بعد مرور ستين عاما, تباع طروحات گولزيهر مختص عظيم آخر بالإسلام هو جوزيف شاخت Joseph Schacht , الذي تعتبر أعماله عن الشريعة الإسلامية أدبيات كلاسيكة في مجال الدراسات الإسلامية. كانت استنتاجات شاخت أكثر راديكالية و تشويشا لمعلومات, ولمّا تخفت مضامين هذه الاستنتاجات بعد.
يلخص همفري أطروحة شاخت بما يلي: (1) أن الإسناد الذي يمر عبر سلسلة من الناقلين وصولا إلى النبي لم يبدأ بالإستعمال إلا حوالي الفترة التي قامت فيها الثورة العباسية, أي في منتصف القرن الثامن, (2) مما يثير السخرية أنه كلما كان الإسناد أكثر إحكاما وصحة كما يبدو, كان أكثر احتمالا لأن يكون زائفا. عموما, اقترح شاخت أنه: "لا حديث موجود بالفعل يمكن نسبه بوثوق إلى النبي, بالرغم من أن بعض هذه الأحاديث قد تستقي من تعاليمه. وبالرغم من أنه [أي شاخت] قد كرس صفحات قليلة لدراسة الأخبار التاريخية عن فترة الخلافة المبكرة, إلا أنه أكد بوضوح على أن نفس الضوابط يجب أن تطبق عليها."
لقد دعمت طروحات شاخت قائمةٌ بالغة الطول من المراجع لا يمكن غض النظر عنها بسهولة. هذه هي الطريقة التي لخص بها شاخت أطروحته: من المسلّم به عموما أن تقييم التقاليد الذي يمارسه الفقهاء المحمديون غير كاف وأنه, بغض النظر عن كمّ الروايات المزورة التي قد أبعدت من خلاله, فإن المجموع الكامل للروايات الكلاسيكي نفسه يحتوي على سنن لا يمكن أن تكون أصيلة. لقد فشلت كل الجهود المبذولة لاستخلاص أساس اصيل من هذا الكم المتناقض عادة عن طريق "الحدس التاريخي".... لم يبد گولدزيهر "تحفظه المشبع بالشك" في ما يتعلّق بالتقاليد الموجودة حتى في المجاميع الكلاسيكية (أي مجاميع البخاري ومسلم إلخ) فحسب, بل بين بوضوح أن الغالبية العظمى من السنن المأخوذة عن النبي هي وثائق لا تنتمي إلى الزمن الذي يُدّعى أنها تنتميي إليه, بل إلى المراحل المتلاحقة من التطور في العقائد خلال القرون الإسلامية الأولى. أصبح هذا الاكتشاف العبقري حجر أساس لكل التحريات الجادة...
إن هذا الكتاب (أي كتاب شاخت) سيؤكد استنتاجات گولدزيهر, بل ويذهب إلى ما هو أبعد مما ذهبت في المسائل التالية: (1) لم يتم تداول الكثير الكثير من السنن في المجاميع الكلاسيكية والمجاميع الأخرى إلا بعد زمان الشافعي (كان الشافعي مؤسس المدرسة الفقهية المهمة للغاية والتي تحمل اسمه, وقد توفي في عام 820 ب.م), (2) نشأت أول كتلة من السنن النبوية الشرعية في منتصف القرن الهجري الثاني (أي الثامن ب.م), في مقابل تقاليد أقدم بقليل مروية عن صحابته وعن حجج آخرين, وفي مقابل التقليد الحي للمدارس الشرعية القديمة أيضا (3) لقد مرت التقاليد الآتية من الصحابة ومن المراجع الآخرين بعملية النمو نفسها, ويجب النظر إليها بنفس الضوء الذي يُنظر به إلى السنن المروية عن النبي.(4) إن دراسة الإسناد تظهر ميلا للنمو بالاتجاه المعاكس وللادعاء بعدلِ أكثر وأكثر تماما حتى يصل الإسناد إلى النبي. (5) إن الدليل إلى صحة السنن الشرعية لا يعيدنا إلا إلى حوالي العام 100 للهجرة (أي 714 ب.م)...يثبت شاخت على سبيل المثال أن سنة ما لم تكن موجودة في وقت معين من خلال إظهار أنها لم تكن مستخدمة كحجة فقهية في نقاش كان ليجعل الإشارة إليها ضرورية. بالنسبة لشاخت, يجب اعتبار كل رواية شرعية مأخوذة عن النبي رواية مزيفة وتعبير موضوع عن عقيدة فقهية صيغت في زمن لاحق: "سوف لن نلاقي أي رواية شرعية مروية عن النبي يمكن أن تعبر أصيلة بشكل مؤكد."
