لم تفاجئني قراءتكم المغرضة لـ
"الانسداد الإسلامي، الدين ضد الحياة"، بل كنت انتظر رد فعلكم المبرمج
سلفا، ولا أخفي سعادتي، لقد أكدتم ما كنت أقول و أكتب منذ زمن طويل :
الأسلمة مستمرة في الغرب والشعور بالإثم في أوجه. وأنا أقرأ تعاليقكم،
أدركت مدى حاجتكم إلى الكتاب الصادر أخيرا في بلادكم تحت عنوان: "كيف يمكن
الحديث عن كتب لم نطلع عليها أصلا؟"
لقد دفع أحد الكتبة من عصابتكم بالتفاهة إلى أقصى حدودها إذ قاده زيغه
الإرادي إلى حد العثور على اسلاموفوبيا وعنصرية في الكتاب وفي مقدمة ميشال
أونفري معا. وأدهى وأمر من ذلك، لم تمنعه لا الموضوعية ولا أدنى احترام
لقرائه (إن وجدوا) وراح يعقد مقارنة غبية وساقطة بين الفيلسوف ووجه من وجوه
اليمين المتطرف الكئيبة.
الحياء شعور ثوري يقول كارل ماركس، لكن إن لم تستحوا فافعلوا وقولوا ما
شئتم،كما يقول المثل العربي. فبدون أدنى حياء تجرأتم على اتهام الفيلسوف
م.أ بأنه ديغولي يساري ومدافع عن الغرب، لا لشيء سوى أنه كتب في المقدمة :"
يسمي المؤلف الأشياء بأسمائها ويقول بكل وضوح ما يمكن أن يؤكده كل ذي عقل
بقوة ودون لف أو دوران : يتعارض الإسلام تعارضا كليا مع قيم الغرب التي هي
المساواة بين الرجل والمرأة و بين المؤمن وغير المؤمن، المساواة بين مختلف
أساليب الحياة الجنسية، وكذا المساواة بين الشعوب.."
هذا هو الغرب الذي دافع عنه الرجل ويدافع عنه كل من له حس
سليم. في كل الأحوال أفضل أن أكون على خطأ مع مؤلف علم الإلحاد من أن أكون
على حق معكم.
أنتم مدللون فوق اللزوم، ويصعب عليكم أن تكونوا ثوريين كما كان يقول شيخ
تروتسكي جزائري لطيف. نعم للحوار، أما الدروس فيجب على من يريد إعطائها أن
يعيش حياة حقيقية. النضال الذي تدّعونه لا يكلفكم شيئا في الغرب الذي
تكرهون. تتبجحون بالنضال! لو وجهتم أنظاركم إلى مواضع النضال الحقيقية،
بعيدا عن "جناتكم الثورية" في أوروبا، لكنتم غيّرتم رؤيتكم المضطربة نتيجة
لما يزرعه إسلاميو فرنسا من شعور بالإثم في نفوسكم بدهاء.
لقد ذهب مخدوع أسبوعية خيّل لأصحابها أنهم ثوريين في قراءته العرجاء إلى
اعتبار الكتاب مجرد مدح للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة! فهل هو ذنبي إذا
كان جُحا أسبوعية ’بوليتيس’ لا يفرق بين المعاينة من أجل التفسير والإعجاب
الأعمى. كما ألهمت إحدى فقرات الكتاب ثورجي آخر من فلولكم، فوجد فيها أنني
مناصر للرجال الربانيين من أمثال الحبيب بورقيبة ومصطفي كمال أتاتورك! فهل
قرأتم الكتاب أم أنكم سقطتم ضحية لأحكامكم المسبقة المغروسة في لاوعيكم،
تلك التي توسوس لكم بأن العربي،مهما كان، فهو يحلم دوما بخليفة أو بمهدي
منتظر!؟
أما أنتم يا ممارسي الاستمناء الثوري، فعنوان تعليقكم يكفي وحده ليدل
على تيهكم العقلي والاصطلاحي. "طريق الإسلاموفوبيا المسدود"! تكتبون في
شهريتكم ’البديل التحرري’. لقد حان الوقت لتجدوا بديلا لسوء ظنكم
ولطفوليتكم المزمنة. كأن الغرب هو موضوع الكتاب إذ تدّعون أنه ثناء ومدح
له! ليس هذا فحسب دعوني أبوح لكم بأكثر من ذلك: من لا يحب الغرب فهو حالة
مرضية ليس إلا. فالغرب الذي أعني يا سادة يا محترمين، ليس الجغرافيا و لا
التاريخ و لا الإستعماركما تكذبون وإنما هو فضاء اجتماعي- ثقافي، ذاك الغرب
الذي لم تريدوا قراءته ورحتم تختلقون للنص غربا متوهما مؤمثلا. لا.. نحن
لا نؤمثل الغرب مثلما يسيّل الشرق المتخيل وحريمه لعاب بعضكم. ولا نتوهم
مثلكم إسلاما ثوريا قد يحطم الرأسمالية في مكانكم يوما. لا نفعل هنا في
الجهة الأخرى من المتوسط سوى تشييد حريتنا رغم المصاعب و الأهوال.
