الدرس التركي: هل يستطيع الإسلاميون إنقاذ اقتصادات الربيع العربي؟
إبراهيم سيف - محمد أبو رمان عرض: رانيا مرزوق– باحثة متخصصة في الشئون الاقتصادية مع اندلاع ثورات الربيع العربي، برزت أدوار سياسية جديدة لعبتها قوى
إسلامية عديدة أدت إلى صعود القوى الإسلامية والمشاركة في مؤسسات الحكم،
وعملية صنع القرار السياسي في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ دول الربيع
العربي. ولعل هذا التحول السياسي الجذري يدفع تلك القوى الجديدة لتعلن عن
رغبتها في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، رائية أن إحداث أي تنمية في المجال
الاقتصادي مرتبط بتبني وتطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي.وهنا، تطرح العديد
من التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد بدول الربيع العربي، ومدى تأثير الصعود
الإسلامي على اقتصاديات الربيع العربي، وسيناريوهات المستقبل الخاصة
بتطويره ومجالاته المتنوعة.
وفي هذا السياق، تأتي أهمية عرض دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة كارنيجي
للسلام الدولي بعنوان "الأجندات الاقتصادية للأحزاب الإسلامية" ، قام
بإعدادها كل من إبراهيم سيف ومحمد أبو رمان، لتناقش رؤية كل من الأحزاب
التالية لهذا الموضوع، وهي: جبهة العمل الإسلامي في الأردن، والحرية
والعدالة في مصر، وحزب النهضة التونسي، والعدالة والتنمية المغربي، خاصة في
ضوء ما تظهره المؤشرات الاقتصادية من صعوبة الواقع الاقتصادي في تونس،
والمغرب، ومصر، والأردن، حيث تواجه هذه البلدان معدّلات عالية من الفقر
والبطالة، وانخفاض الإنتاجية، والقدرة التنافسية، وانخفاض مستويات الاندماج
مع الاقتصاد العالمي، والتفاوت الحادّ بين طبقات المجتمع والمناطق،
وانتشار الفساد، وارتفاع معدلات الديون المحلية والخارجية.
كل هذه التحدّيات تتطلب إحداث تغييرات جذريّة في النظام القائم، وتحتاج
إلى خطط بعيدة الأفق. ويدور تساؤل الدراسة الرئيسى حول ما إذا كان في وسع
الإسلاميين الذين تم تفويضهم ومنحهم السلطة أخيرا أن يحقّقوا النتائج
الاقتصادية التي تتوق إليها شعوبهم أم لا؟.
ملامح الفكر الاقتصادي عند الإسلاميين: بداية، استقرأ الكاتبان المبادئ التوجيهيّة العامة التي تحكم الفكر
الاقتصادي لدى جماعة الإخوان المسلمين، من خلال مراجعة الأدبيّات التي
ألّفها قادة الإخوان، أو أشخاص مقرّبون منهم، والتي تختص بالمسائل
الاقتصادية، في محاولة لتحديد موقف الإسلاميين بين المدارس الكبرى للفكر
الاقتصادي، خاصة الاشتراكية والرأسمالية، وإلقاء الضوء على الخصائص
الأساسيّة للاقتصاد الإسلامي، والتي اتضح منها اعتبار الاقتصاد جزءاً من
النظام الإسلامي الأكبر، مع وجود علاقة متبادلة بين الحياة الدنيا والآخرة،
وبين الواجبات الدينية والنصوص من جهة، والمفاهيم الاقتصادية المختلفة من
جهة أخرى.
كما يبرز منها أيضاً الموقف الوسطيّ الذي يحتلّه الإسلام بين الرأسمالية
والاشتراكية، خاصة فيما يتعلّق بالتّوازن بين حقوق الأفراد والمصلحة
العامة، حيث لا يضحى الفكر الاقتصادي الإسلامي بالفرد من أجل عامّة الناس،
كما أنه لا يذهب إلى الطرف المقابل من النزعة الفردية الصارمة. وتندرج جميع
قواعد ومقترحات الاقتصاد الإسلامي تقريباً بين هذين القطبين، والاعتراف
بأن الأفراد يختلفون في قدراتهم، وتفانيهم في العمل، ورفض فكرة وجوب جعل
المجتمع متجانساً في طبقة واحدة.