لقد صيغت السنن في إطار جدلي لغرض دحض عقيدة أو شعيرة مخالفة, يسمي شاخت هذه السنن "السنن المضادة." في مثل هذا الجو الجدلي تنسب عادة ما كانت العقائد إلى مرجعيات عليا: "أصبحت المرويات عن التابعين مرويات عن الصحابة, وأصبحت المرويات عن الصحابة مرويات عن النبي." لقد تم اختلاق تفاصيل عن حياة النبي لإسناد عقائد شرعية.
ثم أن شاخت انتقد الإسناد الذي "عادة ما كان يركب بإهمال. كان يمكن اختيار أي ممثل نموذجي عن الجماعة التي تريد أن تنسب عقيدتها إلى مرجعية قديمة بعشوائية وأن يوضع في السند. لذلك نجد عددا من الأسماء البديلة في أسانيد كانت لتصبح متطابقة لولا ذلك."
"لقدبيّن (شاخت) أن بدايات فقه الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يرقى إلى ما هو أقرب إلى وفاة النبي من حوالي القرن." لم يستق فقه الشريعة الإسلامية من القرآن مباشرة بل تطوّر عن ممارسات شعبية وإدارية وجدت تحت ظل الأمويين, وهذه "الممارسات كانت مفترقة عن نوايا القرآن بل وحتى منطوقه." لقد أدخلت القواعد الشرعية المشتقة من القرآن في الشريعة الإسلامية في مرحلة ثانية.
اقتنعت مجموعة من المختصين بمعقولية تحليل شاخت, وانطلقوا لاستخلاص مضامين طروحات شاخت. كان اول هؤلاء المختصين جون وانزبرو الذي بيّن, في كتابين مهمين, وصعبين للغاية برغم ذلك, هما دراسات قرانية: وسائل وطرق لتفسير النصوص المقدسة (1977) والمناخ السائد بين الفِرق: محتوى وتاليف تاريخ خلاصٍ اسلامي(1978), كيف ان القران والحديث نميا نتيجة لخلافات بين الفرق خلال فترة طويلة ربما امتدت لقرنين, ومن ثم تم إرجاعهما الى نقطة اصل عربية مختلقة. لقد طرح ايضا أن الإسلام لم يظهر للوجود إلا تحت تأثير اليهودية الربينية (أي الملتزمة بالشريعة الشفهية وأراء الرابيين او الحاخامات اليهود. المترجم) فيقول "أن العقيدة الإسلامية عموما وحتى شخصية محمد قد تمت صياغتها في قالب يهودي ربيني." "انطلاقا من هذه الاستنتاجات, يستطيع المناخ السائد بين الفرق تحليل المدونات التاريخية الاسلامية المبكرة, او بالاحرى الخرافات التفسيرية المؤسسة لهذه المدونات التاريخية, ليبين انها مظاهر متأخرة ل"تاريخ خلاصٍ" من العهد القديم ." (أي ان التاريخ الاسلامي المبكرهو اختلاق مؤسس على قصص خلاص الشعب اليهودي المذكورة في العهد القديم كتابهم المقدس. المترجم)
مبتعدا عن ما يشاع من أن نص القران النهائي قد ثبت في القرن السابع, يبين وانزبرو أن هذا النص النهائي لما يكن قد تحقق مع حلول القرن التاسع, وإن وجود مصدر للقرآن في شبه الجزيرة العربية أمر غير محتمل, فالعرب قد صاغوا عقيدتهم بعد أن بدؤوا بالاحتكاك باليهودية الربينية خارج الحجاز (منتصف الجزيرة العربية-كذا-’ وتضم مكة والمدينة). "إن التلميحات القرآنية تفترض مسبقا معرفة وثيقة بالمواد القصصية الموجودة في النصوص المقدسة اليهودية-المسيحية, والتي قد تمت الإشارة لها أكثر من إعادة صياغتها....لو أخذنا سوية كمّ الإشارات إلى المصادر, وعملية التوظيف المتكررة بشكل آلي للمصطلحات المتداولة البلاغية الطابع, والطراز الأدبي الجدلي البحت, فإننا نجدها تشير إلى جو طائفي بشدة يتم فيه إدخال مجموعة من الكتابات المقدسة المعروفة في خدمة عقيدةٍ غير معروفة إلى حد ذلك الوقت." يقول ووانزبرو في موضعٍ آخر: "إن التحدي لإنتاج كتاب مقدسٍ (أو جزء من كتابٍ مقدس) مطابقٍ أو متفوقٍ والمذكور خمس مرات في القرآن لا يمكن تفسيره إلا في نطاق جدلٍ مع اليهود."
