• نحن نبتكر الكلمات لوصف الوقائع وتسمية الأشياء، لكن هذا لا يعني أننا نبتكر الوقائع أو الأشياء. ص43
• الشعور تسببه عمليات دماغية وهو سمة من مستوى أعلى للمنظومة الدماغية. ص87
• بالرغم أن الشعور هو ظاهرة بيولوجية كأية ظاهرة أخرى، فإن أنطولوجيته الذاتية، الحضورية، تجعل من المستحيل اختزاله إلى ظواهر غيابية موضوعية بالطريقة نفسها التي تُختزَل بها الظواهر الغيابية الأخرى كالهضم والصلابة.. ص9
===============================
▬ يكمن إغراء المثالية في أنها تزيل الفجوة بين الواقع والمظهر، وهي الفجوة التي تجعل من الشكية ممكنة. فالواقع يتكون من مظاهر نسقية. ولكن يجب أن أعترف بأنني أعتقد أن هناك سببًا أعمق يدعو إلى استمرار الاحتكام للنزعة المضادة للواقعية، وقد اتضح ذلك في القرن العشرين: فهي ترضي الدافع الأساسي للقوة. إذ يبدو من المقرف جدًا، نوعًا ما، أن نضطر إلى أن نكون تحت رحمة "العالم الواقعي". ويبدو من القبيح جدًا أن تُضطر تمثيلاتنا إلى الخضوع لمساءلة أي شيء سوانا. وهذا هو السبب في أن الناس الذين يصرون على الصورة المعاصرة من النزعة المضادة للواقعية ويرفضون نظرية المطابقة مع الحقيقة يسخرون في العادة من النظرة المقابلة لها. على سبيل المثال، يشير ريتشارد رورتي باستهزاء إلى "الواقع كما هو في ذاته". صــ 35
▬ يبدو لي أنه لا الثنائية، سواءً أكانت ثنائية الجوهر أو الخاصية، ولا المادية في أي شكل من أشكالها المتعددة تمتلك فرصة أن تكون صحيحة. وكوننا نستمر في طرح هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها بالألفاظ القديمة والمهجورة عن "العقلي" و "الفيزيائي" و "العقل" و "الجسم" ينبغي أن يكون مؤشرًا على أننا نرتكب بعض الأخطاء المفهومية الجسيمة حول كيفية صياغة الأسئلة وأجوبتها. فمن ناحية، تجعل الثنائية في كلا شكليها من وضع الشعور ووجوده أمرًا مُلغزًا بحق. على سبيل المثال، كيف ينبغي أن نفكر بأي نوع من التفاعل السببي بين الشعور والعالم الفيزيائي؟ إذا بمجرد أن يفترض الثنائي وجود عالم عقلي منفصل، فإنه لا يستطيع أن يفسر كيف يرتبط بالعالم المادي الذي نعيش فيه جميعًا. ومن ناحية أخرى، تبدو المادية واضحة الزيف: فهي تنتهي بنكران وجود الشعور وبالتالي بنكران وجود الظاهرة التي تتسبب بوجود السؤال في المحل الأول. هل هناك من مخرج؟ هل هناك من بديل عن هجير الثنائية ورمضاء المادية؟ أعتقد أن هناك بديلًا. صـ 76، 77
▬ لا أعتقد أننا مضطرون إما إلى ركوب الثنائية أو المادية. والنقطة التي يجب تذكرها هي أن الشعور هو ظاهرة بيولوجية شأنها شأن أية ظاهرة أخرى. صحيح أنه يتميز ببعض السمات الخاصة، ولا سيما سمة الذاتية، كما رأينا، غير أن ذلك لا يمنع الشعور من أن يكون سمة على مستوى أعلى للدماغ، تمامًا كما أن الهضم سمة على مستوى أعلى للمعدة، أو أن السيولة سمة على مستوى أعلى لمنظومة الجزئيات التي تشكل الدم. بوجيز العبارة، تتمثل الطريقة في الرد على المادية في الإشارة إلى أنها تتجاهل الوجود الفعلي للشعور. وتتمثل الطريقة في دحض الثنائية بمجرد رفض القبول بمنظومة المقولات التي تجعل من الشعور شيئًا لا بيولوجيًا، وليس جزءًا من العالم الطبيعي. صــ 83
