حين يبحث كبار المسئولين في الحكومة عن دليل يحتاجونه ليؤكدوا به ما يزعمونه من نجاح في رفع مستوى المعيشة للمواطنين وتحسن أحوالهم . فلا يجدون أمامهم غير الدلائل المتوفرة لدى طبقة ميسورة الحال تتمتع بالثراء الذي حصدوه ثمارا لسياسات حكومية خصتهم دون غيرهم من شرائح اجتماعية تحتل الدرجات الأدنى في سلم الاهتمام والرعاية . فقد ذكر الدكتور أحمد نظيف – على سبيل المثال – أن عدد أجهزة التكييف التي اشتراها المواطنون في العام الأخير بلغت 750 ألف جهاز . وهو ما يعنى في نظره ارتفاع مستوى معيشة كل المواطنين . وليس فقط المواطنين الذين تمكنوا من شراء تلك الأجهزة !
ويبدو أن السيد رئيس وزراء المحروسة قد غير رأيه في الكوكاكولا التي كان يعتبر أن ارتفاع معدلات استهلاكها دليل على ارتفاع مستوى معيشة المواطنين . والتي يبدو أن المواطنين أقلعوا عن شرائها بعد أن اتخذتها الحكومة حجة عليهم لتتهمهم بالثراء الفاحش !
هكذا لم يترك الدكتور نظيف دليلا على ارتفاع مستوى معيشة المواطنين الذي تحقق على أيدي حكومته دون أن يذكره . بدءا من زيادة كميات القمامة في الشوارع وانتهاء بأجهزة التليفون المحمول مرورا بأجهزة التكييف أو السيارات الخاصة . متجاهلا إحصاءات أكثر دلالة على سوء الأحوال والظروف المعيشية . مثل زيادة استهلاك أدوية الضغط والسكر والسرطان والفشل الكلوي ، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ، وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين الأطفال . وتفاقم مشكلة العنوسة وارتفاع معدلاتها بين الإناث والشباب الذين بلغوا سن الزواج والزيادة المضطردة في عدد أطفال الشوارع ، وعدد الشبان الذين انتحروا يأسا من الحصول على فرصة عمل ، أو الذين غرقوا في عرض البحر في محاولة شبه يومية بحثا عن فرصة عمل بالخارج ، وارتفاع معدلات السرقة والقتل بسبب الفقر والحاجة ، وأعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر ، أو الذين دفعتهم الأزمة الاقتصادية الأخيرة للانضمام إلى زمرة المعوزين .
كما تجاهل السيد رئيس الوزراء عدد الوقفات الاحتجاجية والإعتصامات أو الإضرابات أو المظاهرات التي قام بها مواطنون مطالبين بزيادة أجورهم . أو المطالبة بحقوق أخرى أكلتها عليهم آلة الحكومة الجهنمية.
كما لم يذكر السيد رئيس الوزراء شيئا عن أعداد الذين ماتوا بالتايفود بسبب مياه الشرب الملوثة أو عدد الذين حرمتهم الحكومة من المياه أو الكهرباء . وعدد المناطق العشوائية التي تسكن حزام الفقر وعزب الصفيح حول المدن . أو عدد المواطنين المعسرين الذين دخلوا السجون لعجزهم عن تسديد القروض التي حصلوا عليها من البنوك .
لم يذكر السيد رئيس وزراء المحروسة شيئا عن هؤلاء جميعا ، ولكنه اكتفى بذكر الزيادة في كميات الزبالة وتجاهل عدد المواطنين الذين يعيشون عليها . كما تجاهل فشل الحكومة في القضاء عليها . كما ذكر الزيادة في أعداد السيارات ولم الزيادة في أعداد الذين يموتون صرعى تحت عجلاتها بسبب سوء حالة الطرق وفشل الحكومة في تنظيم المرور .
وذكر الزيادة في أعداد المدارس الخاصة وتجاهل أن ذلك يعنى فشل العملية التعليمية في المدارس الحكومية .
هذا هو مستوى التفكير الأحادي الذي يحظى به الرجل الذي يرأس وزراء مصر وحكومتها . فما بالك إذن بمستوى تفكير الوزراء الذين يرأسهم . وهل يمكن لرجل أحادي النظرة كهذا الرجل يمارس التضليل والكذب الصراح أن ينجح في مهمته ويصل بمستوى معيشة مواطنيه إلي المعدلات التي يتحدث عنها ؟
ألا يعلم أن زيادة معدلات الثراء والغنى لدي البعض تعنى في المقابل زيادة معدلات الفقر ، أو كما قال علي بن أبي طالب " ما اغتنى غني وأثرى .. إلا بإفقار فقير " !