إن مختصين مبكرين كتوري Torrey وقد تبينوا الاقتباسات الحقيقية عن الأدب الربيني الموجود في القرآن قد, أسرعوا في استنتاجاتهم بخصوص الجالية اليهودية في الحجاز (أي الجزية العربية المركزية-كذا-). إلا أن الأمر كما يقول وانزبرو هو "أن الإشارات في الأدب الربيني إلى الجزيرة العربية هي ذات قيمة متدنية بشكلٍ ملفت لأغراض إعادة كتابة التأريخ, وخصوصا الإشارات إلى الحجاز في القرنين السادس والسابع."
لتأثرهم الشديد بالروايات الربينية, اتخذ المجتمع الإسلامي المبكّر موسى مثالا, فظهرت صورة محمد ولكن بالتدريج واستجابة لاحتياجات مجتمعٍ متدين. كان هذا المجتمع متحمسا لإثبات أحقية محمد بأن يكون نبيا على نمط موسى, أصبح معنى هذا أنه يجب أن يكون هنالك كتاب مقدّس, يكون شاهدا على نبوته. تغيرٌ آخر تدريجي كان ظهور فكرة أن الإسلام قد ظهر في الجزية العربية. لأجل هذا الغرض, طُوّر بإحكام مفهوم لغة مقدسة هي العربية. قيل بأن القرآن قد أوحى به الله بلسان عربي مبين. مما يثير الاهتمام أن القرن التاسع شهد أيضا أول مجموعة من الشعر الجاهلي: "إن الأسلوب الذي تم به التلاعب بهذه المواد الأدبية من قبل جامعيها لغرض دعم أي طرحٍ يشاءونه لا يبدو أنه قد أُخفي بشكلٍ ناجح."لذلك تمكن اللغويون من إرجاع قصيدة منسوبة للنابغة الجعدي, وهو شاعر جاهلي, إلى تأريخ مبكر لغرض "إيجاد نص بعود إلى ما قبل الإسلام يثبت تركيبا لغويا قرآنيا شائعا." إن هدف اللجوء إلى مرجعية الشعر الجاهلي كان ذو وجهين: أولا, لمنح كتابهم المقدس صفة المرجع القديم, أي لإرجاع هذا النص المقدس إلى فترة أقدم, وهكذا مقدس صفة المرجع القديم, أي لإرجاع هذا النص المقدس إلى فترة أقدم, وبهذا إعطاء نصهم أصالة أكبر, نصهم هذا الذي في الحقيقة قد اختُلِق لا حقا في القرن التاسع, هو وكل التقاليد الزائفة. ثانيا, يعطي اللجوء إلى الشعر الجاهلي نكهة عربية خاصة, وموقعا عربيا لديانتهم من حيث المكان والزمان, وهو شيء يميزه عن اليهودية والمسيحية. إن الروايات التفسيرية مختلقة أيضا ولم يكن لها إلا هدف واحد, لإظهار الأصول الحجازية للإسلام. يقدم وانزبرو بعض الأدلة غير المباشرة لكي يبين أن القرآن لم يتخذ أي صيغة محددة قبل القرن التاسع: تدل دراسات شاخت عن التطور المبكر للفقه الشرعي في المجتمع أن الشريعة الإسلامية, في ما عدا بعض الاستثناءات, لم تُشتق من ما يحتويه القرآن. من الممكن أن نضيف أن هذه الاستثناءات القليلة لا تكاد أن تكون دليلا على وجود النص القرآني القانوني, وقد لاحظ أيضا أنه حتى في المواضع التي يُدّعى أن الفقه قد استقى من النص القرآني المقدس, فإن هذا ليس من الضروري أن يكون دليلا على الوجود المبكر للمصدر القرآني. إن اشتقاق الشريعة من النص المقدس..كان ظاهرة من ظواهر القرن التاسع...إن دليلا غير مباشر ومشابه لما ذكرنا نجده في غياب أي إشارة إلى القرآن في "الفقه الأكبر" ... وهو وثيقة تعود إلى منتصف القرن الثامن,كانت بيانا للعقيدة الإسلامية موجها ضد الفرق المخالفة. لذلك يمثل الفقه الأكبر وجهات نظر الفرقة الناجية في ما يتعلّق بالمسائل العقائدية المهم آنذاك. من غير المعقول ألا تتم الإشارة إلى القرآن لو كان موجودا بالفعل.
