اريخ الفلسفة– القيمة والانتظارلا يخلو الحديث عن تاريخ الفلسفة من بعض إشكالات
تقتحمنا باستئذان أو بدونه، وهي تتعلّق عامة بمشكلة الماضي في علاقته بالحاضر، وبالفعل لمَ نستدعي الماضي؟ هل من باب تنشيط الذاكرة وبمنطق السّرد العفويّ أو الروائيّة السّاذجة، أم من باب التّفكير في تاريخ الفكر الفلسفي على أساس أنّ «هناك فلسفة في تاريخ الفلسفة»
(1) على حدّ عبارة هيغل؟ ثم لمَ نمنح ما في الأفكار أو المذاهب أو الأنساق صفة الحضور هنا والآن وقد بات لدينا جديدها وأجدّها؟ ألا نخشى الماضي «سيّما إذا ما ادّعى هذا الماضي أنّ من حقّه أن يستمرّ في الحاضر وأن يتأبّد؟»
(2)، لمَ نفعل ذلك في عصر حداثة عمّمت مقولة
التّطور والتّقدم على كلّ السياقات والفضاءات المعرفيّة منها خاصّة
التّقدم كمقولة تقوم على التجاوز في اتّجاه خطّيّ نحو الأفضل، الأحسن، الأنجع والأصلح للإنسان، فآخر المواقف العلمية أو التكنولوجية مثلاً هو دائماً أجدّها وأكثرها فاعلية ونفعاً، والسابق فيها ضعيف فقد نجاعته وبالتالي أحقيّته في الحضور،
فهل ينطبق هذا المنطق على المواقف الفلسفية؟ يوجد فارق نوعي بين السياق الفلسفي والسياق العلمي (رغم إمكان التقاطع ورغم ما توفره قضايا العلم من مناسبات للتفلسف)، فإن كان في الإمكان الحديث عن تقدّم في العلوم الطّبيعيّة مثلاً، على أساس التّمشّي التّجاوزي والتّقدمي، فإنّ عبارة
التقدم ستبدو في نشاز مع المعقوليّة الفلسفية، إذ ما من وجاهة في القول إنّنا كلّما تقدّمنا في الزمن تقدّمنا في الفلسفة، فالمشكلة الفلسفية تنبثق باستمرار في أوضاع زمنية قد نخالها لا تستدعيها، إنّها تحيا في فضاء من اللاتناهي وفي نوع من الخلود، وتتمتّع بأصالة تمنحها هيأة الكونيّ المحايث لكلّ خصوصيّة زمنيّة وواقعيّة. فكلّما أوغلنا أكثر في تاريخ الفكر الفلسفي كشفنا في كلّ آن من آنائه أصالة يتشابك فيها الخصوصيّ ماضياً وحاضراً مع الكونيّ والكليّ وأعدنا صياغة الأسئلة الأساسية بحسب مقصد جديد، فلتاريخ الفلسفة قيمة فلسفيّة/تعليميّة، من جهة أنّه شرط أساسيّ لمزاولة البحث الفلسفي، وهو يثير في حقيقته مشكلاً يتعلّق بالأنساق التي لا تنفكّ تنتج راهنيّتها رغم تجذّرها في عمق الماضي، الأمر الذي يجعل من تاريخ الفلسفة تاريخ أحياء لا تاريخ أموات، أو هو تاريخ الماضي الحاضر دوماً. وقد سبق لـ مارسيال ڠيرو M. Guéroult أن أشار إلى التعايش الذي يظلّ راهناً بين الأنساق الفلسفيّة رغم تصارعها، من خلال بيان الفرق النّوعي بين تاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم. فالأنساق الفلسفيّة حسب ڠيرو، لا تحقّق انتصارات نهائيّة على الأفكار التي تناوئها، ولا يمكن لنسق فلسفيّ أن يدحض ويفنّد بشكل قطعيّ ونهائيّ، وإنّما تتعايش الأنساق بتناقضاتها وتوافقاتها على صعيد تاريخيّ أفقيّ تتساوى فيه من حيث قيمة طرحها للمشكلات. أمّا فيما يخصّ تاريخ العلوم، فإنّ النّظريّة الرّاهنة تلغي الماضية، والعلم لا يلتفت إلى ماضيه إلاّ لإعادة تنظيمه وتقييمه وتجاوزه، وفي نفس السّياق يؤكّد ألكسندر كويري A. Koyré أنّه إذا كان «تاريخ العلوم ليس بالقطع تاريخاً ميتاً يشكّل في جملته أشياء ميتة، فإنّ علم الفلك الكوبرنيكي أو النّيوتنيّ لم يعد يهمّ أحداً وليس له أيّ قيمة راهنة، وهو في ذلك يختلف اختلافاً عميقاً عن تاريخ الفلسفة، إذ أنّنا نعتبر عن خطإ أو عن صواب أنّ أفكار أرسطو أو أفلاطون لها قيمة راهنة».
