دول الربيع العربي مقاومة ام ديموقراطية ؟
الأستاذ ابراهيم خطيب
2012-07-30
يهلل الجميع للربيع العربي ونتائجه متمنين قيام دول عربية
ديمقراطية، تحترم فيها حرية الانسان ويحترم فيها قرار الشعوب، كما لا يخفى
على احد التهليل الامريكي – على الاقل العلني- والذي ينادي بتحول ديمقراطي
في الدول العربية.
لكن يبدو ان المستقبل في دول الربيع العربي سيؤدي الى تحدٍ جديد للباحثين
والمنظرين السياسيين ، ويكمن ذلك التحدي في نظرية سياسية استند اليها
اساتذة العلاقات الدولية لشرح علاقة الدول ببعضها وحل الازمات بينها وهي
نظرية السلام الديمقراطي. نظرية السلام الديمقراطي تشير الى ان الدول
الديمقراطية من الصعب جداً ان تتصادم وتدخل في حرب بينها، كما يشير الى ذلك
الفيلسوف عمئيل كانت.
التعليلات التي يسوقها اصحاب هذه النظرية تكمن في عدة
محاور منها ان الدول الديمقراطية لا تقبل فيها الشعوب، وهي المقرر النهائي
في شؤونها ومصدر الشرعية، لن تقبل بأن تخرج بلادها في حرب ضد دولة
ديمقراطية اخرى. ويضيف اصحاب هذه النظرية ان الدول الديمقراطية تتجه وبشكل
طبيعي لحل المشاكل ضمن مفاوضات ومناقشات بينها وتصل لاتفاقيات بينها لأن
الطرفان معنيان بالحفاظ على السلم وعلى اقل الخسائر والمتاعب وهذا ما
يتوقعه كل طرف من الاخر. كما ان كل شعب في هذه الدول الديمقراطية ينظر الى
الشعوب الاخرى في الدول الديمقراطية الاخرى على انهم اناس يشاركونهم نفس
القيم واذا حل خلاف بين دولتيهم فيكون ليس اكثر من سوء تفاهم يجب حله
بأساليب دبلوماسية. ويشير ايضاً مروجو هذه النظرية بأن السياسيين وصناع
القرار في الدول الديمقراطية وخوفاً على مناصبهم وفقدان الثقة الشعبية التي
تهمهم كسياسيين كي يستمروا في القيادة لن يتجهوا لحرب تضعفهم شعبياً،
اضافة الى ان المبنى السياسي للدول الديمقراطية يقلل احتمال نشوب حرب كهذه
فهناك المؤسسات المختلفة التي تلجم أي سياسي بإعلان الحرب.
كل هذه المقدمة والسرد حول هذه النظرية جاء ليسوقنا لقياس ما سيحدث بعد
نهاية الربيع العربي، على فرض ان الدول العربية بعد هذا الربيع ستكون دول
ديمقراطيه وخصوصاً ان امريكا ترى بتحول ديمقراطي كهذا في الدول العربية
سبيلاً لسلام يحافظ على اسرائيل ويمنع الحرب في الشرق الاوسط، ويكمن
التساؤل هنا هل دول الربيع العربي الديمقراطية ستتصادم مع المؤسسة
الاسرائيلية وستكون دول مقاومة او داعمة للمقاومة أم انها ستكون دول
ديمقراطية مسالمة بعيدة كل البعد عن نهج المقاومة؟
اما الاجابة فتكمن في عدة محاور تحاول قياس ذلك من خلال هذه النظرية.
اولاها هو التساؤل هل اسرائيل هي بالفعل دولة ديمقراطية ؟ وهنا يكمن التحدي
الاكبر لهذه النظرية – فاذا لم تكن دولة ديمقراطية فلا تنطبق عليها هذه
النظرية - ان اسرائيل بمنظومتها السياسية هي دولة امنية احتلالية من
الطراز الاول يغلب عليها الهاجس الامني والعنصرية والتمييز وتقل فيها القيم
الديمقراطية التي تخولها ان تكون في مصافي الدول الديمقراطية وفق القيم
الديمقراطية المتعارف عليها – كما يشير لذلك الاسرائيليون انفسهم- وكما
يشير تقرير في افتتاحية جريدة نيويورك تايمز نشر في نهاية الاسبوع والذي
اشير فيه الى ان الديمقراطية الاسرائيلية في خطر الانقراض ويدللون في ذلك
على المستوى السياسي للسياسيين الاسرائيليين والقوانين العنصرية والحد من
حرية التعبير والحد من سلطة القضاء والمس في الاقليات اضافة للتمييز
والعنصرية وعدم وجود ارادة سياسية للسلام مع الفلسطينيين والاستمرار في
بناء المستوطنات وغيرها من الامور التي اثارها التقرير، ويبدو ان اسرائيل
تمر بأزمة بنيوية في قضية الديمقراطية.
