«هؤلاء البحّارة أصغر من أن يكونوا تعساء»
نسبة للمخرج إيليا كازان والجمهور الأميركي كانت مارلين مونرو «الفتاة
الأكثر مرحاً». لكن بالنسبة لزوجها الثالث الكاتب آرثر ميلر كانت «الفتاة
الأكثر حزناً». منذ انتحارها في عمر 36 سنة (عام 1962). قلة من الكتب عن
مونرو أماطت اللثام عن الحياة الواقعية الحقيقية بل عن المرأة الحقيقية
المختبئة وراء قناع المرأة خالية البال. لم يعكس أي من الأفلام التي مثلت
حالات وهنها وعجزها النفسية كما في المجموعة المنشورة حديثاً في 12 تشرين
الأول تحت عنوان «كسور» والمتضمنة أشعاراً وتدوينات ورسائل مأخوذة من أرشيف
خاص لها اكتشف أخيراً.
أستاذان للتمثيل
بتشجيع من المخرج إيليا
كازان بدأت مارلين بأخذ دروس خصوصية في التمثيل مع الأستاذ لي ستراسبرغ في
آذار من عام 1955. وقد كتبت الى المحلل النفسي الدكتور رالف غرينسون في آخر
رسالة له «قال كازان إنني الأكثر حبوراً بين الفتيات التي عرفهن. لكنه
أحبني لسنة واحدة... واقترح عليّ الذهاب الى معالج نفسي مشيراً عليّ أخيراً
العمل مع أستاذه لي ستراسبرغ».
كانت مارلين تقيم في أوتيل غلادستون
ببارك أفنيو عندما بدأت مع ستراسبرغ وترددت على عيادات التحليل النفسي بهدف
المباشرة بحضور صفوف في «ستديو الممثلين» الشهير. وكان هذا الستوديو الذي
أسسه عام 1947 كازان مع المخرجين شيريل كروفورد وربورت لويس أشبه بالمعبد
لتلقي وأداء مشاهد وتمارين تمثيل تركز على ذكريات توقظ الأحاسيس وعلى
«لحظات خاصة» مأخوذة من حياة الممثل. وقد شكل «ستديو الممثلين» في أربعينات
وخمسينات وحتى ستينات القرن الماضي مختبراً لممثلي المسرح في أميركا. وقد
ضمت عضويته (لم يكن الفرد «طالباً» بل «عضواً») تشكيلة من أهم ممثلي تلك
الأيام مثل مارلون براندو، جيمس دين، مونتغموري كليفت، دنيس هوبر، باتريسيا
نييل، بول نيومان، إيلي والاش، آن بنكروفت وسيدني بواتييه الذين أحضروا
جميعاً تقنياتهم المسرحية الى الأفلام. وقد كان ستراسبرغ المولود عام 1901
عبقرياً في تحليل أداء الممثل بل صارماً ولا يمزح في تحديد المهام أو ما هو
مطلوب من الممثل. وبالنسبة لمارلين التي ترعرعت متنقلة بين عائلة تتبناها
وأخرى، غير مدركة من هو والدها، أصبح ستراسبرغ بمثابة شخصية أبوية محببة
وإن كان مستبداً لكن راعياً في الوقت نفسه. وأدى قبوله لها كتلميذة خاصة
الى دعم ثقتها بنفسها وقد أمدّها بالتدريب المطلوب لتحسين أدائها وحولها من
نجمة سينما الى فنانة حقيقية. لكن لاحقاً نقل عن كازان قوله: «بمقدار
سذاجة وشك الممثل بنفسه، بمقدار ما كان ضخماً نفوذ ستراسبرغ عليه. وبمقدار
زيادة شهرة الممثل ونجاحه، كان ستراسبرغ يجد لذة في ممارسة نفوذه عليه. وقد
وجد ضحيته المثالية في مارلين مونرو».
ولا بد من الإشارة الى أن مونرو
تركت الكثير من ممتلكاتها لستراسبرغ. وفي حين مات ستراسبرغ عام 1982 فإن
ورثته ولا سيما زوجته آنا قد جنت الملايين من وراء إدراج ممتلكات مارلين
مونرو في مزادات مع توجيه معظم المال لتمويل مؤسسة لي ستراسبرغ للمسرح
والسينما.
[مارلين الشاعرة
بالوصول الى مارلين مونرو الشاعرة لا بد
أولاً من الإشارة الى أنه رغم عدم تخرّج مونرو من المرحلة الثانوية، إلا
أنها كانت قارئة مهمة وقد تركت وراءها مكتبة من 400 كتاب لميلتون،
دوستويفسكي، ويتمان، همنغواي وكرواك. وقد اعتادت هذه المرأة تدوين ملاحظات
وقصائد على شتى أوراق الفنادق وعلى قصاصات الورق وعلى الصفحات الأول
للمجلات التي كانت تشتريها. وقد حافظ «كسور» على بعض الأخطاء الإملائية
والكلمات المحذوفة (المشطوبة).