يُخضع وانزبرو القرآن إلى عملية تحليل محسوبة لغرض إثبات أنه لا يمكن أن يكون قد أخرجه عن قصد رجالٌ قليلون, بل "أنه نتاج لتطور فعال عن تقاليد مستقلة في الأصل خلال فترة طويلة من النقل."
كان من شأن وانزبرو أن يقضي على فكرة أن القرآن هو الأمل الوحيد في إيجاد معلومات أصيلة تتعلق بالنبي , وهي فكرة لخصها جفريJeffery قائلا, "إن الملحوظة التي يتكرر ذكرها في هذا النقد العميق هي "عودةً إلى القرآن" فالروايات عديمة الجدوى فعلا كأساس لسيرة نقدية. برجوعنا إلى القرآن وحده يمكن أن يقال بأننا نقف على أساس صلب
لقد سلكت مجموعة من العلماء الدارسين المتأثرين طريقا اكثر راديكالية, لقد قاموا برفض الصيغة الإسلامية للتاريخ الإسلامي المبكر برمتها. اعتبر مايكل كوكMichael cook وپاتريشيا كرون Patricia Crone و مارتن هندزMartin Hinds في مؤلفاتهم التي كانوا يكتبونها بين عامي 1977 و1987 أن الصيغة الإسلامية الثابتة للتأريخ الإسلامي حتى زمن عبد الملك على الأقل (685-705) اختلاقا متأخرا, وقاموا بإعادة صياغة الفتح العربي وتكوين الخلافة معتبرين إياها حركة لعرب الجزية العربية أوحت بها مسيّانية يهودية رغبة منها في استعادة أرض الميعاد. ضمن هذا التفسير, يكون الإسلام قد ظهر كديانة وثقافة مستقلتين خلال عملية صراع طويلة لنيل الهوية قامت بين شعوب يائسة جَمَعها الفاتحون سوية: كاليعاقبة السريان والنساطرة والآراميين في العراق والأقباط واليهود و(أخيرا) عرب الجزيرة. لم تعد الرواية التقليدية عن حياة محمد وظهور الإسلام مقبولة عند كوك وكرون وهندز. يبين كوك في النبذة القصيرة والبليغة في آن عن محمد ضمن سلسلة أسياد الماضي الأكسفورديون Oxford Past Masters الأسباب التي قادته لرفض تقاليد السيرة: كان العزو الباطل شائعا بين علماء القرن الثامن, وكان ابن اسحق ومعاصروه يستقون من تقليدٍ شفهي على أي حال. لا تعد أي من هذه المقترحات عشوائية كما تبدو, فلدينا أسباب لان نعتقد بأن كثيرا من السنن المتعلقة بمسائل العقيدة والشريعة قد جُهّزت بأسانيد مزيفة من قبل من وضعوها قيد التداول, وفي نفس الوقت لدينا الكثير من الأدلة على وجود خلاف في القرن الثامن حول إن كان تدوين التقليد الشفهي مقبولا. من الواضح أن ما تتضمنه هذه النظرة حول موثوقية مصادرنا هي مضامين سلبية نوعا ما. إن كنّا لا نستطيع الوثوق في سلسلة الثقات, فلن يبقى في استطاعتنا أن ندعي بأننا نعرف بأن ما بين أيدينا هو روايات متناقلة من قبل نقلة مستقلين عن بعضهم البعض, فإن كانت المعرفة بحياة محمد قد تم تناقلها شفهيا طول قرن قبل أن يتم تدوينها, فإن من الممكن أن تكون المادة المتناقلة قد خضعت لتعديلات مهمة خلال ذلك. ثم يتوجه لوك نحو المصادر غير الإسلامية: كاليونانية والسريانية والأرمنية, هنا تظهر صورة غير متوقعة أطلاقا, فبالرغم من أن بأن من غير المشكوك فيه أن شخصا باسم محمد قد وُجد فعلا, وأنه لم يكن تاجرا, وأن شيئا مهما قد حدث في عام 622, وأن إبراهيم كان شخصا محوريا في تعاليمه, إلا أنه لا توجد أي إشارة إلى أن داخل الجزيرة العربية كان مشهدا لحياة محمد, فلا إشارة إلى مكة, ولم يظهر القرآن حتى السنوات الأخيرة من القرن السابع. يظهر من هذا الدليل أيضا أن المسلمين صلوا باتجاه أبعد بكثير باتجاه الشمال من مكة, لذلك لا يمكن أن يكون حرمهم المقدس موجودا في مكة. "بشكلة مساوي, عندما تظهر أول الاقتباسات القرآنية على العمل والنقوش إبان نهاية القرن السابع, فإنها تبدي اختلافا عن عن النص القانوني. إن هذه الاقتباسات تافهة من حيث الكم, إلا أن حقيقة أنها تظهر في سياقات رسمية كهذه (عمل نقدية ونقوش) لا تتوافق والإشارة إلى أن النص قد ثَبُت
