نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | دولة المواطنة لا دولة الدين | |
[rtl] محمود الزيباوي [/rtl] [rtl] في النصف الأول من القرن الماضي، خطت مصر بقوة ثابتة في اتجاه تأسيس الدولة المدنية الحديثة. تعثّرت هذه المغامرة في العقود الماضية مع صعود الخطاب الديني، واحتدّ الصراع الدائر بين الهوية الوطنية والإنتماء للدين. صعد “الاخوان” إلى الحكم، وسقطوا بعد عام، لكن الصراع بقي محتدماً، وكأننا في المربّع الأوّل. تجّددت معركة الدستور، وتجدد الجدال السقيم حول المواطنة والدين، وتجدد البحث عن الصيغة التلفيقية التي تجمع بينهما.[/rtl] [rtl] في مقالة باللغة الفرنسية تعود إلى عام 1934، تحدّث طه حسين عن تجربة الإمام محمد عبده، وامتدح الثورة الإصلاحية التي صنعها، غير أن هذا التقدير لم يمنعه من الإشارة إلى “ضعف” المنهجية التي اعتمدها المصلح الكبير في مطلع القرن الماضي. رأى عميد الأدب العربي أن الشيخ محمد عبده “هزّ العالم الإسلامي بأسره وأيقظ العقل الشرقي وعلّم الشرقيين أن يحبّوا حرية الفكر”، كما “أنه أتاح لكثير من المسلمين أن يتطلعوا بأمل راسخ إلى يوم يتحقق فيه التوفيق بين العلم والدين، بين التقاليد الشرقية والحضارة الغربية”، غير أن هذه الثورة باتت اليوم جزءاً من الماضي. فالعالم الإسلامي تغيّر منذ ذلك العهد، وتحوّل بشكل كبير. “تزايدت الصلات بين مصر وأوروبا، ووقعت الثورة التركية التي أطاحت الاستبداد والملوك، ونشبت الحروب التي قضت تماماً على هيمنة تركيا وألغت الخلافة ومنحت شعوب الشرق نظماً ديموقراطية لم يكن لهم بها عهد على الإطلاق. ولم يعد محمد عبده مواكباً للعصر وإذا بلباقته في إحداث التجديد تبدو مستخذية تعوزها الجسارة. ولم يعد يكفي التفكير والكلام، فهناك محاولة للعمل. وصارت كل أفكار محمد عبده في شأن العلم والدين بالية. فهي ليست بالأفكار التي مضى عليها زمن طويل، ولكنها لم تعد تتواءم مع انطلاق الشرقيين نحو الحرية الكبرى. وقليلون هم المسلمون الذين يهتمون بالتوفيق بين إيمانهم والمعارف التي حصَّلوها، وهم يندفعون بابتهاج نحو الحضارة الغربية ويتخذونها مثلاً أعلى“.[/rtl] [rtl] انتصار حرية التفكير والتعبير[/rtl] [rtl] بهذه العبارات الصريحة البعيدة عن اللغة التوفيقية التلفيقية، تحدث طه حسين منذ ثمانين سنة، وختم حديثه بسؤال يختصر مشروعه الأكبر: “أفلا يجب بالأحرى أن نتقبل العلم والوحي كما هما وأن نعترف لكل منهما بمجاله الخاص في حياة الإنسان؟”، “ذلك على الأقل ما تراه الأجيال الجديدة من المثقفين الذين لم يستمعوا إلى الشيخ محمد عبده وإن كانوا قد استمعوا إلى أساتذة الغرب”. في الخلاصة، رأى أديبنا الكبير أن محمد عبده أراد التوفيق بين الدين والعلم “بطريقة تبسيطية” لا تخدم العلم، “فهو رغم صدق نواياه ونقائها قد أقام أدلته، دون أن يدري، على حساب النصوص الدينية”، مما يعني أن أدلته ليست علمية. بعد سنوات، أثار طه حسين هذه الإشكالية من جديد في مقالة أخرى بالفرنسية نُشرت عام 1946، وفيها تناول “الاتجاهات الدينية” التي ظهرت في الأدبيات المصرية في الثلاثينات. في ما يُشبه المقدّمة، بدأ الأديب التنويري مقالته بالحديث عن “الحركة الأولى” التي وضعت أسس نهضة الثقافة العربية، وهي الحركة التي صنعها جلال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وبفضلها استعاد الفكر الإسلامي “شيئا من تلك الحرية التي تمتع بها كاملة في القرون الخمسة الأولى للهجرة”. رأى طه حسين أن هذه الحرية سمحت قديماً للإسلام بـ”أن يشيد تلك الحضارة البديعة الموروثة عن اليونان وأن يثريها وأن ينقلها بعد ذلك إلى أوروبا”، وأضاف متسائلاً: “لماذا لا يصنع المسلمون المحدثون صنيعهم؟ ولماذا يحوّل الإسلام، وهو دين التسامح والحرية، إلى دين التزمت والعبودية؟ لقد تقبّل الحضارة اليونانية، فلمَ لا يتقبل الحضارة الأوروبية؟“.[/rtl] [rtl] دخل العالم الإسلامي في عصر الجفاف والقحط الثقافي حتى جاءت “الحركة الثانية” بالتزامن مع انبعاث الحركة الوطنية في عام 1918، وأثمرت في الحقل الاجتماعي كما في الحقل الأدبي. أفاقت مصر من سباتها، وخطت خطوات كبيرة إلى الأمام بروح جديدة وفكر حر متجدد، وتجلّى ذلك في مظاهر اجتماعية متعدّدة. “لم يعد الشباب في فترة ما بعد الحرب يطالبون بالحق في التفكير الحر، وذلك أنهم أصبحوا يمحصون كل القيم القديمة ويضعونها موضع الشك. ولم تعد نساء الطبقة البورجوازية يكتفين بموقف المتفرج في النقاش الدائر بشأن حريتهن، وإنما أخذن تلك الحرية أخذاً. فقد طرحن الحجاب، وخرجن من بيوتهن وتظاهرن مع الرجال في الشوارع ضد الإنكليز وطالبن بنصيبهن من الانخراط في النضال“.[/rtl] [rtl] استقل المجتمع، واستقل الفكر، وتمثل هذا الاستقلال بصدور كتاب علي عبد الرازق عن الخلافة وأصول الحكم في الإسلام في زمن استقلال المجتمع والفكر. ألغى المجلس الوطني في تركيا السلطنة سنة 1922، ثم أعلن بعد عامين إلغاء الخلافة. شكّلت نهاية السلطنة العثمانية نهاية لمنطومة دامت قروناً، وجاء حكم مصطفى كمال أتاتورك أشبه ببداية لعهد جديد غاب عنه نظام السلطنة والخلافة، وطمع بعض الملوك والحكام باحتلال هذا المنصب الشاغر، وفي مقدمهم الملك فؤاد في مصر، والشريف حسين في الحجاز. في تلك الفترة بالتحديد، وضع الشيخ علي عبد الرازق كتابه “الإسلام وأصول الحكام”، وهو أشبه ببيان من مئة صفحة، وعنوانه الفرعي “بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام”. في هذا البيان، تصدّى الشيخ الأزهري بجرأة نادرة لعقيدة راسخة تجزم أن الإسلام دين ودولة أسّسها النبي محمد، وأنّ الخليفة ما هو إلا نائب رسول الله، وسلطانه مستمد من الله تعالى. رأى علي عبد الرازق أن الإسلام “رسالة لا حكم، ودين لا دولة”، وأنّ النبي “ما كان إلا رسولا لدعوة خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وإنه لم يكن للنبي ملك ولا حكومة، وإنه لم يقم بتأسيس مملكة”، فالقرآن يمنع أن يكون النبي “حفيظاً على الناس، ولا وكيلاً، ولا جباراً ولا مسيطراً، وأن يكون له حق إكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين: ومن لم يكن حفيظا ولا مسيطرا فليس بملك، لأن لوازم الملك السيطرة العامة والجبروت، سلطاناً غير محدود”. أثار الكتاب عاصفة كبيرة، وفي 12 آب 1925، اجتمعت هيئة كبار العلماء، وكان عدد أعضائها أربعة وعشرين عالماً، وأصدرت كتابا تأديبيا بقضي بإخراج الشيخ علي عبد الرازق من زمرتها، بعد أربعة أشهر من صدور “الإسلام” وأصول الحكم”. اتهم هذا البيان الكاتب بـ”جعل الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا”، كما أدان قوله بأن نظام الحكم في عهد النبي “كان موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجباً للحيرة”، وأن مهمة النبي “كانت بلاغاً للشريعة مجرداً عن الحكم والتنفيذ”. كذلك، اتهمت الهيئة الباحث بإنكار كون القضاء وظيفة شرعية، وقوله بأن الذين خلعوا هذه الصفة على القضاء، “جعلوه متفرغاً عن الخلافة، فمن أنكر الخلافة أنكر القضاء”. جُرّد الشيخ علي عبد الرازق من عمامته، فسافر إلى أوروبا، وكتب من باريس في 21 تشرين الأول 1926 مقالة في “وداع العمامة” نشرتها مجلة “السياسة” التي كان يصدرها “الأحرار الدستوريون”، وفيها ردّ على منتقديه وقال: “ليس يزهدني في العمامة أن يتغير الذوق في الناس فيروا جمالها قبحاً وتشويها، ولا أنها كانت الرأس فاستحالت ذنباً، وكانت كمالاً فاستحالت عيباً، وكانت جلالاً فأمست هوناً”، “لكن يزهدني في العمامة ما هو شر من كل ذلك، وشر من كل شر. يا لقومي حملوا العمائم ولم يكونوا لها أهلاً، فأضاعوا كرامتها لأنهم ليست لهم كرامة، وأضاعوا حرمتها لأنهم ليست لهم حرمة، ضيّعوها وكانوا مفسدين. لم يضيّع العمامة قوم يستبدلون بها غيرها، وإنّما ضيّعتها تلك الرؤوس تحملها وليس لها موضعاً، فتنزلها منازل الضعة، وتهوي بها إلى مطارح الهوان. ألا فخذوا بحق العمائم من تلك الرؤوس إن كنتم فاعلين، وعندها فالتمسوا الثأر يا حماة العمائم”. بعد ربع قرن، عاد علي عبد الرازق إلى مشيخة الأزهر، ودخل من جديد “زمرة العلماء”، ثم عُيّن وزيرا للأوقاف، كما شغل عضوية مجلس النواب ومجلس الشيوخ ومجمع اللغة العربية، وهكذا خرج من المعركة التي أشعلها منتصراً. أشار طه حسين في مقالته إلى هذا الانتصار، ورأى فيه انتصاراً للدولة المدنية، فبعد مرور عشرين سنة على صدور كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، “لم يعد أحد يعتقد أن الخلافة نظام ديني، حتى بين الذين أدانوا علي عبد الرازق من قبل”، ودخل صاحب “الإسلام وأصول الحكم” مجلس الشيوخ، وارتقى أخوه مصطفى منصب شيخ الأزهر الأكبر، و”توطد بصفة نهائية انتصار حرية التفكير والتعبير في العالم الإسلامي“.[/rtl] [rtl] زمن آخر[/rtl] [rtl] نستعيد هذه الأحداث اليوم كأنها من زمن آخر ومن بلد آخر ومن ثقافة أخرى. عادت مصر إلى عصر ما قبل الأفغاني والكواكبي، وبات محمد عبده رمزاً لثورة مرجوة لا لثورة ناقصة تجاوزها الزمن كما ظنّ طه حسين عام 1934. عاد الخطاب الديني بقوة وسيطر على النفوس والعقول والقلوب، وباتت الثقافة التنويرية في الظل. في عام 2006، نشرت “روز اليوسف” حواراً مع مع مرشد جماعة “الاخوان” محمد مهدي عاكف يكشف عن عمق هذا التحول. في هذا الحديث، أقرّ المرشد بأن لا مانع لديه أن يحكم مصر غير مصري طالما كان مسلماً، وأضاف: “طز في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر”. وبٌث هذا الكلام بصوت صاحبه على التلفزيون المصري في برنامج “البيت بيتك” مساء السادس من نيسان. في العام الفائت، عاد محمد مهدي عاكف إلى الشاشة، وأضاف الى رصيده “طز” جديدة في حديث مع الأعلامي طوني خليفة حيث صرّح: “من لا يقبل الحكم الاسلامى الذى جاء به الشعب، طز فيه“.