وفي الوقت ذاته، يرى الإسلاميون أن التفاوت الكبير جداً بين الطبقات أمر
غير مقبول. وبالمثل، فإن الإسلام يجيز الملكية الخاصة، لكنه يفرض عليها
قيوداً و شروطاً معيّنة، ويشدّد على وجوب الحصول عليها، والتخلص منها
بطريقة مشروعة. ويمنح الإسلام الدولة الحق في أن تأخذ على عاتقها ملكية
الممتلكات الخاصة عند وجود حاجة ملحّة لتحقيق صالح عام ضروري، أو لخلق نظام
اجتماعي أكثر إنصافاً.
دور الدولة في المنطقة الرمادية: يرى الكاتبان أنه على الرغم من اعتراف الأحزاب الإسلامية جميعها بأنها لن
تنجح في تحقيق أهدافها من دون التعاون والمشاركة داخليا مع مختلف أصحاب
المصلحة ، وخارجيا مع الجهات الدولية الفاعلة، وينبغي مواصلة هذه الشراكة
بهدف تعزيز النمو المستدام والشامل، مع ضمان الالتزام بالحكم الرشيد
والعملية الديمقراطية التي أوصلت هذه الأحزاب إلى السلطة، فإنه يتبين من
جانب آخر عدم وضوح أي نوع من العلاقات سيتطور بين الحكومات الجديدة ذات
التوجه الإسلامي السياسي، وبين مختلف أصحاب المصلحة الاقتصادية ، حيث أعطت
الأحزاب الإسلامية جبهة العمل الإسلامي الأردني، والحرية والعدالة المصري،
وحزب النهضة التونسي، والعدالة والتنمية المغربي إشارات متضاربة إلى القطاع
الخاص في هذا الشأن.
أضف إلى ذلك أنه لا تزال حالة عدم التمييز بين واجبات القطاع الخاص تجاه
موظفيه، واتجاه الضرائب العامة والإطار التنظيمي، واتجاه المجتمع المدني
كجزء من المسئولية الاجتماعية للشركات، مسيطرة على هذه الأحزاب، مما يزيد
من خشية المستثمرين من أنه سيتم فرض مطالب جديدة عليهم، وأنهم سيضطرون إلى
تحمل عبء الفشل الحكومي. وهنا، يوصي الكاتبان تلك الأحزاب بضرورة صياغة
ميثاق واضح يحدد إلى أي مدى يمكن للدولة أن تتدخل في الشئون الاقتصادية .
كما أوضح الكاتبان أن معظم الأحزاب تفتقر حاليا إلى الخبرة في إدارة
الدولة، وبالتالي فإنها ستحتاج إلى المساعدة في تنمية القدرات الإدارية
والتنفيذية اللازمة لوضع البرامج التي وعدت بها في نطاق التنفيذ.
الرهانات الاقتصادية للأحزاب الإسلامية: ثم انتقل الكاتبان إلى بيان أهم الرهانات والتحديات الاقتصادية التي تواجه
الأحزاب الإسلامية، وإبراز السياسات المقترحة من قبل تلك الأحزاب
لمواجهتها. فبالنسبة لقضية النزاهة ومكافحة الفساد، فيرى الكاتبان اتفاق
الأحزاب الإسلامية على الاهتمام بمكافحة بالفساد، لأنه سيخدم النهضة بشكل
جيد عند جمهور ناخبيه، لأن الشفافيّة والمساءلة قضايا شعبية جدّاً تجذب
الجمهور بوجه عام، وأنها ستمكنهم من إدارة أفضل، بأي حال من الأحوال، من
الحكومات العربية السابقة، من خلال التركيز على الشفافية، ودولة القانون
والمواطنة، والنزاهة، ومكافحة الفساد، وغيرها من القضايا تدخل في صميم
الحكم الرشيد.