إن أول نص يوناني يذكر أن محمدا كان حيا في عام 634, أي بعد سنتين من تاريخ وفاته حسب التقليد الإسلامي. وبينما تتحدث الرواية الإسلامية عن قطيعة بين محمد واليهود, تختلف الصيغة الأرمنية للرواية بشكل يثير الصدمة: إن كاتب الدوريات التاريخية ألأرمني يكتب عن العام 660 فيذكر أن محمدا قد أسس مجتمعا يتألف من الإسماعيليين (أي العرب) ومن اليهود, يكون أساسه النسب الإبراهيمي. ثم أن هذان الحليفان انطلقا لفتح فلسطين. إن أقدم المصادر اليونانية تذكر بعاطفية أن محمدا الذي ظهر بين الساراسيين (أي العرب) قد أُعلن أنه مجيء للمسيّا (اليهودي), ويتكلّم عن اليهود الذين يختلطون بالساراسيين. لا يمكننا أن نغض الطرف عن الدليل معتبرين إياه نتاجا لكبرياء مسيحية, وذلك لأنه يجد سندا له في العمل الرؤيوي الأخروي العبراني (وثيقة من القرن الثامن, تتضمن عملا رؤيويا أخرويا, أقدم يبدو أنه متزامنٌ مع الفتوحات (الإسلامية)). يضع المؤرخ الأرمني تاريخ الإنفصال عن اليهود بعد فتح العرب للقدس مباشرة. بالرغم من أن فلسطين تلعب بالفعل دورا من نوع ما في التقاليد الإسلامية, إلا أنها كانت قد نزلت رتبةً بالفعل لصالح مكة في السنة الثانية للهجرة, عندما غير محمد قبلة الصلاة للمسلمين من بيت المقدس إلى مكة. منذ ذلك الحين أصبحت مكة هي التي تحتل الموضع المركزي لنشاطاته. إلا أن فلسطين في المصادر غير الإسلامية هي محل اهتمام الحركة, وهي التي توفر الحافز الديني لفتحها. يقدم مدون الأحداث الأرمني تفسيرا آخر لهذا الربط: أخبر محمد العرب بأنهم, بأعتبارهم سليلي إبراهيم عبر إسماعيل, لهم الحق بالمطالبة بالأرض التي وعد الله بإعطائها لإبراهيم ولذريته. إن ديانة إبراهيم هي في الحقيقة مركزية في الرواية الأرمنية عن دعوة محمد كمركزيتها في المصادر الإسلامية, إلا أن أن هذه الرواية تُمنح مشاهد جغرافية مختلفة. إن كانت المصادر الخارجية صحيحة إلى أي درجة حول مثل هذه النقاط , يتبع ذلك أن التقليد (الإسلامي) مظلل بشكل جدي حول جوانب مهمة من حياة محمد, وأنه حتى اعتبار أن القرآن رسالته هو محل شك. في ضوء ما قد قبل أعلاه حول طبيعة المصادر الإسلامية, فيبدو لي أن استنتاجا مثل هذا هو استنتاج شرعي. ولكن من العدل أن نُضيف أنه لا يسارع عادة في الاستنتاج . يشير كوك إلى مشابهة معتقدات وممارسات إسلامية بتلك التي للسامريين (تتم مناقشة ذلك ادناه). يشير كوك أيضا إلى أن الفكرة الأساسية التي طورها محمد عن ديانة إبراهيم كانت موجودة بالفعل في العمل الأبوكريفي المسمى كتاب اليوابيل (الذي يرجع بتأريخه إلى 140-100ق.م), والذي ربما أثر في صياغة الأفكار الإسلامية. لدينا الدليل الذي يقدمه سوزومينوس Sozomenus وهو كاتب مسيحي من القرن الخامس قام "بإعادة بناء ديانة توحيدية إسماعيلية بدائية مطابقة لتلك التي امتلكها العبرانيون حتى أيام موسى, ثم أنه يستمر فيطرح انطلاقا من موقفه أن من الضروري أن تكون شرائع إسماعيل قد فسُدت بمرور الزمن وبتأثير الجيران الوثنيين."
