هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | في النيجر المسلمة.. تعددت الانقلابات والفقر واحد | |
جاءت أنباء الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في دولة النيجر قبل أيام –وتحديدًا يوم 18 فبراير الجاري- لتذكر المسلمين بإحدى حواضر الإسلام المنسية على خريطة العالم، وما أكثرها، ولعل مشهد الانقلابات العسكرية بات من المشاهد المألوفة والمتكررة في أفريقيا منذ انتهاء حقبة الاستقلال عن الاستعمار الغربي المباشر أواسط القرن الماضي لتتجه القارة الأفريقية في معظمها منذ ذلك الحين إلى حقبة الاستعمار غير المباشر، عبر نخب صنعتها القوى الإمبريالية على عينها لتحل محلها في إدارة شؤون البلاد بما يحقق مصالح تلك القوى في المقام الأول ومن ثم مصالح النخب العميلة الحاكمة ربيبة الاستعمار بعد ذلك. أما مصالح دول وشعوب القارة فلا مجال لتحقيقها إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع مصالح كل من الدول المستعمرة السابقة وحلفائها المحليين الحاكمين. النيجر.. حاضرة إسلامية طواها النسيانوتعد النيجر إحدى حواضر الإسلام المهمة في منطقة غرب القارة الأفريقية، التي يطلق عليها قارة الإسلام نظرًا للانتشار التلقائي للدين الإسلامي بين شعوبها فمن بين كل 11 شخصَا يغيرون ديانتهم الوثنية في أفريقيا يدخل 10 منهم في الإسلام وواحد فقط في المسيحية(1)، وقد انتشر الإسلام في النيجر مع بداية القرن العاشر الميلادي عبر شمال أفريقيا الأمر الذي ساعد بشكل كبير على أسلمة عادات وتقاليد وثقافة شعب النيجر.ويدين أكثر من 97% من إجمالي سكان النيجر البالغ عددهم زهاء 15 مليون نسمة بالإسلام، مع الإقرار بوجود بعض التجمعات الصغيرة التي يدين أهلها بالديانات الوثنية التقليدية، بالإضافة إلى تجمعات أخرى يدين أهلها بالمسيحية والتي ساعد على انتشارها هناك نشاط البعثات التنصيرية التي قدمت للبلاد إبان حقبة الاحتلال الفرنسي إلى جانب تأثير بعض المغتربين من أوروبا وغرب إفريقيا.ويعود انتشار الإسلام في النيجر إلى قبائل الطوارق المسلمة التي كانت تقيم في الأجزاء الوسطى من إقليم الصحراء الكبرى حيث تمكنت تلك القبائل من إحكام سيطرتها على كافة الطرق التجارية الممتدة ما بين الصحراء وحتى الخط الساحلي جنوباً. وفي القرن الخامس عشر الميلادي، تمكن الطوارق من إقامة إمبراطورية إسلامية كبرى بهذه المنطقة، مركزها مدينة أجاديز. ثم أصبحت النيجر بعد ذلك جزءًا من بعض الممالك الإسلامية التي قامت في غرب أفريقيا ولعل أشهرها ممالك قانم ومالي وسوكوتو. ولقد وصل الأوروبيون إلى النيجر وسيطرت فرنسا على أجزاء من غرب إفريقيا بناءً على اتفاقيات تم التوصل إليها بين القوى الأوروبية الاستعمارية المختلفة خلال الفترة ما بين 1885 - 1890م. وبحلول عام 1900م، كانت فرنسا قد سيطرت على معظم أجزاء النيجر. وفي عام 1906م، تمكنت فرنسا من إخماد حركة المقاومة الإسلامية التي كانت تقودها قبائل الطوارق بعد معارك بطولية طاحنة. وفي عام 1922م، أصبحت النيجر جزءًا مما كان يعرف بغرب إفريقيا الفرنسية، إلى أن حصلت على استقلالها عن فرنسا في الثالث من شهر أغسطس عام 1960م. تاريخ من الانقلابات العسكريةولقد شهدت النيجر منذ استقلالها ثلاثة انقلابات عسكرية، بالإضافة إلى الانقلاب الحالي، وذلك في أعوام 1974 و1996 و1999 علي التوالي، وفق سيناريو يبدو مكررًا، حيث يقوم ثلة من الجنود بالتوجه إلى القصر الرئاسي للإطاحة برئيس الدولة بينما يقصد فريق آخر منهم مبني الإذاعة والتليفزيون للإعلان عن نجاح حركتهم الانقلابية وتأسيس مجلس عسكري أعلى يطلقون عليه اسم مجلس الإنقاذ أو الخلاص الوطني بهدف تسيير أمور الدولة وتطهير البيت من فساد النظام البائد. ومن أجل ذلك يقومون بتعطيل الدستور وحل معظم مؤسسات الحكم وإغلاق حدود الدولة إلى أن تستقر لهم الأوضاع ويُحكموا سيطرتهم علي زمام الأمور في البلاد(2).