انتهت المحاضرة في جامعة عربية.
جاء الطالب إلى طاولة "الدكتور" حاملاً أحد مراجع المساق؛ كان واضحا أنّ
الطالب قرأ فيه بتأنٍ! سأل "الأستاذَ": هل يمكن القول إنّ هناك اتجاهات
ومذاهب سياسية تُقدّم المجتمع والوطن على الفرد إلى درجة التضحية به، بينما
ترى اتجاهات ومذاهب أخرى أنّه من دون احترام الفرد لا تقوم الأوطان
والمجتمعات؟ وبدأ يسأل عن فلسفة جان جاك روسو التي تُعلي قيمة الحريات،
مقابل توماس هوبز الذي يرى العالم حرب الكل ضد الكل، والأفضل أن يستكين
الكل للحاكم لأنّ البديل شر مطلق، وربط بين هذه الفلسفة والفكر الفاشي
والنازي والشيوعي الستاليني.
كان سؤالا بريئا من طالب السنة الثانية في قسم العلوم السياسية، الذي
درس التخصص رغم معارضة الأهل. حدّق الأستاذ في وجهه، وسأله: من الذي قال لك
أن تسأل هذا السؤال؟ بُهِتَ الطالب من الرد/ السؤال، وأدرك أنّه تلميح إلى
أنّ حزباً سياسياً يوجهه، فطالما ألمح الأستاذ لهذا ردا على أسئلة الطالب
وآرائه المعارضة. حاول الطالب تجاهل "التهمة"، محاولاً إقناع الأستاذ أنه
يحاول فهم المادة، وأشار لكتاب العقد الاجتماعي عند روسو، فرد الأستاذ أنّه
من المبكر دراسة هذه الكتب والأفضل تركها للماجستير، ومضى من دون أن يجيب
عن السؤال!
سنوات طويلة مرّت، وتذكر الطالب الكتاب، وهو يحاول فهم من يؤيدون
النظام الحاكم في سورية. كانت الأمور واضحة بالنسبة له؛ فقمع الشعب وسجنه
وانتهاك حرياته وحقوقه تناقض أساسي يجعل الثورة حقا مشروعا. كان الأستاذ
مدعيا لليبرالية يؤيد النظام السياسي القائم بلا هوادة، ويقمع الطالب،
فيلمح لعلاقة حزبية محتملة! وهؤلاء الذين يؤيدون نظام دمشق هم في أحسن
الأحوال ممن يريدون الاقتناع أن القمع والديكتاتورية والجمهورية الوراثية
يمكن أن تكون عنوانا للمقاومة وحرية الأوطان! كيف تأتي السجون بالحرية؟!
وكيف تكون التقدمية جمهورية وراثية؟ لم يفهم! ولكنه حاول التماس العذر لبعض
المؤيدين!
شاهد التسجيل الموزع عبر الرسائل الإلكترونية لشخص يرمي أحمد الجلبي
بحذاء، والرسالة المرفقة توحي أنّ الجلبي كان يلقي خطابا في مؤتمر برعاية
حزب الله في بيروت دعما للمعارضة البحرينية. شعر بالحذاء يصفع وجهه هو ولم
يصدّق! هل يعقل أن الجلبي وحزب الله في سفينة واحدة؟! الذي جلب الأميركيين
إلى العراق، والمتهم بقضايا فساد وسرقة.. إلخ، مع الذين طردوا إسرائيل من
لبنان؟!
هو "المؤتمر الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين". لا يوجد ما
يدل رسميا على أنّه برعاية حزب الله، رغم الأدلة الظرفية، وإعلام الحزب
وتلفازه، والإعلام الإيراني قدما تغطية مكثفة ومروجة له، والجلبي هو "رئيس
المؤتمر العام لنصرة البحرين". وكان تلفاز الحزب يبث خطابه على الهواء
مباشرة. مشاركون، منهم مصري ولبناني احتجوا على وجود الجلبي واعتبروه
عميلاً للأميركيين، والجلبي يرد: "يسقط الجهلة.. يسقط عملاء صدام".
وضع "الشاب" يديه في جيبيه وبدأ يذرع الغرفة، ويفكر: أنا نفسي مستعد
للمشاركة في مؤتمر دعما للمعارضة البحرينية، وحق المواطنة للكل، وأنا لم
أحب أو أحترم يوما دموية صدام حسين، ولكن كيف يقف حزب الله مع الجلبي ومع
ثوار ليبيا رغم دور "الناتو" هناك، ثُم يعتبر ما يجري في سورية مؤامرة؟!
كيف نجد عذرا لهذه الازدواجية المؤلمة؟!
"شبكات" الأصدقاء المصريين ترسل سريعا تسجيلات من ميدان "ماسبيرو" في
القاهرة، تؤكد أن عربات الجيش هناك هي من هاجم ودهس المتظاهرين السلميين،
والمتحدثون العسكريون يتحدثون عن أصابع خارجية!
النخب العسكرية المتعاونة مع الغرب تدّعي الاعتدال ومحاربة إيران،
والأنظمة الشمولية تدّعي المقاومة ثم توافق أو تتعاون مع الهجوم الأميركي
في العراق وليبيا، وحيثما ومتى توافقت المصالح. وجهان لعملة واحدة!
أمسك مسطرة وقال: هل هناك مقاييس للحريات والحقوق والوطن أكبر من
مقاييس مصالح وأهواء المشايخ والسادة والضباط وأبناء السيد الرئيس؟! بحث عن
ذلك الكتاب الذي كتبه أستاذ مصري "عتيق" فلم يجده!
الخميس أكتوبر 27, 2011 5:11 am من طرف هذا الكتاب