صورة الغلاف للعدد 87 من نشرة الرأي
يحق لكثيرين (مواطنين وخبراء) أن يستغربوا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا . إذ تحتل موقعاً مركزياً في الشرق الأوسط ، يؤهلها لتكون بوابة التجارة في المنطقة . وتنام على ثروة باطنية جيدة ، وتنعم بثروة بشرية متعلمة وخبيرة ومجتهدة عز نظيرها ، وتتوفر فيها عناصر اقتصاد متوازن زراعي وصناعي ، وتتمتع بجميع المؤهلات لتكون بلد جذب سياحي من الطراز الأول . فكيف لبلد تحصل على كل هذه المزايا والإمكانات أن يعيش عقوداً من الأزمات المتلاحقة ، وتكون الحصيلة دولة منهكة وشعباً فقيراً ؟ ! ويذكر المؤرخون والاقتصاديون جيداً ، كيف دخلت سورية قبل خمسين عاماً دولة الوحدة بلداً حراً من الديون وبميزان تجاري رابح ، ووضع اقتصادي واجتماعي للشعب السوري في المرتبة الأولى بين أقرانه العرب . وكيف كانت التجربة السورية (سياسياً واقتصادياً) في موقع الاهتمام والريادة والاقتداء .
غير أن المشهد الحالي للاقتصاد السوري والاوضاع المعيشية للشعب بعض ثمرات الاستبداد على الصعيد الاقتصادي ، ومن نتائج حكم الطوارىء والأحكام العرفية لخمسة عقود متوالية على الحياة العامة . ولم يكن ينقص الشعب السوري غير الأزمة العالمية لتوقع الخراب في اقتصاد مثقل أصلاً بالهموم والأزمات ، وتأتي على ما خلفه نظام الدولة الشمولية وإدارة الاقتصاد بعقلية أوامرية وأساليب زجرية بعيداً عن العلم والمعرفة واحترام إرادة المجتمع وحقوق الناس ومراعاة المصلحة الوطنية العليا .
وها هو الوضع الاقتصادي يتكشف عن حقائق مؤلمة وحالة تنذر بالخطر على مستقبل البلاد وحياة شعبها ، بعد طول التلطي خلف الشعارات الشعبوبة والبروباغندا السلطوية وتعالي الهتافات عن " الإنجازات " و" العطاءات " و" الخطط الخمسية " و مصالح العمال والفلاحين " ، التي استخدمت غطاء لعمليات التخريب والنهب المنظم لمقدرات البلاد ، ووسيلة لتعميم الفساد والإفساد واستشرائه في كل من الدولة والمجتمع . فإلى أين تسير الأزمة الحالية ؟ وكيف وصلت سورية إلى ما هي عليه اليوم؟!.
- 1 - تاريخ من الأزمات المتلاحقة ، هذا هو حال الاقتصاد في ظل النظام الشمولي . ما أن يختفي ذيل واحدة حتى تطل برأسها أخرى . ومثل كل الأوضاع في المجتمع ، كانت تتراكب الأزمات وتتجاور ، وتمضي عمقاً واتساعاً دون أن تجد طريقها نحو الحلول العلمية والجريئة والواقعية . وتأتي المعالجات اعتباطية ومبتسرة وبطريقة استنسابية ، تهدف إلى تأمين راحة السلطة واستمرار النظام في المقام الأول . فمرة تتأسس الحلول على رشوة المجتمع بإجراءات آنية وغير محسوبة جيداً ، ومرة تنحو نحو الهجوم على دخول المواطنين المتواضعة عبر زيادة الضرائب والرسوم ، أو بزيادة الأسعار تأميناً لموارد إضافية للخزينة . ولم تظهر في أي وقت معالم سياسة اقتصادية متماسكة ومتكاملة ، وما ظهر باستمرار يشير إلى عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة ومعتمدة . إنما مجموعة من التدابير والقرارات والإجراءات الآنية المتشابكة حيناً والمتناقضة أحياناً ، تتخذ على عجل ، وتترك مجالاً واسعاً للاختراق والالتفاف ، بل الإهمال وعدم التنفيذ . وتفتح كوى جديدة للرشا ، يمد عبرها الفاسدون أيديهم وأعناقهم لاقتناص فرص جاهزة . ثم ماذا يعني صدور مئات المراسيم الجمهورية التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى هذه الساعة، الأمر الذي دفع ببعض المحللين الاقتصاديين للتعليق على الواقع السياسي والاقتصادي الراهن في سوريا للقول: في سوريا يوجد دائماً ما يشبه الشيء الأصلي ويفرغه من معناه: فهناك خطط بلا خطة وقرارات ومراسيم دون منهج، هناك مجلس شعب دون برلمان، صحف ومجلات بدون صحافة، وزراء ورئيس وزراء بدون حكومة، يوجد ما يشبه الانترنت وما يحاكي الانتخابات وبالتالي هناك شيء أشبه بالاقتصاد وشيء يشبه السياسة ويشبه الأحزاب.
