إضرابات عمالية لا تعطّل الحياة الطبيعية ... والبشري يرأس لجنة التعديلات
ثـورة مصـر تحـاور الجيـش: اسـتفتاء الدسـتور خلال شـهرين
|
مصري يلتقط صورة لابنته التي تقف على جنازير دبابة للجيش في ميدان التحرير في القاهرة أمس (أ ب) |
|
|
|
|
|
بدت مصر، في اليوم الثالث لمرحلة ما بعد الرئيس
المخلوع حسني مبارك، مقبلة على انتقال سلس من الحكم العسكري الانتقالي إلى
السلطة المدنية الديموقراطية، بعدما أشاعت مواقف المجلس الأعلى للقوات
المسلحة ارتياحاً واسعاً لدى قوى المعارضة، سواء في تأكيده، خلال لقاء مع
مجموعة من شباب «ثورة 25 يناير»، بأن المرحلة الانتقالية لن تكون طويلة،
وأنها قد تنتهي خلال أسابيع وليس خلال أشهر، أو في اختياره المستشار
القضائي البارز طارق البشري، وهو من الشخصيات القريبة من المعارضة، رئيساً
للجنة القانونية المكلفة إعداد دستور جديد للبلاد.
وباستثناء بعض
التحركات الشبابية والقطاعية التي شهدتها شوارع القاهرة وعدد من المدن
المصرية، أمس، بدا أن حياة المصريين مستمرة في العودة إلى طبيعتها، وخصوصاً
في ميدان التحرير، رمز «ثورة 25 يناير»، في ما وصفته مصادر في القاهرة
بأنه بادرة حسن نية من شباب الثورة تجاه الحكم العسكري الانتقالي، وهو ما
عبر عنه ائتلاف شباب الثورة الذي أكد أنه «لا تزال هناك خطوات ينبغي
تحقيقها» في مسيرة التغيير، وأن الضمانة الوحيدة لتحقيق الأهداف تكمن في
«استمرار الثورة وبقاء الجماهير متأهبة»، مع مواصلة الحوار مع الجيش.
وفي
أول لقاء بين مجموعة من ائتلاف «شباب ثورة 25 يناير» وقيادات من المجلس
الأعلى للقوات المسلحة، أبلغ اثنان من قادة المجلس بأن المؤسسة العسكرية
تأمل في الانتهاء من صياغة التعديلات الدستورية خلال الأيام العشرة
المقبلة، مشددين على ان الفترة الانتقالية لن تطول، وأن الاستفتاء على
التعديلات الدستورية قد يتم في غضون شهرين.
وقال الناشط وائل غنيم، في
صفحته على موقع «فيسبوك»، انه وسبعة ناشطين آخرين التقوا مع اثنين من أعضاء
المجلس العسكري، هما اللواء محمود حجازي والفتاح قدسية. ونقل غنيم عن
المسؤولين العسكريين قولهما إن اللجنة الخاصة المكلفة بإعداد التعديلات
الدستورية ستنتهي من صياغتها خلال عشرة أيام، وأن المجلس العسكري يعتزم
إجراء استفتاء على هذه التعديلات خلال شهرين، الأمر الذي يمهد السبيل
لإجراء انتخابات ديموقراطية.
وقال غنيم إن المسؤولين العسكريين أكدا
لوفد الشباب أن السبب الوحيد لتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم في
مصر كان من اجل حماية المطالب المشروعة لـ«ثورة 25 يناير». وأضاف أن قيادات
المجلس شددت على أهمية ملاحقة الفاسدين، مهما كانت مناصبهم السابقة أو
الحالية، وأنه لا بد من تشجيع الجيش للشباب من أجل البدء في اتخاذ خطوات
جدية لإنشاء أحزاب تعبر عن أفكارهم وآرائهم، وأن الجيش سيكون ضامنا للتحول
الديموقراطي وحماية الديمقراطية، وأنه لن يتدخل بأي شكل من الأشكال في
العملية السياسية، مع التأكيد على محاسبة كل من ثبت تورطه في استشهاد أو
إصابة المتظاهرين.
بدوره، قال الناشط زياد العليمي، وهو أحد ممثلي
«ائتلاف شباب الثورة»، إن «وفدا من المكتب التنفيذي للائتلاف، يضم احمد
ماهر وخالد السيد ومحمود سامي وعبد الرحمن سمير ووائل غنيم وأسماء محفوظ
وعمرو سلامة ومحمد عباس، التقى قيادة الجيش التي طلبت من الائتلاف ان يقدم
مطالبه مكتوبة خلال لقاء آخر قبل نهاية الأسبوع».
وأشار العليمي إلى أن
«أهم مطالبنا التي سنطرحها خلال اللقاء المقبل مع قيادة الجيش، يوم
الأربعاء على الأرجح، هي تغيير الحكومة وتعيين حكومة إنقاذ وطني من
التكنوقراط خلال المرحلة الانتقالية، وإلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق سراح
جميع المعتقلين، وإطلاق الحريات السياسية وعلى رأسها حرية تكوين الأحزاب
والنقابات».
اللجنة الدستورية
في هذا الوقت، علمت «السفير» أن رئيس
المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد طنطاوي عرض على نائب الرئيس
السابق لمجلس الدولة المستشار طارق البشري أن يترأس اللجنة التي ستقوم
بصياغة دستور جديد للبلاد، وأن البشري وافق على تولي المهمة.
ومن
المتوقع أن يلقى هذا الخبر تأييداً واسعاً من قوى المعارضة المصرية، خاصة
ان البشري يعد من بين الشخصيات القضائية والفكرية البارزة في مصر التي تحظى
بإجماع وطني، ولكونه أيضا شخصية مستقلة محسوبة على المعارضة، وإن كان لا
ينتمي إلى أي جهة سياسية.
