سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | كثيرون هم الماركسيون وأشباه الماركسيين الذين يقولون بأن روسيا وسائر الجمهوريات السوفياتية سابقاً عادت إلى النظام الرأسمالي. ليس لدي ما أقوله حقيقةً عن هؤلاء " الماركسيين " وأشباه الماركسيين سوى أنهم لا يعرفون شيئاً من طبيعة النظام الرأسمالي، لا من خصائصه | |
[b] كثيرون هم الماركسيون وأشباه الماركسيين الذين يقولون بأن روسيا وسائر الجمهوريات السوفياتية سابقاً عادت إلى النظام الرأسمالي. ليس لدي ما أقوله حقيقةً عن هؤلاء " الماركسيين " وأشباه الماركسيين سوى أنهم لا يعرفون شيئاً من طبيعة النظام الرأسمالي، لا من خصائصه ولا من تكوينه. بل والأنكى من ذلك هو أنهم لا يعرفون شيئاً عن أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي وهو ما يتوجب أن يكون مهمتهم الرئيسية بل والوحيدة طالما تعلقوا بالإشتراكية ورفعوا رايتها. قد نعذر أولئك الذين يجهلون خصائص النظام الرأسمالي وطبيعة تكوينه، لكننا لا يمكن أن نوافق على أن هؤلاء الذين يجهلون أسباب انهيار المشروع اللينيني هم حقاً ماركسيون !! كل الماركسية تخلّقت وأخذ مشروعها إلى التطبيق بمشروع لينين وإعلان الثورة الاشتراكية العالمية في مارس آذار 1919 ودعوة عمال العالم إلى التوحد في الأممية الثالثة للإطاحة بالرأسمالية العالمية. النجاحات التي حققها مشروع لينين بقيادة ستالين ستظل صفحات مشرقة في سفر التاريخ باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء وقد شهد كبير الأعداء، ونستون تشيرتشل، أمام مجلس اللوردات البريطاني في 23 ديسمبر 1959 فقال .. " لقد حاربنا ستالين كاستعماريين وتغلب علينا ". ثم بعد كل هذا، بعد أن وصل مشروع لينين إلى دحر الإمبريالية وتفكيكها، يزعم بعضهم بأن الرأسمالية عادت إلى روسيا والجمهوريات السوفياتية وهو ما يعني أن المشروع الماركسي الإشتراكي إنما هو أضغاث أحلام بعد أن جربه البلاشفة وفشل !!
رفيقنا الكبير حسقيل قوجمان، وهو من أوائل الماركسيين المتفقهين بعلم الماركسية، كتب مؤخراً ثلاث مقالات متوالية يؤكد فيها أن روسيا وسائر الجمهوريات السوفياتية عادت إلى النظام الرأسمالي، بل وأكثر من ذلك فقد أكد أن حكومة خروشتشوف (1954) وقيادة الحزب المرافقة تشكلتا من عناصر رأسمالية !! وكي يحمي نفسه من تهمة السطحية التي وصفها ب " الجمود العقائدي " كتب التالي . . " ان محاولة بحث مثل هذا الوضع (رأسمالية روسيا) بنفس المفاهيم والمقاييس التي كانت سائدة عند نشوء الطبقات الراسمالية والطبقة العاملة العالمية هو الجمود العقائدي، هو محاولة تطبيق قواعد وقوانين تتعلق بنوع من التطور كقواعد وقوانين تتعلق بنوع اخر من التطور، تتعلق بمحاولة تطبيق قواعد وقوانين تطور العلاقات الانتاجية الراسمالية نتيجة تطور قوى الانتاج الراسمالية على نشوء علاقات الانتاج الراسمالية للسيطرة على قوى انتاج اشتراكية. وهذا تاريخيا هو المعنى العلمي للجمود العقائدي ".