(3)إذن لتاريخ الفلسفة راهنيّة ضروريّة تمنع عنّا حبسه في مجرّد دلالة ماضويّة، لكنّ هذه الرّاهنيّة على صلة أنطولوجيّة بذاتيّة تستدعي التّاريخ إليها قراءة وتأمّلاً وتأوّلاً، الأمر الذي يثير مشكل القراءة بين حدّيّ الذّاتيّة ومطلب الموضوعيّة.
إنّ استحضار تاريخ الفلسفة برغم مطلب الموضوعية في القراءة يعبّر عن بناء نص على تخوم النص وعن مقاصد ذات تتوجّه إلى التاريخ، فلا مفرّ من الذّاتيّة، وليست عودتنا إلى القراءة الأرسطية لتاريخ الفلسفة إلا إعادة بناء نص على تخوم النص الأرسطي، بناء لا يدّعي المماثلة وإنّما له شرف المقاربة.
إلاّ أنّ في عودة الذات إلى التّاريخ، يتولّد السؤال عن طبيعة هذه العودة، من حيث هو سؤال عن حقيقة العلاقة ذات/تاريخ، فهل تستدعي الذات/التاريخ فقط جدلاً وحواراً وتفكّراً بما يعنيه ذلك من مدّ التفكير وجزره بمنعطفاته ومطبّاته وتلوّن لحظاته: تناقضاً وانسجاماً، تعثراً وقياماً، خصومةً وتوافقاً، إشكالاً واستشكالاً، أم تستدعيه أيضاً لتسوقه وفقا لمسبقاتها ومطيّة لغاياتها؟
ليس مشكل ولوج الذاتيّ للتاريخيّ بأمر مستجدّ، ولا بأمر يخلع القيمة عن قراءة التاريخ، خاصة إذا ما تعلّق الأمر بقراءة الأفكار لا الأحداث، لكن يبقى لنا حق التساؤل: هل هذه الذاتية هي من قبيل ما يتسرّب إلى قراءتنا رغم جهد التجرّد والموضوعية، أم هي من قبيل
الإضمار المسبق في توجيه القراءة إلى غاية اختيرت بعناية؟ وإذا صحّ الافتراض الأخير ألا تكون حينها علاقة القارئ بالتاريخ علاقة هيمنة واستحواذ وتعسف، تجعل منه مساراً تبريرياً في اتجاه مذهبيته ومبتغاه؟ أليس هذا التوجيه نوعاً من القراءة التيليولوجية التي تسوق التاريخ إلى غايته حيث كماله ونضجه وثمرته النهائية؟ أم أنّ هذا المسبق الذاتي (précompréhension) في القراءة هو من قبيل الضرورة الأنطولوجية قبل أن يكون ضرورة ابستيمولوجية على أساس أنّ الأثر التاريخي لا يُستدعى إلاّ بضرب من التأويل والفهم وأنّ الفهم كما أشار پول ريكور P. Ricœur ليس نمطاً من أنماط السلوك وإنّما هو نمط وجود الذّات نفسها؟
لا فكاك من هذه التساؤلات أمام (ألف من الميتافيزيقا أرسطو) كأوّل تأريخ للفكر الفلسفي على حد عبارة إميل برهيية E. Bréhier، والتي تجعل من أرسطو أباً لتاريخ الفلسفة، وخاصة أمام الإقرار الأرسطي فيما يخصّ استدعاء فلسفات السابقين:
“Cette revue sera profitable pour notre recherche actuelle: ou bien, en effet، nous découvrirons une autre espèce de cause, ou bien notre confiance sera affermie dans notre présente énumération“.