كانت حركة الأسواق المؤشر الأبرز على اعتباطية إدارة الاقتصاد الوطني ومعالجة أزماته . فتارة تنفقد السلع وتشح الموجودات ، ويلهث المواطن وراء تأمين حاجاته الضرورية ، كما حدث في الثمانينات . وتارة تزدحم الأسواق بالبضائع والسلع من كل حدب وصوب ، ليعم الكساد . وحيناً ترتفع أسعار المنتجات الزراعية المحلية ، لتصبح فوق القدرة الشرائية لمتوسطي الحال ، وتحرق إمكانات المستهلكين من السواد الأعظم للشعب . وأحياناً تهبط بشكل غير معقول إلى درجة تمس قدرة المنتجين على تجديد الإنتاج والاستمرار في العمل ، وتهدد بتدمير الزراعة وحياة الفلاحين .
وعندما سقطت في العالم مع بداية التسعينات تجربة الاقتصاد الدولتي الممركز ، القائم على نظام الأوامر الفوقية والتعليمات والتوجيهات ، كان تفاعل السلطة ضعيفاً مع هذه الواقعة ، مكابراً حيال سلوك طريق الإصلاح المحتوم . واختبأت – خوفاً على نظامها الكلي المتيبس – وراء مقولة " التعددية الاقتصادية " السائدة في المجتمع السوري متجاهلة الحقائق الواقعية ومتطلباتها . وبدأت تسرب بعض القرارات والإجراءات باتجاه تشجيع الاستثمار والانفتاح على اقتصاد السوق ، في وقت يزداد فيه قطاع الدولة الاقتصادي تهلهلاً وانكشافاً . ونام الذئب والغنم في حظيرة واحدة ، في ظل عصا الاستبداد من جهة وسطوة الثروة من جهة أخرى ، حتى التحما معاً . وكانت الحصيلة واقعاً اقتصادياً تلفيقياً ، لا يستأهل تسمية " نظام " . يبتغي جمع كل الميزات ، فخسر جميع الفضائل .
وعندما نقف على حقيقة أن عدد سكان سورية اليوم 23 مليون نسمة ، يتضاعفون كل 22 سنة ، وأن 38% منهم تحت سن الـ 15 ، أي خارج دائرة الإنتاج ، ندرك حقيقة التركة التي أورثها النهج السائد وحجم المخاطر في استمراره . كما ندرك حجم المسؤولية في حقيقة ما تواجهه البلاد اليوم وفي المستقبل القريب .
