كانت كلمة "مفاجأة" هي العنوان الذي ذكرته كل الصحف -معارضة او حكومية- تعليقا على الحكم غير المتوقع -في توقيته- الذي أصدرته محكمة الجنايات في قضية رجل الاعمال طلعت مصطفى. ولكن الحقيقة انني لم أر أية مفاجأة في ذلك فقد كنت اتوقع ان يفلت المتهم وصاحبه من الموت اعداما. كما كان مقررا في الحكم السابق الذي اصدرته المحكمة. وكان رأيي مبنيا على شواهد من الواقع تؤكد ان نظام الحكم الحالي لن يفرط بهذه السهولة في رقبة واحد من اعمدته من أجل مطربة مغمورة. وهو الذي لا يفرط في رقبة واحد ممن هم أقل منه رتبة أو مكانة حتى لو كانت الجريمة اكبر وأشد فظاعة. مثل تلك التي ارتكبها صاحب العبارة الشهيرة الذي تسبب في غرق ما يزيد على ألف وثلاثمائة مواطن ولم يذد الحكم الصادر ضده عن سبع سنوات فقط.. لم يمض منها حتى الان يوما واحدا في السجن بعد ان تم تهريبه ليعيش هانئا في لندن التي يصفها البعض بعاصمة الضباب. بينما الضباب الحقيقي هو الذي نعيش فيه الان!
هكذا أفلت طلعت مصطفى من الاعدام مرتين في اسبوع واحد. فقد كانت المرة الاولى حين قررت الحكومة التحايل والالتفاف على حكم الادارية العليا بإسترداد ملكية الارض التي بنا عليها طلعت مصطفى "مدينتي" أو "عزبتي" وإعادة بيعها عن طريق المزاد العلني لمن شاء أن يشتري. ولكن الحكومة لم تسترد الارض ولم تطرحها في مزاد علني حسب منطوق الحكم فأعادت تسليمها مرة أخرى لطلعت مصطفى رغم أنف القضاء.. وأنوفنا نحن أيضا!!
هل كان للحكومة التي قررت التحدي الواضح للقضاء من أجل سواد عيون طلعت مصطفى. أن تقبل بعد ذلك بإعدامه؟
وهل كان للحكومة التي قامت بتهريب مجرم أفظع في جريمته لاعفائه من حكم أقل بكثير من حكم الاعدام. أن تقبل بإعدام طلعت مصطفى لمجرد أنه قتل مطربة لبنانية مغمورة كانت حياتها الماجنة ترشحها لهذا المصير المحتوم.. وهي التي استكثرت سبعة اعوام سجنا فقط لمن قتل أكثر من ألف مواطن برئ؟!
أين هي المفاجأة اذن؟.. فالمفاجأة الحقيقية كانت ستقع لو صدر الحكم باعدام طلعت والسكري في ظل نظام يسمح بقتل الابرياء ويكافئهم عليه بالعفو أو الصفح!
هل رأيتم او سمعتم من قبل ان أحد رجال الاعمال أو أحد أبنائهم قد سجن بسبب جريمة قتل رغم كثرة تلك الجرائم التي ارتكبها هؤلاء التي كان أخرها تلك التي قام بها ابن رجل الاعمال كريازي حين حاول قتل أحد ضباط أمن الدولة ثم سمحوا له بالهرب إلى أوروبا!
وهل سجن ابن رجل الاعمال محمد ابو العينين حين قتل أحد المواطنين في الساحل الشمالي ؟
وهل سجن ابن رجل الاعمال صلاح شلاضم حين قتل بسيارته -وهو مخمور- أسرة بكاملها على كوبري أكتوبر؟
القائمة كبيرة ولاتسعفني الذاكرة لاعدد لكم اسماء القتلة من رجال الاعمال وأبنائهن لمواطنين أبرياء ساقتهم أقدارهم التعسة ليكونوا في طريق هؤلاء.. في هذا الزمان.. وفي ظل هذا النظام الذي يبرئ الظالم ويظلم البرئ!