ولعل السبب الرئيس لانقلاب فبراير الأخير بالنيجر هو ما تعانيه –للأسف- جل الدول الإسلامية في وقتنا الراهن من ظاهرة التأبيد في السلطة، وهو ما أظهرته القيادة السياسية الحاكمة في النيجر, حيث رفض الرئيس ممادو تانجا الرحيل عن قصر الرئاسة بدعوي تمسك الشعب به رئيسًا مدي الحياة. ولتمرير ذلك قام بتعديل الدستور في أغسطس من العام 2009 عبر استفتاء شعبي صوري, قاطعته المعارضة, وبذلك ضمن استمراره رئيسًا للبلاد مدى الحياة مع منحه صلاحيات دستورية واسعة، الأمر أبطلته المحكمة الدستورية العليا والتي قضت بعدم شرعية التصويت في ذلك الاستفتاء، ومع ذلك مضى الرئيس تانجا قدمًا نحو مخطط بقاءه في السلطة، حيث أصدر قراره بإعفاء قضاة المحكمة الدستورية وتعيين قضاة من الموالين له بدلاً منهم, ومن ثم قام بحل البرلمان, الأمر الذي حدا بالجيش لأن يتدخل مجددًا في الحياة السياسية باعتباره ممثلاً لمصالح الأمة وحارسًا لأمنها واستقرارها(3).ويمكن القول إنه على الرغم من توالي الانقلابات في النيجر –على غرار النماذج الأخرى القريبة التي تموج بها القارة الأفريقية- بدعوى تطهير البلاد من الفساد وتحقيق التنمية المستدامة والخروج من مستنقع التخلف والتهميش، إلا أن النيجر ظلت مع ذلك من أفقر دول العالم وأقلها تنمية وأكثرها تخلفًا وفقًا للمؤشرات الدولية المعتمدة. الأمر الذي يكشف زيف ادعاءات الانقلابيين ويؤكد أن ظاهرة الانقلابات إنما ترجع بالأساس إلى شبكة من الأسباب المتقاطعة والمتباينة من التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية بالإضافة إلى صراع المصالح بين النخب المحلية المتنافسة على سدة الحكم للاستيلاء على السلطة ومن ثم الثروة. ثروات وفقرإن الصورة النمطية المدركة إعلاميًا عن النيجر أنها –كما أشرنا آنفًا- واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق، إذ تغطي الصحراء الكبرى ما يقرب من 80% من إجمالي مساحة البلاد، في حين تتهدد الأجزاء الباقية مشكلات مناخية أخرى لعل أهمها الجفاف والتصحر ومن ثم فإذا أراد المرء عنوانًا جامعًا للفقر فلن يجد خيرًا من النيجر. بيد أن المثير للدهشة أن تلك الدولة إنما تذخر بثروات وموارد اقتصادية نادرة لعل أهمها خام اليورانيوم، الذي يستخدم كمكون رئيس في برامج التسليح النووي، والتي تحوز أراضيها منه نحو 8% من إجمالي الاحتياطي العالمي وتتركز أبرز مناجمه في إقليم أجاديز(4).وبالإضافة إلى اليورانيوم الذي يشكل نحو 72% من إجمالي صادراتها للخارج، بدأت النيجر في استخراج خام الذهب بكميات جيدة منذ عام 2004م، عبر شركة ليبتاكو للتعدين وهي شركة مغربية كندية نيجرية مشتركة يمتلك الطرفين المغربي والكندي نحو 80% من الشركة مناصفة في حين تمتلك حكومة النيجر 20% من الشركة.كما تمتلك النيجر احتياطيات مهمة من النفط الخام تقدر بنحو 324 مليون برميل وبانتظار الكشف عن احتياطيات جديدة بصحراء تينيري. وقد منحت الحكومة النيجرية حق الانتفاع للتنقيب عن النفط بمنطقة أوجاديم لشركة النفط الوطنية الصينية حيث أعلنت النيجر أن الشركة الصينية ستقوم بإنشاء وإدارة الآبار والتي سيتم افتتاح 11 بئر منهم بحلول عام 2012 بقدرة إنتاجية تصل إلى 200,000 برميل يوميًا(5). كما تمتلك النيجر ثروات لا يستهان بها من خامات الفحم والحديد والقصدير، الأمر الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما تحوزه النيجر من موارد وثروات وما تعيشه واقعًا من فقر ومجاعات!!.لا شك أن ثمة علاقة ارتباطية بين نشوب الصراعات الداخلية، وامتلاك الدول لموارد أولية، وهو ما مثلته الخبرة الأفريقية في حالات عديدة لعل آخرها حالة النيجر، بدءًا من السودان شرقًا، ومرورًا بالكونغو الديمقراطية في الوسط، وأنجولا وموزمبيق جنوبًا، وانتهاءً بنيجيريا وسيراليون غربًا. حيث مثلت تلك الموارد مغنمًا اندفع الفرقاء السياسيون في الداخل لنيل أكبر نصيب ممكن منه، خاصة مع غياب آليات ومؤسسات فاعلة تضمن العدالة التوزيعية لتلك الموارد وإدارتها بشكل رشيد.ويبقى دور العامل الخارجي المتمثل في تنافس القوى الإمبريالية الكبرى وشركاتها المتعددة الجنسيات، لاسيما في ظل تزايد الطلب عليها من قبل الدول الأفريقية. حيث تلعب هذه القوى دورًا مؤثرًا في صنع السياسات الداخلية والخارجية لتلك الدول، مستفيدة مما يمكن وصفه بمفهوم "الدولة – العصابة" الذي كرسته بعض النظم الأفريقية وحركات التمرد التي مولت حروبها عبر استنزاف هذه الموارد مقابل الحصول علي المال والسلاح ومن ثم السلطة. | |
|