** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 تاريخ الأسى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو مروان
" ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
تاريخ الأسى Biere3
ابو مروان


عدد الرسائل : 411

الموقع : الحرية
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

تاريخ الأسى Empty
27062010
مُساهمةتاريخ الأسى

"
تاريخ الأسى" ( منشورات اتحاد الأدباء في العراق /1994) للشاعر العراقي
طالب عبد العزيز ، يجمع في تلافيفه أثراً لأصلين ؛ أخبرتْنا عادةُ التقليد
أنها يفترقان بالتقابل : فرد / جماعة . غير أنهما يتماهيان في بوتقة الحسّ
المشترك والتجربة الحقّة لـ " تاريخ الأسى ". إنهما يصيرا صوتاً واحداً في
التاريخ ، بما هو مُؤسّسة الفجيعة والعذاب الجماعيّ ، بما هو مؤطّرٌ بطغيان
في الداخل ، وبتبجحات فرانسيس فوكوياما في " نهاية التاريخ " ، من جهة
موسوعية ؛ حيث خطاب الأنا التي ينبغي عليها أن تشّل الآخر ، لا بوصفه أنا
الدكتاتور وحسب ، بل بوصفه آخر استُحْضِرَ لفائدة الطِّباق . إن مراقبة
العناوين من شأنها أن تعمّق في النفس نظرةَ الأسى ؛ ففي الوقت الذي نقرأ "
تاريخ الأسى " لطالب عبد العزيز ، نتابع ، في هذه الآونة ، الاحتفال بـ"
تاريخ الجمال " للشهير الإيطالي أمبيرتو ايكو! وقد أشار ، هذا الشهيرُ ، في
احتفاليةٍ صُحفية مقروءة ، بما ينمّ عن ترف الموضوع ، أنّ ” كتاب تاريخ
الجمال يروي الطريقة التي نَظَرَ فيها الرجال والنساء إلى الجمال عبر
العصور ، وأنّ صفة الجمال تشير إلى اختبارات منفصلة جداً بعضها عن بعضها
الآخر . فمن هذا الترف إلى هذا الأسى الذي يروي تاريخه ، شاعرنا -من على
قاعدة : أنّ الشعر ، هذا الجمال ، ديوانُ ومُدوّنة لكل ملمّاتِ العرب –
مُرمِّزاً ، من باب الخشيةِ ، أو فضّاحاً ، للعلل الأصيلة ، والمآلات
التراجيدية ، حيث ينظر ويشير ويروي الرجال والنساء والنهر والأمكنة
والأشياء " تاريخَ الأسى " .
***
من هنا ، الانفتاح على شخصية أمريء القيس ، في قصيدة هي بعنوانه ، حيث هو
شخصيةٌ فارسٍ بائد ٍ، وحيّ بالترميز ، إنها تجسيد لشخصيةِ التاريخ ، منفصمة
الدلالة بين الفروسية( البطولة ) والانكسار :
كلما فكرت في المعاول
أدركت أني أقسى منها
كلما رأيتُ نسراً جريحاً
تحسسّتُ جناحي المكسور
كلما تجتاحنى الذئاب
تقتل كلباً في روحي . (ص24)
إنّ امرأ القيس ، بعين الفطنة والصورةِ الجَدّ ، هو شخصُ التاريخ القاتل
والمقتول . هو البطل الباطل ، حيث يعي - الآن- عَظَمَةِ مصيرِه الشخصيّ .
بتناولٍ آخر : فالتاريخ قاتلٌ مدانٌ من حيث هو أيديولوجيا ، ولها معاول ؛
الأشد منها قساوة الفاعل الأيديولوجي . كذلكَ ، التاريخُ مقتولٌ ؛ من حيث
هو ميراث والصورة الراهنة للجماعةَ. من هنا، إعلاء القصائد لصوت الجماعة ،
وهيمنة الشرط الإنساني ؛ بتفريد وتوثيق جماليّ عميق يحدثه الشاعر ؛ ليدخل "
تاريخ الأسى " بوصفه أثراً- حدثاً جمالياً مُوفّقاً ومُطِلاً من " أفق
مزدحم " من " أفق ميتٍ من رمادٍ ودم " (ص31) ، فيما تنالُ الإطلالة مستوىً
رفيعا ً، بالنسبة لكتابة " قصيدة النثر " العراقية خاصة ، العربية عامةً ؛
مُعْرِبَاً بالجمال عن بالغ الأسى . ليَعْبُر ، إذاً ، " تاريخُ الأسى"
مُستقّراً في " تاريخ الجمال " :
وقف الموتُ على قلوبهم
فعلّموه الحياءَ.
دجنوا الشمس وروضوا الأنهار
تفقهوا في النكاح والقبل
وأباحوا لعيونهم ما تصيب من الدمع والجمال
مازالوا على الحزن ظاهرين
لا يقرب الفرح داراً لهم
وحين أسقط السؤالَ نواجدهم
اخترعوا البكاء.(ص40)
***
ستُهَيّيءُ لنا ، الوهلةُ الأولى ، عنوانَ الديوان ، وقد ادّعى نيّةَ
الشاعر تأطير الأسى بإطار زمني . وربما سيلاقي الادعاء دَعماً من تأكيده ،
على ذلك ، بتأريخ الشاعر قصائده ، تأريخاً سنوياً تاماً ومنغلقاً بتعيين
وحدةِ السنة . في الوقت ذاته ، متعدّيا ً، لأكثر من مرةً اكتمالَ وانغلاق
السنة ، بتكرار التأريخ بها مرتين وأكثر . ولعلّ الدلالة الخافية ، هنا ،
تحقّقُ الانفلات من الادعاء ، رغبةً ، أصيلةً ، في النفاذ إلى فضاء يقابله
الانغلاق ، حيث لا تسلسل ، إنما تقافز واستباقٌ وعودةٌ وتكرار لسنواتِ
تأريخ القصائد ؛ البالغ عددها 18 قصيدة . وكلّها سنواتٌ ( دوالّ ) حافلةٌ
بالمعاني ، من حيث ، هذا الشاعر ونحن ، نَعِي أحداثَها القربية والمباشرة ؛
حافلة ، كذلك ، من حيث لا يَعِى الشاعر مرونة الدوالّ المدوّنة بالتقافز
والاستباق والعودة والتكرار : ( تاريخ الأسى 1986 ، ربيع العائلة 1989،
الهياكل المضيئة 1988، شجن 1991، أصدقاء 1987 ، امرؤ القيس 1987 ،
العشاء الأخير 1987 ، أمي فاطمة وكتفي بيضاء 1989 ، بقايا السفرجل 1991 ،
إلى ما هو أبهى 1990 ، على أريكة من شجن 1992 ، منتصف الرماد 1985 ،
الذرائع 1983 ، خيول على الأديم 1988 ، غبطة 1988 ،الأسئلة 1979 ، الخزافون
1993 ، حرب أخي 1993 )
كذلك ، فإنّ كلّ قصيدة مربوطة إلى عنوانها ، إنما تؤكّد ، دائما ، أن
العناوين ، بما هِيَ بواباتٌ مُنفتحةٌ على المُتون ، هي ، أيضاً ، بواباتٌ
منفتحة على بواباتٍ ؛ ذلك أنّ حركة معاني العناوين والمتون معاً ، في
عملياتِ دعمٍ وإسنادٍ وتؤازرٍ ، مع بعضها البعض، في خدمة تجلّي وإفاضة جملة
الأسى عن حقيبة السنين المُؤرِّخة : " تُرى ، أية حقيبة سيَقَبْعُ فيها
الألم؟!" (ص21)
.. ورغبةً ، أصيلةً، ثانية ، في التأشير للأسى ، وقد أصبحَ تاريخاً بذاته
لذاته ، أصبح " كينونة " تنتشرُ تحضر في دورة اكتمال الأسى ؛ دون أن يُعيرَ
الفاعلُ الأيديولوجي الضرورةَ والحتميةَ التاريخية مرونةً تُذكر؛ دون
الخلاص من مُؤسسات وأطرِ العذاب والموت : " أرْخيت أُطُرِي ، فتبعثرتُ بين
يديك / وفرسخاً فرسخاً كنتَ تأتي على أديمي بالقبل " (ص35) .. " كانت
الشظايا تؤسّس ممالكها في أجسادنا الطرية " . (ص26) فهؤلاء من أؤلئكَ الذين
يحدّقون في موتهم اليوميّ "حفاة إلا من ضوءٍ أقصى الروح / وعلى ظهورهم
شموسٌ مطفأة ".(ص12). إنّ " تاريخ الأسى" صورةٌ تنطق ، بالغلظة وخشونة
الحقائق ، بما هي حيّة بنشاط الدمِ على المعاولِ والندم في الراهن ، في
التراث والموروث والرموز والشخوص والحواشي التاريخية ؛ فلا تنفك هذه الصورة
– الفسيفساء ، تعيد القضايا ، وتتعدّد وتُعيّن ، عبرَ " بقايا السفرجل " ،
في المتن والحواشي ، الأماكنَ والجماعاتِ والمذاهبَ والفرقَ الإسلامية :
حمدانيونَ من أبي خصيب
وخصبيّون من حمدان ، زَارِعُو حِراب
وقاطِفو حُروب ،
أصلابٌ متفخذةٌ من نجد الأولى
سيوفهم من بدر
وهَوادجهم من صفين
إباضيون من أقصى الألم
حنابلة، شافعيون ومرجئة..