ويوصي الكاتبان بأنه على تلك الأحزاب العمل على الاستفادة من تجارب الدول
الأخرى في مجال القوانين والمؤسسات التي تحد من الفساد ، مثل قوانين حرية
المعلومات، ونظم الشفافية، ولجان مكافحة الفساد المستقلة، والمحققين في
الشكاوى. وسيكون من المفيد إذا أعادت هذه الأحزاب النظر في الطريقة التي
يتم من خلالها إعداد وتنفيذ ورصد وتقييم الميزانيات من قبل هيئات مستقلة.
كما يجب أن تقترن هذه المبادرات بخريطة طريق واضحة للحكم، والالتزام بقواعد
الممارسة الديمقراطية، والشفافية في الكشف عن المعلومات.
وفيما يخص العدالة الاجتماعية، فأولت الأحزاب الإسلامية الأربعة اهتماما
بالحديث عن إعادة هيكلة النفقات والضرائب لتحقيق مصالح الطبقتين الدنيا
والوسطى، وفقا لفرضية أن السياسات الاقتصادية القائمة في العالم العربي
تخدم التحالف بين الطبقات الثرية والمسئولين الفاسدين. وهنا، تركز برامج
الأحزاب على الطبقة الوسطى، وكيف يمكن حمايتها وتوسيعها وتنشيطها من
الناحية السياسية، بحيث ترتفع نسبة مشاركتها في الحياة السياسية .
كما أوضح الكاتبان إجماع تلك الأحزاب على خيار السوق الاجتماعي وما يخلقه
من توازنات ، من خلال تحقيق التواؤم بين مصالح القطاعين الخاص والعام، في
ظل أجواء تنافسية تعمل على الحد من هيمنة أصحاب المصالح والاحتكارات
القائمة، حيث أظهرت هذه الأحزاب الإسلامية اهتماما بالتعاون الإقليمي
والمشاريع المشتركة، ودعت إلى اعتماد سياسات التجارة المفتوحة. لكن لم يتم
تناول هذا الموقف صراحة في برامجها، ولم تقرر الأحزاب تحديد بعض المشاريع
التي يمكن أن تعزز التعاون الإقليمي. ويمكن للمؤسسات العربية والدولية أن
تساعد في تحديد عدد من المشاريع الإقليمية المحتملة في مجالات مثل السياحة،
والطاقة، والمياه، والبدء في الاتفاق على القيام بخطوات نحو تنفيذها .
ويرى الكاتبان أن أحزاب النهضة، والحرية والعدالة، والعدالة والتنمية،
وجبهة العمل الإسلامي جميعها تستخدم الاقتصاد كأداة في حملاتها، وهي حريصة
على إظهار القيادة في هذا المجال الحيوي. إذ تشير التصريحات إلى الحاجة إلى
تحسين الأداء الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفقر،
والحدّ من البطالة والفساد، وتعزيز سيادة القانون، والتعامل مع التّفاوت
بين الطبقات والمناطق المختلفة، وكل ذلك ضمن سياق إسلامي يدعو إلى تحقيق
التوازن بين المصالح العامة والفرديّة. إلا أن جميع الأحزاب لم تقدم برامج
شاملة ومتكاملة ومرتّبة، حسب الأولوية التي من شأنها مواجهة هذه التحدّيات
بواقعيّة، وتهدف إلى تغيير اقتصادات بلدانها. كما أن هناك اختلافات في
طبيعة الخطاب الاقتصادي بين الأحزاب المعنية. ففي حين يظهر الخطاب المصري
والتونسي والمغربي تفاصيل كثيرة تخص طبيعة المشكلة الاقتصادية، فإن جماعة
الإخوان المسلمين في الأردن لم تتطرق بالتفصيل إلى الحلول التي تقترحها في
التعامل مع المشكلة الاقتصادية.
