فْلُورْ لُويْنَاثْ
قصائد إلي عمر الخيَّام
منكَ، يا عمر الخيَّام، يا مغنِّيَ النبيذ،
أنتظر الحقيقة.
مِنْ فمِكَ الأبرد الأمَرِّ
مِنَ النبيذ ومن البحر.
مِنْ عينَيْكَ: اللتين كانتا مثل نجْمَتيْن
ربما...
من قلبكَ: الذي يشبه كأسا مكسورةً
كان ينبغي أنْ ينكفئَ
الألمُ الأسمي لقِِطاف العِنب
في النبيذ الذي لا يُدْرَكُ شُربُه.
**
فجرا تلو فجر
نقتفي عمر الخيَّام.
نتخَلَّي عن الكلِّ
كيْ نُبْحر.
نمضي وسط بحر من نبيذ
في مرْكبٍ بلَّوريٍّ
بعينين ثمِلَتَيْن
من فرط التحديق في البحر.
لم نبحث عن أيِّ مرْفإٍ
ولم نعُد أبدا...
كنا نمضي وسط بحر من نبيذ
مُنْتَظِرِينَ الغَرَق.
**
نحنُ، مَنْ نقضي العمر نُغَنِّي.
مَنْ لا نطلب حصاةً ولا ذهبا.
من لا نفعلُ شيئا، ولا نطلُبُ شيئا
لأننا في عَدَمِنا نملكُ الكُلَّ:
سنمضي مع عمر الخيام مُغنِّي النبيذ
فهو ينتظرنا في شوقٍ
كي يبوحَ لنا بسره العذب
المحفوظِ في الجهة الأشدِّ اسودادا من العنقود...
بينما اللهُ يبتسمُ في السماء
والسلطانُ يحكم من فوق عرشه...
فْلُورْ لُويْنَاثْ: (1908 ـ1985) شاعرة كوبيَّة، وهي أختُ الشاعرة الكبيرة دولْثِ مارِيَّا لويناث.
--------------------------------------------------------------------------------
دُولْثِ مارِيَّا لُويْناثْ
مسافر
أنا مثل المسافر
الذي يصلُ إلي ميناء ولا أحدَ ينتظره؛
أنا المسافر الخجول الذي يمرُّ
بين عناق لا يعنيه وابتساماتٍ
ليستْ لهُ...
أنا مثل المسافر
إذ يُعْلِي ياقة معطفه
في الرصيف الهائل والبارد...
عناقٌ
أحسستُ اليومَ بالنهرِ كلِّه
بينَ ذراعيَّ... أحسستُ به
بين ذراعيَّ مرتجِفا وحيًّا
مثلَ جسد رجل خليعٍ...
هذا الصباح كان النهر
لي: رفعتُه من المجري
العتيق... وضممتُه إلي الصدر!
ثقيلا كان النهرُ... كان النهر
ينبض متألِّما
من تَلَفِه...- كانت به حمًّي ماء
باردة...: ثمَّ خلَّف لي في فمي
طَعْما مرًّا من حُبٍّ وموتٍ.
نافورةٌ
أنتِ عشبُ الريف:
ولأنني لستُ
المطرَ، وإنما
نافورةُ واهنةٌ وصغري...
وبما أني أحلُمُ بأخْضَرِكِ
أحلمُ كثيرا... وأتمني تسَلُّقَ ذاتي
مثلَ الشجرة؛
أو أنْ أنزلَ عبر ذاتي مثلَ
المطر ... وبما أني لا أستطيعُ شيئا
ولا أدركه،
أنا أشرئبُّ وحيدةً هاهنا،
أصبُّ مائي في الصحن
كي يسقطَ فيك...
نبعٌ
أيها الماءُ الوليدُ
تنفجر من الصخر دون أن تمسَّ
الأرضَ بعدُ...
أيها الماء الخالص والدقيق في آن
يا مُتعةَ الولادة:
لم يبشِّر بكَ الملاكُ،
لكنْ بوسعك أنْ تطهِّر خطيئتنا،
وأنْ تطفئ ظمأنا.
لأنَّك ما زلتَ لم تعرف بذلك بعدُ...
أيها الماء النابض زبدا وتحليقا،
في تعرُّج كقوس قزح تترنَّح
بين العُشب الوضيع والنجم البعيد...
بِرَكُ الماءِ
لمْ أَتَمَنَّ أنْ أكونَ أكثرَ من بِركة
بِِلَوْنٍ أخضرَ أسودَ هادئة وصافية وعميقة:
إحدي تلك البرك
في زاوية معتمة
لحديقة صامتة،
تنامُ في ظلِّ الأشجار الباردِ
والرائقِ.
أن أري مياهي الزرقاء فجرا،
ثم وهي تنزف
في الجرح المفزع للغروب..!
وأنْ أكونَ إلي الأبد
غير متأثرة، هادئة ومنزوية
كي أري في مياهي انعكاسَ
الماء والشمس والقمر والنجوم
والنور والظل وتحليق الطيور...؟
آه من فتنة الماء الساكن والبارد!
لمْ أَتَمَنَّ أنْ أكونَ أكثرَ من بركة.
الحزن الصغير
هذا الحزن الصغير
يمكنُ حِفْظُه في منديل...
هذا الحزن يمكنُ رميه
مع الزهور الذابلة
يمكنُ أن تحلِّق به
الريحُ.
لكنه لا يطير،
ولا يُرمي
ولا يتَّسِعُ فِيَّ كُلُّه!
يومُ أحدٍ مُمْطر
لو أستطيعُ المُضِيَّ إليكَ
عبر خيوطِ المطر المرتجفة،
وهي تعبُر واحدةً تلو أخري بين أصابعي...!
لو كنتُ أخَفَّ وزْنا
لأستطيع أن أتعلق
بأهداب الماء هذه
وأنساب فوق القرميد
والبيوت وأحزان البشر...
وأن أصل بقلبٍ مُبَلَّل
هنالك حيثُ أنتَ ـ فاترًا... ـ تنتظرني...
--------------------------------------------------------------------------------
دُولْثِ مارِيَّا لُويْناثْ Dulce Maria Loynaz:
شاعرةٌ كوبية (1902-1996)، ازدادت بهافانا حيث أقامت طيلة حياتها، شغلت
منصب رئيسة الأكاديمية الكوبية للغة وعضوا مراسلة للأكاديمية الملكية
الإسبانية للغة، وحصلت سنة 1992 علي جائزة ثيرفانتيس الإسبانية عن مجموع
أعمالها الشعرية المتميزة. قال بيثنْطِ ألكسندري الشاعر الإسباني الحائز
علي نوبل في شأنها:" إن الشعر الإسباني المعاصر يبرز تنوُّعَ قدرته في
معلِّمين وشباب مثل: لِثاما لِيما الذي صنع مدرسةً شعرية، ودولث ماريا
لويناث.
من دواوينها: قصائد (1920-1938)، حديقة (1928-1935)، قصائد غريقة
(1929-1960)، ألعاب مائية (1947)، قصائد بلا اسم (1958)، قصائد مبعثرة
(1953-1955)، الأيَّامُ الأخيرة لِمنزل (1958).