رفيقنا الكبير يقول أنه يفهم أن العناصر التي تجمعت تاريخياً لتشكل النظام الرأسمالي ليست هي ذاتها التي تجمعت في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا " لنشوء علاقات الإنتاج الرأسمالية للسيطرة على قوى إنتاج اشتراكية ". لكن رفيقنا لم يهدئ من روعنا وكشف عن " النوع الآخر من التطور "، عن سره القائل بنشوء علاقات إنتاج رأسمالية للسيطرة على قوى إنتاج إشتراكية في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا وعلى رأسها ستالين.!! طبعاً، علاقات الإنتاج الرأسمالية لا تنبت كالفطر في ليلة رعدية ماطرة، بل هي تنخر وتتفشى في المجتمع لسنوات طويلة اقتضاها النظام الإشتراكي كيما تتمكن في نهاية الأمر من السيطرة على علاقات الإنتاج الإشتراكية وكنسها بالتالي من المجتمع. بمثل هذه المزاعم يغدو الرفيق قوجمان مطالباً بشرح كيفية تغلّب علاقات الإنتاج الرأسمالية على علاقات الإنتاج الإشتراكية في المنافسة بينهما في حالة المجتمع السوفياتي.
رفيقنا الماركسي حسقيل قوجمان خرج من دائرة الماركسية من أجل أن يبرهن على صحة فرضية خاطئة لا يجوز افتراضها أصلاً بل وأخشى أن يكون قد أخرجنا معه كي نبرهن على بطلان افتراضاته. ففي المجتمع الإشتراكي وهو ما كان في الإتحاد السوفياتي إلى ما قبل العام 1957، حين قام خروشتشوف بانقلاب عسكري على الحزب والدولة، بل وحتى فيما بعد ذلك، لم يكن في نظام الإنتاج السوفياتي السائد، أية علاقات إنتاج رأسمالية أو حتى ظلاً من ظلالها. بل يمكنني أن أذهب بعيداً لأقول أن الإشتراكية العلمية تفتقد كل علاقات للإنتاج طالما أنها ليست نظاماً مستقراً وثابتاً للإنتاج بل برزخ عبور قصير الأمد إلى الشيوعية.
علاقات الإنتاج الرأسمالية تقوم على شروط كثيرة ليس منها شرط واحد تواجد في الإتحاد السوفياتي. فعلاقات الإنتاج الرأسمالي تفترض أول ما تفترض أن هناك عاملاً مأجوراً من طرف ورأسمالياً من طرف آخر. وبافتراض أن الدولة السوفياتية قامت مقام الرأسمالي، كما يزعم بعض المتشبهين بماركس، فالعامل السوفياتي لم يكن مأجوراً على الإطلاق حيث كان المعاش الذي يقبضه العامل آخر الشهر لا يتناسب مع إنتاجه، فالإنتاج السوفياتي جميعه كان عديم القيمة التبادلية، ولا تجري مبادلته في السوق. لم يكن هناك سوق في الإتحاد السوفياتي، لا سوقاً للسلع ولا سوقاً للعمل فالدولة مسؤولة عن تشغيل جميع القادرين على العمل، وهذا وحده ينسف كل أساس للرأسمالية. علاقات الإنتاج الرأسمالية تتجسد قبل كل شيء بالنقود التي تحدد قيمة سائر الأشياء. النقود الحقيقية المغطاة بالذهب أو بالإنتاج، أي النقود القابلة للمبادلة مع سائر الأشياء هي الشرط الأولي لأي نظام رأسمالي. الروبل السوفياتي لم يكن نقداً حقيقياً بأي معنىً من المعاني. لم تكن له قيمة تبادلية مطلقة ولا علاقة له بالذهب أو بمجمل الإنتاج القومي كغطاء له. ولذلك لم يكن له أدنى قيمة في الأسواق الخارجية. أمام كل هذه الحقائق الجوهرية كيف يمكن لأحدهم أن يدّعي بوجود علاقات إنتاج رأسمالية في النظام السوفياتي الإشتراكي !؟ نعود هنا إلى التحذير الذي وجهه لينين إلى الشيوعيين السوفييت مترافقاً مع خطته الجديدة في الإقتصاد (NEP) في العام 1922 إذ قال . . " نعود خطوة إلى الوراء، إلى الإقتصاد البورجوازي بإدارة دولة دكتاتورية البروليتاريا من أجل أن يتعلم الشيوعيون إدارة الإقتصاد من الرأسماليين فإن لم يفعلوا ذلك خلال أمد قصير فسيكون هناك خطر حقيقي على الثورة والعودة إلى النظام الرأسمالي ". تعلم الشيوعيون إدارة الإقتصاد وبرعوا فيها خلال أربع سنوات فقط وبدأ الحزب التخلي عن أنظمة النيب في العام 1926 فكانت النهضة الإقتصادية الرائعة في الثلاثينيات التي مكنت الإتحاد السوفياتي من سحق ألمانيا النازية بكل جبروتها مدعومة بكل الموارد المادية والبشرية للقارة الأوروبية. تجاوز النيب إلى اقتصاد اشتراكي يتقدم بنسبة تنمية تصل إلى 14% قضى نهائياً على أي خطر للعودة إلى النظام الرأسالي كما حذّر لينين. النظام الرأسمالي المتطور الذي عرفته البشرية خلال القرون الثلاثة الأخيرة قام على ثلاثة أثافي كان لها أن تلاحمت تاريخياً. الأثفية الأولى هي التراكم الرأسمالي الذي نجم عن التجارة الدولية الميركنتالية (mercantilism)والتي أسست بدورها لتعميم التجارة العالمية، والأثفية الثانية وهي نشوء المدن البورجوازية وتطور الإنتاج البورجوازي فيها (المانيفاكتورة) وهو المستنبت الذي تخلق فيه رجال الأعمال الرأسماليون فيما بعد كما تخلق جنين طبقة البروليتاريا، والأثفية الثالثة وهي الثورة الصناعية التي تجسدت باكتشاف الآلة البخارية وباستخدام الطاقة الحرارية والفحم الحجري ثم الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى الإختراعات الهامة الأخرى كالسكك الحديدية والتلفون والتلغراف وغيرها. ما كان النظام الرأسمالي ليقوم بغير التحام هذه الأثافي الثلاث. فأية أثافي التحمت ليقوم النظام الرأسمالي في المجتمع الإشتراكي السوفياتي !؟
ثم كيف يمكن لرفيقنا قوجمان أن يدعي بأن خروشتشوف وعصابته في قيادة الحزب كانوا عصابة رأسمالية !؟ ما الذي كان يستدعيهم لأن ينتصروا ويناصروا النظام الرأسمالي !؟ هل امتلكوا أموالاً أرادوا توظيفها فيقال بوجود طبقة مالية تنحو لاستعادة الرأسمالية !؟ ما نعلمه علم اليقين أن أحداً من قادة الحزب والدولة لم يمتلك بيتاً أو سيارة أو أكثر من بضع مئات من الروبلات التي لا تشتري أكثر من الغذاء والكساء. ستالين، وكان الرجل الأعظم، لم يتنقل بسياره حكومية قبل العام 1928 حين جرت محاولة اغتياله فقررت قيادة الحزب ألا يتنقل ستالين على قدميه كما كان يفعل قبلئذٍ. ورب رفيقنا قوجمان لا يعرف بأن خروشتشوف كان قد خطب في حفل استقبال حشد من الرأسماليين الأمريكان في واشنطن في سبتمبر 1959 مهدداً ومتوعداً بالقول .. " سندفنكم قريباً!! " وفي المؤتمر العام للحزب الشيوعي الثاني والعشرين، أكتوبر 1961، قال خروشتشوف في تقريره كأمين عام للهيئة العامة للحزب .. " سنسبق الولايات المتحدة الأمريكية في الإنتاج بالنسبة للفرد الواحد في الثمانينيات، وسيبزغ فجر الشيوعية في العام 1990 " . صحيح أن الأمريكان دفنوه قبل أن يدفنهم وأن الإتحاد السوفياتي انهار في العام 1990 متخلفاً عما كان في الخمسينيات، لكننا لا يمكن أن نفترض بحال من الأحوال أن من يقول بهذا ويغدق مثل هذه الوعود وهو خروشتشوف يقود عصابة تؤسس للنظام الرأسمالي. لا يمكن أن نقول بهذا دون أن نُرمى بتهمة الديماغوجيا.
