بن عبد الله مراقب
التوقيع :
عدد الرسائل : 1537
الموقع : في قلب الامة تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | [ النظرية والمنهج التجريبي: تعاريف أولية ] [ علاقة النظرية بالواقع ووظائفها ] [ معايير صلاحية النظرية ] | |
لنبدأ أولا بتعريف عام وبسيط للنظرية باعتبارها تصورا فكريا يوحد وينسق بين عناصر ومعطيات جزئية. ورغم التقدير السلبي الذي توصم به النظرية مقارنة بالممارسة والتجربة والخبرة خصوصا إذا تعلق الأمر بالمهارات اليدوية, فإن تعريفنا الأولي للنظرية يظهر صلتها الوثيقة بالممارسة : لأن أي فعل بشري مهما بلغت درجة بساطته يحتاج إلى تصور فكري يواكبه وأحيانا يسبقه ليحدد أجزاء هذا الفعل وترتيبها وغايتها , بحيث لاغنى للممارسة عن النظرية. وبهذا المعنى كتب ابن خلدون في "المقدمة" قائلا: " الأفعال منها منتظم مرتب وهي الأفعال البشرية...ذلك لأن الفكر يدرك الترتيب ببين الحوادث بالطبع أو بالوضع, فإذا قصد إنسان ايجاد شىء ما فلأجل الترتيب بين الحوادث لابد أن يتفطن بسببه أو علته أو شرطه وهي على الجملة مبادؤه إذ لايوجد إلا ثانيا عنها". وقد وقف الأنثربلوجي مالينوفسكي أيضا في دراساته لبعض المجتمعات البدائية على هذا التلازم الوثيق بين النظرية والممارسة. ولكن هذا التلازم لاينفي ضرورة انفصال النظرية العلمية مثلا عن الممارسة التي تغدو في هذه الحالة عائقا ابستملوجيا لإرتباطها بالمنفعة وبالعادة والميول والحس المشترك . ولكن إذا كان التقابل المركزي المكون لإشكالية النظرية على ما يبدو هو التقابل نظرية/ ممارسة، تجربة، واقع.. فإن هذا التقابل لايأخد كامل معناه وغناه الإشكالي إلا ضمن مجال خاص وهو المجال العلمي.وعليه لابد- بداية- من تحديد بعض دلالات النظرية العلمية وكذا المنهج التجريبي المعتمد إلى حد بعيد ضمن الممارسة العلمية.
النظرية والمنهج التجريبي: تعاريف أولية :
قبل تعريف النظرية, لا بأس من التعرف ولو على مثال واحد لنظرية علمية. ففي نص: "قانون الثقل كنموذج للقانون الفيزيائي" مثلا يمكن الوقوف على نموذج ملموس للنظرية العلمية ووصف للمراحل التي قطعها العلم قبل التوصل مع نيوتن إلى قانون التثاقل المعبر عن مبدأ أو نظرية "الجاذبية العامة". كما يمكن إدراك علاقة الإحتواء والتركيب بين هذه النظرية والقوانين التجريبية الفيزيائية والفلكية وأيضا المفاهيم العلمية التي صاغها كبلر و غاليلي و نيوتن نفسه. وأخيرا فالنص يكشف أيضا ضمنيا عن مساهمة كل من القوانين والملاحظات الإمبريقية من جهة والتأمل العقلي من جهة أخرى. يقول صلاح قنصرة في كتابه "فلسفة العلم": " تعد النظريات العلمية التتويج النهائي للمنهج العلمي. فكل ما يهدف إليه المنهج العلمي نجده دوما في النظرية العلمية, إنها تنظيم الوقائع والمفاهيم والفرضيات والقوانين في سياق واحد ملتئم, بل إن وجودها متضمن بصورة أو بأخرى في كل واحدة منها (...) إنها الإطار الفكري الصريح الذي يربط بين هذه العناصر ولا يصرح به إلا بعد تحققه بالشواهد التجريبية, غير أنها تظل فرضا واسعا حتى وإن لم يتح لها هذا التحقق. وبحكم اشتقاقها من اليونانية (theoria) فهي تعني التأمل, وليست بالتالي نتيجة مباشرة من معطيات الواقع, ولا تنبثق من ذاتها من البحث التجريبي, بل بوصفها حلولا عقلية لمشكلات مثارة, كما أنها تقدم الأساس الذي ستحدد بمقتضاه الأسئلة التي سيجاب عنها. ويفترض في الحلول التي تقدمها النظرية أن تكوِن نسقا منطقيا متآزرا من شأنه أن يجعل الوقائع العلمية وسائر الخطوات والعناصر جزءا من المعرفة العلمية المقبولة ".(بتصرف)
أما المنهج التجريبي فيقصد به مجموع الخطوات المتبعة في الممارسة العلمية, وهي كما حددها كلود برنارد:
-الملاحظة: وتمثل اللقاء الأول للعالم بموضوع دراسته, بحيث يتعرف على الظاهرة ويحصر أبعادها ومكوناتها وخصائصها التي تهمه. وقد تكون هذه الملاحظة مجردة أو مجهزة بإستعمال أدوات تعتبر إمتدادا للحواس.