هيأوا للحكمة المنافذ
وعلّموا الناس الشبهات.(ص43)
حيث يشار ، من باب التنويع ، على ذلك ، إلى " الأنهار" بوصفها حمّالة
الفاعلية والعاقبة . فتكشف الكلمة عن ذاتها ، في سلسلة معانٍ تتعدّد وتتغير
؛ فهي تكشف عن الفُرقة والاختلاف ، وفي الوقت نفسه ، هي تكشف عن التوحّد
في العاقبة " اختلفوا أنهاراً، واتفقوا دمعاً وخزامى ". (43).." فرّقتهم
الأنهار والسيوف وجمعتهم المدافن ".(ص39) لتكشف " الأنهار " ، من موقع
الفاعل والسيوف من موقع المعطوف على الفاعل ، عن كثرة الدمع من الدماءِ ،
وكثرة الدماء في الماء . مُستمدّة الذاتُ ، رُموزَها واستعاراتها وكناياتها
، المحمولةَ على الأنهار ، من الطبيعة كنعمةٍ ، كخيرٍ وجمالٍ ، وتوظيفها ،
من ثمّ ، " الأنهار" ، على نحوٍ من المحاكاة المعكوسة ؛ كنقمةٍ ، كشرّ
وقبح بوجه التاريخ البشريّ : " فزادهم الله أنهاراً وشمساً " .(ص38)
***
إنّ ما سبق يظهر سيرورة وصيرورة الوقت الحاضر – الآن - واستغراقه في الفرقة
والتسلط والرماد والدم والندم . في لحظة أنّ البحث عن الخلاص بالسؤال عن
المأوى الحرّ الآمن يعود للماضي ، للأصل ؛ فلا يلقى الإجابة إلا الفرقة
والحراب والدم والندم ، ذلك أن منبت الإجابة من أرض الحاضر هي صورةٌ لأصلها
: الماضي .
هل يؤويكَ الماضي إذا ما عدتَ من الحاضر
وقد صيّرك الوقت ندماً(ص72)
فأمام تطابق الأثر مع الأصل ، الحاضر مع الماضي ، بوصفهما بعدي زمان ، سوف
يتجه النصّ للبحث عن الخلاص ؛ ببناء الموقف البنيوي من البحر / اليابسة ،
بوصفهما بعدي مكان : الأول فضاء . الآخر مُنغلق . فمن هنا ، يُفصح الصوتُ
الشعري عن طبيعة العلاقة ، فـ " المدمنونَ البحر… يكرهون اليابسة " ، " ففي
البحر أكثر مما ينبغي”.(ص8).
إنّ في الذهن نية لعقدِ المقاربة من أجل تعميق المفارقة ، وهي بالمناسبة ،
حقيقةٌ أصيلةٌ ، تَصَوُّرُها في الفكر(الوعي) أصيلُ التطابق بالموضوع .
يُدرَكُ ذلك ، بالعقل والحسّ ، بإضفاء الطابع الوطني على اليابسة والبحر ،
كبعدين وطنيين ؛ ويَتَأكَّدُ الإدراكُ بإضفاء الطابع الوجودي بين الأرض
والسماء كبعدين وجوديين . ففي محاضرة تلقي نظرة إجمالية على فلسفة هايدغر ،
بعنوان " العالم والأشياء " ، يقدّمها أ. كْلاوْس هيلْد Klaus Held ،
ويترجمها ، عن الألمانية ، إسماعيل المصدق ، وهي " المحاضرة ، التي ألقاها
الأستاذ Klaus Held سنة 1990 في عدة منتديات ، نصٌّ كان قد نُشر في إطار
مؤلف جماعي أصدره Christoph Jamme و Karsten Harries تحت عنوان : " مارتن
هايدغر ، الفن ـ السياسية ـ التقنية” عن دار النشر Wilhelm Fink بميونيخ
سنة 1992، ص 319 ـ 333 ." وفيها أن : (الأرض هي ذلك المنغلق الذي يفسح من
مأمنه المظلم الطريق لظهور الحي ونموه ، بحيث يستطيع أن يتجه نحو الأعلى ،
أي إلى داخل الفضاء المفتوح لمجال الضوء الذي نسميه السماء .. وأنّنا في
علاقة السماء والأرض نعيش بكيفية مشخصة تجربة فسح الطريق لبُعد الظهور:
العالم انطلاقاً من الانسحاب. لا ينبغي فهم هاتين الجهتين كموضوعين كبيرين ،
بل باعتبارهما البعدين الأصليين المتقابلين للظهور. إن المجال، البعد،
الذي يتكون بفضل هذا التقابل ليس شيئا آخر غير العالم . إن العالم كتفاعل
بين السماء والأرض يتضمن هو ذاته في ذاته العلاقة المتعارضة بين الانسحاب
الذي يصون ويفسح الطريق لبعد الانفتاح انطلاقا من الانسحاب… إن العالم لا
ينكشف كتقابل للسماء والأرض إلا بالنسبة للناس المعرضين للموت ، الذين
يفهمون ذاتـهم، بكيفية معبر عنها ، كمعرضين للموت ، والذين يكونون بذلك
قادرين على أن يتوقفوا في الاستعمال الوظيفي العادي للأشياء، وأن يقيموا
عندها مستجمعين لأنفسهم، أي، إلا بالنسبة للناس المعرضين للموت بهذا المعنى
الكامل للكلمة. ولهذا فإن ما يميز الإغريق القدامى الذين كانوا يسمون
الناس بالمعرضين للموت أنهم فهموا كل شيء انطلاقاً من تفاعل السماء والأرض )
ما سبق إحضاره ، إنما يخدم ، بصورةٍ معينة ، سياق الرؤية التي تقام عليها
العلاقة الجدلية بين اليابسة والبحر، عند طالب عبد العزيز . والمواتية ، في
حدّ معين ، لمفهوم البعدين كما في النظرة لفلسفة هايدغر ؛ ثمّ المُفارِقة
لتطابق الأطراف ، بعد قليل. فاليابسة هِيَ المُنغلق. البحرُ هُوَ الفضاءُ
المفتوح ، هُو بُعْدُ التخييل . فبغريزة الذات المحاصرة ، إذاً، تأخذُ
الشعريّةُ اتجاهاً من اليابسة إلى البحر. هذا الاتجاه هو الانسحاب ذاته من
اليابسة المنغلقة ، لكنْ _ وهنا تتفَارقُ الأطراف - من دون أن تفسح من
مأمنها المظلم الطريق لظهور الحي ونموه - إلى البحر ، الفضاء المفتوح .
ولدعم ذلك بحقيقةٍ موضوعية ، فإنّ العراق لا يطلّ على فضاء البحر المفتوح ،
فهو بلد منغلقٌ ، باستثناء نافذته الضيّقة " شط العرب " ، والتي ، هي
بالمناسبة ، كانت سبباً لحربٍ ؛ رائحتها تُحسّ في القصائد وتدرك من تأريخ
كتابتها . ولدعم ذلك شعرياً ، فإن الشاعر يكثف من رموز ومتعلقات وقرائن
البحر ، في طريق إعلاء كنايات الحصار والانغلاق . " سفنٌ راسية في حيطانهم "
(ص15) ،
يأخذون قاربك كأخذهم يدك
ثم يوثقونه إلى أعزّ أشجارهم (ص11)
فحتى ظهور الحيّ ونموه من مأمن اليابسة المظلم متمثلاً بظهور" أعز أشجارهم "
؛ لا يقدّم شفاعة البحر ، وربما يقدّم شفاعة النهر ، ودلائله لليابسة ،
ذلك أنهم في حالة سلب ، دون ترك ودفع القارب والذات باتجاه الفضاء. إنهم
يوثقون ذلك بعنايةٍ. في بحر ذلك يتعاظم الهولُ من عطالة الأشياء : " يا
لأشيائنا الراكدة”(ص47)، والابتهالُ للحدّ من عَظَمَةِ ذلك.. " أيتها الأرض
القديسة رفقاً بأشيائنا " (ص31) حيثُ يظهر للأنا المتكلّمة من أصلها ، في
الفضاء ، أثرٌ = غناءٌ أبيض ، إنسانيُّ الجوقة والعلاقة بالعالم والأشياء :
معنيّ أنا بالسفن الراسية
بالخشب المنخور على الشطآن
بالأشرعة المحطّمة
بالكواسج الجائعة
بالنوارس الميتة على ألواحها (ص16)
***
لكن ، البحر الذي كان قد مثّل الفضاء المفتوح في متخيل شعرية الحصار ،
يرتدّ من صفته فضاء لخلاصِ مدمنيهِ ، إلى كائنٍ أو ظرفٍ يقفُ من الذين "
يكرهون اليابسة " موقفَ الآخر القاتل والمُعَطِّل :
الذين ألقموا البحر أعزتهم
وأكلت الحيتان خصورهم وفحولتهم . (ص8)
كومنا الثياب على الرمل
كومنا الصِبا على الثياب
البحر نشيج ضباع
البحر ابن ضفادعه في ثيابنا يزحف
أين نخبئ شمسنا؟
وإلى بطن أيّ حوتٍ خامل يأخذون قمرَ الليلة
أين نُوْدع ضفائرنا
وجناحا طائر على كفن المغيب،
يا أبغض المنافي خذيني إلى ترياق أكثر خمولا
أكثر شحوبا وندماً (ص59)
حيث ، تقول أسطورةٌ استرالية : " كانَ عملاقُ " لومالوما " في هيئة إنسانٍ
