هل صحيح أن الشعب المصري "متدين" بطبعه كما يقول أكثر الذين اهتموا بدراسة الشخصية المصرية ؟
وإذا كان هذا القول حقيقيا . فهل تدين المصريين من النوع الحقيقي – وقر في
القلب وصدقه العمل – أم إنه مجرد تدين ظاهري ينفصل الشعور الديني عن العمل
والسلوك ؟
إقرأوا معي قصة الجاسوس المصري طارق عبد الرزاق وما
جاء في أقواله التي أدلي بها أمام جهات التحقيق لتجدوا الإجابة الصحيحة عن
السؤال السابق .
أقر الجاسوس طارق بأنه مسلم ويؤدي الفرائض
الدينية بحرص وانتظام . من صلاة وصوم . وإنه رفض ما عرضه عليه ضابط الموساد
الإسرائيلي من خمور أو نساء لأنه "مسلم" يحرص علي دينه !!
وحين
سأله المحقق عن زوجته الصينية وعما إذا كانت ضالعة معه في عملية التجسس أو
على علم بها أنكر الجاسوس ذلك بشدة . ولم يجد ما يدعم به إنكاره لذلك سوى
ما قاله "إنها مسلمة" . تصوم وتصلى وكانت تنوى الإقامة الدائمة بالدينة
المنورة بجوار قبر الرسول !!
إذن .. إسلام الزوجة المصرية .
والتزامها الديني كان يعني في نظره العاصم أو المانع من مشاركتها إياه في
أعمال التجسس . رغم أن إسلامه هو أو تدينه لم يمنعه أو يعصمه من الوقوع في
شرك الخيانة الوطنية والدينية . وكأن التدين "الصيني" أعلي كفاءة في العمل
من التدين المصري !!
هكذا كشفت اعترافات الجاسوس طارق عبد الرزاق
عن نوعية التدين الذي يتصف به معظم المصريين في واقع الأمر . فهو مجرد تدين
ظاهري ينفصل فيه القول والفعل عن كل ما يقتضيه التدين الحقيقي من سلوكيات
أو مواقف . فإذا نظرت حولك في كل ما يخص المواطنين من تصرفات . ستجد ما
يدعم هذه الظاهرة ويؤكدها . بدءا من لاعب الكرة الذي "يمثل" على الحكم
ليحصل منه على ضربة جزاء ظالمة ضد منافسه . ثم لا يلبث أن يسجد على أرض
شاكرا لله بعد أن يحرز الهدف الذي أسفر عن عملية خداع لا يقرها الدين . وها
نحن نرى فتيات محجبات ومخمرات بل ومنقبات يأتين في الشارع العام ببعض
الأعمال أو السلوكيات التي تتسم بالفحش أو الخلاعة وهو ما يتناقض مع ما
يفرضه عليهن الحجاب من حشمة ووقار .
وفي موسم الحج تجد أحرص الناس
على أداء المناسك هم تجار السموم أو الراقصات وأصحاب السلوك البطال . بل
والمسجلون في قضايا النشل والسرقة والنصب !!
وفي رمضان تجد كثيرا
من أصحاب التجارة في الممنوع أو الذين كدسوا أموالهم الطائلة من مصادر
مشبوهة . هم أحرص الناس على إقامة موائد الرحمن أو توزيع اللحوم على
الفقراء والمساكين . وفي المحاكم – شهود الإيجار – الذين يجلسون في
الكافتيريات انتظارا لمن يستعين بهم من محامين أو متهمين للإدلاء بشهادة
الزور بعد أن يقسم أمام القاضي "والله العظيم ها أقول الحق" !!
وفي دواوين الحكومة أو المصالح الحكومية ستجد الكثير من الموظفين الذين
يفترشون الأرض لإقامة الصلاة في أوقاتها . ثم بعد أن يفرغوا منها يجلسون
على مكاتبهم لإذلال المواطنين من أصحاب الحاجة . أو تخليصها في مقابل دفع
المعلوم !!
وهناك أفراد العصابة الذين يقرأون الفاتحة على ألا يخون أحدهم . أو يبلغ عن أسماء الباقين إذا ما تم القبض علي أحدهم !!
هذه هي بعض مظاهر التي تلاحظها بوضوح في سلوكيات ومواقف الكثيرين من
المصريين الآن . والتي تؤكد أن التدين الذي نراه لدى البعض ما هو إلا مجرد
ستار يخفى وراءه الكثير مما يناقضه . وقد تظاهر به هؤلاء إما لإبعاد
الشبهات عن أنفسهم أو لغسيل السمعة أو كسبا للثقة لتسهيل عملية الغش
والخداع وهو غالبا السبب في التدين الذي حرص الجاسوس طارق عبد الرزاق على
التظاهر به أمام إجهزة الرصد أمام عيون الرقباء وهو أيضا السبب في التدين
الظاهر لدى كل من يقولون ما لا يفعلون . ويظهرون غير ما يبطنون .... وما
أكثرهم !!!!