- 2 - بين الشعارات والارتجال والتجريب والمعالجات القاصرة ، عاش الاقتصاد السوري بمختلف قطاعاته . وكأن الاقتصاد ليس علماً ولا مناهج ولا خيارات ، ميزانها الواقع وحياة الناس ومصالحهم ، وله معايير في الكم والنوع والجودة ، وفق متطلبات العصر والتساوق معه . وبقيت الخطط الخمسية والبرامج التنفيذية ورقية بالمقام الأول ، يعلن نجاحها دائماً (قبل التطبيق وبعده)، في الوقت الذي يعلن الواقع شيئاً آخر ، سمته العامة تدهور الأوضاع باستمرار .
لأسباب سياسية طالت حيرة النظام وتردده أمام الخيارات الضرورية والمطلوبة . فمشى بخطوات وئيدة وغير مكتملة ، مرة بالاتجاه المطلوب ومرات بالمراوحة بالمكان . وهذا يفسر كثرة المراسيم والقرارات والإجراءات وضعف المحصول . فبقي النظام مفتقداً للرؤية الواضحة والشجاعة اللازمة لولوج طريق الإصلاح المطلوب . واستطاعت القوى النافذة فيه ممانعة هذا الانتقال وكبح توجهاته الموضوعية ، دفاعاً عن امتيازاتها ومصالحها وخوفاً على النظام من متطلبات الإصلاح وتداعياته .
في ظل هذا الاستنقاع الفكري والسياسي والعملي ، بدأت أزمة قطاع الدولة بالتفاقم بدءاً من عام 1995 ، وبشكل أكثر وضوحاً بعد عام 2000 . وصار بمعرفة الجميع عالة على المجتمع عوضاً عن أن يكون معيلاً له . وتقدم القطاع الخاص على جثة هذا القطاع وبالاستناد إليه أحياناً . ساعده على ذلك تخلف الإدارة وفسادها ، التي اكتفت بإحياء المهرجانات الحزبية والاحتفالاات السلطوية والرقص في الشوارع ، لتظهر ولاءها واستحقاقها للاستمرار على رأس مؤسسات تحولت إلى ما يشبه الحيازة الشخصية والعائلية . فالمهم عند النظام هو الولاء السياسي والانصياع والهتاف ، وليس الكفاءة والانتاجية والوطنية الحقة . واشتغلت ماكينة الفساد من الأعلى إلى الأدنى ، لتصبح أخطبوطاً يلتهم المال العام وما في جيوب المواطنين ، ويراكمه ثروات خاصة طائلة .
تقدر تقارير رسمية نسبة القطاع الاقتصادي غير المنظم بـ 35 % ، وأن الفساد يكلف خزينة الدولة 50 ألف دولار يومياً . وخلال ستة أشهر فقط ، بحث مجلس الشعب قضايا فساد طالت ثلاثة من أعضائه . وتم إغلاق 418 محطة وقود خلال عام 2008 بسبب الغش والتلاعب والفساد . وتم توفير 11 مليار ليرة سورية نتيجة تدقيق مشاريع هندسية ودراسات ، كانت نوايا الفساد تخبئها ليوم موعود. حتى وصل الأمر إلى بيع عقارات وأراض ، تسجل في الدوائر العقارية دون علم أصحابها . وللفساد في سورية قصص وحكايات تشيب لهولها الولدان ، في جعبة أي مواطن نماذج لا تنتهي منها . وفي مقاربة لهذه القضية التي تفقأ العيون قال رئيس الحكومة : "هناك جرأة على المال العام ". هكذا إذن . . " جرأة ". دون أن يقول شيئاً عن هؤلاء المتجرئين وثرواتهم ومواقعهم السلطوية ، لكنه أضاف " سنقطع اليد التي تمتد للمال العام " . غير أن النهب لم يتوقف ولا الأيدي قطعت . فأبشر بطول سلامة يا "فاسد" .