وهيئة حوت في نفس الوقت . وصل من جهة الساحل واتجه غرباً ، وأكل جميع
الناس الذين صادفهم في طريقه ، والذين يقوا أحياء تساءلوا عن أسباب تناقص
عددهم ، فراحوا يلتمسون الأسبابَ ، فعلموا أنّ الحوتَ ممدّد على الشاطيء ،
وقد امتلأت بطنه . تنادوا إلى الاجتماع في صباح اليوم التالي ، ولما اكتمل
جمعهم راحوا يُعمِلون رماحَهم في الحوتِ ؛ شقوا له بطنَه وأخرجوا منها
الهياكل العظمية . فقال لهم الحوت : لا تقتلوني ، لكن قبل أن أموت سأبين
لكم جميع الطقوس الاستسرارية التي أعرفها . قام الحوت بتأدية الطقس أمامهم
وبين لهم كيف يجب أن يرقصوا وسائر ما يتعلق بالطقس . ثم قال لهم : أفعل هذا
وأنتم تفعلون مثله ؛ كل هذا أعطيكم وأريكم كل هذا . بعد أن علمهم هذا
الطقس ، علمهم طقوساً أخرى . ثم انسرب في البحر قائلاً لهم : بعد الآن لا
تدعونني لومالوما ، سأغيّر اسمي . بل تدعونني نوبول نوبول لأنني الآن أسكن
في الماء المالح ". ( مرسيا الياد ، مظاهر الأسطورة ، ترجمة : نهاد خياطة،
دار كنعان للتوزيع والنشر ، 1998، ص97 ) وكانت الشاعر العراقية دنيا
ميخائيل في ( مزامير الغياب ، دار الأديب البغدادية ، 1993، ص56 ) قد فكّكت
، في قصيدة ، وأعادت إنتاج ، من كلمة بحر حَرب ، بآلية عبثٍ خلاّق طفولية
واعية لمفردات دالة وداعمة للسياق مثل : بـ حـ ر، حـِ بْـ ر ، حـ ر ب . فهي
، هنا، تدين البحر ببعد الانغلاق ، وتَطيْرُ داخل هذا البُعد ، وقد صورته
بـ " المشنقة" متجهةً ، بجناحي المخيلةِ والظنّ، للفضاء المفتوح " السماء
". إنّ إقلاع الطير ، الروح ، الطائرة في حلقة الظنّ عند دنيا ميخائيل ؛
ليشيرُ على نحو ما أشار إليه بُعْدُ البحر ، عند طالب عبد العزيز ، بما هو
بُعْدِ تخييل تَغَذّتْ مِنهُ شِعريةُ الحصار، في ظلّ انسحاب- أو- لا وجود
الشمس المُفارِقة للرمز.
سلام لفرحي حين يموت
وحين يبعثُ حياً
سلامٌ لعينيكِ
حين أخبّيء فيهما الأرض
ثمّ أمضي إليّ
أقول للموتى
تصبحون على سماء أخرى
تصلح قبّعة آمنة للطيور
تخرج المساءاتُ من البحر
مثل أجنحةٍ مبللة بالبنادق
كنت أطير
داخل مشنقةٍ
أظنها السماءْ
وكان القلب مزدحماً بك يا وطني
مرّةً أخرى..
ننحني
لتمرّ من فوقنا الحربُ
لو يعيد الطفلُ ترتيب الحروف
وينطق بـ حـ ر
أو حـ بـ ر
لكنه يظلّ يدور نحو الحـ ر ب
كزهرة العبّاد نحو الـ..
- لا وجود للشمس
***
إن أسى التاريخ هُو نِتاجُ حفرة الطوفانِ البحري وفاعلية الكائن الوحشيّ : "
بكم شقاءٍ نردمُ البحر؟ " . إنّ " تاريخ الأسى " حقلٌ دائريّ لنموِ كلّ ما
من شأنه أن يشير إلى.. ويُوحي بعمق أسى الظَرْفَين و" الجماعةِ " في " أنا
" الفرد المَعْنيّ ؛ فـالشاعر في إعلاءٍ صوفيّ:
فوق الماء الماء،
الكل في تفرّد الجسد (ص60)
صوتُه أبيض وترتيله إنسانيّ الجوقة، وأصيلٌ بالعلاقة بالموضوع- العالم
والأشياء . يتجلّى ذلك ، عند طالب عبد العزيز، بالنظر في البنيات الأسلوبية
لقصائد " تاريخ الأسى " ، حيث الاستخدام المكثّف والواسع لدوالّ الاعرابية
الدالة على الجماعة :
- الحضور الغزير لـ دالة (الذين).
- الحضور المتنوع لـ ( نا ) بوصفها : أ. ضمير فاعل في محل رفع ، ب. ضمير
مفعول به في محل نصب ، ج. ضمير مضاف إليه متصلاً بالأسماء ، د. ضمير اسم
مجرور متصلاً بحروف الجر.
- الضمائر المتصلة( ياء المتكلم ، كاف المخاطب وجماعة المخاطبين ، هاء
الغائب وجماعة الغائبين ) متصلةً بالأفعال، وبالأسماء، وبحروف الجرّ.
- الأسماء والصفات باختلاف تموقعاتها وارتباطاتها الاعرابية ( جمع المذكر و
المؤنث السالمين ، منتهى جموع ، جمع تكسير ) .
- الفواعل : [التاء - ألف الاثنين ، واو الجماعة - نون النسوة ]
ولعلنا
نجد التطبيقَ مختصراً لبعض مظاهر البنيات الأسلوبية، في الكلمة الافتتاحية
للديوان:
الذين لا يصلونَ أشقائي،
يربّي صرخاتهم اليأس
اليدُ تكشف.
قصيدة " الهياكل المضيئة " والتي أنعتها بـ" القصيدة البيضاء " ؛ تُكنّ
التبكيتَ للضمير المخاطب بالإدانة والتوبيخ ، إذ يَظهرُ الندمُ ، الذي
تَسْكُتُ عَنْ فِعله يدُ الفاعل الصماء ، بهيأة دمٍ أبيض على ثوب القاتل :
معنيٌّ أنا أيها القاتل بيدك الصماء
بالدم الأبيض على ثوبك
بخنجرك الذي ألقيته في النهر
وكما تطاردك الأشباح
يُطاردني خيالُك الأحمر.(ص18)
إنّ هذه الصورة ، الكنائية ، توفّرُ الحضورَ الجوهريّ ، الحقيقيّ ، الأبيض
للذات ، وقد تَجَلّى أصلُها ، الظاهر الطاهر البريء، في صورة أثرٍ مرئي هو "
الدم الأبيض " كعلامة ندمٍ تطارد شخصية القاتل . وقد أصبحَ الندمُ ، في
نفسيته ، قوّةَ آخرية تتمثّل في جماعة الأشباح تطارد القاتل . فيما يتمثل
تكرارُ الفعل المضمر ، بقلق الأبيضِ من مصيرٍ أحمر في راهنِ و مُتخيّل
الذات البيضاء ، فلقد " أدمت النفوس بعد بياضها " (ص44) وفي خلال ذلك يبدو
فعل إلقاء القاتل " بخنجره" ، في النهر ، حَسَنَةً مِنْ حَسَناتِ اللاوعي ،
وقد عاد بالندم على وعي القاتل . كما يمكن النظر إلى أنه في خلال الحادثة
كانتِ الأداة " الخنجر " قد برأت من أثر الدم ،ِ بالنهر . ليظهر النهرُ
المُطهَّر للمعاول – النادمة : " ندم المعاول" (ص65)- والشاهد والموثّق
الحيّ للأسى. في الوقت الذي هو في مكانته التركيبية مجروراً ، كما هي
الأداة ، ومن قبلها اليدُ والدمُ كذلك .
***
قصائد " تاريخ الأسى " تتوغّل في التاريخ ، بما لا يسمح للشعرية والجمالية
بأن تفارق ، أو أن تخرج من اللحظة الراهنة . ذلك أنّ القصائد ، فيما هي
تنكتب تكون قد تلمّستْ الجمال في مبادرتها لإسقاط الأصل على الآن ؛ إذ تقف
القصائد ، موقفَ الجماعةِ المخالف للرواية بوصفها جنس كتابةٍ مجاور للشعر ،
يخلق المكان والزمان الخاص به المتجاوز لفداحة اللحظة في الزمان التاريخي .
صحيح أنّ الشعر يضطلع ، بلا مُنازع في اعتناق ما تعتنقه سيناريوهات
الرواية في خلق الزمكان الخاص ، وتجاوز الزمان والمكان الملموسين . لكن ،
لنُؤكّد مع " تاريخ الأسى " المخالفة ، إذاً ، لما يذكره مرسيا الياد في (
مظاهر الأسطورة، ص179 ) من أن : " الخروج من الزمان " الحاصل بالقراءة -
لاسيما قراءة الرواية - هو أكثر ما يقرب وظيفة الأدب من الميثولوجيا .
والوقت الذي " نحياه " في قراءتنا لرواية ليس قطعاً هو الوقت الذي نستعيده
في مجتمع تقليدي بالاستماع إلى أسطورة . ولكن ، في إحدى الحالتين كما في
الأخرى ، " نخرج " من الزمان التاريخي والشخصي ونغوص في زمانٍ خُرافيّ ،
غير تاريخي ، وهُنا يقف القارئ أمام زمان غريب خياليّ ، تَتَفاوتُ إيقاعاته
بلا حدود .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تاريخ الأسى :: تعاليق

