متى سيسقط الاسد؟
صحف عبرية
2012-06-17
الخلاف
الذي لا يزال يدور بين الخبراء، في مسألة اذا كان ما يجري الان في سوريا
هو حرب أهلية بكل معنى الكلمة أم نزاع دموي لا يزال لا يمكن وصفه بالحرب
الاهلية الكاملة يبدو منقطعا عن الواقع على الارض. فما معنى مواصلة الجدال
مثل رجال الدين المسيحيين اولئك الذين يترددون كم شيطان يمكن أن يحمل رأس
الدبوس، بينما كل يوم تنشر صور جديدة لاطفال مذبوحين؟
الصورة الداخلية
في سوريا بعيدة عن أن تكون واضحة والتقديرات عن طول النفس المتبقي للرئيس
بشار الاسد تبدو أقل فأقل قطعا. الحقيقة هي كما يعترف اليوم الاكاديميون
وضباط الاستخبارات على حد سواء، هي أنه يصعب اكثر فأكثر المعرفة.
بالمقابل،
كلما احتدمت الازمة في سوريا، تكاثرت السيناريوهات المقلقة عن آثارها على
الدول المجاورة. القلق رقم 1 لاجهزة الاستخبارات الغربية تتعلق بالمخزونات
الهائلة من السلاح الكيماوي والبيولوجي التي جمعها جهاز الامن السوري في
عهد حكم سلالة الاسد.
الانصات الاسرائيلي يتركز بما في ذلك استنادا
الى حروقات الماضي، على قناة التعاون التي بين سوريا وحزب الله، ولكن
التخوف الغربي يختلف في جوهره. الخطر الفوري يحدق من منظمات سنية متطرفة،
تعمل بالهام من القاعدة (الاستخبارات الاسرائيلية درجت على وصفها كمنظمات
'الجهاد العالمي').
في الغرب الصقت بها مؤخرا اسما جديدا، في السياق
السوري: القوة الثالثة. والمقصود هو أن هذه المنظمات الجهادية، مع أن
عدوها الواضح هو الاسد، تعمل بشكل مستقل، دون التعلق بقوى المعارضة
السورية الرائدة. هدفها المباشر هو ارتكاب مجازر دون تمييز ضد الاقلية
العلوية، طائفة الرئيس، ولكن هذه المنظمات كفيلة ايضا بان تكون أهدافا
فرعية. احدها هو استخدام مخزونات السلاح الكيماوي في النظام، مثلا، في
عمليات في دول اخرى.
الانتباه الاستخباري ارتفع درجة قبل بضعة أسابيع
بعد أن نشر أيمن الظواهري، خليفة اسامة بن لادن نداء علنيا لنشطائه
للمبادرة الى أعمال 'جهاد شخصي' ضد العلويين في سوريا. في العقود الثلاثة
الاخيرة وجهت نداءات مشابهة لمتطرفين مسلمين للتطوع في افغانستان (ضد
الروس ولاحقا ضد الامريكيين)، في حروب البلقان، في الشيشان وفي العراق.
والتفكير في أن خلية كهذه تنفذ اختطافا موضعيا، لمواد مثل جراثيم انتراكس
او غاز في أكس، تقض مضاجع خبراء الاستخبارات. في بعض الحالات لا حاجة الى
تركيب المادة الفتاكة على رأس متفجر واطلاق صاروخ (وهي مهمات تحتاج الى
خبرات مركبة). برميل من مثل هذه المواد أيضا في الايدي غير السليمة يكفي
لالحاق ضرر ذي مغزى. في اسرائيل كما اسلفنا قلقون ايضا من امكانية النقل
المرتب: الاسد، تحت ضغط مشتد من الداخل ومن الخارج، سيختار النقل المقصود
للسلاح الكيماوي، الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات أو الصواريخ
الباليستية بعيدة المدى الى حزب الله نفس ما فعله الرئيس العراقي صدام
حسين الذي نقل طائراته القتالية الى ايران عشية حرب الخليج الاولى (في
اسرائيل لا يزال يوجد من يدعي بان صدام نقل ايضا السلاح غير التقليدي الذي
كان يزعم انه في حوزته الى بشار الاسد، عشية الهجوم الامريكي الثاني في
2003). في ضوء هذا التخوف يجري الابقاء على جاهزة عملياتية اسرائيلية في
حالة أن تكون حاجة للهجوم من الجو على قوافل سلاح بين سوريا ولبنان.
