حمادي فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1631
تاريخ التسجيل : 07/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | التّسامح الدّينيّ السبت 10 ربيع الثاني 1433 الموافق 03 مارس 2012 | |
[size=16]التّسامح الدّينيّ السبت 10 ربيع الثاني 1433 الموافق 03 مارس 2012
منصور الزغيبي
من أكثر الأديان توسّعًا وتقديرًا واعتبارًا لمفهوم "التّسامح الدّينيّ" هو الإسلام، و النّصوص الشّرعيّة ممتلئة بمعاني ومقاصد تدعو إلى التّسامح، لكن من ينزل للواقع يجد البعض من المحافظين ينقضون النّصوص، ويفصلون بينها وبين الواقع، ويضخّمون المعاني الفرعيّة، ويسقطونها على غير وجهها الصّحيح، ويصعدون المسائل الفرعيّة على حساب المسائل الأصوليّة. وهناك من يسوّغ استخدام العصبيّة والنّزعة الشّعوبيّة إذا كانت مسألة انتصار للدّين.
التّسامح الدّيني كما يعرّفه أحمد أمين: "أن يكون لكلّ فرد في الأمّة حقّ في أن يعتقد ما يراه حقًّا، وأن تكون له الحريّة في تأدية شعائر دينه كما يشاء، وأن يكون أهل الأديان المختلفة أمام قوانين الدّولة سواء". ويقول كذلك: "والباحث في التّسامح الدّينيّ مضطرّ أن ينظر له من ناحيتين: ناحية المذاهب المختلفة في الإسلام نفسه. وناحية نظرة الإسلام لأهل الأديان الأخرى.
(لاإكراه في الدين). [البقرة: 256]. في هذه القاعدة القرآنيّة نفْي للإكراه في الدّين، وأنّ للإنسان حريّة مطلقة في عمليّة الاختيار، وهو اختبار حقيقيّ للإنسان، و تمييز له عن الملائكة في امتلاك حقّ الاختيار، ومقارنة بأصحاب الدّيانات السّابقة الذين كانوا يمارسون عمليّة الإكراه والإجبار على الدّخول في دينهم أو ممارسة الأذى نحو من يمتنع.
من أجمل المواقف النّبويّة للنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- التي ترسّخ مفهوم التّسامح الدّينيّ، طريقة أسلوبه وتعامله مع الذين تركوا الإسلام جرّاء الاضطهاد و الضّغط والمحاربة من قبل أسرهم، فمن هذه الأسماء هشام وعياش، طبعًا كان ذلك بعد مقاومة وعدم استسلام و معاناة طويلة، وهو صلّى الله عليه وسلّم لم يتّخذ أيّ قرار قاسٍ نحوهم، ومع الأيّام رجع من جديد عياش إلى الإسلام وهو نادم أشدّ النّدم، وبسبب قسوته في حقّ ذاته من أجل أن تُقبل توبته نزل قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم). [الزمر:35] وعند سماع هشام هذه الآيات رجع للإسلام، وهناك من لم يرجع مثل عبيد الله بن جحش، وقد ذهب إلى الحبشة مع المجموعة الأولى من المهاجرين، ثم تحوّل إلى النّصرانيّة، ولم يُتّخذ نحوه أيّ شيء.
وكذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يمرّ في الطّريق، فيلاحظ وجود يهوديّ يسأل الناس أن يعطوه من صدقاتهم، فيقول: "ما أنصفناك أيّها اليهوديّ إنْ أكلنا شبيبتك، ثم أضعفناك في شيخوختك". يقول الدكتور عبد الصبور شاهين: يشير عمر إلى أنّ هذا اليهوديّ لابد أنّه قد أدّى ما عليه من ضريبة وهو شاب: فكيف يجوز إهماله في هرمه؟ وأمر أن يُحمل إليه من بيت مال المسلمين ما يكفيه من العطاء.
أسباب غياب مفهوم التّسامح الدّينيّ، و أعطاء ثقافة الكراهية والصّراعات مبرّرات شرعيّة، فهذا يعبّر عن عمق المرض المتجذّر في بعض المفاهيم الدينيّة والاجتماعيّة.. والبعض من المحافظين يعتقد أن فرض الشّدّة والمنع والقوّة يحفظ للنّاس دينهم وأخلاقهم، والواقع ينقض ذلك؛ لأن الحسّ الأخلاقيّ يكون تطويره بشكل متدرّج وبأسلوب واعٍ وحكيم، والإقناع خير من الترهيب، وليس من خلال المنع والتّضييق؛ لأن هذه العمليّة أثبتت فشلها وضررها.
العمليّة التّربويّة الدّينيّة تحتاج إلى تنضيج ومراجعات موضوعيّة وصادقة وشفافيّة عالية من داخلها ومن كبارها..[/size] | |
|