سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | المناضلون ضد العولمة: دعوة إلى الحسد | |
المناضلون ضد العولمة: دعوة إلى الحسد / بلال خبيز يوم اشترى مصرف «تشايس» وهو واحد من المصارف الأربعة الكبرى في الولايات المتحدة. مصرف «واشنطن ميتشيوال» المتعثر في الأسابيع الأخيرة من عام 2008، نظم المسؤولون عن الدعاية فيه حملة دعائية تفيد ان مصرف «تشايس» يملك موجودات نقدية تفوق الالف مليار دولار، واتبع هذه الحملة بدعوة من يريد ان يسحب مدخراته من المصرف المتعثر ان يقوم بذلك دونما إبطاء. بطبيعة الحال، فعلت الحملة فعلها، وأقنعت الكثيرين ممن يدخرون أموالهم في المصرف المتعثر بإبقائها حيث هي ما دام مالك المصرف الجديد يضمن الموجودات. المصرف المتعثر كان مصرفاً ناشطاً في كاليفورنيا فقط. وغني عن القول ان كاليفورنيا الولاية بحجم دولة كبرى، سكاناً واقتصاداً ومساحة. بل لطالما نافست فرنسا على مرتبتها الاقتصادية وكثيراً ما تفوّق الاقتصاد الكاليفوروني على الاقتصاد الفرنسي. لكن ضخامة كاليفورنيا ليست بالشيء الذي يذكر إذا ما قورنت بالولايات المتحدة كلها. ورغم ان المصرف المتعثر كان يملك موجودات منقولة وغير منقولة تدق عتبة الأربعماية مليار دولار، إلا انه كان يعتبر مصرفاً محلياً بالمقاييس كافة. بل أن مصرف «تشايس» نفسه لا يمكن ان يقارن من حيث سعة انتشاره في العالم بمصرف «أتش أس بي سي» البريطاني. هذا رغم ان الموجودات والعمليات التي يجريها هذا المصرف اوسع بكثير من العمليات التي يجريها نظيره البريطاني المنتشر، فروعاً، في ارجاء العالم الواسع. لطالما حصل خلط بين العولمة وأميركا. وقد تكون هذه الوقائع والأرقام ابرز الأمثلة على هذا الخلط المتمادي. ذاك ان الاقتصاد الأميركي يبلغ من الضخامة والاتساع ما يجعله مؤثراً تأثيراً جلياً على الاقتصاد العالمي برمته. لكن الضخامة والاتساع لا يجعلان من الاقتصاد الأميركي المحلي اقتصاداً معولماً بالضرورة، بالنظر إلى اثره البالغ والخطير على اقتصادات الدول الاخرى. ذلك ان اساسيات الاقتصاد المعولم وتعريفاته لا تلحظ ضخامة العمليات واتساعها بوصفها مقوماً وحيداً وحاسماً على العولمة الاقتصادية. وربما يكون المحدد الأساس الذي تنطلق منه تعريفات العولمة يتلخص فعلياً بالانتشار الواسع على مدى العالم كله. هكذا لم يتردد كاتبا «فخ العولمة ـ الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية» الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، في ملاحقة امبراطورية «ماكدونالدز» بوصفها تعبيراً صافياً وحقيقياً عن المؤسسات المعولمة، او الشركات العابرة للحدود بحسب التعبير الماركسي المحدث. بالنسبة لهانس ـ بيتر مارتين وهارالد شومان، ليس ثمة شك في أن امبراطورية ماكدونالدز المنتشرة في كل مكان تقريباً في العالم، هي احد عناوين زمن العولمة اقتصاداً واسلوب عيش، ولا يمكن لمصرف «واشنطن ميتشيوال» المتعثر والمحلي، ان يضارعها على اي نحو