سيناريو
آخر ينبع من تعقد الوضع في سوريا، الذي له صلة باسرائيل، ولا يعتبر في هذه
المرحلة واقعيا على نحو خاص. والمقصود هو الامكانية التي ألمح بها رئيس
الاركان بيني غانتس في كلمته امام الكنيست قبل بضعة اشهر: فرار جماعي
للاجئين من سوريا الى اسرائيل عبر الحدود في هضبة الجولان. في الجيش
الاسرائيلي توجد خطة استعداد لمثل هذا السيناريو، ولكن الانطباع هو أن
اللاجئين يدور الحديث عن سُنة، ولكن اذا ما انقلبت الامور، فان هؤلاء قد
يصبحون علويين يفرون نجاة لحياتهم لن يختاروا اسرائيل كملجأ مفضل.
اذا
كانت هناك امكانية كامنة لوصول لاجئين الى اسرائيل، يخيل أنها تتعلق اساسا
بالدروز الذين لهم أقرباء كثيرون في الجولان وفي الجليل. لتركيا والاردن
توجد أسباب اكثر للاستعداد لاستيعاب جموع اللاجئين، من كل الطوائف في
سوريا. في الاردن مثلا، تجمع قرابة 100 الف لاجىء سوري في غضون اقل من سنة
ونصف. الاردنيون يمتنعون عن الاعلان عنهم كلاجئين، والسوريون، معظمهم من
ابناء الاغلبية السنية الذين فروا من وجه قتل قوات الاسد، دخلوا الى
الدولة مع تأشيرة سائح.
وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون
اتهمت روسيا بتوريد مروحات قتالية لنظام الاسد، في تصريحات اصدرتها في
واشنطن يوم الثلاثاء من الاسبوع الماضي. وهكذا، ادعت كلينتون، بان روسيا
تدفع نحو التصعيد في الحرب الجارية في الدولة. وليس هذا توريدا أول أو
استثناء في الاشهر الاخيرة.
الحلف الامني بين روسيا ودمشق وثيق وحرج
من ناحية الصناعة العسكرية الروسية ويمكن التخمين بانه سيستمر حتى سقوط
الاسد. ومع ذلك، يخيل أن الروس الذين اتخذوا في البداية خطا رسميا يرفض
التدخل في ما يجري في سوريا، اصبحوا الان لاعبا مركزيا في ما يحصل هناك.
روسيا تمنح حصانة دبلوماسية لسوريا، كي تمنع كل قرار معاد ضد دمشق في مجلس
الامن في الامم المتحدة، وفي نفس الوقت تتأكد من ان تتمكن قوات الاسد من
مواصلة ضرب المعارضة باسلحة اضافية.
هذه السياسة تجر ردود فعل معادية
جدا ضد موسكو من جانب معارضي نظام الاسد، في سوريا وفي العالم العربي. في
صفحة الفيس بوك لاحدى منظمات المعارضة السورية زعم ان 'روسيا هي العدو
الحقيقي للشعب السوري'.
في الخلفية عرضت صورة وزير الخارجية الروسي
سيرجيه لافروف، يتصبب دما من وجهه. الى جانب الدور الفاعل لايران وحزب
الله في مساعدة النظام، يبدو ان روسيا والصين شريكتان الان عن وعي
بالمذبحة اليومية في ارجاء سوريا.
الاعمال الفظيعة تتكاثر فقط والجيش
السوري لا يتردد في اسخدام الوسائل. والمرة تلو الاخرى تصل من سوريا صور
القصف من الجو او المدفعية على أحياء سكنية: في الرستن، في حمص، في
اللاذقية، في معرة النعمان، في ادلب، في درعا والقائمة لا تزال طويلة.