-صياغة الفرضية: إنها مقترح لتفسير الظاهرة وإقامة علاقات بين عناصرها ومتغيراتها.
-التجريب: هو ملاحظة ثانية أو عودة إلى الظاهرة بهدف فحص الفرضية المقترحة. وغالبا مايلجأ العالم إلى وضع ظاهرته ضمن شروط خاصة أو إضافة أو حذف عناصر منها أو تعديل موقعها ومقاديرها ليتسنى له التأكد من صحة العوامل التفسيرية المقترحة.
-الإستنتاج أو صياغة القانون: في حالة التحقق الإيجابي من الفرضية, تصبح قانون علميا قابلا للتعميم. أما في حالة التحقق السلبي, فيتعين إعادة النظر في الفرضية أو في الشروط التجريبية.
===> من خلال التعاريف السابقة, يمكن طرح الأسئلة التالية: أين تقع النظرية من المنهج التجريبي ؟ أفي بدايته أم نهايته وماوظيفتها ؟ ما علاقة النظرية بالواقع؟ وما دور كل من الفكر والواقع في صياغتها؟ ماهو معيار أو معايير صلاحية النظرية؟التحقق التجريبي وحده أم النسقية والتماسك المنطقي أيضا؟
علاقة النظرية بالواقع ووظائفها:
إذا كانت النظرية ربطا لنتائج بمبادىء, فمن أين تستمد النظرية هذه المبادىء: من الواقع أم من الفكر, من التجربة أم من العقل؟ ماعلاقة النظرية بالواقع الذي تسعى إلى تفسيره؟ أهي صورة بعدية مطابقة أم إنشاء عقلي يستبق التجربة ويحدد إمكان قيامها؟ يمكن إختزال أجوبة هذه الأسئلة في تصورين رئيسيين: الأول لايرى في النظرية سوى تركيب بعدي لمعطيات ونتائج التجربة, بينما يعتبر الثاني النظرية بناءا وشرطا لإمكان قيام التجرية نفسها.