- 3 -
تدل المؤشرات الرقمية للاقتصاد الكلي على عمق الأزمة التي يعانيها . إذ أعلن المسؤولون عن هذا القطاع – بعد طول نكران – عن وصول تداعيات الأزمة العالمية ، وتشابكها مع عوامل التأزم التاريخي للاقتصاد الوطني ، لتنتج وضعاً مقلقاً ، ينذر بنفق مظلم يمكن أن تدخله البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، إن لم تجد سبيلاً لمواجهة الأزمة والتخفيف من أعبائها . وصل عجز الموازنة ( التي تمول بالعجز منذ سنوات ) عام 2009 إلى 226 مليار ليرة سورية مترافقاً مع ارتفاع في الدين العام ، كما وصل عجز الميزان التجاري إلى 216 مليار ليرة سورية ، ومعدل التضخم هذا العام إلى 15% ، مع نسبة بطالة تزيد عن 22% ، وتصل بين النساء إلى 53% . في حين تراجعت موارد الصناعة الاستخراجية بشكل كبير ، والصناعات النسيجية بنسبة 50% ، وكذلك مخرجات الإنتاج الزراعي . فانخفضت حصة الزراعة في الدخل الوطني إلى 15% ، وتراجعت الصادرات بنسبة 45% ، والرسوم الجمركية إلى النصف . وتراجع عدد السفن الناقلة والمسجلة في سورية من 300 إلى 53 . بينما يشهد الموسم السياحي هبوطاً بنسبة 35% . وتسجل أرقام احتياجات الطاقة ازدياداً مضطرداً ، وكذلك الحاجة إلى موارد جديدة للمياه . إذ ينقص سورية سنوياً 3 مليار متراً مكعباً من الماء لتسد حاجتها وفق الخطة الخمسية العاشرة . وفي حين تسجل الأرقام تراجعاً في الاستهلاك الشعبي ، تسجل ارتفاعاً في الاستهلاك الحكومي لنفس الفترة .
وتراجعت الإيرادات العامة والطلب الداخلي والصادرات ، وكذلك حجم الاستثمار الداخلي والخارجي . وهبطت معدلات النمو إلى سوية متدنية ، وتوقفت برامج العمل والتوظيف . فانعكس هذا الوضع سريعاً على المنتجين والمستهلكين على السواء ، وظهرت مفاعيله على حركة الأسواق والأحوال المعيشية للشعب . وازدادت عطالة الموارد ، وظهرت معالم الركود الاقتصادي والكساد ، وازداد حجم المخازين نتيجة انخفاض الاستهلاك وتراجع التصدير . وانتشر إفلاس الشركات أو التقليص من حجم أعمالها ومشاريعها ، وتوقف قطاع البناء . فشهدت بالتالي معدلات البطالة ارتفاعاً جديداً . ورغم هبوط بعض الأسعار ، إلا أن حركة الأسواق تشهد جموداً ملحوظاً ، تجاوز 24% العام الماضي . تشهد على هذا الجمود وتدل عليه كثرة التنزيلات والعروض السخية للبيع ، ونزول الشركات إلى الشوارع لتصريف منتجاتها . وتسجل الأسواق زيادة واضحة على معدلات هجرة رأس المال والكوادر الوطنية .
- 4 - يتراوح معدل النمو السكاني في سورية 2.4 % - 3.2 % ، وهي من أعلى المعدلات في العالم . وسيكون عدد سكان سورية عام 2025 ثلاثين مليوناً ، تمثل شريحة الشباب منهم 33% ، مع اختلال فاضح في التوزع الجغرافي للسكان ، وضعف متنام في الخصائص والنوعية السكانية . وإذا علمنا أن معدل النمو الاقتصادي يجبأن يتجاوز ثلاثة أمثال معدل النمو السكاني ، لتستقيم خطط التنمية الشاملة وتعطي أكلها ، ندرك حجم الأوضاع الصعبة التي يعاني منها شعبنا – وتمضي باتجاه التفاقم – مع معدل نمو اقتصادي لا يكاد يصل إلى معدل نمو السكان . وندرك أيضاً حجم المسؤولية الكبرى للسلطة عبر مسارها الطويل في تخريب اقتصاد البلاد وإنهاك حياة الشعب والمغامرة بمستقبل الأجيال القادمة . ولا ينفعها في شيء التذرع بـ " منعكسات الأزمة العالمية " والاتكاء عليها لتهوين الوضع ، وأن " الحكومة لا تستطيع حل جميع المشكلات بعام واحد " ، كما يصرح المسؤولون الاقتصاديون . إنهم لا يستطيعون التنصل من المسؤولية ، فالزرع زرعهم والحصاد حصادهم .