(4)ذلك أنّ هذا الإقرار يمنحنا في قراءته الأولى، انطباعاً بتواضع فكري أرسطي تجاه عظمة الحقيقة ومشقّة تحمل أعباء السبيل إليها، وكأنّ أرسطو يبتغي من رصد أفكار السابقين دفقاً قد يعينه في مبحث العلل وإجلاء المبادئ الأولى بما هي رهان بحث لم يكتمل بعد، وهو أمر قد يوحي أنّ رصد أرسطو للفلسفات سيتمّ بمعزل عن
نوايا الذّات، لكنّ عبارته: “ou bien notre confiance sera affermie dans notre présente énumération”.
تفسد علينا هذا الانطباع، وتدفع نحو
سوء النيّة تجاه نيّة أرسطو، فاستدعاء الماضي في هذه العبارة قد يكون لأجل حاضر منجز ومكتمل (نسق أرسطو)، الأمر الذي يعيدنا إلى التساؤل: هل القراءة الأرسطية لتاريخ الفلسفة هي رصد تاريخي يبتغي من الأنساق الفلسفية تتبع الحقيقة في تمظهراتها المختلفة والمتعدّدة، أم هي قراءة تأويليّة/احتوائيّة لفلسفات؟ ولكن من جهة أخرى، هل من حقيقة للتّاريخ بمعزل عن أرسطو قارئاً للتّاريخ؟ هل يعكس النّص الأرسطي تاريخ الفلسفة أم يتأوّله؟
يلزمنا كلّ تفكير في التّاريخ النّظر إليه في معنييه: فمن جهة يشير التّاريخ إلى الصيرورة بما هي تعاقبيّة الأحداث في العالم، أو العالم الإنساني (التاريخ بوصفه معيشاً وفعلاً صادراً عن البشر)، أمّا من جهة أخرى فيشير الى التاريخ بما هو تمثّل هذه الصيرورة، أي التاريخ بوصفه سرداً، عرضاً، ودرساً. يتّصل المعنى الأوّل بالتاريخ بما هو ماض أمّا الثاني فيتّصل به بما هو معرفة.
المعنى الأول:يثير المعنى الأول لمفهوم التاريخ مشكلات فلسفة التاريخ على نحو:هل ثمّة تاريخ كلّيّ، كونيّ وغائيّ؟ هل من صيرورة رئيسة تتّجه وفقها كلّ التاريخيّات الجزئيّة والخاصّة، أم أنّه لا وجود إلاّ لتاريخيات مبعثرة وجهويّة إلى ما لانهاية؟ هل يتقدّم التاريخ وفق ضرورة
مادّية كانت أو عقليّة تقوده نحو قراره حيث غايته، أم أنّ التاريخ حدثيّة وممكنات يكون للإرادة الإنسانية فيها اقتدار على الفعل والتّغيير؟
المعنى الثاني:أمّا المعنى الثاني للتّاريخ بما هو معرفة، يثير المشكلات الإبستيمولوجيّة للمعرفة بالتاريخ من جهة طبيعة المنهج والمفاهيم (مفهوم الواقعة التاريخية خاصة)، ومشكل الذاتيّة والموضوعيّة. (هل العمل التاريخي مجرّد وصف للواقعة أم إعادة بناء لها؟)، ذلك أنّ التاريخ كنمط معرفيّ إنّما يسير عل حدّ السّيف بين هوّتين: من جهة، ذاكرة متحيّزة تحتضن الماضي بشوائب ذاتيّة قد تحرّفه وتشوّهه، ووهم الاعتقاد في ائتمان مطلق وحياد تام، وفي معالجة موضوعية مطابقة لحقيقة الصيرورة الإنسانية من جهة أخرى. من البديهيّ أن يستهدف قارئ التاريخ حقيقة الماضي الإنساني على معنى تفسيره وفق نظام الترابط السببي/الضروري، ولكن أيضاً ليس بإمكانه تجاهل النّسبيّة التي تنبعث من منظوريّته (كوضع تاريخي)، فكلّ تاريخ هو تاريخ ماض يستدعيه حاضر، بمعنى أنّ قراءة التّاريخ هي بحدّ ذاتها وضع تاريخيّ، وهذا أمر يخبر عن مقدار ضروريّ للذاتيّة في كلّ قول عن التاريخ، وعلى هكذا معنى يكتب ليڤي شتراوس في (La pensée sauvage):
“L‘histoire n‘est donc jamais l‘histoire، mais l‘histoire pour”.
