تداعى الإخوة المعلّّقون على مقالة الأستاذ صادق جلال العظم المعنونة "
الدولة العلمانية والمسألة الدينية: تركيا نموذجاً"
لخلق نقاش حول التجربة التركية وإمكان تطبيقها في العالم العربي. ويمكن
تقسيم الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش هنا إلى صنفين : موضوعات نظرية
تحليلية وموضوعات عملية تطبيقية. يحاول الصنف الأوّل تحليل الحالة التركية
والحالة العربية مفكّكاً الحالتين إلى مكونات تنضوي تحت عناوين النهضة
(بكلّ أشكالها) والحداثة وعوامل قيامهما، الدين والدولة وعلاقتهما،
ومعايير الفشل والنجاح (وصعود نجم دول وأفول نجم أخريات). بينما يحاول
الصنف الثاني الوصول إلى "توصيات" يمكن اتباعها لتحقيق النهضة وإحراز
النجاح استناداً إلى نتائج الصنف الأوّل. ما يوصف بنجاح التجربة التركية
يشغل بال المحللين السياسيين والاقتصاديين العرب وكلّ المهتمين بالشأن
العربيّ من مثقّفين وباحثين وغيرهم. وقد تساءلتُ عن سبب هذا الاهتمام،
خاصة أنّ تجارب خلت (أو لا تزال تتنفّس) كالهندية والصينية والأندونيسية
والماليزية لم تثر أيّ ضجيج يُذكر في عالمَي التنظير والتطبيق. ولعجزي عن
تقديم أيّ جواب لهذا التساؤل قلت مازحاً " يمكن أننا كنا نعتبر الأتراك
أشقّاء في الفشل، أو لأننا نعتقد أنّ الصلة التاريخية بيننا قد تجعل
التجربة التركية ممكنة في العالم العربي". ولا يخلو هذا المزاح من تحليل
وتركيب. فقد تكون للفشل أسباب جينية وراثية تجعله يسكننا وتجعلنا نسكنه
ونصبح به مع آخرين أشقاء وأولاد عمومة. وباعتبارهذه الأخوّة في الفشل، فقد
نستطيع تحويلها إلى أخوّة في النجاح. المهمّ أن "نعرف من أين تؤكل الكتف".
فإذا عرف الأتراك الوصفة السحرية فهناك أمل لنا في أن نعرفها أيضاً. ألا
تلخّص هذه المقولة الهمّين معاً، النظريّ والعمليّ، أي "معرفة" من أين
"تؤكل الكتف"، تباعاً؟.
لكن مهلاً، أليست كلّ
المقالات في الأوان (أو أغلبها) تعالج أحد هذين الموضوعين؟ مقالة الأستاذ
صادق جلال العظم تحلّل حالة تاريخية وصفتها بالنجاح وتعطي توصيات عملية قد
تنفع في دفع الحالة العربية في المسار نفسه. ومقالة الأستاذ عبد السلام
بنعبد العالي "
ترميم مستمرّ لفتق متجدّد"
تلخّص لنا هموم عبد الله العروي بخصوص ما يجب معرفته وما يمكن معرفته (أي
تحليله) وكيف يمكن معرفته فيما يخصّ الحالة المغربية. ومقالة ليدي فورنياي
"
بين الديمقراطية والاستبداد : هل نتّجه نحو أنظمة هجينة"
(ترجمة المنتصر الحملي) نصّ مدرسيّ في العلوم السياسية المغرمة بإنتاج
تصنيفات وتسميات للأنظمة السياسية القديمة والجديدة واقتراح أنظمة "خليطة"
بغرض التنبّؤ، وكأنّ الأنظمة السياسية عمليات جمع وطرح لأنماط نظرية
جامدة. ومقالة الأستاذ جورج طرابيشي "
من النبيّ الأمّي إلى النبيّ الأممي"
تحطّم الأيقونات القديمة باستخلاص معرفة جديدة من الكتب القديمة ذاتها
التي يعتمد عليها الفكر الديني في اختصار الممكن المستقبلي إلى إمكانية
واحدة هي استنساخ الماضي. فهي إذاً مقالة تنتج معرفة وتفسح المجال لأفق
أعرض في تركيب المستقبل.