في هذه الظروف الصعبة ، يعاني أبناء الطبقة الوسطى من الموظفين والمنتجين الصغار والحرفيين ، وسائر العمال والفلاحين والفقراء والمهمشين من ضنك العيش اليومي والخوف على مستقبل أولادهم . باختصار كل الشعب السوري واقع في المعاناة باستثناء شريحة بسيطة من رجال السلطة والأغنياء القدامى والجدد والمنتفعين من مواقعهم الريعية في أجهزة الدولة . يعاني هؤلاء من موجة الغلاء الممتدة منذ ثلاث سنوات ، ومن تراجع دخولهم وانخفاض القدرة الشرائية لمواردهم البسيطة ، وبالتالي من التدني الحاد في مستوى معيشتهم . ويعانون أيضاً من انعدام فرص العمل وانخفاض عائديته ، ومن تراجع التحويلات المالية للعاملين في الخليج . حيث يعمل نصف مليون عامل سوري هناك ، تصل قيمة تحويلاتهم إلى حوالي مليار دولار سنوياً . فقد خمسون ألف عامل منهم وظائفهم مؤخراً ، وعادوا إلى البلاد ، لينضموا إلى جيش البطالة الكبير .
لم تنحصر معاناة الفلاحين بالظروف المناخية السيئة التي انعكست سلباً على إنتاجهم وحياتهم ، أضيف إليها طريقة تعامل الحكومة معهم . إذ لم تسدد لهم المستحقات عن محاصيل سابقة ، جرى استلامها ، وتزيد قيمتها عن ثلاثة مليارات ليرة سورية . وتقوم بخطوات تراجعية ومتسارعة عن سياسة الدعم الزراعي ، عبر رفع أسعار المازوت وتحرير أسعار الأسمدة بدءأ من أول نيسان 2009 ، لترتفع بنسب عالية منهكة للإنتاج والمنتجين . تتراوح بين 100 % - 200% ، مما يولد منعكسه السلبي على النشاط الزراعي وتنفيذ الخطط الزراعية .
ويعاني العمال فيما يعانونه من تآكل رواتبهم . وإذا كان الغذاء يشكل 40 – 55 % من مصروف العائلة السورية ، نعرف مالذي يتبقى من رواتب العمال لإعالة أسرهم وتدبير شؤونها الخاصة ، إضافة لافتقادهم للرعاية الصحية . فحسب رئيس اتحاد العمال ، إن 50 % من العمال غير مشمولين بالرعاية الصحية . وأن 10 % فقط من العاملين في القطاع الخاص نالوا زيادة الرواتب عام 2008 .
وعلى صعيد الخدمات ، يعاني السوريون اليوم من تردي الخدمات العامة . ففي مجال التعليم ، يتراجع دور الدولة وبشكل متصاعد . بحيث يتولى التعليم الخاص خدمة 30 % من الطلاب السوريين عام 2010 . وإذا أخذنا مؤشر التسرب من المدرسة معياراً لتقييم الخدمات التعليمية والتربوية للدولة ، فهو 19 % من طلاب مرحلة التعليم الأساسي . كما يتسرب ثلثا طلبة الدراسات العليا . في حين تصل نسبة التسرب في معاهد الوزارات المختلفة إلى 80 % ، كما تصل نسبة الموفدين إلى الخارج على نفقة الدولة الذين لا يعودون إلى البلاد 60 % . وتشير القاعات الفارغة في المراكز الثقافية إلى عمق التردي الذي بلغه العطاء الثقافي للمؤسسات الحكومية ، ودرجة الصد والتجاهل الذي تلقاه من قبل المواطنين .
