آدم شمس الدين
20/01/2011
شعبٌ بقي يحلم طوال ٢٣ عاماً، لم توقظه إلا شعلةٌ أطلقها شابٌ اسمه محمد بوعزيزي بجسده، لتمدد وتشعل انتفاضةً شعبية، ما زال العالم حتى الآن يحاول أن يجد تفسيراً لأسبابها وتوقيتها.
ورغم هذا المشهد الذي بدأ الشهر الماضي، إلا أن تونس ليست حرّة بالضرورة. رحل الطاغية، إلا أن حزبه ونظامه بقيا. زين العابدين بن علي لم يكن سوى "كبش محرقة"، ورحيله لم يكن بالضرورة نتيجة النقمة الشعبية عليه فقط. الرئيس المخلوع لم يكن سوى رمز لنظام ومؤسسة أمنية ومافيوية، زرعت نفسها وتجذّرت في كل مؤسسات الدولة. والبعض يرى أن رحيل بن علي وعائلته ومن ارتبط اسمهم بحكمه مباشرةً، هي الورقة الأخيرة التي اختار النظام التونسي، والأنظمة العربية جمعاء، تقديمها، خوفاً من امتداد شعلة بوعزيزي لتشعل شعوباً تعيش في ظروفٍ شبيهة إن لم تكن متطابقة مع ظروف الشعب التونسي الذي اختار تحويل حلمه إلى كابوس بدأ يراود كل ملكٍ وأمير ورئيس وزعيم عربي، اختار استمرارية حكمه على حساب شعبه.
الكابوس لم ولن ينحصر فقط في وعي الزعماء العرب، بل طال البلدان الغربية التي تدّعي مطالبتها بتطبيق الديمقراطية والحرية، خوفاً من زوال أنظمةٍ استثمروا فيها كل قوتهم حفاظاً عليها وتجنباً من مواجهة كره وحقد شعوبها على دعمها لأنظمتهم القمعية. فرنسا وقبل بضعة أيام من تبيان ضرورة وحتمية التخلص من علي أصدرت بياناً تعرض فيها على تونس تقديم خبراتها الأمنية للتعامل مع المظاهرات التي وصفتها بأنها تهدد الاستقرار، إلى أن استوعبت أن الخطوة الأذكى هي التخلص من رأس النظام والعمل على المحافظة على جسمه.
"الأخ قائد الثورة" معمر القذافي "حفظه الله" انتقد في خطابٍ له تسرع الشعب التونسي في التخلص من بن علي، وعاتبهم من حرصه الدائم على سلامة الشعب التونسي وشعوب الأمة العربية، على عدم انتظارهم بضعة سنوات لكي تنتهي ولاية بن علي الدستورية، تجنباً للدماء التي أريقت أثناء الموجهات بين المتظاهرين وميليشيات النظام. "الأخ القائد" ورغم ضرورة الإشارة هنا إلى "شجاعته" في إبداء خوفه المبطن، في خطاب مضمونه فارغ وظاهره مضحك، من أن يمتد المشهد التونسي إلى ليبيا التي تعدى حكمه عليها ٤٢ عاماً وجعله الحاكم الأوحد لأطول مدة في ليبيا منذ العام ١٥٥١. ما حدث ما هو إلاّ دليل على غباء مفرط من الزعماء العرب في فهم حتمية استمرارية عجلة التاريخ، وأنه مهما حاولوا تأجيلها وعرقلتها، فلن يستطيعوا إيقافها. وأن مصيرهم سيكون في النهاية الكثير من حقائب الأمتعة، التي سيحملونها مع الثروات التي نهبوها، ويجولون بلدان العالم يشحذون إقامة هنا وهناك، ليموتوا ببطء ريثما تدخل أسماءهم مزبلة التاريخ، تاركين بلدانهم في فوضى بعد أن دمروها تدميراً منهجياً وسحقوا أي قوى بديلة تستطيع أن تحكم بعد هروبهم، فيخيّر الشعب بين الفوضى وما قد ينتج عنها، أو التمسك بما بقي من النظام خوفاً من ضبابية الفوضى.
مصير انتفاضة تونس ما زال مجهولاً، وسيعمل على إفشالها عربياً ودولياً، وعلى احتواء ارتداداتها وتأثيرها على الشارع العربي، التي بدأت تنتج عشرات الحالات "البوعزيزية"، فالدعوة للمظاهرة وإحراق الإطارات لم تعد كافية لإيقاظهم من سباتهم، وليؤمنوا مجدداً أنه لا ضرر في أن يحلموا، أصبح عليهم أن يروا شاباً يحرق نفسه لأنه حلم بأن يعمل، وعندما أقفلت أبواب الدنيا في وجهه اختار أن ينام إلى الأبد ليوقظ شعباً بأكمله.
الخيار إذا إما الحريق الجماعي، أو الانتفاضة الجماعية. لا يهم كيف ستنتهي انتفاضة تونس، وما سيكون تأثيرها على العالم العربي. المهم أنها بدأت، وإلى أن تتضح الصورة، كلنا تونسيون حتى إشعال آخر.
الجمعة فبراير 18, 2011 11:28 am من طرف الكرخ