Admin " ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 329
تعاليق : الحقيقة عنوان الحياة..! تاريخ التسجيل : 01/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 21
| | شجــــــون شـفافة ....... | |
النفس فوارة وليس لهذا أثر، النفس جريحة وليست هناك رغبة في البكاء، النفس كسيرة وحاجز بيانها الكبرياء، النفس في أفق خفيض تكاد تختنق، وربما تسعى إلى ما يشبه انتحار الروح، ولكن جاذبية الحياة أقوى من جاذبية الأرض، مهما كان طعم هذه الحياة ولونها وشكل أحلامها ووضاعة واقعها وقسوة الظلم المتجذر في أصلها أحايين كثيرة، رغم كل هذا وغيره مما هو أقسى تظل النفس الأبيَّة مصرة على الحياة وسط الأمواج المتلاطمة من المعاناة. الناس لا يعبِّرون إلا كما يَعبُرون الطرقات، لا توقف عن الكلام في الخاص جدا مع الخواص، وفي الحميمي جدا مع الخُلاَّص، وفي المشترك مع العامة، وفي التدافع والمتدافع من أجله مع الخصوم، وفي القضايا الكبرى والأوهام الكبرى أيضا عبر ما يسمونه بالتواصل الجماهيري، وفي كل هذا الهدر العام للكلام لا تستقيم الجملة المفيدة المتناغمة مع حقيقة ما يعتمل بالدواخل إلا مع قليل من مسافة وقليل من إنصات إلى ذات الروح المشوشة. ماذا نريد في نهاية المطاف؟ كل المطالب البسيطة والبدائية والأزلية والمخجلة، من مثل الخبز والدواء ومسكن بعيد عن غرفة يتكدس فيها أفراد الأسرة كالسردين في علبة، وسرير في مستشفى بعيد عن أن يكون يوم قيامة قبل الأوان، ومرحاض في مدرسة، ونعل لفتاة قروية تقطع الكيلومترات يوميا للوصول للمدرسة حتى لا تتورم رجلاها، وكرامة لأب يخرج صباحاً ويعود إلى بيته القصديري مساء وهو لا يستطيع أن يرفع رأسه حتى لا تلتقي عيناه بأعين أفراد أسرته لأنه لا يستطيع إعالتهم، وعمل يفتح بابا واحدا من أبواب الحياة أمام مئات الآلاف من أبناء الفقراء الذين كان مصيرهم الانخراط في التعليم العمومي إلى نهاية مساره، وحد أدنى للأجر يوفر حدا أدنى من الحياة بدل أن يمنح حدا أدنى من الموت… كل هذه المطالب وغيرها التي لا يحتاج غالبية المغاربة لقراءتها لأنها كتاب ألَّفوه ليست في نهاية المطاف هي جنَّة الأرض الموعودة، إنها أصبحت علامة وطنية بامتياز، إنها «تمغرابيت» المدثرة في الحزن، وأكاد أجزم أن هذه الجماهير المتجنى عليها أصبحت تتعامل مع واقعها كمن هو محكوم بالمؤبد، لقد استووا وسووا أنفسهم للتأقلم مع القدر في هذه الرقعة الجغرافية، في انتظار أن يلقوا ربهم، وهو أرحم. النفس الفوارة مشوشة بالعام ومكلومة بالخاص، وهل في بلاد كهذه البلاد فرق يذكر بين العام والخاص؟ النفس تتوق إلى الطمأنينة، وكم من ألوف مؤلفة تشتهي يوما أن تترك كل شيء وتسبح بعيداً عن هذه الضوضاء العامة التي تنبعث من المحرك الخرافي للسلطة والثروة. لنا تاريخ كبير مع كبار محتكري السلطة وكبار محتكري الثروة، لنا تاريخ مع الدمويين ومع المتعطشين لاستعباد الناس، لنا تاريخ مع لصوص من العيار الثقيل، بل منهم من توارث ذلك أبا عن جد، ولنا كذلك تاريخ كبير مع متصدين كبار للجبروت، ومع متربصين كبار للصوص، ومع مقاومات بطولية، إلا أن هذا اليوم مجرد تاريخ نرفعه في شعارات فاتح ماي أو في المؤتمرات الإقليمية لأحزاب هرمت أو هزمت. اليوم، من كان سقف أحلامه أكبر من واقع الشعب المطالب المحترف، عليه أن يبحث عن خيمة ويعتزل، أو عليه أن يقود ثورة لوحده على نفسه إما ليروضها أو ليجعلها تتعايش مع واقع يمكن لنصفه أن يصيب بالجنون. وبالفعل، فالكثيرون منا جُنُّوا دون أن يدركوا ذلك، وهؤلاء بدل أن يجهدوا أنفسهم في البحث عن طمأنينة طبيعية سارعوا إلى استجلاب سكينة في عقاقير، إنهم معذورون كالمصابين بالأرق حينما يلجأون إلى الأقراص المنوِّمة، إلا أن عذرهم لا يمنع من أنهم خلقوا العجائب، ورأينا سياسيين يبتدعون خطابات الدوران بـ 180 درجة، مما سيحفظه تاريخ الفكر أو الفقر السياسي، ورأينا منبطحين يصرخون ويضربون بأكفهم على الأرض ويتمرغون حتى يتم الالتفات إليهم، ورأينا أناسا عاديين قذف بهم في صاروخ ليصبحوا في أقل من عقد من الزمان من أغنى الأغنياء في بلد يضم شرائح من أفقر الفقراء، ورأينا المتمسحين العقلاء الذين نظروا بكل أناقة وعمق لفوائد التمسح اليوم على صحة الشعب في الغد، ورأينا نقاشا عاما تتقاذفه الرياح وأشرعته مثقوبة، وبدل أن تحضر قضايا المدرسة والصحة والقضاء حضرت قضايا المخنثين والسكارى ومفطري رمضان، وسرنا في نوع من السباب والشتم العام والكل متناول لقرصه، حامل لطمأنينته، معتقد أنه مصلح للبلاد ومفيد للعباد. هل هناك ركيزة يمكن للمتعبين مثلي أن يتكئوا عليها ونقطة ضوء يمكن أن ننتظر منه بداية التغيير؟ نعم، هناك الطرق السيارة، والأوراش الكبرى لا ينكرها إلا جاحد، ولكن أن يبني بلد من الطرق خلال عقد من الزمان بسرعة تضاعف عشرات المرات ما يبنيه في الإنسان وفي الكرامة وفي المدرسة وفي المستشفى وفي المأكل وفي المشرب وفي العدل وفي الطمأنينة، فهذا ما يجعل الصحو هو أقسى عقوبة يمكن أن تطال الأسوياء لحد الآن. أقسم أننا سننتظر سنين طويلة قبل أن نرى أحلامنا البسيطة في طريقها إلى التحقق | |
|