▬ يتطلب نموذج الرؤية تمييزًا بين فعل الإدراك والشيء والمُدرَك. إذا رأيت هذا الكرسي، إذًا ففي الإدراك هناك تمييزًا بين الكرسي وتجربة الإدراك التي أدرك بها الكرسي... لكن حين أحسُّ بالألم، فلا أستطيع أن أميز الألم عن إحساسي بالألم. بعبارة أخرى، لا أستطيع أن أجري التمييز الذي يبيح لنموذج الرؤية أن يعمل، وهو التمييز بين تجربة الإدراك والشيء المدرك. لهذا السبب يبدو لي من الخطأ أن نفترض أن الطريقة الصحيحة لفهم حلاتنا الشعورية وكيفية معرفتنا تعتمد على نموذج الرؤية عن طريق ملكة خاصة بالإدراك الداخلي نسميها بـ "الاستبطان". صـ 111
▬ تركز الجزء الأكبر في نقاشنا للعقل، حتى الآن، على الشعور، وقد يوحي هذا التركيز بالانطباع أن العقل في جوهره ميدان للذاتية مغلق على ذاته. ولكن الدور التطوري الأساسي للعقل، على العكس من ذلك، يتمثل في ربطنا بطرق معينة بالبيئة، وبالناس الآخرين على وجه الخصوص. تربطني حالاتي الذاتية ببقية العالم، والاسم الذي يطلق على تلك العلاقة هو "القصدية". وتشمل هذه الحالات الشعورية الاعتقادات والرغبات، والقاصد والإدراكات، وكذلك ضروب الحب والمكاره، والمخاوف والآمال. فـ"القصدية"، إذا شئنا التكرار، هي المصطلح العام لجميع الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتوجه بها العقل، أو يتعلق، نحور الأشياء أو الحالات الفعلية في العالم. صــ 128
▬ هناك واقع موضوعي يوجد بمعزلٍ عنا بالكامل، توجد فيه الأشياء على نحوٍ مستقل عن الملاحِظ، وتكون أحكامنا على ذلك الواقع حقيقية أو زائفة استنادًا إلى الطريقة التي نمثل بها كيف توجد الأشياء بدقة. ويتألف ذلك الواقع من دقائق فيزياوية في حقول القوة. وتنتظم الدقائق في العادة في منظومات أكبر. وإحدى تلك المنظومات هي منظومتنا الشمسية الصغرى، بما فيها كوكبنا الأرضي بوصفه نظامًا فرعيًا. وعلى سطح الكوكب الذي نعيش فيه، فإن الأنظمة التي تتكون في الغالب من نويات قائمة على الكاربون هي الأنظمة الحية التي تشكل أعضاءً للأنواع التي تطورت وارتقت عبر حقب زمنية طويلة. بعض هذه الأنظمة الحية هي الحيوانات، وبعض الحيوانات لديها أجهزة عصبية، وبعض الأجهزة العصبية يمكن أن تتسبب في الشعور وتغذيته. وفي العادة فإن الحيوانات الشعورية الواعية تمتلك القصدية.. وبمجرد أن يكون نوع معين قادرًا على الشعور والقصدية، فإن القصدية الجمعية ليست بالخطوة البعيدة. وإني ليذهب بي التخمين إلى أن جميع الأنواع الحيوانية الواعية القصدوية تمتلك صورة من صور القصدية الجمعية، غير أني لا أعرف ما يكفي عن الإثنولوجيا والبيولوجيا الحيوانية، لكي أجعل ذلك أكثر من مجرد تخمين. ومع القصدية الجمعية يمتلك النوع تلقائيًا وقائع اجتماعية وواقعًا اجتماعيًا. فالشعور والقصدية جزءان واقعيان مستقلان عن الملاحظ من العالم الواقعي، لكنهما يعطيان القدرة على خلق ظواهر تعتمد على الملاحظ. وتكمن الوظائف بين هذه الظواهر التي تعتمد على الملاحظ. ويمتلك كثير من الأنواع القدرة على إسناد الوظائف للأشياء. لكن القدرة التي يتفرد بها الإنسان هي القدرة على فرض وظائف الوضع، وبالتالي على خلق الوقائع المؤسساتية. وتتطلب وظائف الوضع وجود اللغة أو في الأقل وجود قدرة على الترميز شبيه باللغة. صــ 198، 199