وفي المجال الصحي ، بلغ حال التردي لهذه الخدمات مستوى غير مسبوق . فمشهد عشرات المرضى الذين يفترشون الأرض في أروقة مشفى الطب النووي ، وعلى أرصفته الخارجية باستمرار خير شاهد على ذلك . وما الذي يعنيه أن تكون 499 قرية سورية موبوءة بمرض اللايشمانيا ، ويعاني منه عشرون ألف مصاب ، ولا تتحرك وزارة الصحة كما هو مطلوب ومفترض ؟ !
رفعت السلطة الدعم عن أسعار المحروقات شتاء 2008 – 2009 بحجة محاربة التهريب وترميم عجز الموازنة بمداخيل إضافية ، في وقت كانت فيه أسعار النفط تهبط عالمياً . وكانت النتيجة أن زاد عجز الموازنة عام 2009 ، وازدادت تكاليف الإنتج الزراعي والصناعي ، وأنهك المواطنون وتقلصت قدرتهم الشرائية . أما التهريب فقد تكفلت أسعار المحروقات الأدنى في الدول المجاورة بحل مشكلته . ومازالت الحكومة تتخبط في معالجة النتائج المؤلمة لرفع الدعم ، واختيار طرق التعويض المناسبة على مستحقيه . ويتساءل البعض إن كان المطلوب وراء هذه المعالجات العرجاء إلغاء الدعم كلياً ، وتبليع المواطنين جرعة جرعة قراراً صعباً ومدمراً كهذا . .
في هذا الوقت ، أصدرت وزارة الكهرباء تسعيرتها المنزلية الجديدة ، ورفعت سعر الكيلو وات للاستهلاك المنزلي من 4 ل.س إلى 7.5 ل.س لشريحة 2000 – 3000 كيلو وات ، ليصل إلى 15 ل.س من 3000 فما فوق . وإذا كان الاستهلاك المنزلي ترتفع أسعاره بهذا الفحش ، فكيف ستكون عليه تسعيرة الاستهلاك الصناعي والتجاري ؟ وهل يريد السادة المسؤولون أن يعيدوا الشعب إلى مرحلة الاحتطاب والسهر على ضوء الفانوس ؟ !
- 5 - في الحديث المتكاثر عن خطوات الإصلاح الاقتصادي المرتقبة ما يثير الخوف على أوضاع العمال والفلاحين والحرفيين والمنتجين الصغار ، بل على الشعب بأسره . لأن المقدمات التي تعلنها إجراءات السلطة وتسعيراتها مؤخراً ، تشير إلى أن السواد الأعظم من شعبنا سيكون الضحية . فسياسة الانفتاح غير المتوازنة ، و " تحرير الاقتصاد " غير المتدرج والمحسوب ، ستكون له نتائج كارثية على حياة الناس . وتحرير التجارة دون ضوابط وقوانين وإجراءات مرافقة تحمي الفقراء وذوي الدخل المحدود ، يحمل في طياته مخاطر جدية ، تهدد لقمة العيش لقطاعات واسعة من الشعب ، وتطال الحياة العامة برمتها . والتداعيات الاجتماعية لسياسات ارتجالية كهذه ، يمكن أن تهدد الاستقرار الاجتماعي ، بل الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين . وكما تتحمل السلطة مسؤولية تدمير الاقتصاد الوطني ، وتخريب مؤسسات المجتمع والدولة ، وإيصال البلاد إلى ما هي عليه اليوم ، فهي تتحمل مسؤولية الخطوات والتدابير والقرارات التي تمس حياة الناس وسبل عيشهم بكفاية وكرامة