وبالفعل، هل تنعطي الواقعة التّاريخية للمؤرّخ كما هي أم أنّ هذا الأخير هو الذي يبنيها؟ يجيب ريكور:
“Le document n‘était pas document avant que l‘historien n‘ait songé à lui posé une question، et ainsi l‘historien institue، si l‘on peut dire، du document en arrière de lui et à partir de son observation, par là même il institue des faits historiques”.
(5)المؤرّخ، إذن، هو الذي ينشئ النص التاريخي عبر عمليّة تمثّليّة أو استحضار للمعطى التاريخيّ، والاحضار بما هو دعوة الماضي إلى الحاضر، هو ما يجعل معرفة الماضي أمراً ممكناً، فتشييد النّص عن التاريخ هو التّوجّه للماضي عبر عمليّة استنطاق تقودها أسئلة المؤرّخ وهو أمر يسمح بالقول أنّ الواقع التاريخي مشكل للتّفكير أكثر منه معطى متموضعا للوصف المعرفيّ، وميزة المشكل رغم استناده الى وقائع فعليّة/موضوعية أنّه يحسم بخيار ذاتيّ (ترجيح سبب مفسّر على آخر)، خيار ذاتيّ وليس خياراً اعتباطيّاً طالما أنّه يقوم على مقتضيات منهجيّة في الاستدلال وهي ضرب من الموضوعيّة الخاصّة، إنّ حضور الذّاتية في قراءة التّاريخ ليس اقتحاماً معانداً، وإنّما شرط إمكان.يكتب ريكور:
“La subjectivité de l’historien n’apparaît donc pas comme un obstacle à la connaissance du passé, mais bien plus comme sa condition sans laquelle l’histoire ne serait pas pensable”.
(6) لا ينساب التاريخ، إذن وهذا من مفارقات الأمور من الماضي في اتجاه الحاضر لتكون مهمّة المؤرّخ حينها مجرّد معاينة وتسجيل، وإنّما من الحاضر نحو الماضي عبر البناء الذي يجريه المؤرّخ، فالوقائع لا توجد على نحو مسبق في عمل المؤرّخ وإنّما هو الذي ينشئها من خلال تصوّرها في نظام علائقيّ مناسب ووجيه، الأمر الذي يجعل من التاريخ والنّص التاريخي فضاء جدّة بتجدّد البناءات والرّؤى والفهوم، على أنّ ذلك لا يعني تقديم
ثرثرة سرديّة مفرغة من كلّ شرط موضوعيّ، ولكن أيضاً لا تعني موضوعيّته انعكاساً لواقع في ذهن ذات صوريّة وخاوية وإنّما هي جهد ذاتيّة
جيّدة مقابل أخرى قد تكون
سيّئة. إنّ معرفة التّاريخ ضرب من التّأويل لأنّنا لا نعرف واقعاً بل نعرف دلالاته الممكنة، إنّه ليس مجال حقيقـة وإنّما حظيرة معنى، فالتّأويل موجود بوجود العبارة الدّالّة والتي تقتضي استنطاقاً، لإنشاء المعنى، وارتقاء بالذاتيّة الخاصة إلى أفق كونيّ هو أفق الإنسان.
“J‘ ai besoin de l histoire pour sortir de ma subjectivité privée et éprouver en moi même et par-delà l’être-homme”.