سميح القاسم
رد: تاريخ الأسى
مُساهمة الأحد يونيو 27, 2010 3:56 pm من طرف سميح القاسم
لأسى" ( منشورات اتحاد الأدباء في العراق /1994)
للشاعر العراقي
طالب عبد العزيز ، يجمع في تلافيفه أثراً لأصلين ؛
أخبرتْنا عادةُ التقليد
أنها يفترقان بالتقابل : فرد / جماعة . غير
أنهما يتماهيان في بوتقة الحسّ
المشترك والتجربة الحقّة لـ " تاريخ
الأسى ". إنهما يصيرا صوتاً واحداً في
التاريخ ، بما هو مُؤسّسة
الفجيعة والعذاب الجماعيّ ، بما هو مؤطّرٌ بطغيان
في الداخل ، وبتبجحات
فرانسيس فوكوياما في " نهاية التاريخ " ، من جهة
موسوعية ؛ حيث خطاب
الأنا التي ينبغي عليها أن تشّل الآخر ، لا بوصفه أنا
الدكتاتور وحسب ،
بل بوصفه آخر استُحْضِرَ لفائدة الطِّباق . إن مراقبة
العناوين من
شأنها أن تعمّق في النفس نظرةَ الأسى ؛ ففي الوقت الذي نقرأ "
تاريخ
الأسى " لطالب
سبينوزا
رد: تاريخ الأسى
مُساهمة الأحد يونيو 27, 2010 4:11 pm من طرف سبينوزا
لتاريخ ، بما هو مُؤسّسة الفجيعة والعذاب الجماعيّ ،
بما هو مؤطّرٌ بطغيان
في الداخل ، وبتبجحات فرانسيس فوكوياما في "
نهاية التاريخ " ، من جهة
موسوعية ؛ حيث خطاب الأنا التي ينبغي عليها
أن تشّل الآخر ، لا بوصفه أنا
الدكتاتور وحسب ، بل بوصفه آخر
استُحْضِرَ لفائدة الطِّباق . إن مراقبة
العناوين من شأنها أن تعمّق في
النفس نظرةَ الأسى ؛ ففي الوقت الذي نقرأ "
تاريخ الأسى " لطالب عبد
العزيز ، نتابع ، في هذه الآونة ، الاحتفال بـ"
تاريخ الجمال " للشهير
الإيطالي أمبيرتو ايكو! وقد أشار ، هذا الشهيرُ ، في
نابغة
رد: تاريخ الأسى
مُساهمة السبت يوليو 24, 2010 11:41 am من طرف نابغة
ستباق والعودة والتكرار : ( تاريخ الأسى 1986 ،
ربيع العائلة 1989،
الهياكل المضيئة 1988، شجن 1991، أصدقاء 1987 ،
امرؤ القيس 1987 ،
العشاء الأخير 1987 ، أمي فاطمة وكتفي بيضاء
1989 ، بقايا السفرجل 1991 ،
إلى ما هو أبهى 1990 ، على أريكة من شجن
1992 ، منتصف الرماد 1985 ،
الذرائع 1983 ، خيول على الأديم 1988 ،
غبطة 1988 ،الأسئلة 1979 ، الخزافون
1993 ، حرب أخي 1993 )
كذلك ،
فإنّ كلّ قصيدة مربوطة إلى عنوانها ، إنما تؤكّد ، دائما ، أن
العناوين
، بما هِيَ بوابا
ابو مروان
رد: تاريخ الأسى
مُساهمة الأربعاء يوليو 28, 2010 1:08 pm من طرف ابو مروان
: فرد / جماعة . غير أنهما يتماهيان في بوتقة الحسّ