يستمر سوزمونوس في حديثه فيصف كيف أن قبائل عربية محددة التزمت بالأحكام اليهودية بعد سماعها بأصلها الإسماعيلي من اليهود.ثانية نقول بأنه ربما كان هنالك تأثير على المجتمع الإسلامي من قبل هذا المصدر. يشير كوك إلى التشابه بين قصة موسى (أي الخروج وغيرها من الأحداث) والهجرة الإسلامية. في المسيّانيّة (الإيمان بمجيء المسيّا أي المسيح المنتظر من قبل اليهود) اليهودية "يُنظر إلى سيرة المسيا باعتبارها إعادة تمثيل لسيرة موسى. كان من الأحداث الرئيسية في هذه الدراما الخروج, أو الهروب من الاضطهاد إلى الصحراء, حيث سيقود المسيّا حربا مقدسة ليفتح فلسطين. نظرا إلى وجود دليلٍ مبكرٍ يربط بين محمد واليهود واليهودية المسيّانية في ذلك الوقت عندما ابتدأ فتح فلسطين, فإن من الطبيعي أن في الأدب الرؤيوي اليهودي نقطة انطلاق لأفكاره السياسية."
لقد بيّن كوك وپاتريشيا كرون هذه الأفكار في عملهم المنعش ثقافيا والمعنون بال" الهاجريّة: صناعة العالم الإسلامي Hagarism: the Making of the Islamic World "(1977). لسوء الحظ تبنى الكاتبان الأسلوب الصعب نوعا ما ل"أستاذهم" وانزبرو, والذي قد ينفّر الجميع عدا القرّاء الأكثر إخلاصا, كما يقول همفري Humphrey, "إن طرحهما يُقدّم من خلال نظم مربكة و صارمة من التلميحات والتشبيهات, والتناظرات." إن الملخّص المذكور أعلاه عن استنتاجات كوك حول محمد ستعين القارئ غير المختصّ على استيعابٍ أفضل لطروحات كوك وكرون (من الآن وصاعدة ك ك) في الهاجريّة.