يبدو أنّ إنتاج التحليل والتركيب أحد هموم الأستاذ بنعبد العالي المحورية فنراه يفكّر بصوت عال في مقالته "
في امتداح ثقافة الفشل" معتبراً "الفشل" حالة ضرورية لإنتاج المعرفة. وكأنه يتابع سلسلة أفكاره التي بدأها في مقاله المعنون "
تاريخ الفلسفة وتاريخ الأيديولوجيات"،
حيث ميّز بين المعرفة الأيديولوجية (وأسمّيها التركيبية لأنها تسعى إلى
تغيير الواقع) والمعرفة الفلسفية (وأسميها التفكيكية لأنها تسعى إلى فهم
الواقع أكثر مما تسعى إلى تغييره). وقد طرحت في تعليق لي على المقالة
الأولى الفكرة التالية : "الفكر العربي الآن بأمسّ الحاجة إلى التفكيك
لكنّ أغلب المفكّرين يفكّكون ويركّبون في ذات الوقت لأننا في مرحلة صراع
فكريّ مع أيديولوجيات ثيوقراطية شمولية. فترى الكاتب أو الكاتبة يفكّك
الخطاب الإسلاموي أوّلاً (أو العقل الإسلامي أو العقل العربي) ثم يركّب
مقابله كضدّ له الخطاب العلماني أو العقلاني أو الليبرالي أو الحداثي. ولا
أعتقد شخصياً بأنّ هذه الثنائية ستقود الفكر العربي نحو آفاق أوسع. لذلك
أقترح أن يقوم نقاش يحدد معالم الأيديولوجيا (أي التركيب) وأدواتها." وها
أنا أبدأ هذا المشروع (أصول التفكيك والتركيب) بعد مقدّمة مطوّلة تجعله
جوهر العمل الفكريّ بشكل عامّ (النظري والتطبيقي).
فكيف إذاً نبني النظرية الشارحة (التفكيك)؟ ثم كيف نستخدمها للتأثير في المحيط (التركيب)؟
إنّ مجال عملنا هو المجتمع الإنساني الذي يختلف اختلافاً جوهرياً عن
العالم الطبيعي (الفيزيائي) بسبب وجود القوّة الفاعلة ذاتياً. فالذرّات
وكلّ تظاهرات المادّة أو الطاقة تخضع لقوانين طبيعية دون أن يكون لها رأي
في ذلك ودون أن يكون لها خيار أو قرار (مسيّرة وليست مخيّرة). أما
الإنسان، العنصر الأساسي في العالم الاجتماعي، وكل مظاهره من جماعات
ومؤسّسات، فهو خاضع وفاعل (مسيّر ومخيّر) في الوقت ذاته، مما يجعل وجود
قوانين ثابته لهذا العالم الإنساني أمراً مستحيلاً. إنّ وجود قوانين أزلية
ثابتة للطبيعة يعني أن الإنسان كان سيصل إليها عاجلاً أم آجلاً. ولا أثبَت
لهذه المقولة من عمل كوبرنيك نفسه. رجل الدين هذا وصل إلى الوصف الصحيح
للنظام الشمسي ليس بالاستعانة بالتجربة والملاحظة والاستقراء، بل باستعمال
الفكر الفلسفي القديم الذي نشأ عليه الذي يؤمن بكمال الكون الذي خلقه
الإله الكامل، والكمال هنا يعني رياضياً الحركة الدائرية والنسب الهندسية
الثابتة. فما كان عليه إلا أن يضع الشمس في مركز النظام الكوني البطليمي
حتى تصبح المسألة أبسط، والبساطة بالنسبة له علامة من علامات الكمال. أي
أن الثورة العلمية قامت على صدفة وتفكير غير علمي (حدس في أفضل وصف). أما
دراسة المجتمع الانساني فلن تنفع فيها الصدفة الخلاقة كثيراً لعدم وجود
قوانين أزلية تحكم هذا المجتمع. فما العمل إذاً؟
في هذا المجتمع عنصر موجود منذ عصور بعيدة ألا وهو الإنسان العارف. إنّ
بنية دماغ هذا الإنسان فيها كثير من الثوابت (وكثير من المتحوّلات). تكوين
العصبونات الدماغية ثابت وكذلك سيرورة عملها، لكن التغيير يطرأ على عددها
ومدى نشاطها وتشابكها. والشكل العام للدماغ وأقسامه المتخصّصة ثابت، لكنّ
التغيّر يطرأ على مدى جودة كلّ قسم في عمله وعلى كثافة الاتصال بين هذه
الأقسام. إن العمليات الكيماوية التي تقوم بها العصبونات محدودة، فهي
كأصوات الإنسان وأحرفه الأبجدية محدودة في عددها لكنها لانهائية في
تركيباتها. وهنا ننتقل إلى أوّل مستوى من مستويات التجريد، أي من الكيمياء
إلى الرمز. وأوّل الرموز هي الصورة الذهنية. يعتقد البعض أن الحاسوب يعمل
بالواحدات والأصفار وهذا وهم، فهو دارة كهربائية تتعامل بالفولتات
والأمبيرات. لكننا نستطيع أن نحصر الترانزيستور (المكوّن الأوّلي للدارة)
في حالتين مستقرّتين (أي يمكن القعود فيهما إلى ما لا نهاية) : حالة
الإشباع وحالة الفقر. وبهذا يمكن ترميز الحالة الإلكترونية بحالة جبرية
فالإشباع يمثل الواحد والفقر يمثل الصفر. وكان من المعروف أن الرياضيات
الجبرية ممكنة بأبجديات أساسها رقمان أو ثلاثة أرقام أو ثمانية أرقام أو
عشرة أرقام (وهناك أبجديات أخرى). ومن أبجدية الرقمين ننتقل إلى لغة
الأحرف المعروفة حيث يرمز لكل حرف بمجموعة مختلفة من الواحدات والأصفار،
وهكذا. ويمكن أن نجد في عمل دماغ الإنسان مستويات متتعددة من الترميز حتى
نصل إلى الفكرة والمصطلح والمفهوم، ومن ثمة اللغة والفلسفة والفكر
الإنساني بكل أشكاله.
أي أن عقل الإنسان (مستوى الترميز الأعلى من الدماغ) يعتمد أيضاً على
حالات مستقرة كيماوياً لعصبوناته وإلا لما أمكن الترميز. وفي كل مستوى من
مستويات الترميز هناك حالات مستقرة تسمح بالارتفاع إلى مستوى أعلى من
الترميز. لو لم يكن هذا الاستقرار موجوداً لما أمكن وجود الفكرة، ولعام
الدماغ في بحر من الحالات المقلقلة التي لا تستقرّ. إذا ً الدماغ
يحوي بنيات مستقرّة يمكن أن تستخدم في إنتاج بنيات أخرى أكثر تعقيداً.
ونلاحظ هذا الحراك والاستقرار في كثير من الأنظمة الديناميكية. وقد شاعت
دراسة هذه الأنظمة في العلوم الإجتماعية مع صعود نجم نظريات الفوضى ودراسة
الأنظمة المعقدة في الرياضيات. إذاً ليس في عالم الإنسان قوانين ثابتة
وإنما توجهات ثابتة نحو خلق بنيات مستقرة. وهذا ما يجب أن نحاول إلتقاطه
في دراستنا لأية ظاهرة إنسانية أو اجتماعية. ما هي العناصر المتشابكة في
معادلة حراك؟ وإلى أية حالة مستقرة سيقود هذا الحراك؟ وهل تستطيع الحالة
المستقرة أن تكون عنصراً فاعلاً في حراك أوسع يسعى نحو حالات مستقرة أعمّ؟
فما معنى التحليل؟ وكيف نحلل الظاهرة التركية مثلاً؟ التحليل هو الكشف عن
العناصر التي تعبر تعبيراً كاملاً عن الظاهرة المدروسة وعن معادلة الحراك
التي تجمع هذه العناصر في كلٍ متغيرٍ (أي العلاقات) يسعى نحو حالة استقرار
(أو عدة حالات). وعندما تساير المعادلة في تغيرها الظاهرة المدروسة نعرف
أننا نمشي على الطريق الصحيح. وما الانتفاضات التفكيكية التي نراها اليوم
إلا انتباه إلى أن معادلاتنا السابقة لم تعد تعبر عن الظاهرة المدروسة أو
أنها لم تعبر عنها أبداً. فالمعادلة إذا هي عناصر مكونة وعلاقات رابطة.