المشترك والتجربة الحقّة لـ " تاريخ الأسى ". إنهما يصيرا صوتاً
واحداً في
التاريخ ، بما هو مُؤسّسة الفجيعة والعذاب الجماعيّ ، بما هو
مؤطّرٌ بطغيان
في الداخل ، وبتبجحات فرانسيس فوكوياما في " نهاية
التاريخ " ، من جهة
موسوعية ؛ حيث خطاب الأنا التي ينبغي عليها أن تشّل
الآخر ، لا بوصفه أنا
الدكتاتور وحسب ، بل بوصفه آخر استُحْضِرَ
لفائدة الطِّباق . إن مراقبة
العناوين من شأنها أن تعمّق في النفس
نظرةَ الأسى ؛ ففي الوقت الذي نقرأ "
تاريخ الأسى " لطالب عبد العزيز ،
نتابع ، في هذه الآونة ، الاحتفال بـ"
تاريخ الجمال " للشهير الإيطالي
أمبيرتو ايكو! وقد أشار ، هذا الشهيرُ ،
هشام مزيان
رد: تاريخ الأسى
مُساهمة الأربعاء يوليو 28, 2010 3:22 pm من طرف هشام مزيان
لإنساني ؛ بتفريد وتوثيق
جماليّ عميق يحدثه الشاعر ؛ ليدخل "
تاريخ الأسى " بوصفه أثراً- حدثاً
جمالياً مُوفّقاً ومُطِلاً من " أفق
مزدحم " من " أفق ميتٍ من رمادٍ
ودم " (ص31) ، فيما تنالُ الإطلالة مستوىً
رفيعا ً، بالنسبة لكتابة "
قصيدة النثر " العراقية خاصة ، العربية عامةً ؛
مُعْرِبَاً بالجمال عن
بالغ الأسى . ليَعْبُر ، إذاً ، " تاريخُ الأسى"
مُستقّراً في " تاريخ
الجمال " :
وقف الموتُ على قلوبهم
فعلّموه الحياءَ.
دجنوا الشمس
وروضوا الأنهار
تفقهوا في النكاح والقبل
وأباحوا لعيونهم ما تصيب من
الدمع والجمال
مازالوا على الحزن ظاهرين
لا يقرب الفرح داراً لهم
وحين
أسقط السؤالَ نواجدهم
اخترعوا البكاء.(ص40)
***
ستُهَيّيءُ لنا ،
الوهلةُ الأولى ، عنوانَ الديوان ، وقد ادّعى نيّةَ
الشاعر تأطير
الأسى بإطار زمني . وربما سيلاقي الادعاء دَعماً من تأكيده ،
على ذلك ،
بتأريخ الشاعر قصائده ، تأريخاً سنوياً تاماً ومنغلقاً بتعيين
وحدةِ
السنة . في الوقت ذاته ، متعدّيا ً، لأكثر من مرةً اكتمالَ وانغلاق
السنة
، بتكرار التأريخ بها مرتين وأكثر . ولعلّ الدلالة الخافية ، هنا ،
تحقّقُ
الانفلات من الادعاء ، رغبةً ، أصيلةً ، في النفاذ إلى فضاء يقابله
الانغلاق
، حيث لا تسلسل ، إنما تقافز واستباقٌ وعودةٌ وتكرار لسنواتِ
تأريخ
القصائد ؛ البالغ عددها 18 قصيدة . وكلّها سنواتٌ ( دوالّ ) حافلةٌ
بالمعاني
، من حيث ، هذا الشاعر ونحن ، نَعِي أحداثَها القربية والمباشرة ؛