(7)II. كتاب الألف– ميلاد الاستقصاء التّخصّصي لتاريخ الفلسفةكَتَبَ هيغل «تستمدّ الفلسفة أصولها من تاريخ الفلسفة والعكس صحيح، الفلسفة وتاريخ الفلسفة، كلّ منهما مرآة للآخر ودراسة هذا التاريخ هي دراسة الفلسفة ذاتها». ويبدو أنّ هذه المرآة كانت صنعاً أرسطيّاً بامتياز، وإن كان تاريخ الأفكار الفلسفيّة يضرب في عمق لا تدركه حفريّاتنا إلاّ أنّ ميلاد قراءته تخصصيّاً ومنهجيّاً كان مع الأرسطية،
فلـ أرسطو يعود أكثر الفضل في تشييد النص التاريخي للفلسفة تشييداً مؤسّساً، على أنّ ذلك لا يغفلنا عما استحضرته المحاورات الأفلاطونية من أفكار الفلاسفة الأول.
ولم تقع معالجة تاريخ الفلسفة بصفة مسترسلة وبوصفه أيضاً غرضاً معرفياً إلاّ في كتاب (الألف من الميتافيزيقا)، وفي غير ذلك من المؤلفات الأرسطية فإنّنا لا نعثر سوى على بعض المقاربات الجزئية أو بعض الرؤى النقدية الخاصة بنسق محدّد، ويبدو أنّ تجميع هذه الرّؤى أو المقاربات التحليلية والنقدية داخل هذا الكتاب كان استجابة لوعي بضرورة بناء قراءة تاريخية ملمّة ومنتظمة وهو ما يمكن أن نتأوّله من موقف هيغل، حيث نجده لا يتردّد في إشادته بـ أرسطو:
“Aristote est la source la plus riche. Il a fait des anciens philosophes une étude délibérée et fondamentale: au début de sa métaphysique surtout il en a traité historiquement et dans l’ordre”.
(8)يجلي هذا الإقرار اعترافا “بأسّيّة” القراءة الأرسطيّة لتاريخ الفلسفة على معنى القراءة التخصصيّة المنتظمة في مقابل القراءة
الشذراتية التي تستحضر من تاريخ الأفكار ما يمكن أن يكون مناسبة وسنداً للتفكير وتفجير الإشكالات الفلسفيّة على نحو ما فعل أفلاطون مثلاً.
إذن انتظم القول التاريخيّ في الفلسفة مع أرسطو، بشهادة هيغليّة ترى في الأرسطية المصدر الأكثر ثراء في رصد تاريخ الفلسفات وعرض أطروحاتها ومفاهيمها وفق تعاقبها الزّمني المنتظم والمتّجه بضرب من التأويليّة الأرسطيّة نحو بناء فلسفة أرسطو ذاتها، لكنّ على الأمر اعتراضات مثل التي سجّلها پيار دستري P. Destrée، ذلك أنّه ينكر على الهيغليّة إسنادها أبوّة تاريخ الفلسفة لـ أرسطو، وفقاً للاعتراضات التّالية:
أوّلاً: إنّ أرسطو لم يقدّم إطلاقاً نسقاً مكتملاً وقطعيّاً لأفكاره.
ثانيا: لم يحجم أرسطو، نفسه، عن تقديم تأويلات جدّ مختلفة بل وحتّى متناقضة لبعض الفلاسفة السابقين.
ثالثا: إعلان أرسطو رفضه لتاريخيّة تخصّ الفلسفة في سياق دفاعه عن الأفضليّة الفلسفيّة للشعر مقارنة بالتاريخ
(La Poétique)
(9)، ومهما يكن من أمر العلاقة بين أرسطو وتاريخ الفلسفة، فإنّ رهان بحثنا الحاليّ إنّما هو في جزئه الأوّل بعد المقدّمة متعلّق بنماذج من عرض تاريخ الفلسفة والوعي الأرسطي بحدوده، أمّا جزؤه الثّاني فسيتعلّق ببيان النّزعة التّأويليّة ومسبّقاتها (précompréhensions) في قراءة أرسطو للفلسفات.
التتمة في العدد