معظم
السلاح الذي استخدم في الاعمال الفظيعة هو سلاح روسي. ولا تزال، دول
الناتو ولا سيما الولايات المتحدة ترفض بشدة تسليح المعارضة. ولديها
مبررات منطقية: من الصعب أن نعرف الى أين سيصل السلاح الذي ينقل الى
ميليشيات مسلحة، والتي ينقص بعضها قيادة بينما اخرى ترتبط بمنظمات اسلامية
متطرفة. اهمال الغرب الذي يرفض الصدام مع بشار الاسد يمنح الرئيس السوري
يدا حرة لمواصلة افعاله.
الانباء السيئة من ناحية معارضي النظام لا
تنحصر بالمساعدة الروسية للرئيس. فمعظم الجيش السوري لا يزال مواليا لبشار
وينفذ اوامره في قصف الاحياء المدنية المكتظة. حجم الفرار من صفوفه ليس
حرجا بعد. في قسم الانباء الطيبة للمعارضة، ليس لبشار اليوم سيطرة حقيقية
في الدولة ومناطق واسعة تخرج بالتدريج من قبضته.
المظاهرات انتشرت
منذ الان الى المدن الكبرى، دمشق وحلب، رغم مساعي النظام منع الظاهرة.
مسألة الزمن تبقى كما اسلفنا، مفتوحة: الاسد على ما يبدو سيسقط في
النهاية. السؤال هو كم من المواطنين السوريين الاخرين سيموتون، سيجرحون او
سيفقدون منازلهم حتى يحصل هذا.
الحسم
سنة ونصف في ما لا
يزال يتردد خبراء عرب اذا كانوا سيعرفونه بالربيع العربي، الصورة
الاجمالية في الشرق الاوسط مشوهة. في ليبيا تأجلت الانتخابات لشهر على
خلفية انعدام الاستقرار والسفير البريطاني نجا من محاولة اغتيال بنار
صاروخ مضاد للدبابات اصيب به بجراح خطيرة اثنان من حراسه. مصر تستعد
للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، التي في نهايتها سيحظى المنتصر
بالمتعة المشكوك فيها للتصدي للازمة الاقتصادية والدستورية غير المسبوقة
في الدولة.
هذه الايام تجري الجولة الثانية. نتائج اولية ستصدر في ليل
اليوم الثاني. في ضوء الجلبة حول قرار المحكمة بحق الرئيس السابق حسني
مبارك ونتائج الانتخابات للبرلمان، سيكون رهانا معقولا التقدير بان مرشح
الاخوان المسلمين، محمد مرسي، سينتصر (على فرض أن قوات الامن لن تخاطر
بتزييف فظ جدا لنتائج الانتخابات). ولكن يخيل انه اذا كان يمكن أن نتعلم
شيئا ما مما جرى في مصر في السنة والنصف الاخيرة، فهو أن من الافضل الا
نراهن.
انتصار مرسي قد يغير وجه مصر. رئيس اسلامي وبرلمان تسيطر عليه
الحركات الاسلامية سيحاولان قيادة البلد نحو تشريع ديني متعاظم. صحيح، من
ناحية اسرائيل التخوف ليس فوريا ومشكوك جدا أن يسارع الاخوان المسلمون الى
الغاء اتفاقات السلام معها. ولكن مع ذلك يبدو أن من يحتاج الى ان يتخوف
أكثر هم المواطنون العلمانيون والاقليات غير المسلمين في مصر.
مظاهرات
الاحتجاج العنيفة للمنظمات الاسلامية المتطرفة هذا اسبوع في تونس، احتجاجا
على معرض فنون عرضت فيه صورة امرأة عارية الى جانب رسم لمدينة مكة
المقدسة، تطرح افكارا عن مستقبل الحركة العلمانية في الدولة. في تونس، كما
يجدر بالذكر، انتصر في الانتخابات للبرلمان حزب اسلامي معتدل. بالمقابل من
المتوقع أن يثير انتصار احمد شفيق، رجل النظام القديم، على مرسي في
الانتخابات في مصر موجة من المظاهرات والاضطرابات التي يصعب معرفة كيف
ستنتهي. في كل الاحوال، سنعرف قريبا اذا كانت مصر ستصحو من نشوة 25 يناير
2011: هل الرئيس القادم سيكون مقرب مبارك أم كبديل ممثل الحركة التي لم
تكن على الاطلاق جزء من الاحتجاج عندما بدأ هذا.