ليس الرفيق قوجمان وحده من يقول برأسمالية روسيا حالياً بل كثيرون أخر من الماركسيين وغير الماركسيين. وليس هو الماركسي الوحيد ممن يخطئون في تقييم العملية السياسية في العراق التي نتجت عن الإحتلال الأميركي، كما يخطئون في تقييم النظام الأميركي الحالي. برأيي أن خطأ الرفيق قوجمان في تقييم النظام الحالي في روسيا وفي طبيعة الدولة برئاسة خروشتشوف وفي سياقات مماثلة هو فيض العداء لأميركا. كان يتملكني مثل هذا الفيض من العداء لأميركا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لدرجة أنني كنت أقول بأن الشيوعيين ليسوا بحاجة للإجتهاد من أجل تعيين مسار العمل الشيوعي إذ يكفي أن يعمل الشيوعيون في الاتجاه المعاكس تماماً بزاوية 180 درجة للمسار الأميركي ليكون هذا هو المسار الصحيح لعمل الشيوعيين. كنا على حق عندما قلنا بهذا فالولايات المتحدة استنفذت نفسها في مقاومة الشيوعية والحؤول دون تقدم مشروع لينين الاشتراكي الذي كنا قد كرسنا كل حياتنا لتقدمه واستكماله. غير أن أميركا في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد استنفذت تماماً في مقاومة الشيوعية، غيرها في الثلاثة أرباع الأولى. ليس لدينا مشروع لينين اليوم على الأقل كيما نعادي الولايات المتحدة من أجله؛ بل وما هو أكثر من ذلك فقد تحقق انهيار مشروع لينين على أيدي "الشيوعيين" أشباه الماركسيين وليس على أيدي الإمبرياليين الأمريكان. في مواجهة هذه الحقيقة يتحجج هؤلاء " الشيوعيون " والوطنجيون بأن عداءهم لأمريكا إنما يأتي من باب الدفاع عن حرية الشعوب في وجه الإمبريالية الأمريكية. ولكن إذا ما كان الحال على ما يصورون وأن الإمبريالية الأميركية ما زالت تسعى للهيمنة على الشعوب من أجل استغلالها، فذلك يعني أن النظام الرأسمالي ما زال يتمتع بقوة عظمى ولا سبيل للتخلص منه بغير ثورة اشتراكية. ونذكّر في هذا المقام بخطاب لينين إلى زعماء شعوب الشرق المجتمعين في باكوـ أذربيجان في العام 1921 وقد أكد لهم عبث النضال للتحرر من الاستعمار بغير الاعتماد على دولة العمال السوفياتية. اليوم ليس هناك دولة عمال سوفياتية، وليس هناك ثورة اشتراكية في الأفق فكيف يمكن أن يُدّعي بحركة تحرر؟ هذا إذا ما كانت أميركا ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية، لكنها في الواقع لم تعد كذلك ودعاوى التحرر إنما هي دعاوى جوفاء لا أساس لها يستمر بادعائها من أمسوا مفلسين سياسياً. القومجيون من البورجوازية الوضيعة ينكرون دائماً أن تحرر بلدانهم مرتبط بالثورة الإشتراكية، لكنهم كانوا طيلة نشاطهم القومي خلال النصف الثاني من القرن العشرين كلما واجهوا نمر الإمبريالية وكشر عن أنيابه هرعوا إلى الإتحاد السوفياتي يرجونه حمايتهم، وعندما لم يفعلها كما في العام 67 انهارت الثورة العربية ولم تقم لها قائمة بعدئذٍ.