التصور الإمبريقي الوضعي:" | تعتبر النزعة الإمبريقية كما نجدها لدى مؤسسي المنهج التجريبي أمثال كلود برنارد (1813-1878) وبشكل خاص لدى الوضعيين الجدد أمثال كارناب أن التفسير العلمي ليس شيئا آخر غير إعطاء وصف مسهب ودقيق للظاهرة المدروسة وليست النظرية سوى خلاصة أو وصف لمجموعة من القوانين أو النتائج المستخلصة من الواقع بواسطة التجارب ولا قيمة أو وظيفة لها سوى تحليل وترتيب معطيات الملاحظة. هذا يعني أن العمل العلمي يبدأ مع خطوة الملاحظة التي يتوقع أن توحي للعالم بالفرضية المفسرة, وبالتالي فالكلمة الأولى والأخيرة للتجربة والملاحظة والوقائع. إن النظريات تستخلص من الظواهر, وعلى الفيزيائي مثلا أن يمارس تفكيره على الظواهر دون اللجوء إلى فرضيات متخيلة, فلا يتدخل أي استباق للتجربة: عليه أن ينصت للتجربة ويكتب إملاءاتها كما ينصحه كلود برنارد في كتابه:"مدخل لدراسة الطب التجريبي". ينبغي قبل كل شيء استعمال منهج اختباري تحليلي, فالعالم لاينتج نظريته استنباطيا بل استقرائيا أي عبر اشتقاقها من تجارب تستخلص منها على نحو ايجابي ومباشر. إن النظرية إن جاز القول متضمنة في الظواهر ويكفي استخراجها منها. و هذا التصور يجعل حركة العلم حركة صاعدة : تنطلق من الملاحظات التي يفترض أنها محايدة وصولا إلى النظرية التي تركب نتائجها على نحو موضوعي. وبهذا يكون تقدم العلم قائما على تجميع المنطوقات النظرية اليقينية التي يزداد عددها شيئا فشيئا. نخلص إلى القول بأن المذهب الوضعي أو الإمبريقي يعتبر عناصر التفسير العلمي أو النظرية مستمدة بكاملها من التجربة على اعتبار أن الوصف والتركيب هو وظيفتها الأساسية, وأنها لاتعدو أن تكون استنساخا للوقائع والربط فيما بينها وتنسيقها تنسيقا لايتعدى المستوى التحليلي الضيق. لكن- وكما يتساءل إينشتاين – "إذا كانت التجربة في بداية معرفتنا للواقع وفي نهايتها, فأي دور يتبقى للعقل في العلم؟" (نص: "هل تشكل التجربة منبع النظرية؟"). ثم ألم تكن أغلب الحقائق العلمية في أصلها حدوسا وفرضيات جريئة تتعدى وتتحدى المعطيات؟
نقد التصور الإمبريقي لوظيفة النظرية وعلاقتها بالواقع: | - إن تقديم فهم وتأويل جديد للعمل العلمي ولعلاقة النظرية بالتجربة وبالواقع ضرورة فلسفية يمليها منطق التغيرات الجذرية التي عرفها مفهوما الواقع والتجريب في الفيزياء المعاصرة خصوصا والتي غاصت أكثر فأكثر في المستوى الميكروسكوبي للمادة (الفيزياء الكوانطية ثم النسبية), لدرجة أن باشلار يصف نتائج الميكروفيزياء بأنها أخبار قادمة من عالم مجهول مكتوب بلغة هيروغليفية تصعب ترجمتها إلى مستوى عاداتنا في التحليل والتصور: لقد أصبحت مواضيع الدراسة دقيقة لامتناهية في الصغر مما يضطر العالم إلى إعطاء مقارنات وتشبيهات(كنموذج بنية الذرة لدى "نيلز بوهر" مثلا) وافتراض علاقات من أجل تمثيل هذا الواقع والإشتغال عليه. وبعبارة أخرى, أصبح الواقع مبنى نظريا وليس معطى حسيا مباشرا , ذلك لأن الإتصال بالواقع أصبح اتصالا اصطلاحيا. كما أن الجسيمات الدقيقة أصبحت تتناول كعلاقات لا كجواهر مفردة معزولة. إن دقة الموضوعات وتناهيها في الصغر تفرض التعبير عنها بواسطة نماذج تقريبية ينشؤها العالم انطلاقا من معطيات نظرية. (نص: "مفهوم الواقع في العلم الحديث"). يبدو إذن أن النزعة الإمبريقية تتجاهل الفرق بين الموضوع المعرفي والموضوع الواقعي, بل تقتصر على هذا الأخير باعتباره المعطى الأول الذي تشتق منه النظرية لاحقا. والحال أن الواقع لا ينتقل من واقع خام إلى واقع معرفة قابل للملاحظة العلمية إلا عندما ندرجه في بنية معرفية معينة ونلزمه بأن يصبح نقطة التقاء الواقع بالفكر. بل إن الإشتغال على الواقع كقراءة المؤشرات وتوجيه الأجهزة لايتم – كما لاحظ بيير دوهيم - إلا باستخدام عدة نظرية سابقة على التجربة نفسها, وقد عبر عن ذلك "أولمو" بقوله: "التجربة نظرية أنزلت إلى الفعل, والأداة أيضا نظرية أضفيت عليها الصبغة الموضوعية". وبعبارة أخرى لابد من الإعتراف بالدور الإيجابي، الفعال والإستباقي الذي يقوم به العقل وانشاءاته النظرية. وكما يقول "كارل بوبر",فالعمل العلمي لايبدأ بملاحظات بل بمشكلات تعمل على حلها الملاحظات والفرضيات ومايعقبها من مراحل وإجراءات. ==> يمكن الجمع بين طرفي هذا الجدل الإبستملوجي والقول إن الطبيعة المعقدة للنظرية تجعلها من بعض الوجوه لاحقة على الملاحظة والتجربة وسابقة عليها وشارطة لها من وجوه أخرى.
