تقديم وترجمة صادق باخان
ولدت الشاعر الإنجليزية اليسون براكنبيري عام 1953 في مقاطعة لنكولنشاير، وأصدرت مجموعتها الشعرية السابعة (الغناء في الظلام)عام 2008
قصائدها تتميز بغنائية مرهفة مشبعة بشعور مترف من تراث القصيدة الشعبية الانجليزية، فنجدها في أغلب الأحيان تتعامل مع الأشياء الاعتيادية التي نألفها في حياتنا اليومية ومع جماليات اللحظات وتوتراتها التي نراها ونعايشها في روتينيات مشاغلنا، فهي في العديد من قصائدها بشأن الحيوانات، خاصة تلك التي كتبتها عن قططها وخيولها، نجدها ترسم فيها تقليداً رعوياً كثيفاً لا يرى المرء فيه الشاعر وليم ورذزورث فحسب، وإنما يرى أيضاً زميله "كاوبر" بوصفه شكلاً بارزاً في لوحتها، وشأنها شأن أسلافها من شعراء القرن التاسع عشر، فإنها تركز على علاقتنا مع الحيوانات ليس لمجرد أن تعين هويتنا البشرية، بل أيضاً لنكتشف تخوم مداركنا وقدراتنا الأخلاقية، فالحيوانات بهذه الوسيلة تزودنا غالباً بالرتابات المنزلية بمقدورنا أن نقيّم من خلالها أعباءنا وإيقاعاتنا مع الزمن التي تمنحنا مستوى ومقياساً لحيواتنا، وليست مفاجأة تثير الدهشة فينا من أن المرثاة هي كذلك عنصر قوي ومألوف في نتاجها الشعري مثلما هو إحساسها الحاد بالتاريخ، وهذا الجمع للتاريخ والمرثاة وأشغال تجربة الزمن المحلي يقودنا عبر حمل النقالة وركوب الخيل والتمريض والمرض والتقدم في العمر وكذا حوادث الحرب العالمية الأولى، تنظر إليها الشاعرة وتتوسط بينها من خلال وعي منظورات تجريبية محلية أخرى، ومن هنا فان غنائيتها البسيطة في أفضل حالاتها تزودنا بالحركة والحيوية وبالتالي نجدها تولي اهتماماً خاصاً بكيفية إن الشعر يهرب إلى أعماق عالم أشد سعة ورحابة.
حامل النقالة
لم يكن هاري سكوت طفلاً
برغم انه كتب بروعة عن الشاي
ففي قصر من الباخرة
أبحر إلى غاليبولي
وشاهد هناك النساء المبرقعات
وشاهد بعدها زرقة البحر العميقة
سمع هاري سكوت رجالاً أحياء يصرخون
وشاهد أجسادهم تمزقها قنبلة
انتقل عبر الحمى، شريحة اللحم والبصل
إلى جحيم مختلف
قبعات من صفيح
مالت مسندة في رمل فرنسي
مع صليب صغير بائس
بعد سقوط القنابل الغازية
وقد فقد مؤقتاً بصره
ترك هاري يومياته
وتزوج ممرضته ليراقبها
طوال ثلاثين سنة
وهي تصب له الشاي
هل حرك حلم الموتى وهم يصرخون؟
وهل تذوق البحر الأزرق العميق؟
مركز الإنقاذ
إني هنا مع القنفذ
أقطن في صندوقه
بعد جولته مع الكلب
ضعنا في نفق الطرقات
اندفعنا عبر القرية
ولكننا نحن هنا
وسط بقعة من الأشجار والمساء
وهنا هي الأرانب البرية
دزينة منها
هادئة كالفاكهة
أعينها الهائلات لا تحفل بي
صغارها يمزقون العشب وحرثوه
ليلة إثر ليلة
هل عاشوا دائماً هنا ؟
وبقي القنفذ يخربش صندوقه
أمنحه مأوى
وأمنح صغاره الملاحظات
نتحدث عن الأطباء البيطريين
وعن طعام الكلاب
أنحني فوق زجاج المنضدة
لأملأ الاستمارات
ولكن لما لا يتحدث أحد
عن الحب أو الموت أو الصباح
فأنا لا أتحدث عن الأرانب
التي تجثم وتأكل وتتسابق
فوق العشب المحروث
بعد الجنازة
الأضواء البيض تتدفق شمالاً
والأضواء الحمر تخبو جنوباً
وتمتد الطرقات العظيمات متألقات
تحت الجسر
لما كانت لقوائم أمي
كل مشروع خططت له
كنت قد سمعت موسيقاها
وليس موسيقى الطائر الأسود
حيث جذله يقطع الهواء
بين الأشرطة المهسسة والكلمات
الرياح وحدها هربت
وجذبتها بغير رغبتها
أرضها المسطحة الثقيلة
انزلقت قدما الراقصة الصغيرتان
ثم انتفختا
وسط غرفة مظللة
عشاء أم عائلة ؟
جزمات أم أرضية نظيفة ؟
بقلب عظيم
عبرت فوق حصان
الخليج المنيع
من الرسائل والملامات
أمضيت أعواماً باردات
جئت ستائرها النظيفات
حيث تقف أشجار غريبة عند بابها
وصرخت: رأيت مالك الحزين
قريباً من القطار
من تألق الشمس
التي من جديد ستشربنا
كانت أمي تسهر الليالي
مغناجة وجامحة
وكانت مع أبي في المآدب
تنام طوال النهار
طردت الشمس القوية
والغرباء
لكني لم أعد أعرفها
مثلما عرفتها في طفولتي
أحلامها باندفاعة الظلام
تقفز إلى أعماقي
لتقول بأن كلتانا حرتان
ها إني أحصي الجسور كلها
وهنا أرى الرابع منها
الأضواء الحمر تتدفق جنوباً
والأضواء البيض تتدفق شمالاً