غياب سلم الأولويات وأشباه حلول: كما يرى الكاتبان أن الأطروحات والحلول المقترحة التي تقدمها الأحزاب
المنتمية للتيارات الإسلامية في الدول الأربع تتسم بأنها حلول جزئية تبتعد
عن المنظور الكلي في تناول القضايا الاقتصادية، كذلك لم تقدم رؤية حول ما
هي الأولويات التي يمكن البدء بها، ويمكن أن تحدث التحول المرغوب وتغيير
البنى القائمة، التي يمكن أن تحدث تغييرا نوعيا في الاقتصاد. وبشكل عام،
فإن الأحزاب الإسلامية لا تطرح حلولا تغير من طبيعة المعادلات القائمة،
فليس هناك أطروحات للتضييق على القطاع الخاص أو التأميم وغيرها من
السياسات التي يمكن تصنيفها على أنها ثورية.
وخلصت الدراسة أيضا إلى أن هناك إجماعا بين الأحزاب الأربعة على ضرورة
مكافحة الفساد، وتعزيز الحاكمية الجيدة، ووقف أشكال الإهدار المختلفة،
وتشدد على ضرورة سيادة القانون، ودور المؤسسات، واحترام حقوق الملكية
الخاصة، وعلى دور القطاع الخاص.بالإضافة إلى وجود إجماع على مبدأ الضريبة
التصاعدية في الأردن ومصر وتونس، في حين لا يقوم حزب العدالة والتنمية
المغربي بتبني نهج ضريبي واضح ، وإن كان يطرح إعفاء السلع الأساسية من
الضرائب، واستحداث ضرائب على السلع الكمالية وفئات الدخل المرتفع .
التجربة التركية.. دروس مفيدة وعمليّة: يشير الكاتبان إلى أنه على الرغم من أن الكثيرين في جماعة الإخوان
المسلمين يرون إمكانية تكرار تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، كنموذج
لحزب إسلامي حقّق نجاحاً في سياساته الاقتصادية، فإن قدرة تلك الأحزاب تعجز
عن تقديم برامج اقتصادية تحاكي برامج حزب العدالة والتنمية، وأن ما يمكن
أن تقوم به تلك الأحزاب يقتصر على استخلاص الدروس المستفادة والتجارب
العملية التي قام بها حزب العدالة والتنمية في تركيا.
ويرجع ذلك إلى أنه منذ البداية، رسم حزب العدالة والتنمية خطوطاً واضحة
بين برنامجه السياسي العام من جهة، والأزمة الاقتصادية وسبل التصدّي لها من
جهة أخرى، وهو ما حقّق توازناً بين السياسة النشطة لخصخصة الأصول المملوكة
للدولة، وتطوير العلاقات مع المؤسسات الدولية، وجذب الاستثمارات ببرنامج
جاد لمكافحة الفساد. وقد شكّلت هذه التدابير، سواء فيما يتعلق بالضرائب
والميزانية، أو الإنفاق والاستثمار، أداة أساسية في إخراج تركيا من أزمتها
الاقتصادية.
وختاما، يرى الكاتبان أن جميع التحدّيات التي تواجه هذه البلدان تتطلّب
تغييرات جذريّة في النظام القائم، وتخطيطاً بعيد النظر، وأن الإسلاميين في
دول الربع العربي، بوصفهم اللاعبين الرئيسيين في الحكومات الجديدة، سترتبط
شعبيتهم، بصورة جزئيّة على الأقلّ، بنجاح أو فشل حكوماتهم في تقديم ما
وعدوا به على صعيد النموّ الاقتصادي والخدمات العامة.
تعريف الكاتب:إبراهيم
سيف، الباحث في مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، ومحمد أبو رمان، الباحث في
وحدة الحركات الإسلامية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية
الجمعة أكتوبر 26, 2012 1:46 pm من طرف تابط شرا