يذكر ان حركة «كفاية» كانت قد رشحت البشري
منذ أعوام ليكون رئيسا لمصر، لكنه رفض هذا الاقتراح. ومن المعروف أن البشري
نشر في العام 2004 سلسلة مقالات تحت عنوان «دعوة إلى العصيان المدني»، وهي
تعد دستور ومحرك الكثير من الحركات السياسية المعارضة.
شباب الثورة
وفي
مؤشر إلى الارتياح الشعبي لما اتخذ حتى الآن من قرارات تصب في إطار
التغيير الديموقراطي، أعلن «ائتلاف شباب الثورة»، خلال مؤتمر صحافي عقده في
مبنى صحيفة «الشروق» في القاهرة، أن عدداً من مطالب الشعب المصري تحقق
بالفعل، وهي «رحيل الرئيس السابق، ووقف العمل بالدستور، وحل مجلسي الشعب
والشورى»، لكنه أشار إلى المطالب الأخرى التي لم تحقق بعد، لافتاً إلى ان
«الضمانة الوحيدة لتحقيق كل مطالب الشعب المصري تكمن في بقاء الجماهير على
استعدادها»، مؤكداً ضرورة العودة إلى التظاهر في حال عدم تحقيق المطالب.
ووزع
الائتلاف «ورقة سياسية» ضمنها أهدافه للمرحلة المقبلة، مطالبا المجلس
الأعلى للقوات المسلحة بإصدار «إعلان دستوري مؤقت، وفي متنه مدته الزمنية،
لتنظيم مرحلة الانتقال».
من جهتها، طالبت حركة «شباب 6 أبريل» القوات
المسلحة المصرية بسرعة الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم
في عهد النظام السابق من دون التمييز بينهم على خلفية أفكارهم أو
إنتماءاتهم السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين الذين شاركوا في
ثورة «25 يناير».
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم حزب الجبهة
الديموقراطية إبراهيم نوارة إن الحزب والجمعية الوطنية للتغيير، شكلا
العديد من اللجان للمساهمة في تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، مشيراً ان
الحكومة الحالية هي مجرد حكومة لتسيير الأعمال فقط، بالإضافة إلى أن هناك
مجموعة كبيرة من الوزراء الحاليين مرفوضون من قبل الشعب.
ميدان التحرير
في
هذه الأثناء، عادت الحركة إلى طبيعتها في ميدان التحرير وباقي شوارع
القاهرة والمدن المصرية، بالرغم من استمرار بعض التحركات الاحتجاجية
الشبابية والقطاعية في الشارع. وكانت حركة المرور مزدحمة كعادتها في ميدان
التحرير، حيث لم تعد توجد في الميدان سوى مجموعة صغيرة من الناشطين الذين
ضربت الشرطة العسكرية طوقا حولهم.
وأعلن مئات من ضباط الشرطة المصرية
تأييدهم للثورة التي أسقطت الرئيس حسني مبارك وطالبوا بمكافحة الفساد في
البلاد. ودخل مئات الضباط بالزي الرسمي أو بملابس مدنية ميدان التحرير في
وسط القاهرة لإبداء تضامنهم مع المحتجين، وكانوا يلوحون بعلم مصر ويرددون
هتافا يقول «الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة»، مؤكدين انهم يريدون تكريم
شهداء الثورة.
وقال مصدر مقرب من ائتلاف «ثورة 25 يناير» لـ«السفير» إن
شباب الثورة، وفي «بادرة حسن نية» تجاه المجلس العسكري الحاكم، بعد سلسلة
«القرارات الإيجابية» التي أصدروا، بدأوا بـ«تسهيل الحركة في شوارع القاهرة
وباقي المدن، وذلك بهدف منح الحوار مع السلطة القائمة مزيداً من الوقت
باتجاه تحقيق باقي مطالب الثورة»، لكنه أوضح أن تراجع حركة الاحتجاج في
الشارع «لا يعني أن الثورة انتهت».
وأشار الى أنّ «ما يجري حالياً هو
إعادة تنظيم لأشكال التحرك، بانتظار ما ستسفر عنه جلسات الحوار»، مضيفاً أن
«تحركات شباب الثورة خلال الفترة المقبلة ستتخذ شكل مسيرات مليونية كل يوم
جمعة احتفالاً بالانتصار من جهة، ومتابعة لتنفيذ المطالب من جهة ثانية».
وكان
المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية قد أعلن، في بيان جديد، أن «بعض
القطاعات في الدولة تقوم بتنظيم وقفات برغم عودة الحياة الطبيعية في ظروف
من المفترض أن يتكاتف فيها كافة فئات وقطاعات الشعب لمؤازرة هذا التحرك
الإيجابي ودعم جهود المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحقيق كافة طموحات
وتطلعات المواطنين».
وأضاف أن «المصريين الشرفاء يرون أن هذه الوقفات
في هذا الوقت الحرج تؤدي إلى آثار سلبية» تتمثل في «الإضرار بأمن البلاد
لما تحدثه من إرباك في كافة مؤسسات ومرافق الدولة»، و«التأثير السلبي على
القدرة في توفير متطلبات الحياة للمواطنين»، و«إرباك وتعطيل عجلة الإنتاج
والعمل في قطاعات من الدولة».
في هذا الوقت، طلبت السلطات المصرية من
فرنسا وبريطانيا تجميد الأصول المصرفية العائدة لرموز نظام حسني مبارك، وهو
ما أكدته كل من باريس ولندن، من دون أن توضح ما إذا كان ذلك يشمل الرئيس
المخلوع، في وقت أبدت الدول الأوروبية استعداداً للتعاون مع السلطات في
القاهرة حول هذه المسألة.