وهذا العمل الذي يأتي بعد نحو خمسين سنة
على رحيلها كانت مونرو قد أبدت حرصاً على محتوياته حيث لم ترها سوى لبعض
المخلصين من الأصدقاء. وهذه الكسور الشخصية تضفي لمحة ساحرة على روحها
ملتقطة قدراً معيناً من ألمها. تكشف مونرو من خلال كسورها عن موهبة لكتابة
الشعر وإيقاعاته مستعملة الجيشان الذي في داخلها للإمساك بالإنسانية
المحيطة بها. وقد قال آرثر ميلر، زوجها الثالث والأخير، عنها، «من أجل أن
تعيش فترة أطول كان يجب أن تكون إما أكثر تهكماً أو أكثر بعداً عن الواقع
مما كانت عليه. بدلاً من ذلك كانت شاعرة على ناصية الطريق تحاول أن تتلو
أشعاراً لجمهور يشد بملابسها».
شعر مونرو خاص بها، فريد، ويكشف عن
كفاحها لفهم الأمور والعالم. تراوح أشعارها بين العذب وحتى الشيطاني وصولاً
الى النبرة اليائسة. ولا شك أن شعر مونرو يميط اللثام عن أعماق ذاتها
ويجعلها صفحة مفهومة على مستوى حميم لا يمكن بلوغه عبر قراءة ما كُتب عن
سيرتها أو من خلال أفلامها. هذه الأشعار تكشف أعمق مخاوفها، مشاعرها
وطموحاتها، كما حسّ الدعابة لديها واستعدادها للتهكم على نفسها وعلى من هم
حولها.
وأبعد من ذلك فإن قراءة أفكار مونرو العميقة والشخصية على شكل
«كسور» تشكل طريقة للنظر الى الممثلة ليس كشخصية شهيرة على الشاشة الفضية
لكن كإنسانة. يسمح شعرها لنا نحن القراء تلمّس هذه الفنانة كفرد وأن نرى
شخصيتها تشعّ من خلال كتابتها «كسور: قصائد ملاحظات حميمة، رسائل».
عبر
كسورها الشعرية يمر الكثير بخصوص مواضيع العزلة، الوحدة، الحزن والخيبة كما
شبهة كرهها لبني البشر. عن الوحدة تكتب «وحيدة!!!/ إني وحيدة أنا دائماً/
وحيدة/ مهما كان الظرف». عن كره البشر الغامض لديها «لا أستطيع واقعاً تحمل
بني/ البشر أحياناً». الى ذلك ثمة العديد من الإلماح الى حساسيتها عبر
كسورها وكأن هذه الحساسية كيان منفصل يجب حمايته: «الحساسية قوية جداً،
إنها أعمق من حساسية من أعرف/ حساسيتي ملآنة وقوية حتى لتغدو خطيرة». وعن
مكافحتها للعزلة تكتب مونرو «أصبت بالكآبة كل حياتي حتى في أوائلها».
في ما يلي كسور قصائد نبدأها بقصيدة «إدا»، العمة التي لم تكن الى حد ما لطيفة مع مارلين المراهقة.
[إدا
هي إدا لم أزل
أثابر على إطاعتها
وهذا ليس فقط مؤذياً
عليّ فعله
لكنه على قدر من الزيف
لأن الحياة تبدأ منذ اللحظة...
مشتغلة (مؤدية المهام
التي رسمتها لنفسي)
على المسرح لن
أُعاقب على ذلك
أو أُجلد
أو أتعرض للتهديد
أو أن أغدو غير محبوبة
أو أن أرسل الى الجحيم لأحترق مع الطالحين
شاعرة أني أيضاً طالحة
أو أن أخاف مما يجعلني أنثى
أو أن أخجل
من مشاهدة الانكشاف
ما همي
أو أن أخجل
من مشاعري الحساسة
- وفي ما يلي قصيدتها حول زوجها آرثر ميلر، وقد كتبتها في فترة زواجهما الأولى، ويلاحظ أن كلامها يبدأ بالمودة والحب وينتهي مروّعاً.
حبي ينام بجانبي
ينام حبي بجانبي
تحت النور الخافت أرى فكّه الرجولي
يتراجع ويعود
فم صباه
بعذوبة ولا أعذب
رقته ترتعش
في سكونه
وعيناه لا بد أنهما
تطلان بذهول من كهف
الصبي الصغير
حين كان ينسى الأشياء التي لا يفهمها...
... لكن هل سيبدو كذلك حين يموت
أواه يا الحقيقة المحتمة التي لا تحتمل
ولكن أسرعان ما سيموت حبه
عندي/ أو أموت عنه؟
في ما يلي أربعة «كسور» وردت في الكتاب:
عن السفر بالباص الى سالينا
كنتُ الشخص الوحيد
كأنثى مع حوالى
ستين صياد سمك إيطالي... هم أسياد ساحرون
وقد أملوا أن السمك
كان بانتظارهم. بالكاد تمكن
بعضهم تكلم الإنكليزية
أنا لا أحب اليونانيين فقط
بل أحب الإيطاليين أيضاً.
إنهم دافئون، ممتلؤن صحة وودودون الى
أقصى حد أود الذهاب الى إيطاليا ذات يوم.
[عن البحار
وقع بصري على العديد من
البحارة الشبان المتوحدين
الذين بدوا أصغر من أن يكونوا تعساء.
ذكروني بالأشجار الشابة النحيلة المثابرة على
النمو والتألم
[عن الأشجار
يا الأشجار الحلوة الحزينة
أتمنى لك نعمة الراحة
لكن عليك دائماً البقاء على حذر
[عن الزواج
أعتقد أني كنت دائماً
مرعوبة حتى العظم من أن أكون
زوجة أحد ما
سيما وأني تعلمت من الحياة
أن الشخص لا يستطيع أن يحب
شخصاً آخر لمدى العمر