من الأنحاء. فلنثبت: امبراطورية ماكدونالدز هي واحدة من مؤسسات العولمة الفاعلة وجزء لا يتجزأ من سلطاتها. مثلها مثل «سوني ـ اريكسون» و«نوكيا» و«كوكو شانيل». لكن «ماكدونالدز» الاميركي ليس ولم يكن مرة جزءاً من صناعة الفخر الأميركية. ويكاد يكون الأميركيون اكثر شعوب الأرض كرهاً ل«لماكدونالدز» وأقرانه، ويندر ان تجد أميركياً او مقيماً في أميركا لا يرى في الطعام التي تقدمه مطاعم الأكل السريع الأميركية خطراً على صحته ينبغي تجنبه ومحاربته إن أمكن. الأميركيون لا يفخرون بماكدونالدز مثلما يفخر اليابانيون بتويوتا او وجبات السوشي السريعة التي تنتشر مطاعمها في كل مكان. وهذا ربما بسبب من المزاج الأميركي العام، الذي يغذي مشاعر الحسد والنقمة والغضب على كل ما هو متجاوز للمحلي. لكن الغضب والنقمة لا يبرئان الأميركيين من الغضب والنقمة الخارجيين. إذ من حق الياباني، وهذا امر مركوز في البدائه، ان يفخر بنجاح تويوتا في اقصاء جنرال موتورز عن عرش صناعة السيارات، من دون ان يلق بالاً إلى الصعوبات التي يواجهها العمال في هذه الشركة حال تعثر شركتهم. وهم في آخر الأمر عمال ومياومون ولا تمنحهم حيازتهم الجنسية الأميركية اي امتياز يذكر. بل أن اوضاعهم المتردية بعد تعثر صناعة السيارات في ديترويت بولاية ميتشيغان يصعب وصفها، إذا لم نستعر فصولاً من وصف كارل ماركس لبؤس الطبقة العاملة الأنكليزية في كتابه الأشهر «رأس المال». اليوم تستطيع ان تشتري بيتاً مع حديقته في ديترويت بمبلغ لا يتجاوز العشرين الف دولار. لكن الناس لا تقبل على الشراء، لأن بعض أحياء المدينة باتت مهجورة تماماً ويصعب على من يريد الانتقال للسكن فيها ان يجد عملاً مجزياً. مع ذلك لا يجد اليساري الياباني او الأوروبي او العربي سبباً للتضامن مع هؤلاء. ثمة شماتة تعصف في ارجاء العالم. هزيمة تويوتا لجنرال موتورز سبب للفرح والشماتة، اما الناس الذين خسروا وظائفهم واسوّد مستقبلهم فليسوا من الأرقام التي يمكن حسابها في الحرب السائرة ضد العولمة بوصفها منتجاً اميركياً خالصاً. هذا وما زال تقدم الصين وحلولها محل أميركا كمقرر اول وشبه وحيد في الاقتصاد العالمي حلماً يدغدغ معظم يساريي العالم والمناضلين المتحدين ضد العولمة. أما ما الذي سيغيره التقدم الصيني في أوضاع العالم الصعبة، عدلاً أكثر وإنصافاً أوفر، فهذا مما لا يجد جواباً لدى أي كان. على أي حال، وبصرف النظر عن الأوهام التي تحيط بهذه النظرية اميركياً وعالمياً، وانعدام منطقها، إلا ان ذكرها وتثبيتها يوضح بلا أدنى لبس، ان التفكير اليساري المحدود بحدود رغبته العظمى بانهيار اميركا إنما ينطلق من موقع يفتقد لأي قدر من العدالة والإنصاف على نحو لا علاج له في ما يبدو. فأن لا تلتفت الفكرة اليسارية إلى اوضاع شعوب الولايات الأميركية وما قد يحل بها من مصائب وكوارث في حال انهيار أميركا مثلما يحلمون، وان يجري السجال والمناظرات في العدل والإنصاف وحسن توزيع الثروات على شعوب