المجتمع المتدنية الدخل غير قادرة بل عاجزة عن تحمل أية زيادة ضريبية أما الفئات الغنية " جداً " فهي صاحبة القرارات ولا يستطيع القياديون تحديها بل وجدوا في الأصل لخدمتها في ظل هذا النظام الرأسمالي المتغول.
والرئيس الأمريكي "أوباما" وفي محاولاته للخروج من المأزق وفي مطلع العام الحالي وتحديداً في 06-01-2012 ومن مقر البنتاغون أعلن عن الإستراتيجية العسكرية الجديدة للولايات المتحدة التي تركزت في محاور رئيسية ثلاثة:
1- تقليص عدد القوات الأمريكية في أوربا
2- خفض الإنفاق الدفاعي مع الحفاظ على التفوق النوعي
3- التركيز على منطقة المحيط الهادي لتفادي تنامي قوة الصين مع إيلاء الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا
وفي شرحه لكيفية الأساليب التي سيتم الأخذ بها فهو سيستعيض عن ذلك بالتفوق النوعي في القدرات الإستراتيجية سيما في مجال الحروب الالكترونية وأنظمة القتال المتطورة مشدداً على ضرورة خفض 487 مليار دولار من الإنفاق العسكري خلال عشر السنوات القادمة ذلك سيؤدي حتماً وفق ما كتبته صحيفة " الأندبندت اللندنية " إلى تقليص القوات الأمريكية بنحو نصف مليون وقرر عدم خوض أكثر من حرب واحدة ويستوقفنا هنا عنوانان كبيران:
1- خفض أقل من نصف تريليون دولار خلال عشر سنوات وحجم المديونية بالتريليونات
2- تسريح نصف مليون عسكري ليتحولوا الى ميادين تشغيل جديدة في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
والمرشح الرئاسي الجمهوري "ميت رومني" يرد على إقرار مشروع الموازنة بأنه سيقلص الإنفاق على البرامج الصحية بقرابة 364 مليار دولار في العشر سنوات القادمة ونسبة البطالة الحالية فوق 6%
ومن المتوقع تحصيل 206 مليارات دولار إيرادات ضريبة على إرباح الشركات من خلال زيادتها من 15% إلى 20%
إذن فالدوامة راحت تدور ومن مشكلة إلى أخرى ضمن زمن غير محدد النهاية للحلول المعمول بها
الانتخابات الرئاسية وحتى الانتخابات التشريعية الجزئية باتت على الأبواب والهم الذي يشغل بال المواطن الأمريكي ويعنيه بالدرجة الأولى يختزله في سؤال ما مصير الاقتصاد؟.. وباقي السياسات لا تعنيه في شيء ولا تأخذ - إن أخذت– إلا جزءً نادراً من تفكيره والساسة الأمريكيون ينتظرون الإعلان عن رفع سقف المديونية مجدداً فور انتهاء الانتخابات بعد أن تم رفعه في العام الماضي
قد يتهم البعض هذه الآراء بالتحامل وتضخيم الأمور فالاقتصاد الأمريكي أقوى الإقتصادات العالمية لكن "كرستين يوجارد" رئيسة صندوق الدولي تقول: إن المشاكل الاقتصادية في أوربا والجمود السياسي في الولايات المتحدة يمكن أن يلحقا الضرر بالانتعاش الضعيف في الاقتصاد الأمريكي بل وتؤكد في مؤتمر صحفي في نهاية دراسة استغرقت عاماً عن الاقتصاد الأمريكي مع خبراء صندوق النقد الدولي وإجراء مشاورات مكثفة مع المسؤولين الحكوميين أن المشاكل في أوربا يمكن أن تؤذي الاقتصاد الأمريكي من خلال خفض ثقة المستهلك والشركات وانخفاض الطلب على الصادرات الأمريكية وخبراء الصندوق يركزون على خفض العجز في المستقبل القريب وخفض العجز سيتطلب استمرار خفض الإنفاق وزيادة الضرائب إلا أن كلا الإجراءين غير مرغوب فيهما في إطار السياسة الداخلية، وعدم التقيد بذلك سيؤدي إلى ما يعرف بالهاوية المالية ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي "برنانكي" يشدد أن الفشل في زيادة الدين للحكومة الأمريكية الذي تجاوز 14 تريليون دولار يعرض الولايات المتحدة لخطر فقدان الثقة في جدارتها الإتمانية ويضيف قائلاً "مجرد تعليق قصير لمدفوعات الأصول أو الفوائد عن التزامات ديون الخزينة قد يتسبب في مشاكل خطيرة في الأسواق المالية ونظام المدفوعات ووزارة الخزانة الأمريكية ومن هذا المنطلق تطالب الكونغرس برفع سقف الدين وإلا فإنها ستعجز عن الوفاء بالتزاماتها سواء إقساط الديون أو فواتير أخرى تستحق السداد
وفي دراسات لهذا الوضع السيئ قدم عدد من المفكرين آراء مختلفة في مؤتمر سنوي في دينفر بكولورادو الأمريكية بشأن اضمحلال الاقتصاد الأمريكي على المديين المتوسط والطويل ويقول "مارتن فيلدستاين" من جامعة هارفارد إن المشكلات التي تظهر بسبب الأوضاع الصعبة للولايات المتحدة والحكومات المحلية قد تصبح عبئاً يمنع نمو الاقتصاد
وفي خضم هذا الواقع غير السوي يتبادر إلى الذهن أمن أثر له على السياسات الخارجية الأمريكية؟... والجواب يأتي سريعاً نعم وبالتأكيد وذلك واضح في ضعف القدرة على اتخاذ القرارات مع الحلفاء وتحديداً في المحافل الدولية وعن هذا المشهد الجلي يقول "سيمون جونسون" من معهد ماساشوتس للتكنولوجيا "بأن عهد السيطرة الأمريكية قد انتهى" لكن "أغورام إجان" الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي ورغم نظرته المتفائلة يقول "ربما شارف عهد السيطرة الأمريكية على الانتهاء لكن أمريكا كأكبر محرك ستظل في موقعها لوقت طويل"
إنما منطق الواقع يؤكد بأن من دخل الدوامة صعب عليه الخروج منها و الشاعر العربي بشار بن برد 95 – 167هجرية يؤكد ديمومتها في بيت شعره