حافلة ، كذلك ، من حيث لا يَعِى الشاعر مرونة الدوالّ المدوّنة بالتقافز
والاستباق
والعودة والتكرار : ( تاريخ الأسى 1986 ، ربيع العائلة 1989،
الهياكل
المضيئة 1988، شجن 1991، أصدقاء 1987 ، امرؤ القيس 1987 ،
العشاء
الأخير 1987 ، أمي فاطمة وكتفي بيضاء 1989 ، بقايا السفرجل 1991 ،

إلى ما هو أبهى 1990 ، على أريكة من شجن 1992 ، منتصف الرماد 1985 ،
الذرائع
1983 ، خيول على الأديم 1988 ، غبطة 1988 ،الأسئلة 1979 ، الخزافون

1993 ، حرب أخي 1993 )
كذلك ، فإنّ كلّ قصيدة مربوطة إلى عنوانها ، إنما
تؤكّد ، دائما ، أن
العناوين ، بما هِيَ بواباتٌ مُنفتحةٌ على المُتون
، هي ، أيضاً ، بواباتٌ
منفتحة على بواباتٍ ؛ ذلك أنّ حركة معاني
العناوين والمتون معاً ، في
عملياتِ دعمٍ وإسنادٍ وتؤازرٍ ، مع بعضها
البعض، في خدمة تجلّي وإفاضة جملة
الأسى عن حقيبة السنين المُؤرِّخة : "
تُرى ، أية حقيبة سيَقَبْعُ فيها
الألم؟!" (ص21)
.. ورغبةً ،
أصيلةً، ثانية ، في التأشير للأسى ، وقد أصبحَ تاريخاً بذاته
لذاته ،
أصبح " كينونة " تنتشرُ تحضر في دورة اكتمال الأسى ؛ دون أن يُعيرَ

الفاعلُ الأيديولوجي الضرورةَ والحتميةَ التاريخية مرونةً تُذكر؛ دون
الخلاص
من مُؤسسات وأطرِ العذاب والموت : " أرْخيت أُطُرِي ، فتبعثرتُ بين
يديك
/ وفرسخاً فرسخاً كنتَ تأتي على أديمي بالقبل " (ص35) .. " كانت
الشظايا
تؤسّس ممالكها في أجسادنا الطرية " . (ص26) فهؤلاء من أؤلئكَ الذين

يحدّقون في موتهم اليوميّ "حفاة إلا من ضوءٍ أقصى الروح / وعلى ظهورهم
شموسٌ
مطفأة ".(ص12). إنّ " تاريخ الأسى" صورةٌ تنطق ، بالغلظة وخشونة
الحقائق
، بما هي حيّة بنشاط الدمِ على المعاولِ والندم في الراهن ، في
التراث
والموروث والرموز والشخوص والحواشي التاريخية ؛ فلا تنفك هذه الصورة

الفسيفساء ، تعيد القضايا ، وتتعدّد وتُعيّن ، عبرَ " بقايا السفرجل " ،
في المتن والحواشي ، الأماكنَ والجماعاتِ والمذاهبَ والفرقَ الإسلامية :
حمدانيونَ
من أبي خصيب
وخصبيّون من حمدان ، زَارِعُو حِراب
وقاطِفو حُروب ،
أصلابٌ
متفخذةٌ من نجد الأولى
سيوفهم من بدر
وهَوادجهم من صفين
إباضيون
من أقصى الألم
حنابلة، شافعيون ومرجئة..
هيأوا للحكمة المنافذ
وعلّموا
الناس الشبهات.(ص43)
حيث يشار ، من باب التنويع ، على ذلك ، إلى "
الأنهار" بوصفها حمّالة
الفاعلية والعاقبة . فتكشف الكلمة عن ذاتها ،
في سلسلة معانٍ تتعدّد وتتغير
؛ فهي تكشف عن الفُرقة والاختلاف ، وفي
الوقت نفسه ، هي تكشف عن التوحّد
في العاقبة " اختلفوا أنهاراً،
واتفقوا دمعاً وخزامى ". (43).." فرّقتهم
الأنهار والسيوف وجمعتهم
المدافن ".(ص39) لتكشف " الأنهار " ، من موقع
الفاعل والسيوف من موقع
المعطوف على الفاعل ، عن كثرة الدمع من الدماءِ ،
وكثرة الدماء في
الماء . مُستمدّة الذاتُ ، رُموزَها واستعاراتها وكناياتها
، المحمولةَ
على الأنهار ، من الطبيعة كنعمةٍ ، كخيرٍ وجمالٍ ، وتوظيفها ،
من ثمّ ،
" الأنهار" ، على نحوٍ من المحاكاة المعكوسة ؛ كنقمةٍ ، كشرّ
وقبح
بوجه التاريخ البشريّ : " فزادهم الله أنهاراً وشمساً " .(ص38)
***
إنّ
ما سبق يظهر سيرورة وصيرورة الوقت الحاضر – الآن - واستغراقه في الفرقة
والتسلط والرماد والدم والندم . في لحظة أنّ البحث عن الخلاص بالسؤال عن
المأوى
الحرّ الآمن يعود للماضي ، للأصل ؛ فلا يلقى الإجابة إلا الفرقة
والحراب
والدم والندم ، ذلك أن منبت الإجابة من أرض الحاضر هي صورةٌ لأصلها
:
الماضي .
هل يؤويكَ الماضي إذا ما عدتَ من الحاضر
وقد صيّرك الوقت
ندماً(ص72)
فأمام تطابق الأثر مع الأصل ، الحاضر مع الماضي ، بوصفهما
بعدي زمان ، سوف
يتجه النصّ للبحث عن الخلاص ؛ ببناء الموقف البنيوي من
البحر / اليابسة ،
بوصفهما بعدي مكان : الأول فضاء . الآخر مُنغلق .
فمن هنا ، يُفصح الصوتُ
الشعري عن طبيعة العلاقة ، فـ " المدمنونَ
البحر… يكرهون اليابسة " ، " ففي
البحر أكثر مما ينبغي”.(صCool.
إنّ
في الذهن نية لعقدِ المقاربة من أجل تعميق المفارقة ، وهي بالمناسبة ،
حقيقةٌ
أصيلةٌ ، تَصَوُّرُها في الفكر(الوعي) أصيلُ التطابق بالموضوع .
يُدرَكُ
ذلك ، بالعقل والحسّ ، بإضفاء الطابع الوطني على اليابسة والبحر ،
كبعدين
وطنيين ؛ ويَتَأكَّدُ الإدراكُ بإضفاء الطابع الوجودي بين الأرض
والسماء
كبعدين وجوديين . ففي محاضرة تلقي نظرة إجمالية على فلسفة هايدغر ،

بعنوان " العالم والأشياء " ، يقدّمها أ. كْلاوْس هيلْد Klaus Held ،
ويترجمها
، عن الألمانية ، إسماعيل المصدق ، وهي " المحاضرة ، التي ألقاها
الأستاذ
Klaus Held سنة 1990 في عدة منتديات ، نصٌّ كان قد نُشر في إطار
مؤلف
جماعي أصدره Christoph Jamme و Karsten Harries تحت عنوان : " مارتن
هايدغر
، الفن ـ السياسية ـ التقنية” عن دار النشر Wilhelm Fink بميونيخ
سنة
1992، ص 319 ـ 333 ." وفيها أن : (الأرض هي ذلك المنغلق الذي يفسح من
مأمنه
المظلم الطريق لظهور الحي ونموه ، بحيث يستطيع أن يتجه نحو الأعلى ،
أي
إلى داخل الفضاء المفتوح لمجال الضوء الذي نسميه السماء .. وأنّنا في
علاقة
السماء والأرض نعيش بكيفية مشخصة تجربة فسح الطريق لبُعد الظهور:
العالم
انطلاقاً من الانسحاب. لا ينبغي فهم هاتين الجهتين كموضوعين كبيرين ،

بل باعتبارهما البعدين الأصليين المتقابلين للظهور. إن المجال، البعد،
الذي
يتكون بفضل هذا التقابل ليس شيئا آخر غير العالم . إن العالم كتفاعل
بين
السماء والأرض يتضمن هو ذاته في ذاته العلاقة المتعارضة بين الانسحاب
الذي
يصون ويفسح الطريق لبعد الانفتاح انطلاقا من الانسحاب… إن العالم لا
ينكشف
كتقابل للسماء والأرض إلا بالنسبة للناس المعرضين للموت ، الذين
يفهمون
ذاتـهم، بكيفية معبر عنها ، كمعرضين للموت ، والذين يكونون بذلك
قادرين
على أن يتوقفوا في الاستعمال الوظيفي العادي للأشياء، وأن يقيموا
عندها
مستجمعين لأنفسهم، أي، إلا بالنسبة للناس المعرضين للموت بهذا المعنى