[/rtl] [rtl] في 25 تشرين الثاني 2011، هبّت الثورة ولاح في الأفق أمل جديد، غير أن الصورة تلّبدت بسرعة. سيطر الإسلاميون ديموقراطياً على مجلس الشعب ومجلس الشورى، وهيمنوا على الحكم مع وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة. قبل انعقاد جولة الانتخابات الرئاسية الأولى، كتب أيمن عثمان في “ألأهرام”: “التحول القادم لا محالة. سيختلط فيه الدين بالسياسة، وهو ما يخشاه الجميع، فالشواهد تدلنا على أن الليبيرالية لم تعد ذات ثقل، على الأقل بالنسبة لرجل الشارع العادي. فهل نجحت الثورة في تأسيس بنيان لديكتاتورية سياسية دينية؟ أم أن الأيام القليلة القادمة تخبئ لنا شيئا جديدا بعيدا عما يجيده هذا الفصيل أو ذاك، من حسابات؟”. صعد “الأخوان” إلى الحكم، وعلا الخطاب السياسي الديني السافر، وتجلّى ذلك بشكل لا لُبس فيه في معركة كتابة الدستور الجديد وتثبيته. بعد مرور سنة على تسلّم محمد مرسي الحكم، خرج ملايين المصريين من جديد إلى الشارع في نهاية شهر حزيران مطالبين بإسقاط الرئيس، وفي الثالث من تموز، أعلن وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي انهاء حكم مرسي وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور.[/rtl] [rtl] ظهر الفريق عبد الفتاح السيسي على الشاشة في حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية القبطية البابا تواضروس الثاني. في هذه الصورة الجامعة، حضرت سكينة فؤاد كممثلة للمرأة المصرية، كما حضر الأمين العام لـ”حزب النور” السلفي المهندس جلال مره، ممثلا الإسلاميين، وظهر التنافر واضحاً في هذا المشهد. بدت سكينة فؤاد كأنها آتية من “الزمن الجميل” الذي مضى، وبدا جلال مره شاهداً لتبدّل الأحوال في مصر. كان الأمين العام لـ”حزب النور” واضحاً في مواقفه، فتحفظ عن الغاء الدستور الحالي، ووافق فقط على تعطيل العمل به إلى حين اجراء التعديلات المطلوبة، من دون أي مساس بالمادتين 2 و219، وأعلن ان المساس بهما سوف يكون سبباً في خروج أربعين مليون مسلم إلى الشارع، وفي مقدمهم قيادات “حزب النور”. سقط مرسي وفشل “الاخوان” في العودة إلى السلطة، غير أن الصراع الدائر بين الهوية والإنتماء إلى الدين ظل محتدماً، وكأننا في المربّع الأوّل. تجّددت معركة الدستور، وتجدد الجدال السقيم حول المواطنة والدين، وتجدد البحث عن الصيغة التلفيقية التي تجمع بينهما.[/rtl] [rtl] الدولة الوطنية[/rtl] [rtl] في هذا الخضم، وجه نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي انتقادات شديدة لـ”لجنة الخمسين” المكلفة مراجعة المقترحات التي وضعتها “لجنة العشرة” من الخبراء الدستوريين لتعديل الدستور، واعتبر أن العاملين على مراجعة الدستور هم في الواقع “أشخاص لهم انتماءات سياسية وفكرية وحزبية واضحة غاية الوضوح، معروفة بالليبيرالية والليبيرالية المتطرفة، واليسارية واليسارية المتطرفة، شديدة العداء لكل ما هو إسلامي”. في المقابل، استعاد حمدي رزق عبارة “طز” التي التي اطلقها مرشد “الإخوان” الاسبق مهدي عاكف في وجه من يتحدثون عن هوية مصر، وتساءل في مقالة نشرتها “المصري اليوم”: “هل تعيدنا الثورة إلى المسار الصحيح؟ المصريون اليوم لن يقبلوا بـإخوان أو إسلاميين يتبنون نهج الفرقة بين الدولة الوطنية وتصورهم للدين الإسلامي، كما لن يقبلوا بإعادة إنتاج تاريخ الفشل الذي عانوه مع ممارسات الدولة الشمولية، حين حصرت دورها في حراسة الهوية المصرية في دور عسكري الشرطة، ذلك العسكري الذي أصبح أيقونة الدولة البوليسية، التي ثار عليها المصريون!”.[/rtl] | |
|