النهاية معروفة
في
الوقت الذي يمكن فيه تقريبا الاحساس بارتعاد الدول المجاورة حولنا،
القيادة هنا مشغولة البال بصعوبة حقيقية تنبع من موجة الهجرة من افريقيا
السوداء، والتي يضخمها جزء من وسائل الاعلام والنواب من الهوامش المجنونة
من اليمين، وكأن لب الامر هو خطر فوري على سلامة بنات اسرائيل وعذريتهن.
ولكن اذا ما كشف مراقب الدولة في تقريره الذي نشر أول امس عن قضية الاسطول
التركي الى غزة يمكن أن نتعرف على شيء ما عن جودة اتخاذ القرارات في
القيادة الاسرائيلية، يخيل أنه لا يوجد سبب خاص يدعو الى التفاؤل في قضية
المهاجرين ايضا.
تقرير الاسطول يظهر في بعض فصوله كتكرار لعهد حرب
لبنان الثانية. فالسيطرة على مرمرة، كما يفهم منه عكست الرقابة الهزيلة
للحكومة على السلوك العملياتي للجيش. تبادل الحديث بين الوزير دان مريدور
ورئيس الاركان في حينه غابي اشكنازي في جلسة السباعية الوحيدة التي كرست
للاسطول، وهذا ايضا بشكل عاجل وسريع مثير للحفيظة. مريدور وضع الاصبع على
المسألة الجوهرية: خطر نشوء عنق زجاجة يبقي مقاتلي الكوماندو البحرية في
حالة دون عدديا على نحو عسير في اثناء السيطرة. 'هل سيكون لديك ما يكفي من
الرجال؟' سأل مريدور واشكنازي أجاب بارتياح: 'لن يكون في البداية... إذن
سيكون بالتدريج'. والوزراء يكتفون بذلك، بعضهم انطلاقا من ثقة زائدة بقدرة
الجيش وبعضهم الاخر بسبب الرغبة في ابقاء المشكلة (والمسؤولية) في يد هيئة
الاركان.
النهاية معروفة: لم يكن ما يكفي من رجال البحرية على دكة
مرمة في المرحلة الاولى. اولئك الذين نزلوا الى هناك هوجموا بشكل عنيف جدا
بحيث اضطروا الى أن يقتلوا تسعة نشطاء أتراك وأدوا الى تفاقم الازمة مع
تركيا، التي لم تحل حتى الان.
اشكنازي، بالطبع كان خبيرا وضالعا بلا
قياس اكثر من سلفه، دان حلوتس، في مثل هذه الامور. مثله ايضا وزير الدفاع
ايهود باراك بالقياس الى عمير يرتس. ولا يزال، يخيل أن اوجه الشبه عديدة
بين القضيتين. في قصة الاسطول القيادة السياسية منقطعة عن الواقع
العملياتي، القيادة العسكرية العليا غير عالمة بما فيه الكفاية بحجم
الامكانية الكامنة للخلل (اشكنازي، بشكل غير نموذجي على الاطلاق، لم يكن
في مقر القيادة عندما بدأت العملية. اللواء يوآف غالنت، في الماضي قائد
الوحدة البحرية، ابعد عن مداولات الاستعداد للعملية).
كل المعالجة
للاسطول، قال هذا الاسبوع شخص كان في موقف طيب للنظر في قرارات القيادة
الاسرائيلية في القضية، يذكر بمجموعة تعبين متنازعين يجرون انفسهم بصعوبة
نحو الهدف. هنا أيضا يكمن درس ذو صلة بالمعالجة الاسرائيلية للتهديد
النووي الايراني. رئيس المخابرات السابق، يوفال ديسكن، ادعى بان رئيس
الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك 'مسيحانيين' في ما
يتعلق بايران. ولكن يخيل أن هذا الادعاء ينبغي ان يثير قلقا اقل بكثير ممن
يمكن ان تثيره امكانية أن تظهر القيادة الاسرائيلية نزعة هواة مشابهة في
الموضوع الايراني ايضا.