الكامل للكلمة. ولهذا فإن ما يميز الإغريق القدامى الذين كانوا يسمون
الناس
بالمعرضين للموت أنهم فهموا كل شيء انطلاقاً من تفاعل السماء والأرض )
ما
سبق إحضاره ، إنما يخدم ، بصورةٍ معينة ، سياق الرؤية التي تقام عليها
العلاقة
الجدلية بين اليابسة والبحر، عند طالب عبد العزيز . والمواتية ، في

حدّ معين ، لمفهوم البعدين كما في النظرة لفلسفة هايدغر ؛ ثمّ المُفارِقة
لتطابق
الأطراف ، بعد قليل. فاليابسة هِيَ المُنغلق. البحرُ هُوَ الفضاءُ
المفتوح
، هُو بُعْدُ التخييل . فبغريزة الذات المحاصرة ، إذاً، تأخذُ
الشعريّةُ
اتجاهاً من اليابسة إلى البحر. هذا الاتجاه هو الانسحاب ذاته من
اليابسة
المنغلقة ، لكنْ _ وهنا تتفَارقُ الأطراف - من دون أن تفسح من
مأمنها
المظلم الطريق لظهور الحي ونموه - إلى البحر ، الفضاء المفتوح .
ولدعم
ذلك بحقيقةٍ موضوعية ، فإنّ العراق لا يطلّ على فضاء البحر المفتوح ،

فهو بلد منغلقٌ ، باستثناء نافذته الضيّقة " شط العرب " ، والتي ، هي
بالمناسبة
، كانت سبباً لحربٍ ؛ رائحتها تُحسّ في القصائد وتدرك من تأريخ
كتابتها
. ولدعم ذلك شعرياً ، فإن الشاعر يكثف من رموز ومتعلقات وقرائن
البحر ،
في طريق إعلاء كنايات الحصار والانغلاق . " سفنٌ راسية في حيطانهم "

(ص15) ،
يأخذون قاربك كأخذهم يدك
ثم يوثقونه إلى أعزّ أشجارهم (ص11)
فحتى
ظهور الحيّ ونموه من مأمن اليابسة المظلم متمثلاً بظهور" أعز أشجارهم "
؛ لا يقدّم شفاعة البحر ، وربما يقدّم شفاعة النهر ، ودلائله لليابسة ،
ذلك
أنهم في حالة سلب ، دون ترك ودفع القارب والذات باتجاه الفضاء. إنهم
يوثقون
ذلك بعنايةٍ. في بحر ذلك يتعاظم الهولُ من عطالة الأشياء : " يا
لأشيائنا
الراكدة”(ص47)، والابتهالُ للحدّ من عَظَمَةِ ذلك.. " أيتها الأرض