ثانياً، لا يمكن التغاضي عن معطى مهم جداً ان اسرائيل نفسها يمكن ان تسعى
للقيام بحرب اقليمية وتجبر الدول العربية الديمقراطية الدخول فيها
وبالمناسبة هنا يمكن مراجعة ما حدث بين اسرائيل وتركيا وكلتاهما دول
ديمقراطيه حسب التصنيف الغربي وكيف ان اسرائيل بغبائها وسياستها الامنية
كادت تشعل حرب او على الاقل مناوشات مع تركيا (وهذا يضعف نظرية السلام
الديمقراطي لحد ما) ، هذا اضافة ان اسرائيل نفسها لن تقبل بنشوء دول عربية
ديمقراطية لكونها حسب نظرتها تشكل خطر عليها لأنها تأتي بانظمة اسلامية لا
تقبل بها.
ثالثاً، ان الدول العربية المتحررة الان هي دول ذات سيادة الارادة الشعبية
فيها هي المحرك الاساسي، ولا يمكن نفي ان الشعوب العربية هي شعوب داعمة
للمقاومة لا تقبل بالاحتلال، مناصرة للفلسطينيين وهي شعوب لا ترضى بالمؤسسة
الاسرائيلية ونهجها، كما وأنها لن تقبل بقيادة خاضعة خانعة لإسرائيل كما
كانت مصر مبارك، والقيادة العربية الجديدة التي تسعى لكسب الجماهير لن تصطف
باتجاه مناقض لإرادة الشعوب التي تقرر مصيرها.
رابعاً، ان ما يميز الشعوب العربية والاسلامية هو الترابط العقدي بشقيه
الديني والقومي الذي لا يمكن اختزاله او التغاضي عنه، فالشعوب العربية
والاسلامية متعاضدة بشكل قوي وفيها قيمتين أساسيتين حب العدل ومناصرة
المظلوم، وهذه القيم ستكون محرك لكل حرب ضد اسرائيل كون اسرائيل وفق الشعوب
العربية والاسلامية دولة محتلة ظالمة سلبت ارضاً ليست لها، وتظلم شعباً بل
امة.
خامساً، هناك تحد نظري لهذه النظرية وأصحابها يكمن في فكرة التعميم وكون
الشعوب تشترك في القيم، وهنا يجدر التساؤل والفحص هل القيم الديمقراطية وفق
المقاسات الغربية هي بالفعل نفس القيم بين كل الشعوب وهي التي تجمع الجميع
فيها، أي بمعنى اخر هل بالفعل هناك مصداقية للتعميم هذا ام ان الخصوصية
الثقافية للشعوب العربية والاسلامية هي التي ستحدد معالم الديمقراطية
العربية الناشئة.
ولكن بالجانب الاخر لا يمكن نفي ان دخول الدول العربية في معترك
الديمقراطية وفق معاييرها الغربية سيكون له تبعات على الصراع مع اسرائيل،
ولا شك ان النظام العالمي ومبناه اضافة للمبنى الدولي ومبنى النظام
الديمقراطي سيكون مانعاً ولاجماً ومعيقاً لحرب كهذه على الاقل على المدى
القصير. ولا يمكن نفي ان الدول العربية بعد الربيع العربي ستكون في مرحلة
بناء الذات التي ستجعلها تهتم بمشاكلها الداخلية وبناء ذاتها على أي قضية
اخرى، وستكون فلسطين والعلاقة مع اسرائيل في هذه المرحلة قضية معلقة.
اخيراً، كل هذا يشير الى أن نظرية السلام الديمقراطي ستكون في امتحان صعب
وتعويل امريكا عليها سيصطدم مع الشعوب الثائرة التي ستجد الملائمة المناسبة
بين الديمقراطية وبين المقاومة، سيكون عمادها قيمتي العدل ونصرة المظلوم،
وهذه الشعوب لن ترضَ بالاحتلال الاسرائيلي ولكن لا شك ان هذا يحتاج لبعض
الصبر والحكمة.