معايير صلاحية النظرية: للنظرية –كما رأينا - طابع مزدوج: فمن جهة كونها تفسيرا وتنظيما لوقائع, عليها اجتياز اختبار التحقق التجريبي بنجاج، ومن جهة كونها بناءا عقليا، عليها الإستجابة لمعايير المعقولية والإنسجام المنطقي والتماسك البنيوي الداخلي ,. وتنعكس هذه الإزدواجية في انقسام الإبستملوجيين وفلاسفة العلم بشأن معايير صلاحية النظرية والجواب على السؤال: متى تكون نظرية ما علمية ومقبولة؟ ا.
إذا كان الواقع والملاحظة والتجربة –في االتصور الإمبريقي- هي نقط انطلاق وفرز النظرية, فإن معيار صلاحيتها لن يكون شيئا آخر غير مطابقتها للواقع وقابليتها للإختبار وصمودها أمام محك الإختبار التجريبي. وفي هذا الصدد يذهب"موريتز شليك " إلى أن "معنى قضية ما يكمن في منهج التحقق منها", ويضيف "همبل" بأن هناك مطلبين أساسين لانسمي نظرية ما أو قانونا مفسرين إلا إذا استوفياها:
-
- الإتفاق التفسيري: أن يكون التفسير وجيها يبرز الأسباب الحقيقية المتحكمة في وقوع ظاهرة والتي تسمح لنا بتوقعها كلما توفرت تلك الأسباب.
- قابلية الإختبار: ان تكون القضايا المؤسسة للنظرية أو للتفسير العلمي قابلة للإختبار التجريبي.
لكن لماذا التشديد على معيار التحقق التجريبي؟ السبب -فيما يخص الوضعية المنطقية- هو وضع معيار للعلمية يضع حدا لجدالات الميتافيزيقا بإظهار أن قضاياها فارغة من المعنى بكل بساطة, في مقابل العلم الذي تتركب قضاياه إما من منطوقات تحليلية يحسم المنطق في أمرصحتها أو قضايا تركيبية يتعين عليها أن تطابق معطى امبريقيا مباشرا, ثم إن كل موضوعات المعرفة قابلة للإختزال ,في النهاية, إلى موضوعات بسيطة للإدراك الحسي أو إلى "منطوقات بروتوكولية" حسب تعبير كارناب . إن الأساس الذي يتوقف عليه قبول تفسير ما ليس هو الإستدلال من النظرية على الوقائع, بل العكس أي الإستدلال من الوقائع على النظرية استدلالا استقرائيا, لأن المعطى الأول هو الوقائع الملاحظة التي تكِون المعرفة المقررة والتي يتم على أساسها التأكد من صحة التفسير. ومن الواضح أن هذا الموقف يشكل استمرار للموقف البيكوني (نسبة إلى فرنسيس بيكون ) الذي يمنح الكلمة الأولى والأخيرة للتجربة ويعتبرها حاسمة في الحكم على الإفتراضات التفسيرية حتى وإن تم استنباطها رياضيا من فرضيات أخرى مؤكدة الصحة, ولو افترض العالم افتراضا يستحيل التأكد منه في الخبرة والتجربة لكان افتراضا لاغيا عديم القيمة. ولكن كم من نظريات وافتراضات صحيحة لم تجد برهان صحتها التجريبي إلا لاحقا؟ وعندما تفشل التجربة في تحقيق ماهو نظري, هل يعني ذلك حتما بطلان النظرية؟ ألا يعود السبب أحيانا إلى ضعف معرفتنا بالواقع أو عدم كفاية الأجهزة أو خطأ في القياسات أو عدم ملاءمة زاوية النظر؟
معيار التماسك المنطقي والإتساق البنيوي الداخلي: |