القديسة رفقاً بأشيائنا " (ص31) حيثُ يظهر للأنا المتكلّمة من أصلها ، في
الفضاء
، أثرٌ = غناءٌ أبيض ، إنسانيُّ الجوقة والعلاقة بالعالم والأشياء :
معنيّ
أنا بالسفن الراسية
بالخشب المنخور على الشطآن
بالأشرعة المحطّمة
بالكواسج
الجائعة
بالنوارس الميتة على ألواحها (ص16)
***
لكن ، البحر الذي
كان قد مثّل الفضاء المفتوح في متخيل شعرية الحصار ،
يرتدّ من صفته
فضاء لخلاصِ مدمنيهِ ، إلى كائنٍ أو ظرفٍ يقفُ من الذين "
يكرهون
اليابسة " موقفَ الآخر القاتل والمُعَطِّل :
الذين ألقموا البحر أعزتهم
وأكلت
الحيتان خصورهم وفحولتهم . (صCool
كومنا الثياب على الرمل
كومنا
الصِبا على الثياب
البحر نشيج ضباع
البحر ابن ضفادعه في ثيابنا يزحف
أين
نخبئ شمسنا؟
وإلى بطن أيّ حوتٍ خامل يأخذون قمرَ الليلة
أين نُوْدع
ضفائرنا
وجناحا طائر على كفن المغيب،
يا أبغض المنافي خذيني إلى
ترياق أكثر خمولا
أكثر شحوبا وندماً (ص59)
حيث ، تقول أسطورةٌ
استرالية : " كانَ عملاقُ " لومالوما " في هيئة إنسانٍ
وهيئة حوت في
نفس الوقت . وصل من جهة الساحل واتجه غرباً ، وأكل جميع
الناس الذين
صادفهم في طريقه ، والذين يقوا أحياء تساءلوا عن أسباب تناقص
عددهم ،
فراحوا يلتمسون الأسبابَ ، فعلموا أنّ الحوتَ ممدّد على الشاطيء ،
وقد
امتلأت بطنه . تنادوا إلى الاجتماع في صباح اليوم التالي ، ولما اكتمل
جمعهم
راحوا يُعمِلون رماحَهم في الحوتِ ؛ شقوا له بطنَه وأخرجوا منها
الهياكل
العظمية . فقال لهم الحوت : لا تقتلوني ، لكن قبل أن أموت سأبين
لكم
جميع الطقوس الاستسرارية التي أعرفها . قام الحوت بتأدية الطقس أمامهم
وبين
لهم كيف يجب أن يرقصوا وسائر ما يتعلق بالطقس . ثم قال لهم : أفعل هذا
وأنتم تفعلون مثله ؛ كل هذا أعطيكم وأريكم كل هذا . بعد أن علمهم هذا
الطقس
، علمهم طقوساً أخرى . ثم انسرب في البحر قائلاً لهم : بعد الآن لا
تدعونني
لومالوما ، سأغيّر اسمي . بل تدعونني نوبول نوبول لأنني الآن أسكن
في
الماء المالح ". ( مرسيا الياد ، مظاهر الأسطورة ، ترجمة : نهاد خياطة،
دار كنعان للتوزيع والنشر ، 1998، ص97 ) وكانت الشاعر العراقية دنيا
ميخائيل
في ( مزامير الغياب ، دار الأديب البغدادية ، 1993، ص56 ) قد فكّكت
،
في قصيدة ، وأعادت إنتاج ، من كلمة بحر حَرب ، بآلية عبثٍ خلاّق طفولية
واعية
لمفردات دالة وداعمة للسياق مثل : بـ حـ ر، حـِ بْـ ر ، حـ ر ب . فهي
،
هنا، تدين البحر ببعد الانغلاق ، وتَطيْرُ داخل هذا البُعد ، وقد صورته
بـ
" المشنقة" متجهةً ، بجناحي المخيلةِ والظنّ، للفضاء المفتوح " السماء
".
إنّ إقلاع الطير ، الروح ، الطائرة في حلقة الظنّ عند دنيا ميخائيل ؛
ليشيرُ
على نحو ما أشار إليه بُعْدُ البحر ، عند طالب عبد العزيز ، بما هو
بُعْدِ
تخييل تَغَذّتْ مِنهُ شِعريةُ الحصار، في ظلّ انسحاب- أو- لا وجود
الشمس
المُفارِقة للرمز.
سلام لفرحي حين يموت
وحين يبعثُ حياً
سلامٌ
لعينيكِ
حين أخبّيء فيهما الأرض
ثمّ أمضي إليّ
أقول للموتى
تصبحون
على سماء أخرى
تصلح قبّعة آمنة للطيور
تخرج المساءاتُ من البحر
مثل
أجنحةٍ مبللة بالبنادق
كنت أطير
داخل مشنقةٍ
أظنها السماءْ
وكان
القلب مزدحماً بك يا وطني
مرّةً أخرى..
ننحني
لتمرّ من فوقنا
الحربُ
لو يعيد الطفلُ ترتيب الحروف
وينطق بـ حـ ر
أو حـ بـ ر
لكنه
يظلّ يدور نحو الحـ ر ب
كزهرة العبّاد نحو الـ..
- لا وجود للشمس
***
إن
أسى التاريخ هُو نِتاجُ حفرة الطوفانِ البحري وفاعلية الكائن الوحشيّ : "
بكم شقاءٍ نردمُ البحر؟ " . إنّ " تاريخ الأسى " حقلٌ دائريّ لنموِ كلّ ما
من شأنه أن يشير إلى.. ويُوحي بعمق أسى الظَرْفَين و" الجماعةِ " في " أنا
" الفرد المَعْنيّ ؛ فـالشاعر في إعلاءٍ صوفيّ:
فوق الماء الماء،
الكل
في تفرّد الجسد (ص60)
صوتُه أبيض وترتيله إنسانيّ الجوقة، وأصيلٌ
بالعلاقة بالموضوع- العالم
والأشياء . يتجلّى ذلك ، عند طالب عبد
العزيز، بالنظر في البنيات الأسلوبية
لقصائد " تاريخ الأسى " ، حيث
الاستخدام المكثّف والواسع لدوالّ الاعرابية
الدالة على الجماعة :
-
الحضور الغزير لـ دالة (الذين).
- الحضور المتنوع لـ ( نا ) بوصفها :
أ. ضمير فاعل في محل رفع ، ب. ضمير
مفعول به في محل نصب ، ج. ضمير مضاف
إليه متصلاً بالأسماء ، د. ضمير اسم
مجرور متصلاً بحروف الجر.
-
الضمائر المتصلة( ياء المتكلم ، كاف المخاطب وجماعة المخاطبين ، هاء
الغائب
وجماعة الغائبين ) متصلةً بالأفعال، وبالأسماء، وبحروف الجرّ.
-
الأسماء والصفات باختلاف تموقعاتها وارتباطاتها الاعرابية ( جمع المذكر و
المؤنث السالمين ، منتهى جموع ، جمع تكسير ) .
- الفواعل : [التاء -
ألف الاثنين ، واو الجماعة - نون النسوة ]
ولعلنا
نجد التطبيقَ مختصراً لبعض مظاهر البنيات
الأسلوبية، في الكلمة الافتتاحية
للديوان:
الذين لا يصلونَ أشقائي،
يربّي
صرخاتهم اليأس
اليدُ تكشف.
قصيدة " الهياكل المضيئة " والتي أنعتها
بـ" القصيدة البيضاء " ؛ تُكنّ
التبكيتَ للضمير المخاطب بالإدانة
والتوبيخ ، إذ يَظهرُ الندمُ ، الذي
تَسْكُتُ عَنْ فِعله يدُ الفاعل
الصماء ، بهيأة دمٍ أبيض على ثوب القاتل :
معنيٌّ أنا أيها القاتل بيدك
الصماء
بالدم الأبيض على ثوبك
بخنجرك الذي ألقيته في النهر
وكما
تطاردك الأشباح
يُطاردني خيالُك الأحمر.(ص18)
إنّ هذه الصورة ،
الكنائية ، توفّرُ الحضورَ الجوهريّ ، الحقيقيّ ، الأبيض
للذات ، وقد
تَجَلّى أصلُها ، الظاهر الطاهر البريء، في صورة أثرٍ مرئي هو "
الدم
الأبيض " كعلامة ندمٍ تطارد شخصية القاتل . وقد أصبحَ الندمُ ، في
نفسيته
، قوّةَ آخرية تتمثّل في جماعة الأشباح تطارد القاتل . فيما يتمثل
تكرارُ
الفعل المضمر ، بقلق الأبيضِ من مصيرٍ أحمر في راهنِ و مُتخيّل
الذات
البيضاء ، فلقد " أدمت النفوس بعد بياضها " (ص44) وفي خلال ذلك يبدو
فعل
إلقاء القاتل " بخنجره" ، في النهر ، حَسَنَةً مِنْ حَسَناتِ اللاوعي ،
وقد عاد بالندم على وعي القاتل . كما يمكن النظر إلى أنه في خلال الحادثة
كانتِ
الأداة " الخنجر " قد برأت من أثر الدم ،ِ بالنهر . ليظهر النهرُ
المُطهَّر
للمعاول – النادمة : " ندم المعاول" (ص65)- والشاهد والموثّق
الحيّ
للأسى. في الوقت الذي هو في مكانته التركيبية مجروراً ، كما هي
الأداة ،
ومن قبلها اليدُ والدمُ كذلك .
***
قصائد " تاريخ الأسى " تتوغّل
في التاريخ ، بما لا يسمح للشعرية والجمالية
بأن تفارق ، أو أن تخرج من
اللحظة الراهنة . ذلك أنّ القصائد ، فيما هي
تنكتب تكون قد تلمّستْ
الجمال في مبادرتها لإسقاط الأصل على الآن ؛ إذ تقف
القصائد ، موقفَ
الجماعةِ المخالف للرواية بوصفها جنس كتابةٍ مجاور للشعر ،
يخلق المكان
والزمان الخاص به المتجاوز لفداحة اللحظة في الزمان التاريخي .
صحيح
أنّ الشعر يضطلع ، بلا مُنازع في اعتناق ما تعتنقه سيناريوهات
الرواية
في خلق الزمكان الخاص ، وتجاوز الزمان والمكان الملموسين . لكن ،
لنُؤكّد
مع " تاريخ الأسى " المخالفة ، إذاً ، لما يذكره مرسيا الياد في (
مظاهر
الأسطورة، ص179 ) من أن : " الخروج من الزمان " الحاصل بالقراءة -
لاسيما
قراءة الرواية - هو أكثر ما يقرب وظيفة الأدب من الميثولوجيا .
والوقت
الذي " نحياه " في قراءتنا لرواية ليس قطعاً هو الوقت الذي نستعيده
في
مجتمع تقليدي بالاستماع إلى أسطورة . ولكن ، في إحدى الحالتين كما في
الأخرى
، " نخرج " من الزمان التاريخي والشخصي ونغوص في زمانٍ خُرافيّ ،
غير
تاريخي ، وهُنا يقف القارئ أمام زمان غريب خياليّ ، تَتَفاوتُ إيقاعاته
بلا حدود .


  • تاريخ الأسى Up_arrow




  • تاريخ الأسى Icon_multiquote_off_ar
  • تاريخ الأسى I_icon_quote
  • تاريخ الأسى I_icon_edit
  • تاريخ الأسى I_icon_delete
 

تاريخ الأسى

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» تاريخ الفكر الانساني هو تاريخ الأسئلة الكبرى
»  تاريخ الميتاكوندري يكشف تاريخ الانسان
» تاريخ للموضوعية العلمية
» تاريخ العلوم
» تاريخ للمراجعة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: