يهدده بأي شكل من الأشكال منظورية المعرفة والتمثل.
الفلسفة في قرن جديد – جون سيرل
فلاسفة العرب -
7
أخيرا، دعاوى المعرفة من النوع الذي أتكلم عنه، حيث نقوم بصنع دعاوى عن كيف
يعمل العالم، هي كونية. ما هو صحيح في فيلادفستوك هو أيضا صحيح في بريتوريا، باريس
وبيركلي. ولكن حقيقة أننا قادرون على أن نصيغ، نختبر، نثبت، ونؤسس بشكل نهائي هذه
الدعاوى باعتبارها دعاوى، يقينية، كونية، وموضوعية، يتضمن أدوات ثقافية – اجتماعية خاصة
جدا. إنها تتطلب أدوات من الباحثين المدربين، والظروف الثقافية والاجتماعية الضرورية لوجود
مثل هذا البحث المدرب.
هذه تطورت بالشكل الأكثر قوة في أوروبا الغربية وفروع ثقافتها في أجزاء أخرى من
العالم، خصوصا أمريكا الشمالية، خلال القرون الأربعة الماضية. هناك معنى عادي وغير ضار
تكون فيه كل المعرفة مصنوعة اجتماعيا. في هذا المعنى العادي وغير الضار يتم التعبير عن
المعرفة من خلال تقريرات، دعاوى؛ وهذه الدعاوى قد تم تكوينها، تشكيلها، اختبارها، إثباتها،
التحقق منها، وإعادة التحقق منها. أن نكون قادرين على أن نفعل ذلك يتطلب نوع خاص جدا من
البنية الثقافية – الاجتماعية، وبهذا المعنى، دعاوانا المعرفية هي مصنوعة اجتماعيا. ولكن كونها
مصنوعة اجتماعيا بهذه المعنى ليس متناقضا بأي صورة مع حقيقة أن المعرفة التي نصل إليها
بهذه الطريقة هي كونية، موضوعية، ومؤكدة.
أريد أن أؤكد هذه النقطة الثالثة مثلما فعلت بالنسبة للنقطتين الأوليين: دعاوى المعرفة
تصنع، تختبر، ويتم إثباتها بواسطة أفراد متموضعين تاريخيا يعملون في ظل خلفية ممارسات
ثقافية خاصة. بهذا المعنى كل دعاوى المعرفة هي مصنوعة اجتماعيا. ولكن حقيقة هذه الدعاوى
ليست مصنوعة اجتماعيا. الحقيقة تختص بحقائق موضوعية في العالم تقابل دعاوانا المعرفية.
حتى الآن طرحت ثلاثة اعتراضات لنظرة الحس المشترك بأننا لدينا حجم كبير من
المعرفة والتي هي مؤكدة، موضوعية، وكونية. أولا، المعرفة هي دائما أولية وقابلة للتصحيح،
ثانيا، هي دائما ما تطرح من وجهة نظر معينة، وثالثا، يجب الوصول إليها بواسطة تضافر الجهود
الإنسانية التي تعمل في سياق اجتماعي معين متموضع تاريخيا. النقطة الأساسية التي أطرحها هي
أنه ليس هناك عدم اتساق بين هذه الفرضيات والدعوى القائلة بأن المعرفة التي يتم الوصول إليها
بهذه الطريقة عادة يقينية، موضوعية، وكونية.
إذا كنا نعني "بالحداثة" فترة العقلانية والذكاء الممنهج التي بدأت مع عصر النهضة
ووصلت إلى درجة عالية من الوعي في عصر الأنوار الأوروبي، إذن نحن لسنا في عصر "ما بعد
الحداثة". على العكس، الحداثة لم تكد قد بدأت. نحن على أية حال، كما أعتقد، في عصر ما بعد
الشك أو عصر الما بعد إبيستيمولوجي. لن تفهم ماذا يحدث في حياتنا الفكرية إذا لم ترى النمو
الأسي للمعرفة باعتباره الحقيقة الفكرية المركزية. هناك شيئا سخيفا بخصوص المفكر ما بعد
الحداثي الذي يشتري تذكرة طائرة على الشبكة العنكبوتية، يركب الطائرة، ويعمل على حاسبه
النقال خلال رحلة الطائرة، وينزل من الطائرة متوجها إلى وجهته، ويأخذ سيارة أجرة لصالة
المحاضرات، ثم بعد ذلك يعطي محاضرة يدعي فيها بشكل أو بآخر أنه ليس هناك معرفة مؤكدة،
أن الموضوعية محل تساؤل، وأن كل دعاوى الحقيقة والمعرفة هي في الحقيقة ليست سوى
وسائل مقنعة للاستحواذ على القوة.