بناءا على التساؤلات السابقة, يمكن أن نضيف: ألا ينبغي البحث عن معيار صلاحية النظرية في النظرية ذاتها أولا؟ ألا ينبغي إتخاد التماسك المنطقي والإتساق البنيوي الداخلي للنظرية معيارا آخر لصلاحيتها لايقل أهمية عن معيار التحقق؟. لقد تعرض معيار التحقق للنقد من طرف ابستملوجيين ذوي مشارب فكرية متنوعة ولقد لوحظ بأن الوضعية تتجاهل أن المعرفة والتفسير في العلم لايتمان بالرجوع دوما إلى الخبرة, بل إلى معرفة أو نظرية سابقة وأن الجواب الحاسم في العلم لايمكن انتظاره من التجربة بل من النظرية. وهذا مايؤكده اينشتاين: " إن نسقا كاملا من الفيزياء النظرية يتكون من مفاهيم وقوانين أساسية للربط بين تلك المفاهيم والنتائج المشتقة منها بواسطة الإستنباط المنطقي. وهذه النتائج هي التي ينبغي أن تتطابق معها تجاربنا الخاصة" (نص: "هل تشكل التجربة منبع النظرية؟"). وفي مقام آخر يبين أن السحر الذي تمثله نظرية النسبية يعود إلى كونها تؤلف كلا منطقيا, فإذا تبين أن أحد نتائجها غير صحيح لوجب التخلي عنها, إذ يبدو أنه يستحيل إجراء أي تعديل دون أن يهتز البناء كله.وأنه إذا لم تكن القضية البسيطة منطقيا بالضرورة صحيحة فيزيائيا, فإن القضية الصحيحة فيزيائيا لابد أن تكون بسيطة منطقيا. ويكاد التشديد على شرط التناسق المنطقي وعلى الضرورة القصوى للإنسجام والوحدة يكون مشتركا بين كثير من العلماء والإبستملوجيين المعاصرين كإنشتاين أو "بيير دوهيم "(نص:"بناء النظرية الفيزيائية") و "بوبر " .ونجد لدى هذين الأخيرين وصفا متشابها لمراحل بناء النظرية: بدءا بوضع التعاريف والفرضيات, ربطها بمبادىء, الفحص الصوري للنسق النظري للتأكد من تماسكه المنطقي وخلوه من التناقض, البناء الأكسيوماتي للنظرية وفرز عناصرها المنطقية عن العناصر الأمبريقية, مقارنتها بالنظريات الموجودة للوقوف على قدرتها على تفسير واستيعاب الظواهر الشاذة وحل المشاكل العالقة, وأخيرا اختبار خلاصات النظرية امبريقيا. وهنا ينبه "كارل بوبر " إلى أن الوقائع لاتفرز النظريات بل تحد منها أي تكشف فقط عن خطأ النظريات الخاطئة لاعن صحة النظريات الصحيحة. وبعبارة أخرى فالنظرية الصحيحة ليست هي تلك التي تم اختبارها والتحقق منها, بل تلك القابلة للتزييف والتي لم يتم تكذيبها بعد, وذلك هو "معيار التزييف" الذي اعتمده بوبر عوض التحقق والإختبار بسبب استحالة التحقق التام من القضايا التعميمية الكلية التي يفرزها الإستقراء.(نص: "قابلية التزييف كمعيار للتمييز") ===> الحديث عن العلم حديث عن وقائع وملاحظات وتجارب ومفاهيم وفرضيات وقوانين... وتكمن أهمية النظرية العلمية في كونها الخيط الناظم لكل هذه العناصر. وهذه الأهمية تفسر حدة الجدل الإبستملوجي حول وظائف النظرية وعلاقتها بالواقع وآليات إفرازها ومعايير صلاحيتها. وهو جدل يمكن النظر إليه كصورة جديدة للجدل الفلسفي حول علاقة الفكر بالواقع.
[/size] | |
|