بين المغرب وتونس.. دروس التحول
مصطفى الخلفي
2011-07-21 21:13:00
تفضي
متابعة تطورات المخاض التونسي وتحدياته إلى استخلاص سلسلة دروس حول
سيرورات التحول الديموقراطي في المنطقة، والتي بدون الانتباه إليها، فإن
مسار التطور الديموقراطي ببلادنا سيكون أمام خطر تكرار نفس الأخطاء التي
جعلت تونس تعيش تحت وطأة مخاطر الانزلاق نحو الفوضى، والعجز عن الإقلاع
والفشل في استئناف مسلسل التنمية والتحديث.
ولعل أهم هذه الدروس ما يلاحظ بشأن تطورات الموقف من الحركة الإسلامية
بتونس، والتي رغم ما سجلته من نضح ونكران للذات وحرص على تغليب المصلحة
الوطنية واعتماد سياسة الإصلاح المتدرج ورفض الدخول كطرف بديل لباقي
الأطراف، فإن موقف النظام السياسي المتولد ما يزال عاجزا عن التحرر من إرث
المنطق الاستئصالي، قد يضع تونس من جديد أمام نفق الصراع الوهمي والمفتعل
ضد التيار الإسلامي المعتدل. والمؤسف أن هذه الوضعية يمكن أن تؤدي إلى
إفقاد تونس عنصرا أساسيا في إنجاح التحول الديموقراطي، والدخول في حالة
مراوحة وتردد، إن لم نقل تراجع عن المسار ديموقراطي.
لقد شهدت تونس تحولا في رأس النظام السياسي والحزبي، دون أن يفضي ذلك
إلى انهيار الدولة، وكان لموقف الحركة الإسلامية الداعم لاستمرار الدولة
في بنياتها الاستراتيجية غير السلطوية والاستبدادية دور حاسم في عدم تحول
تونس إلى صومال جديدة في المنطقة. إلا أن موقف خصوم الحركة الإسلامية سار
في الاتجاه المضاد، أي نحو التعاطي مع هذا الموقف بانتهازية، والسعي إلى
الإلتفاف على خيار الإصلاح الديموقراطي عبر العمل على صناعة وهم الخطر
الإسلامي، وتأجيج التوتر بين الإسلاميين والعلمانيين، والاستهانة بالموقف
الاستراتيجي للحركة الإسلامية لمصلحة الاستقرار والإصلاح، وهو ما بدأ يهدد
بوضع تونس من جديد أمام خطر الفوضى والانهيار، والذي تُقدم أحداث العنف
المدانة الأخيرة فيها مؤشرات دالة عنه.
أما في المغرب فإن التعاطي المستهين مع اعتراضات التيار الإسلامي
المشارك، وخاصة فيما يتعلق بالضمانات التي تجعل الانتخابات القادمة نزيهة
وشفافة وذات مصداقية، بل ومؤدية إلى تعزيز الثقة في مسار التحول
الديموقراطي، ومنتجة لنموذج مغربي حقيقي في الجمع بين الإصلاح والاستقرار،
والأكثر من ذلك العودة إلى استعمال الآليات التي شهدتها الاستحقاقات
الانتخابية السابقة من بناء لموقف سلبي متوجس ومناهض للحركة الإسلامية، كل
ذلك يهدد بإدخال المغرب في حالة مراوحة وتردد تشبه ما يقع في تونس.
لقد مكنت المراجعة الدستورية من ولادة تعاقد جديد جعل من التيار
الإسلامي المشارك في الحياة المؤسساتية شريكا مندمجا وفاعلا في كسب رهان
الإصلاح، وقوة ضاغطة في مواجهة كل مخاطر الاستهداف أو الإرباك أو الإجهاض،
والمؤكد أن تتويج نتائج هذا التعاقد سيتحقق بالانتخابات القادمة، وأي
ااستهانة بدورها في بناء المغرب الديموقراطي الجديد ليست سوى ضربة جسيمة
للتعاقد التاريخي الكفيل بإخراج المغرب من مخاطر التفكك والتجزئة والفوضى.
Partager