هناك أنثروبولوجي أجنبي يقول إن العرب
لا يحبون الأشجار، وإن هذا الجفاء له أسباب كثيرة، من بينها أن الشجرة في
ذهن من يسكن الصحراء هي مصدر توجس وخطر أكثر مما هي مصدر أمان. وخلفها يمكن
أن يختفي قاطع طريق، وكلما كثرت الأشجار كلما كثر الخطر، لذلك فإن وحشة
الصحراء وقيظها وعطشها ومخاطرها تعتبر أهون وأخف وطأة من مخاطر الأشجار.
قد يبدو كلام هذا الرجل منطقيا في حال ما إذا كان يتحدث عن عرب الصحراء،
لكن كلامه يصبح غير ذي معنى في حال ما إذا كان يتحدث عن المغرب، لأن هذا
البلد مختلف في أشياء كثيرة.. في أعراقه وجغرافيته ومزاجه. لكن المشكلة أن
من يرى المغاربة وسلوكاتهم تجاه الأشجار، والغابات بشكل عام، فإنه يجد أن
كلام ذلك الأنثروبولوجي ينطبق علينا نحن أيضا.
علاقة المغاربة بالأشجار ليست ودية، لأسباب غير مفهومة. وفي الحكايات
الشعبية، هناك حديث عن ارتباط الغابة بالخوف وبقطاع الطرق و»الشفارة». وكل
مغربي يسمع في طفولته الكثير من الحكايات عن قطاع الطرق الذين يختبئون في
الغابة، وعن الأشباح والمجرمين الذين يختفون بين أجماتها، فتكبر معه فكرة
واحدة وهي أن الشجرة عدو حقيقي، وأنه كلما قضينا على الكثير من الأشجار
فإننا نقضي على مزيد من قطاع الطرق، لذلك لا يبدو غريبا أنه كلما اشترى
مغربي قطعة أرض وأراد أن يبني فوقها منزلا، فإن أول شيء يقوم به هو قطع
الأشجار الموجودة بها.. إنها تخيفه لأنه يعتقد أن اللص لن يجد أفضل منها
لكي يقفز إلى سطح منزله، وخلفها سيختبئ قاطع طريق سيفاجئه بسكين في الظلمة،
وفوق أغصانها سيقف كل ليلة طائر بوم لينعق، ونعيق البوم يجلب الشؤم، لذلك
فإن قطع الشجرة ينهي كل المشاكل.
ويحكي موظف في مندوبية لوزارة الفلاحة في مدينة بالشمال كيف أن مندوبا
جديدا للوزارة حل بمكتبه في أول يوم عمل، وكان أول قرار أصدره هو قطع
الأشجار الموجودة في الحديقة، وعندما سألوه لماذا قال لهم: هذه مندوبية
وزارة وليست غابة.
وفي كثير من المدن المغربية، هناك مدن جديدة تبنى بعشرات الآلاف من الشقق،
لكن لا توجد حولها أية شجرة.
ومرة بدأت مقاولة عقارية كبرى من الخليح مشروعا عقاريا في ضواحي طنجة، وكان
أول ما قامت به هو إحراق كل شيء، قبل أن تبدأ الجرافات عملها. من الصعب أن
يفهم معنى الاخضرار من عقله يباب قاحل.
رغم كل ذلك، فإن المغاربة احتفلوا مؤخرا باليوم العالمي للأرض، مع أن
المغرب هو من بين بلدان العالم الأولى التي تنحسر فيها الغابات بشكل مخيف،
خصوصا مع ظهور قطاع طرق جدد لا يختفون خلف الأشجار، بل هم الذين يقطعون
الغابات والأشجار لكي يبنوا مكانها مدنا متوحشة.
من مزايانا الكثيرة، نحن المغاربة، أننا نحب الكذب على أنفسنا. نقول عن
بلادنا إنها أجمل بلد في العالم، ونفعل كل ما نستطيعه لكي تتحول إلى أسوأ
بلد في العالم. ونقول عن أنفسنا إننا شعب متضامن واجتماعي، ونعمل كل يوم
حتى نتحول إلى شعب أناني وانعزالي. ونزعم أننا نعشق الأرض والبيئة، وفي كل
يوم تتحول أجزاء واسعة من البلاد إلى صحاري قاحلة.
في المغرب توجد اليوم كل الدلائل التي تؤكد أننا لا نقيم أي اعتبار للبيئة،
فالوديان التي كان الناس يصطادون فيها الأسماك اللذيذة صارت مكبا
للنفايات، والحقول الشاسعة أصبحت مرتعا للأكياس البلاستيكية والأزبال،
والغابات هي «العدو» الوحيد الذي ننتصر عليه بضربة منشار، وكثير من الناس
لا يحلو لهم التبول إلا على حافة الأنهار. ويبدو من غير المفهوم إطلاقا كيف
لا يحلو للناس التبول إلا على شجرة أو على حافة نهر، أو داخل البحر حين
يكونون بصدد السباحة، وفي أحيان أخرى على الأسوار التاريخية. صحيح أن غياب
المراحيض العمومية في المدن المغربية يلعب دورا كبيرا في ذلك، لكن أيضا
هناك شيء ما داخل عقول الناس يدفعهم إلى فعل ما يفعلونه من دون أي عقدة
ذنب.