رغم
كل ما أثير حول الانتهاكات التي جرت في لجان الانتخابات مؤخرا . وهو ما
شهد الجميع بوقوعه ورصدته تقارير المراقبين . إلا أننا لم نر سوى اثنين فقط
من بين أكثر من ثلاثة ألاف من القضاة الذين شاركوا في الأشراف علي تلك
الانتخابات هما اللذان قد اعترضا علي التزوير الذي وقع علي أيدي رجال
الحكومة وبأوامر عليا من كبار المسئولين بها.

والسؤال الآن للسادة
الذين كانوا ـ ولازالوا ـ يطالبون بالإشراف الكامل على الانتخابات . هل
لازلتم علي يقين بأن إشراف القضاة علي الانتخابات يضمن لها النزاهة التي
تحلمون بها؟!

رغم الإشراف الكامل للقضاة علي الانتخابات التي جرت
في كل المرات السابقة . خلال عقود مضت في ظل النظام الحالي إلا أن الشكوى
من التزوير لم تنقطع كما لم تتوقف التجاوزات أو الانتهاكات التي كانت تصاحب
تلك الانتخابات بحكم العادة . والعجيب أن مطالبة هؤلاء بالإشراف القضائي
الكامل علي الانتخابات لم تتوقف هي الآخري . رغم استمرار حالات التزوير
والتجاوز التي كانت تتم تحت إشراف القضاء .!

ولعل الأغرب من ذلك
كله . أن الحكومة التي أجادت لعبة التزوير وبرعت في إخراجها . تحت عباءة
القضاء - سرا أو جهرا - هي التي عمدت إلي إجراء بعض التعديلات الدستورية
التي تسمح لها باستبعاد القضاة من عملية الإشراف على الانتخابات إشرافا
كاملا شاملا . فلماذا إذن وضعت الحكومة نفسها موضع الشك وسوء النية التي لم
تكن في حاجة إليها لتقوم بما اعتادت القيام به في كل المرات السابقة من
تزوير أو انتهاكات ؟

هل قامت بذلك لإعفاء القضاة من الحرج الذي
يشعرون به ناتجا عن التزوير الذي يجري باسمهم . أم إن غرور القوة قد
أعماها عن سواء السبيل فقررت الدخول في مواجهة مع الجميع بصدر مفتوح؟

لقد نجحت الحكومة في استدراج القضاة بعيدا عن مكانهم الطبيعي علي منصة
العدالة . وأقحمتهم في لعبة انفردت بها علي طريقة الحواة خلف الستائر
والكواليس . لتخرج من وراءها بالبيضة السليمة في يد . والحجر في اليد
الآخرى . رغم ما سمعناه مؤكدا من أصوات التكسير أمام الكواليس وخلفها!!

هكذا انطوت اللعبة على البعض فشهدوا علي سلامة البيضة ولكن حين كان يعود
بها القضاة إلي مكانهم الطبيعي على منصة العدل كانوا يستطيعون اكتشاف ما
لحق بالبيضة من شروخ . وما علق منها علي الحجر من زلال !

إذن ..
ليس الإشراف القضائي ـ كاملا أو جزئيا ـ هو الضمانة الأكيدة لنزاهة
الانتخابات وشفافيتها . ولا الرقابة ـ دولية أو محلية ـ تصلح شرطا متى توفر
. توفرت معه الديمقراطية . ولكن الضمان الوحيد للنزاهة والشفافية هو إجبار
الحكومة علي قبول الجماهير طرفا في اللعبة .وشريكا أساسيا فيها .


لقد تهربت الحكومة من الديمقراطية . ولن تعود إليها إلا هروبا من الشعب .
وبين التهرب من الديموقراطية والهروب إليها ... طريق لا يسلكه إلا من
يستحقون الحياة بكرامة . والعيش في عزة . فالحرية أثمن من أن تمنح مجانا .
أو تؤخذ بلا مقابل . ولن يحصل عليها إلا من يملك ثمنها.

هناك فرق
كبير بين الحرية وتفاحة "نيوتن" التي وقعت في حجره وهو مستلق على ظهره
مستمتعا بظل الشجرة . ولكن الحرية هي مياه "أرشميدس" التي طفت على السطح
وفاضت بعد أن غمر الحوض بجسده !!

والفرق بين "أرشميدس" و "نيوتن" هو الفرق بين الفاعل والمفعول به في الجملة .. المفيدة طبعا !!