فما هي المعادلة التركية؟ هنا قد نلجأ للنظريات المختلفة لتقودنا في بحثنا
عن العناصر والعلاقات. فالماركسية توجهنا إلى الطبقات والصراع الطبقي،
ووسائل الإنتاج وملكيتها. ملكية وسائل الإنتاج والوعي الطبقي يحددان مدى
استقرار هذه البنية التي نسميها الطبقة، والطراع الطبقي ما هو إلا صراع
لامتلاك وسائل الإنتاج أو القيمة الزائدة التي تخلقها قوة العمل ووسائل
الإنتاج. هذا الصراع هو الوجه الوحيد للحراك، وهو يسعى إما إلى سيطرة
رأسمال أو إلى سيطرة الطبقة العاملة. وفي الحالة الثانية تتغير المعادلة
إلى تلك المعبرة عن المجتمع الشيوعي. لكن ماركس في حماسه لحتمية الحراك
الذي يصفه ينسى أن يشرح لنا كيف تقود حالة استقرار إلى بقاء المعادلة
وحالة أخرى إلى زوالها. لقد نسي أن يُدخل العامل الأهم في العالم
الإنساني، أي قدرة الإنسان على الخيار. فالمعادلة إذا ليست ثابتة وإنما
تتغير ببطء نتيجة تراكم الخيارات الفردية والجماعية. والحقيقة هي أن
العناصر المكونة والعلاقات الرابطة هي مجاميع لأفعال إنسانية (الوسط
الحسابي هو أبسط هذه المجاميع) تغيّب الفعل الفردي الذي يحت دائماً في
بنية المعادلة وعناصرها وعلاقاتها. هذا الخيار الفردي العشوائي (حين ننظر
إلى الجماعة ككل) يشكل خطراً يهدد الوضع الراهن (أي المعادلة الراهنة)،
ولذلك نسعى إلى تأطير هذا الخيار وتوجيهه كما يوجه المغناطيس حبيبات
الحديد في الرمل المنثور أو الإبر المنثورة على صفيحة ورق بيضاء. إن أحد
أهم وظائف الأيديولوجيا هي الحد من احتمالات الخيار الفردي حتى تبقى
المعادلة على حالها وحتى تخف حدة عشوائية التغير الطارئ على المعادلة
وعناصرها وعلاقاتها.
هناك طرق أخرى للبحث عن العناصر والعلاقات الرابطة. وأسوأ ما تقدمه أية
نظرية هو رزم جاهزة من المقترحات الخاصة بالعناصر والعلاقات. وهنا قد
تتحول النظرية إلى أيديولوجيا تفرض علينا فهماً معيناً للظاهرة المدروسة.
فالقومية تفرض عنصرين لا ثالث لهما "ابن العم" و"الدخيل". والعلاقة التي
تقوم بين أبناء العم هي الأخوة والتعاضد والتضحية بالنفس، والعلاقة التي
تقوم بين أبناء العم والدخيل هي العداء بدعوى سرقة الممتلكات أو تقويض عرى
الرابطة القومية بغرض الإستعلاء والإخضاع.
