ربما
تسهل المقارنة بين زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي والأسد وعلي صالح،
واكتشاف ما بينهم من تشابهات واختلافات، لكن هؤلاء لا يختلفون عن نتنياهو
ولا أوباما، وإذا شئنا الدقة في الحالتين الأخيرتين، فلنتحدث عن روح مؤسسات
إسرائيلية وأمريكية أيًا كان اسم الجسد العابر الذي تحل فيه روح هذه
المؤسسات.
الأفراد، الذين أثاروا الخراب في دولهم، والمؤسسات
الإسرائيلية والأمريكية، التي تثير الخراب في العالم، يتشابهون في سعار
القوة لإحساس كل منهم بأنه اللاعب الوحيد وأنه غير مضطر للشراكة مع أشباح،
أو مع بشر بلا قوة وبوسعه أن يجعلهم أشباحًا.
ربما ـ بقليل من التأمل
والتسامي فوق الغضب ـ نلمح في تراجيديات المصائر الفردية للطغاة العرب الظل
الخفيف للحم الضحية تحت فروة الجلاد.
لم يجد الطغاة العرب رجالاً في
الشوارع والبرلمانات والجيوش ودور الصحف والإذاعة. وحتى لا نجلد أنفسنا
نقول: كان هناك دائمًا رجال، لكنهم لم يكونوا بالعدد الكافي لردع المتجبرين
عن تجبرهم وأنسنة سلطتهم.
بالقدر نفسه ربما تكون إسرائيل ضحية الفراغ
السياسي والعسكري العربي. لم تجد إسرائيل وحاضنتها أمريكا قوة تؤنسن أداء
السلطتين تجاه حق الفلسطينيين المغتصب، أو تضع حدًا للشراهة لدى الكيان
العبري.
لم يجدوا ما يكفي من الرجال في بلاد المواجهة الضعيفة، ولم
يجدوا ما يكفي من الضمائر من الشركاء في الكوكب تذكرهم بأن وجود المستوطنين
اليهود على أرض فلسطين هو الخطأ، وأن رواية الحكاية من بدايتها ليســـت في
صالح الكيان المدجج بالقوة الغبية.
ربما كان بوسع التغطيات
الإعـــلامية المتوازنة لصفقة شاليط أن تكبح غطرسة المؤسستين الكريهتين في
إسرائيل وتابعتها أمريكا، لكن ليس في العالم ما يكفي من أرواح نزيهة تقول
إن شاليط جندي احتلال وجوده في غزة لم يكن شرعيًا، كما أنه ليس إسرائيليًا
صرفًا، بل هو فرنسي كذلك وبوسعه أن يجد البديل الفرنسي بينما الألف فلسطيني
ـ طرف الصفقة الآخر ـ ليس لهم بديل عن فلسطين، ولم يهاجروا إليها من مشارق
الأرض ومغاربها، والأهم أن تهمتهم شرف وكفاحهم مشروع ومكفول بحكم القانون
الدولي.
القانون الدولي لا يعمل وحده في مواجهة القوى المسعورة التي تصل
إلى درجة من استحالة العلاج، بحيث لا يصبح هناك من حل سوى رصاصة الراحة
الأبدية.
وإذا كان سعار الديكتاتور الفرد ينتهي بالتصويب على جسده لتحيا
الأوطان وتصح فإن سعار مؤسسات الحكم الذي هو سعار مجتمعات ينتهي برصاصة ضد
هذه المجتمعات لتحيا الإنسانية العائشة تحت تهديد هذا الوجود البشع.
العالم
لم يسترح منذ قرار تقسيم فلسطين بين الغزاة الأوروبيين اليهود
والفلسطينيين. وعلى فداحة سعار الكيان الإسرائيلي، منذ هجرات اليهود الأولى
إلى اليوم، مقارنة بالعقوبات التي أنزلتها بالسلطة الفلسطينية بسبب قبول
فلسطين عضوًا باليونسكو؛ فلا يوجد موقف ينبئ عن المصير الذي تنتظره إسرائيل
مثلما ينبئ هذا الموقف.
وليس لدى المؤسسات المسعورة في إسرائيل وأمريكا من العقل ما يسمح لها بتأمل كارثية ما أقدموا عليه وأثره على مصالح بلادهم ومستقبلها.
أول
الكوارث التي يمكن أن يستغلها الفلسطينيون والعرب ـ إن وجدوا ـ هو أن
اعتبار الحل الأممي غير شرعي والإصرار على اعتبار التفاوض الثنائي أصل
الشرعية ينزع الشرعية عن إسرائيل نفسها؛ فهي كيان حديث النشوء قام بقرار
من الأمم المتحدة المرفوضة من إسرائيل اليوم.
ربما لم تفت ساسة إسرائيل
وأمريكا هذه المفارقة، لكنهم يعلمون أن همة العرب وضمير العالم أضعف من
التأثير في الوجود الإسرائيلي اليوم. وهو تجبر يشبه تجبر القذافي وغيره من
الطغاة التافهين. ولا يشبه استقرار الدولة العبرية إلا استقرار أي ديكتاتور
مسعور وجد نفسه أخيرًا في مهب الثورة.
وقد كان حل الدولتين على الصيغة
الظالمة التي أقرت وتمنح اليهود 78 بالمئة من أرض فلسطين فرصة تاريخية
ينبغي أن يعملوا بكل ما يملكون من أجل تثبيتها، لأن كل دعم لدولة فلسطين هو
تثبيت لحل الدولتين على القسمة التي يخرج بها اليهود رابحين إلى هذا الحد.
ربما كان عليهم الإيعاز للفلسطينيين بالذهاب إلى اليونسكو؛ لأن حل
الدولتين يعني الشراكة بين فصي توأم ملتصق ترتبط حياة أحدهما بحياة الآخر.
ولكن
نصف التوأم المصاب بالسعار يسعى إلى قتل النصف الآخر؛ النصف الذي يقع فيه
القلب، حيث التاريخ والانتساب بالمولد لا بالهجرة ولا بالمزاعم الدينية.
وحيث
لم يستطع القذافي إلغاء الشعب الليبي ولا استطاع مبارك إلغاء الشعب
المصري، لن تستطيع أية قوة إخفاء ملايين الفلسطينيين، ولن يثمر غباء القوة
الغبي سوى المزيد من الآلام مثلما القذافي، وعندما تفيض الآلام عن الحد لا
يكون هناك من حل سوى إعدام الكائن المسعور لإنهاء آلام الآخرين وآلامه.