هذه فقرة وللقاري أن يحكم بنفسه :" لا نسبية ثقافية تستطيع أن تحصر في
الغرب وحده الديمقراطية وحقوق الإنسان وإنسانية المرأة وحق الفرد في امتلاك
جسده و حقه في الاستمناء والإيمان بالله أو عدمه وتغيير ديانته والحق في
أن لا تكون له ديانة أصلا..فتلك ليست قيما غربية حصريا بل هي عالمية يجب أن
تقبل دون أدنى تبرير لأنها قيم عليا . لا يوجد حقوق خاصة بالإنسان
السينغالي أو البريطاني. يوجد حقوق للإنسان فقط . (ص24)
ليس من السهولة أن تفهموا جوهر الظاهرة الدينية و ذلك لسبب بسيط هو
أن أوروبا قد تخلصت من ربقة الدين منذ ثلاثة قرون. فهل تعلمون أن الدين هو
المحطّم الأول لقوة الأفراد الثورية يا سادة يا ثورجيين! لقد استعملت في
الكتاب لغة مباشرة صريحة لم تتعودوا على مثلها. ماذا تريدون؟ أكتب انطلاقا
من تجربة بلد لاحظت بأم عيني معاول الدين تحطم فيه حداثة كانت لا تزال في
المهد. حاولت أن أعيد النظر في إشكالية الفكر العربي المزمنة : كيف نوفق
بين التراث الإسلامي والحداثة؟ فلا أعرف أين وجدتم بين ثنايا الكتاب ما
أطلقتم عليه بقليل من الأناقة ’عنصرية ضد-المغتربين’ إذ لا علاقة لموضوع
الكتاب إطلاقا بالإسلام في فرنسا. ومع ذلك فلست متعجبا فحسبكم كل شيء يبدأ
من فرنسا وإليها يعود. فلا زلتم على عهدكم تعتبرون أنفسكم مركز العالم! لم
تتخلصوا من عادتكم السيئة، فسرعان ما تخرجون تهمة العنصرية الجاهزة كلما
عجزتم عن التفسير والفهم، كلما فشلتم من القبض على الواقع. رتبوا بطاقة
’مناهضة العنصرية’ الرخيصة، فلم تعد تقنع أحدا. فهل هو عنصري كل عربي يرفض
الأظلمة الدينية ويدافع عن حرية الضمير وإنسانية المرأة ويطالب بدولة
القانون..؟ تلك قضايا كنا نناقشها في الجزائر في المرحلة الثانوية. يؤسفني
إذن أن أخبركم بأنكم تعانون من ثقل40 سنة تخلفا في الموضوع.
ولكن العربي الحقيقي هو في نظركم متدين حتما بل يجب عليه أن يصمت أو
يصلي ولا يتفلسف أو يتطرق إلى االقضايا الساخنة قط. في الوقت الذي كان فيه
الإسلاميون يرتكبون الجرائم في حق الشعب الجزائري ويعترفون بما يفعلون في
التسعينيات كنتم تنشدون : "من يقتل من ؟"
ألم ينخدع حتى إمامكم الأكبر ميشال فوكو بما سمي "ثورة إسلامية" في
إيران؟ ألم يأمل العثور لدى الخميني على ما افتقده في الغرب : "روحنة
السياسة"؟ في وقت كان طلبة في سنواتهم الأولى في جامعة الجزائر لا يخامرهم
أدنى شك في الطبيعة الفاشية لهذه الثورة. أخشى أن تكونوا اليوم تجاه
الأصولية الإسلامية في نفس وضع ميشال فوكو سابقا.