فيض العداء لأميركا بافتراض أنها ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية ــ رغم أنها تعيش اليوم على الدولارات المزورة وهو خيانة فاضحة للنظام الرأسمالي ــ يعمي أصحابه عن رؤية حقيقة كبرى تلعب اليوم الدور الأول كناظم للحياة الدولية والاجتاعية كليهما ألا وهي تواجد طبقتين متمايزتين للبورجوازية وهما البورجوازية الدينامية الكبيرة والبورجوازية الوضيعة الصغيرة. البورجوازية الدينامية وهي طبقة الرأسماليين، والبورجوازية الوضيعة وهي الطبقة الوسطى. العلاقة بين هاتين الطبقتين هي العداء المطلق حيث يفضل الرأسماليون أن يستغلوا العمال دون وسيط على الإطلاق وهو الدور الذي تقوم به الطبقة الوسطى فتشارك الرأسماليين بنصيب من فائض القيمة. فيما بعد انهيار الرأسمالية في السبعينيات وانتظام العالم في الاقتصاد الاستهلاكي أخذت الطبقة الوسطى تلتهم معظم إنتاج العمال وأرباح الرأسماليين وكان أن استبدلت الدولة الرأسمالية بدولة الرفاه، أي دولة الطبقة الوسطى ــ في 1 /10 /010 كتبت في الحوار المتمدن عن تمايز الطبقتين البورجوازيتين، الدينامية والوضيعة.
أول خروج لعربة التاريخ عن سكتها جرى على أيدي البورجوازية الروسية. قامت البورجوازية بثورتها في فبراير شباط 1917 لكنها فشلت وكما كان متوقعاً في تطوير ثورتها ووضع أي من بنود برنامجها قيد التنفيذ وخاصة الإنسحاب من الحرب والإصلاح الزراعي. في سبتمبر ايلول ناشدت قطاعات عريضة من البورجوازية الشيوعيين البلاشفة، وكانوا أكبر الأحزاب، لأجل إزاحة حكومة كيرانسكي البورجوازية وتولي السلطة. استجاب البلاشفة بقيادة لينين لنداءات البورجوازية خاصة وأن الأممية الثانية كانت في العام 1912 قد طالبت الإشتراكيين في روسيا بالقيام بالثورة البورجوازية نيابة عن البورجوازية الروسية الهشة التي لا تستطيع أن تنجز ثورتها. صبيحة انتفاضة أكتوبر رفضت مختلف أطياف البورجوازية المشاركة في حكومة لينين باستثناء الاشتراكيين الثوريين الديموقراطيين. لدى عقد صلح بريست ليتوفسك في مارس آذار 1918 مع الألمان الذين كانوا على وشك احتلال العاصمة بتروغراد وموسكو شكلت البورجوازية تحالفاً عريضاً ضم كبار الملاكين الزراعيين وأنصار القيصرية ورفعوا السلاح بوجه البلاشفة بهدف إبادتهم حسبما صرحوا. التف العمال والفلاحون الفقراء حول البلاشفة الذين تمكنوا من سحق جيوش الرجعية ومعها الجيوش الأجنبية الأمر الذي مكّن البلاشفة من إعادة عربة التاريخ إلى سكتها الاشتراكية متجاوزة السكة البورجوازية. انتصار البلاشفة لم يلغِ التناقض بين البروليتاريا من جهة والبورجوازية الوضيعة من جهة أخرى والتي شكلت الجبهة الأقوى بفعل احتوائها على الطبقة الأعرض في المجتمع وهي طبقة الفلاحين ثم بسبب الحرب التي دمرت المصانع وتركت قطاعات كبيرة من البروليتاريا بلا عمل. الإختلاف في ميزان القوى هو ما دفع بلينين في العام 1922 إلى الرجوع خطوة إلى الخلف من خلال الخطة الإقتصادية الجديدة (النيب). منذ العام 1921 وانتصار البلاشفة في الحرب الأهلية وحروب التدخل والصراع قائم على أشده بين النهج اللينيني البروليتاري والنهج البورجوازي الوضيع. في معركة الصراع المتصل بكل شراسة بين البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة برز القائد البروليتاري الفذ يوسف ستالين يوجه أقسى الضربات لعصابا وذيول البورجوازية الوضيعة؛ ولذلك وجهت البورجوازية سخطها وما زالت توجهه نحو ستالين. كانت آخر معركة يقودها ستالين ضد البورجوازية الوضيعة تستهدف محو طبقة الفلاحين وتحويلها إلى بروليتاريا. خطة المعركة احتوتها الخطة الخمسية التي أقرها المؤتمر العام التاسع عشر للحزب برئاسة ستالين في اكتوبر 1952.
مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين كان ستالين يتأهب لتوجيه ضربات ساحقة إلى البورجوازية الوضيهة في المجتمع السوفياتي وخاصة إلى الفلاحين والجنود وهم يشكلون أكبر شريحتين في طبقة البورجوازية الوضيعة وأخطر أعداء الاشتراكية. الدلائل المختلفة تشير إلى أن نفراً من قيادة الحزب (بيريا وخروشتشوف وربما أيضاً مالنكوف برأي مولوتوف) تآمروا على تسميم ستالين أثناء عشائهم معه في الأول من مارس آذار 1953. بعد ستة أشهر فقط، أي في سبتمبر ايلول، قرر خروشتشوف وأزلامه في قيادة الحزب إلغاء الخطة الخمسية واستبدالها بخطة أخرى تنحو لمضاعفة إنتاج السلاح وهو ما كان يسعي إليه الجيش منذ الثلاثينيات ويعارضه ستالين بكل حزم. كتب خروشتشوف في آخر بضعة أسطر في مذكراته أن القرار الوطني في الإتحاد السوفياتي بعد رحيل ستالين استقر بيد الجيش ولا يستطيع أكبر رأس في الحزب أن يعترض على قرارات الجيش. منذ العام 1953 والقرار الوطني في الإتحاد السوفياتي ثم من بعد في روسيا الإتحادية بيد الجيش بصورة نهائية. ويلاحظ في هذا السياق أن السلاح السوفياتي والروسي أغرق العالم فاصبحت كل الحروب القبلية في البلدان المتخلفة تحارب بأسلحة سوفياتية وهو ما تسبب في انهيار التجربة الإشتراكية الذي يحب بعض الأعداء التفهاء أن يعزوه لخطأ في النظرية الماركسية ولكأن كارل ماركس أوصى البروليتاريا بالتركيز على إنتاج الأسلحة .
سؤالنا الحاسم في الخاتمة هو . . هل إنتاج الأسلحة هو إنتاج رأسمالي ؟ رب أحدهم يجيب . . نعم هو إنتاج رأسمالي، تشتريه الإمبريالية من مصانع الأسلحة الرأسمالية كي تفتح أسواقاً جديدة لتمددها الإقتصادي. لكن هذا لا يجعل من إنتاج الأسلحة إنتاجاً رأسمالياً فالأسلحة ليست سلعة تعرض في الأسواق لتكتسي صنمية تحدد سعرها. الأسلحة عنصر أساسي من عناصر الحرب والجنود أيضاً عنصر أكثر أهمية من عناصر الحرب لكن أحداً لا يمكن أن يصف الجنود بالإنتاج الرأسمالي. الجيش السوفياتي ملأ العالم بالأسلحة لكنه مع ذلك لم يجد يوماً المال لصرف رواتب جنوده وأفقر أكبر نظام للإنتاج في التاريخ وهو النظام الإشتراكي.
الدولة الرأسمالية يعيش شعبها دائماً على الإنتاج الوطني، إنتاج البروليتاريا، وتصدر فائض الإنتاج إلى بلدان المحيط. لكن روسيا تعيش اليوم على تصدير المواد الخام كالنفط (7 ملايين برميل يوميا) والغاز (2 مليار م3 يومياً) وعلى استيراد السلع المصنعة في شرق آسيا وأوروبا مثلها مثل سائر بلدان العالم الثالث. ناهيك عن أن الروبل مربوط بالدولار أي أن قيمته الفعلية مستوردة من الخارج، فعن أي رأسمالية يتحدث رفيقنا الماركسي المناضل حسقيل قوجمان !؟ الطريق اليوم مسدودة تماماً أمام مختلف القوى الاجتماعية في روسيا ولن تستقر على نظام إنتاج ثابت ومحدد فالبورجوازية الوضيعة لا تمتلك أي نمط من أنماط الإنتاج المادي وهي طفيلية تمتص دماء البروليتاريا. المسلك الوحيد المتاح بضيق شديد هو ذلك المسلك الذي على البروليتاريا أن تقتحمه للعودة إلى النظام الإشتراكي.[/b] | |
|