طبعاً الأيديولوجيات تقدم للمؤمنين أكثر من معادلة مبسطة لشرح الحالة
(التي هي دائماً بالنسبة للقومية مثلاً حالة طوارئ ومؤامرة خارجية). إنها
تقدم منهاجاً للتحكم بهذه المعادلة وتوجيهها نحو مستقر لها يتناسب مع
الرؤية المستقبلية لهذه الأيديولوجيا. إذا الأيديولوجيا هي معادلة شارحة،
رؤية مستقبلية لحالة الإستقرار التي يجب أن تذهب إليها المعادلة، ومنهاج
للتحكم بالمعادلة حتى تصل إلى غايتها. المعادلة الشارحة هي العنصر
التحليلي في الأيديولوجيا وهو عنصر بسيط وجذاب ببساطته. أما الرؤية
المستقبلية ومنهاج التحكم فهما العنصران التركيبيان في الأيديولوجيا،
ولهذا وصفتُ الأيديولوجيا بأنها تركيبية. أما التحليل الخالص النقدي
النظري المفكك فلا يتعدى حدود بناء المعادلة. لكن هذا التقسيم لا يمنع أن
يمارس الإنسان التفكيك والتركيب، لأننا فاعلون في المجتمع بخياراتنا ومن
المفيد أن يكون لدينا هدف ومنهاج. فهل نترك الهدف والمنهاج للأيديولوجيات؟
ما أقترحه هنا هو طريقة منظمة وواعية لذاتها غرضها التحليل والتركيب، وهذا
ما عنيته بالعنوان "جدال النظرية والتطبيق". وفي مقالات لاحقة سأفصّل
أدوات وطرق التحليل والتركيب التي أعتمد عليها في حياتي الفكرية والعملية.
إنه من الممكن إيجاد تحليلات (أي معادلات) تفوق بتعقيدها وقدرتها
التعليلية كثيراً من النظريات الجاهزة وبطريقة منتظمة ومحمولة (أي يمكن
تطبيقها على أية ظاهرة إنسانية). إنه كذلك من الممكن اختراع مناهج تركيب
لا تتحجر في أيديولوجيات ومبادئ (ثوابت) جامدة. وبهذا نقضي على فكرة
الفراغ الأيديولوجي وهذا الإحساس الطفولي بالضياع حين تتحطم أيديولوجيات
الخلاص بحتميتها التاريخية وفانتزيتها المستقبلية ومناهجها الجامدة التي
تناسب كل المقاسات والحالات (أو هي تزعم ذلك). وإليكم الحقيقة المرّة لا
يوجد نظام ليبرالي أو شمولي أو ثيوقراطي أو شيوعي أو رأسمالي أو إسلامي أو
ديمقراطي أو ديكتاتوري. ولا توجد حداثة أو تنوير أو سلفية أو إنسانية أو
عولمة. هذه كلها أيديولوجيات أو مفاهيم أيديولوجية نستخدمها كأدوات تحليل
(وحري بنا أن نحللها بدل أن نستخدمها)، وهي لعمري مشاريع خيالية وأدوات
تركيب. وما أشبهها بصور أفلاطون المثالية التي لا نرى على الأرض إلا
ظلالاً مشوهة لها تصنعها أضواء الفانتازيا المستقبلية الخاصة بكل
أيديولوجيا.
نهاية، إن دراسة المعادلة التركية ليست إلا بداية لدراسة المعادلة العربية
بطريقة المقارنة، وهي إحدى طرق التحليل إذ أن المقارنة تلفت انتباهنا إلى
عوامل لا نراها لأننا نعيش في خضمها. ولا أعتقد أن العناصر الفاعلة في هذه
المعادلة ستكون نفسها في المعادلة العربية. هذا إذا كانت هناك معادلة
عربية واحدة. وأنا أعتقد بوجود معادلات عربية متعددة، فالدول القطرية
تضعِف التواصل مع الخارج وتكثف التواصل مع الداخل فتتشكل عناصر وعلاقات
تختلف من بلد إلى بلد. وليس هذا من دواعي الأسى لأننا إذا تحررنا من
الأيديولوجية القومية نتحرر كذلك من معايير الفشل والنجاح التي تفرضها
رؤيتها المستقبلية فتنفتح أمامنا آفاق احتمالات جديدة تغير معنى النجاح
والفشل.