تعتقدون واهمون أننا لسنا ناضجين لا لتطبيق الديمقراطية ولا للمطالبة
بالعلمانية و لا التحررية! مُستعمَرون إلى الأبد. أنتم سعداء بفصل الدين عن
الدنيا في بلدكم وأنتم محقون في ذلك ولكن لسنا في حاجة إلى نصائحكم
الأبوية التي تعرضونها علينا من أجل إعادة تأويل الإسلام ليتوافق مع ظروف
العصر و كذا و كذا. نحن لا نفهم هذا الكيل بمكيالين، فالدين مضر بكم ومفيد
لنا! فإن انتقد أحدهم المسيحية مثلا فقد قام بفعل محمود في عرفكم لأنه
انتقد اللامعقول، ومارس حقه المقدس في حرية التعبير. ولكن بمجرد أن يقترب
أحدهم من الإسلام نقديا ، يتحول في نظركم إلى عنصري مرذول!
في بلد يضمن حرية نقد كل الأديان، يصبح ترك الإسلام بعيدا عن النقد
مسألة مشبوهة، بل هو عدم احترام للمسلمين أنفسهم وليس العكس كما يبدو
ظاهريا، لأن ذاك يعني أنهم رُكنوا خارج اللعبة، في الهامش، بمعنى اعتبارهم
مجرد جيران وليس كمواطنين بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فهل تريدون يا سادة
يا مناهضي العنصرية أن نبقى أبد الدهر مطية لإشباع شهواتكم الغرائبية؟ لا
يا أصدقائي، لقد غادرت نساء الجزائر شقتهن كما رسم دولاكروا سنة1834 ! كما
أن ’الحس السليم’ للبارون هولباك و’العبودية الطوعية’ للابويسي
و’ابسيكولوجية الجماهير تحت الفاشية’ لوليام رايش..قد تم تعريبها منذ زمن
طويل. فحتى ’انصت أيها الرجل الصغير’ لرايش قرأناه في لغتنا. انصتوا: لقد
هبت رياح فكر فولتير علينا أيضا!" ولو علم فولتير بحالتكم لكان تململ في
قبره ونهض ليعلمكم التفريق بين الحرية الثقافية والنزعة الثقافية المحافظة
الإنعزالية.
احذروا قد تحصلون في بلدكم على ما تطالبون به في بلدان الغير. ولكن لا
داع للتوجس من خطر الأصولية، ستتعودون بسرعة على العيش معها. صرح سارتر سنة
1948 قائلا أن النازية كانت ’’يومية تحت الاحتلال’’. ومثل النازية ستهزم
الأصولية فالتاريخ كذّب وأطاح بالأوهام دوما، وساعتها ستقولون مثل سارتر:
كانت الأصولية يومية. وحينما يسألكم أبناؤكم: ماذا كنتم تفعلون أثناء
الأصولية؟ تجيبون مثل سارتر: لقد عشنا. والأخطر من ذلك أن البعض تهامس بعد
التحرير في فرنسا : ’في النهاية كان الألمان ظرفاء’. كان القوم على وشك
قبول ما لا ينبغي قبوله إطلاقا. أخشى أن يكون البعض اليوم على وشك
الاستسلام للأصولية ومستعد للتضحية بحريته من أجل السلم الاجتماعي. لكن
حذار ستفقدون الحرية والسلم معا! في عز الثورة الجزائرية، صرّح الكاتب
الجزائري الثوري كاتب ياسين أنه يكتب بالفرنسية ليقول للفرنسيين بأننا لسنا
فرنسيين. وددت أن أقول لكم بأنني كتبت بالفرنسية هذه المرة، لأقول لكم
بأننا لسنا ما تعتقدون: كائنات لاهوتية أبدية.