لا
صوت يعلو علي الهتاف الذي يطلقه الشباب الغاضب في ميدان التحريرعبر حنجرة
واحدة قائلين "الشعب يريد إسقاط النظام" .. لا يكف هؤلاء طوال اليوم عن
إطلاق هذا الهتاف الذي يتردد صداه عبر جنبات العالم من حولنا .دون أن يدري
هؤلاء بأن النظام الذي يطالبون بإسقاطه قد سقط بالفعل تحت أقدامهم في ميدان
التحرير منذ اليوم الأول الذي انطلقت فيه شرارة الثورة.لقد فقد ها النظام
شرعيته التي تهاوت مع إطلاق الرصاصة الأولي من فوهةإحدى البنادق بيد قوات
الشرطة نحو صدر أول شهيد للثورة . فالنظام الذي أقسم علي أن يرعي مصالح
الشعب يسقط علي الفور حين يقرر إطلاق الرصاص الحي علي شعبه الأعزل . الذي
خرج معلنا عن مطالب اتفق الجميع علي أنها شرعية .ويحق للشعب أن يرفع صوته
مطالبا بها . لقد شاء هذا النظام أن يكتب شهادة وفاته بالرصاص الحي . وبدم
الشبان من شعبه . ولم يبق إلا أن يتم تشييع جثمانه ملفوفا بالعار إلى مثواه
الأخير في أحد البلاد التي تقبل بإفساح مكان له علي أرضها ليمضي فيها ما
تبقى له من أيام علي ظهر الأرض . هكذاانتهي النظام الذي تهتف حناجر الشباب
الآن مطالبين بإسقاطه ولم يتبق منه سوى بعض الفلول التي لا تزال تحارب
معركتها الأخيرة . ضد ثوار التحرير .عبر كل وسيلة ممكنة في يد جهازه
الإعلامي والقائمين عليه . ومن حسن حظ هؤلاء الثوار من مغاوير التحرير أنه
الجهاز الأضعف من بين كل أجهزة النظام البائد . بعد أن انفرط عقد جهازه
الأقوى الذي كان يتمثل في قوات الأمن . حين قام بتسليم الشارع للبلطجية
وأرباب السوابق قبل أن يولي هاربا أمام زحف الثائرين ليبحث له عن ملاذ
يحميه من غضب الثوار .لم يعد هذا الجهاز الإعلامي يملك من أمره غير إطلاق
الشائعات والأكاذيب . وتضليل الجماهير لتشويه صورة الثوار في نظر المواطنين
البعيدين مكانا عن صورة الميدان . ولكن الغباء الذي اتسم به القائمون علي
أمر هذا الجهاز أوقعهم في العديد من الأخطاء التي حولت رصاصهم الطائش إلي
صدور من أطلقوا . فقالوا مثلا أن الطعام يأتي إلي المعتصمين من "كنتاكي".
وإن الجهات الأجنبية التي حرضتهم علي القيام بالثورة تقوم بمنح مائة دولار
لكل شاب منهم في اليوم الواحد . وأنه قد تم إلقاء القبض علي عدد من
الإيرانيين والفلسطينيين والإسرائيليين وسط المعتصمين بميدان التحرير بل
وصل البهتان إلي اتهام هؤلاء النبلاء من الشبان الأطهار بالتحرش والاغتصاب
!ولأنني كنت منذ اللحظات الأولي للثورة وسط هؤلاء الشبان لشحذ همتهم .والشد
علي أياديهم . فقد رأيت الصورة كما هي في الواقع . شبابا لم أكن أتصور أن
أمثالهم لا يزال له بقية في مصر . لما رأيته فيهم من طهارة وحماسة الأبطال
وإخلاص الحواريين . وإقدام الشهداء وجسارتهم .رأيتهم وهم يتلقون الرصاص
بصدورهم المفتوحة . وترى الواحد منهم والدم يسيل مدرارا من رأسه وهو لا
يشعر به إلا حين تتلقاه أيادي المساعدة .لقد خضت حرب أكتوبر ولم أر حولي من
رفاق السلاح من يشبه هؤلاء في حب الوطن والإقدام علي الموت من أجله .هؤلاء
هم من يحاول المشوهون تشويههم . إنهم أنبل من أنجبت أم . أما أولئك من
أذناب النظام البائد وفلوله المرتعبة . فهم أنجس وأقذر من رأتهم عين .
ولذلك فإن المطلوب الآن ليس هو إسقاط نظام ساقط بالفعل . بل"إسكات" نظام لا
يزال يلهث لافظا أخر أنفاسه الكريهة .