كيف مات الربيع العربي؟؟
نورالدين برحيلة
السبت 04 يوليوز 2015 - 17:56
نحن في رمضان، شهر المحبة والغفران، وعِـراقُ بيت الحكمة أصبح أثرا بعد عين، اليمن دُمِرت، ليبيا سُحِقت، السودان قُسِمت، الصومال دُكت، مالي شتتت، ومسلمو بورما يقتلون بنفس سيناريو مجزرة البوسنة والهرسك في أفق الإبادة الجماعية، دون متابعة من الإعلام العربي، وقنوات خليج "الفرزدق" منشغلة بتصفية الحسابات مع أنظمة العدو "جرير"، وقصائد الهجاء العربي في أبهى عصورها، مع اتهامات الأنظمة بعضها بعضا بالعمالة والخيانة، والكيان الصهيوني يعيش شهر العسل لأن المسلمين يخربون بيوتهم بأيديهم.
الربيع العربي أسقط أشخاصا، دون إسقاط الأنظمة، وكشف عن مفارقات عميقة عرت واقع الفساد في القبيلة العربية من المحيط إلى الخليج، سقط بعض الفراعنة زين العابدين بنعلي، معمر القذافي، حسني مبارك، عبدالله صالح، لكن الأنظمة الفاسدة الاستبدادية مازالت قائمة، ودار لقمان مازالت على حالها..
- لماذا؟
- مخطئ من يظن أن إشكال الفساد في وطننا العربي تنحصر في طغمة الحكام الطغاة الفاسدين، الفساد في بيئتنا العربية ثقافة شمولية، وبداخل كل مواطن عربي فرعون صغير، قد يصبح فرعونا كبيرا إذا سنحت له الفرصة وتسلم زمام السلطة.
- في وطننا العربي الظلم من شيم النفوس، وإن تجد ذا عدل فلعلة لا يظلم.
- جاء الإسلام ووحد العرب الذين عرفوا بالظلم والسخرية والتبعية والحماقات الجنونية، والاقتتال لسنوات طويلة لأسباب تافهة، و"عنف" البسوس وغيرها "أسوأ مثال".
- نتائج "الربيع العربي" الذي استبشرنا به أفصحت عن غياب مشروع مجتمعي يوحد المواطنين، ويمنع العبث بالوطن، الأوطان تدمر تباعا، وحكماء "العرب" في غيبوبة، وما يحدث من تخريب الأوطان، وقتل المسلمين للمسلمين، وحمامات الدماء نزيف لا ينتهي، حمامات الدماء في الجاهلية الأولى من توقيع داحس والغبراء.. وحمامات حاضر العرب من إمضاء داعش وباقي السفهاء..
- لكل أمة حكماء.. كان على "حكماء" و"عقلاء" العرب أن يتواصلوا مع الشعوب العربية، ويقنعوا المواطنين عقب كل إطاحة بطاغية، بنبذ العنف والانخراط الفعال في بناء الوطن، بيد أن الأمور انفلتت وأصبح العنف المنتظم في ليبيا، سوريا، العراق، اليمن..، هواية مفضلة.
- لو اتحد حكماء وعقلاء العرب لتمكنوا من تأسيس "مجلس الحكماء" ولأصبح هذا المجلس مؤسسة دستورية قوانينها ملزمة للحكام والمواطنين، وربط المحاسبة والمساءلة بالمسؤولية، ولما بقي حاكم فاسد يتلذذ بتدجين الشعب، أو تجويعه، أو قتله كما يفعل السفاك "بشار الأسد"، الذي اعتصم ببيت "عنكبوت" الصين وروسيا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وإيران التي كان ينبغي أن تُشكِل قيمة مضافة للعالم الإسلامي تغرس خنجرها وتُعمقُ الجراح..
- الأنطمة الفاسدة تحرك "شياطينها" لتيئيس الناس من إمكانية التغيير والسخرية من "الربيع العربي" والتهكم من الثورات ضد الفساد والاستبداد كأسلوب للقضاء على الظلم، ودفع المواطن المقهور إلى الاستسلام، والقبول بالطغاة كقضاء وقدر لا مفر منه، وإعطاء أمثلة ببلدان عربية أصبحت أثرا بعد عين، والإعلام الفاسد يتفنن في صناعة الخضوع والخنوع والبلادة والغباء، عبر برامجه الماكرة التي تنجح مع شرائح كثير في قلب الحقائق وتزييف الوعي، مثال على ذلك المسلسل المصري "أستاذ ورئيس قسم" الذي يُحاكِم الثورات كأسلوب لمحاربة الاستبداد، وإنجاز المشروع الديمقراطي، ويستشهِد بالواقع السوري، حيث اللاجئين يعيشون الألم والحسرة، مثال اللاجئ السوري الدكتور الذي يعمل نادلا في مطعم مصري، والمسلسل هنا يتناقض مع بداياته حيث سائق سيارة الأجرة المصري الحاصل على شهادة الماجستر استسلم لواقع الفساد..
- توريط المواطنين بعد الإطاحة بالفراعنة في لعبة "العنف القذرة "مما سيزيد من تأزيم الوضع، فالأوطان تتقدم بالبناء المتواصل لا الهدم المستمر.
- وضع المواطنين بين "خيارين" إما القبول بالفساد والخضوع والخنوع، أو القتل والتعذيب وكل مظاهر العنف.
- إسرائيل و"الغرب" بكل مكوناته وشركات بيع الأسلحة العابرة للقارات، وفي ظل استمرار وتغذية العنف بين كل شرائح المجتمع، هي الرابح الأكبر من إضعاف القدرات العربية ونهب الأموال التي كان يجب أن تخصص لحل المشاكل التي أفاضت الكأس، ودفعت المواطنين للاحتجاج.
بقاء العنف يعني أن السيكولوجية العربية وصلت إلى مرحلة من الاحتقان بعدما راكمت لعقود طويلة جراحات وإهانات من الأنطمة، والفرصة أصبحت "سانحة" لإخراج الأحقاد التاريخية وتفجيرها بشكل عشوائي وعبثي، وأصبحنا أمام تصفية حسابات عمياء، ستأتي على الأخضر واليابس.
- والخيارات التي ستقدمها الأنظمة العربية الفاسدة، معروفة سلفا، تعميق مآسي المواطن العربي "بخيارات متنوعة الأشكال والأحجام" لكنها خيارات جربت لعقود طويلة، أفقدت الإنسان العربي كرامته وهويته وعزته، إنها خيارات القهر والفقر والذل والفساد والاستبداد.
أطاح الربيع العربي ببعض الطغاة، وبعيدا عن الجدل المحتدم حول الأيادي الخفية وراء اندلاعه وبعيدا نظرية المؤامرة التي تحاك دائما ضدنا والتي سئمنا سماعها، لأن المؤامرة الحقيقية هي التي تقوم بها الأنظمة الفاسدة ضد شعوبها، التي تعاني الفقر والجهل والمرض.
كنا نتمنى أن يوحد العرب عملتهم وجيوشهم ويتحدوا ويفتحوا الوطن العربي الكبير في وجه أبنائه، الوطن العربي الذي يزخر بكل النعم والخيرات والثروات، التي تحتكرها الأنظمة وشرذمة المفسدين، الوطن العربي البقرة الحلوب للإمبريالية العالمية، في زمن صمت علماء البلاطات وغيبوبة زعماء الحماقات.