العالم كله، ناقص الشعب الأميركي فقط، لهو أمر يستوجب الشجب نظرياً على الأقل. لا شك ان هؤلاء لا يرغبون فعلاً في تبني نظريات جائرة، لكنهم على الأرجح يلجأون إلى مثل هذا التبني بسبب خلط هائل يقعون ضحيته، وهو خلط لا يفرق اميركا الأرض والولايات والصحاري والشعوب وحكومات الولايات أيضاً عن السلطة الفيدرالية الاميركية وبقية السلطات الهائلة الاتساع والحجم والعظيمة القدرة في الوقت نفسه. والحال، ليس ثمة أحد في العالم اليوم يريد مقاضاة «غوغل» على توفيرها البريد الالكتروني او محرك البحث لكل من يملك مدخلاً إلى شبكة الانترنت. رغم انه لم يمض زمن طويل على الهياج المتعاظم الذي عرفته بلاد العالم كله في مواجهة مايكروسوفت ورغباتها الاحتكارية الواضحة. على اي حال، يعرف الجميع اليوم ان زمن مايكروسوفت ولى، وأنها باقية كشركة عملاقة مثلها مثل كثير من الشركات الأخرى المتنشرة في انحاء العالم. ويعرف المدققون والمختصون أيضاً ان الزمن اليوم في عالم الفضاء السبرنطيقي مملوك لشركتين عظميين او ثلاثة على الأكثر: «غوغل و«آبل». والأخيرة تدأب منذ فترة على نشر الشائعات عن فساد برامج شركات أخرى، ابرزها شركة «ادوبي» التي تنتج برنامح «فلاش» وهو احد أهم البرامج التي تشغل الفيديو على الأنترنت، رغبة منها في تسويق برنامجها الخاص «آي باد». هذا وليس خافياً ان هذه الشركة تحتكر العلاقة مع زبائنها احتكاراً مقفلاً. وثمة في اميركا اليوم نزاع هائل بين الشركات المهتمة بالبرمجيات على كسب ودها، لأن كسب ود «آبل» يعني الوصول إلى أكثر من 15 مليون زبون يستخدمون تلفونها المحمول، ويثقون بإدارتها ثقة عمياء، بل يمكن القول ان ثمة تحزباً أعمى لهذه الشركة في اوساط المستخدمين الذين يستخدمون منتجاتها وبرامجها، وهو تحزب لا يُعفى من تبعاته معظم المناضلين ضد العولمة الذين لطالما حاربوا منتجات مايكروسوفت واستبدلوها بمنتجات «آبل» نفسها، وذلك استناداً إلى نظرية خلطت بين النضال والغيرة، وصنعت للحسد موقعاً فكرياً يتجاوز في أهميته موقع العدالة فكرياً بأشواط طويلة، ويناقض كل اهتمام بالمستقبل، وهو الأمر الذي ميز اليسار عن اليمين في عصور التنوير الأوروبية وما تلاها، وجعله يتبوأ موقعه الأخلاقي الذي ما زال ينفق من رأسماله حتى اليوم. ليس ثمة اسباب تدعو المرء للدفاع عن «مايكروسوفت» في مواجهة «آبل». ذلك أن مثل هذا الدفاع هو سقوط سريع مرة أخرى في فخ اعتبار الحسد مقوماً نظرياً يمكن الركون إليه في الحركات السياسية والإجتماعية على حد سواء. لكن ذلك لا يمنعنا من ملاحظة ان الجهود الصادقة التي حاولت محاربة هذه السلطات ومنعها من السيطرة التامة على النطاق الذي تعمل فيه، أدت إلى ولادة أحزاب ومتحزبين لسلطات اخرى تبدو اليوم اكثر امتناعاً على محاولات اختراقها وأضعافها. واقع الأمر ان «آبل» هزمت «مايكروسوفت» أما المناضلون ضد العولمة فكانوا مجرد وقود مناسب انفقته «آبل» في معركتها من دون أن تخسر شيئاً على الإطلاق | |
|