تلك الأصوات التي أسمعها يومياً من خلال نافدة غرفتي,
قد اعتدت عليها.
لكن أن تصحو يومياً على صوت جارك فهذا شي مزعج.
على شجره غراب, يكاد يكون نفس الغراب الذي أشاهده يومياً, أطل جاري من
نافذة بيته وقال يحدثني بلكنة متذمرة: هذا الطائر اللعين, إنه يتعمد يومياً
أن يزعجني.
لم أعلق على حديث جاري ولو بحركة من رأسي , أن كان هناك مقارنة بين الاثنين
فأني أفضل الغراب.
تركت دراجتي على باب البقالة , بالصدفة وجدت قريباً لي لم التقِ به منذ
فترة. عانقني كثيراً , ثم قال لي: يااا لقد كبرت. منذ صغري أكره الثرثرة ..
بقيت واقفاً أسند طهري على ثلاجة البقالة. أستمع إلى هذا القريب الثرثار,
أنهي حديثه قائلاً : هل فهمت . هززت رأسي بنعم. في هذه الأثناء دخل جاري
واقترب مني, ووضع فمه الكريه على أذني وهمس : لقد اشتريت بندقية صيد لأقتل
ذلك الطائر اللعين. وتلفت من حوله بريبه, وقال أيضاً: سأجعله عبره للآخرين.
ولمعت عيناه وكذلك أنيابه. كان قريبي قد تركني دون أن يودعني. لم أجد
دراجتي عند باب البقالة, جاءت نحوي فتاة ترتدي رداء احمر وقالت: رأيت رجلاً
يأخذها منذ قليل, وأشارت بيدها. ركضت بقوه حتى وصلت سوق الحراج, المكان
مزدحم , كل ما تتخيله ستجده هنا, فتشت عن دراجتي بين عشرات الدراجات ولم
أجدها, عدت إلى البيت, شاهدت مئات الغربان تحوم غاضبه فوق بيت جاري, دخلت
البيت ووجدت دراجتي أخبرتني أمي أن جاري احضرها وانه اتصل بي أكثر من مره.
عدت لأراقب الغربان, لأول مره أرى نافذة جاري مغلقة في هذه الوقت, ولمحت
غراباً كان يتدلي بواسطة خيط من الشجرة, نادتني أمي لتخبرني أن جاري على
التلفون. كان يصرخ ورذاذ لعابه شعرت به كأنه تلتصق بوجهي: انظر الحيوانات
اللعينة تشن حرباً علينا.. وسكت ثم عاد لينفجر: أنت معهم أم معي. وأقفل
التلفون كان يدرك انه لن يحصل مني على جواب بواسطة التلفون, لكنه عاد
ليتصل, هذا المرة كان صوته ضعيفاً: استخدمت دراجتك لأعود للبيت, كان يجب أن
أعود بسرعة. وأقفل التلفون. اذهب إلى الجحيم, قالها قبل أيام رئيس سابق ما
لدوله سابقة ما, هنا الأمر يشبه الثكنات العسكرية في كل شارع في كل جولة,
عسكري لكل مواطن, العقلاء أصبحوا مجانين ولو لأيام قليلة, تجدهم يتسكعون
فجأة حولك, لا تعرفهم ولا يعرفونك, لكنهم على استعداد أن يتهموك, فقط لأنك
تنفست, احذر أن تقول شيئا. قال لي رجل لا أعرفه بلهجة أعرفها: هذه الأيام
نزل الخير. لم اعلق, عاد الرجل ليتكلم وكل جسمه نحوي: انظر إلى الرجال
الأشاوس حماه الوطن. كرهت الرجل. ابتعدت عنه خمس خطوات, فأقترب مني ست
خطوات, التصق بي. والتصقت رائحته بي, قال لي وهو يخرج لي ورقة طويلة: إننا
نجمع خمسة ملايين توقيع.. ليبقى هو!!! وأضاف: وقع هنا! أدرت رأسي بعيداً
عنه, أدار بجسده كله نحوي وقال بلهجة آمر: وقع هنا. وقعت.. فقط ليبتعد
الرجل عني.. وقعت وأضفت أيضاً أمام توقيعي: لنذهب كلنا للجحيم.. وتبقَ أنت.
سحب مني الورقة, شتمني بكلمات لم افهمها وقام بشطب ما كتبته وأبقى على
توقيعي. وذهب وشاهدته يقف أمام رجل يحدثه ثم يناوله الورقة. قال سائق
التاكسي العجوز, معلقاً على السيارات الفارهة التي تمر أمامه وتتبعها
سيارات عسكر: إنهم مثل الجراد يهجمون فجأة على الأخضر واليابس , ويسافرون
فجأة.. ولا يبقون لنا شيئاً!! شاهدته اليوم على التلفزيون يثرثرــ هذا
الرجل الوحيد يعجبني عندما يثرثرــ قائلاً أمام جمع من أنصاره: لقد نجحتم
أنتم.. أهنئكم على نجاحكم.. وأهنئ نفسي بكم. كالعادة دوى تصفيق حار.. حار
جداً. الغربان لم تعد تزعجني أنا و جاري فقط.. بل الحي كله. وغداً البلد
كلها.. كالعادة قبل أن أنام أفكر بحبيبتي والوطن!!.
الأربعاء يوليو 14, 2010 12:48 pm من طرف روزا