من الملائم البدء بتفسير لاستخدام ك ك المتكرر لمصطلح "هاجر," و"الهاجرية," و"الهاجري." بما أن جزءا من أطروحتهما تقول بأن الإسلام قد ظهر في وقت أكثر تأخرا مما كان يُعتقد سابقا, بعد الاحتكاكات الأولى بالحضارات الأقدم في فلسطين والشرق الأدنى والشرق الأوسط, فإن من غير الملائم استخدام مصطلحات ك"مسلم," و"إسلامي," و"إسلام" لوصف العرب المبكّرين وعقيدتهم. يبدو أن من المحتمل أن المجتمع العربي المبكر, وهو مستغرق في عملية تطوير هويته الدينية الخاصة, لم يدعو نفسه "مسلما." من جانب آخر, تشير الوثائق اليونانية والسريانية إلى هذا المجتمع بكلمتي"ماگاريتايMagaritai," و"مَهْگري (أو مَهگْرايي)" على التوالي. المَهگْرايي هم سليلو إبراهيم من هاجر, ومن هنا جاء مصطلح "الهاجرية." إلا أن هنالك بعدا آخر لهذا المصطلح, لأن المصطلح العربي المقابل هو "المهاجرين." المهاجرون هم ألئك الذين لعبوا دورا في الهجرة إلى أرض الميعاد, في هذا الجناس تقع الهوية الأقدم للإيمان الذي في نهاية الوقت أصبح الإسلام
اعتمادا على مصادر غير إسلامية كانت مهملة قبل ذلك, يعطي ك ك رواية جديدة لظهور الإسلام, رواية لا يقبلها أي مسلمٍ باعترافهم. إن المصادر الإسلامية متأخرة للغاية, ولا توجد أسس خارجية تدفعنا لقبول التقليد الإسلامي. يبدأ ك ك بنص يوناني (يعزى إلى الفترة 634-636), وفيه يبدو محور رسالة النبي مسيّانية يهودية. هنالك دليل على أن اليهود أنفسهم, بعيدين كل البعد عن أن يكونوا أعداء المسلمين كما تقول الرواية التقليدية, قد رحبوا بالفتح العربي وفسروه بمفهوم مسيّاني. إن الدليل على "علاقة يهودية عربية حميمة قد كمل من خلال وجود دلائل على عدوانية واضحة تجاه المسيحية." تناقض حولية أرمنية كُتبت في ستينات القرن السابع الإصرار الإسلامي التقليدي على أن مكة كانت المركز الديني للعرب في زمن الفتح, وهي تشير, عكس ذلك, إلى التوجه الفلسطيني للحركة. تعيننا نفس الحولية على فهم الطريقة التي "وفر بها النبي تبريرا منطقيا لتدخّل العرب في تحقيق مسيّانية يهودية. يتألف هذا التبرير من طلب ذو شعبتين للانحدار الإبراهيمي للعرب باعتبارهم إسماعيليين: منحهم حقا بدافع النسب بالأرض المقدسة من جانبٍ, ومن جانب آخر تزويدهم بنسبٍ توحيدي." بشكل مشابه يمكننا أن نرى الهجرة ليس باعتبارها خروجا من مكة إلى المدينة (لأنه لا يوجد مصدر مبكّر يشهد بصحة هذا الحدث تاريخيا) بل باعتبارها هجرة للإسماعيليين (العرب) من الجزيرة العربية إلى أرض الميعاد.
سرعان من تشاحن العرب مع اليهود, ولان جانبهم تجاه المسيحيين, فقد كان المسيحيون يشكلون تهديدا سياسيا أقل شأنا. إلا أنه لا تزال هنالك حاجة لتطوير هوية دينية إيجابية, هويةٍ انطلقوا لصياغتها من خلال تشكيل ديانة متكاملة لإبراهيم , تتضمن العديد من الممارسات الوثنية ولكن تحت غطاء إبراهيمي. بالرغم من ذلك, كانت لا تزال تنقصهم الهيكليات الدينية الأساسية التي تمكنهم من الوقوف بثبات كمجتمع ديني مستقل. هنا تأثروا بشكل هائلٍ بالسامريين.
إن أصول السامريين غامضة نوعا ما. إنهم إسرائيليون يسكنون وسط فلسطين, ويعتبرون عموما منحدرين ممن كان الملوك الأشوريون قد وطنوهم في السامرة, حوالي العام 722 ق.م. كانت عقيدة السامريين الإيمانية توحيدا يهوديا, إلا أنهم نبذوا التأثير اليهودي من خلال تطوير هويتهم الدينية الخاصة, بطريقة مشابهة نوعا ما لما سيفعله العرب لاحقا. تتضمن النصوص القانونية السامرية التوراة وحدها, وكانت تعتبر المصدر والمرجع الوحيد للإيمان والعمل.
تعتبر "لا إله إلا الواحد" لازمة مستمرة في الليتورجيا (الطقسيات) السامرية. إن فكرة وحدانية الله وقداسته المطلقة وصلاحه هي فكرة دائمة الذكر في أدبهم. يمكننا أن نلاحظ مباشرة شبه الصيغة بشهادة الإيمان الإسلامية: "لا إله إلا الله." كما أن وحدانية الله هي مبدأ أساسي في الإسلام. يمكننا إيجاد الصيغة الإسلامية "باسم الله" في النصوص الدينية السامرية ك "بشم." يعرف الفصل الافتتاحي في القرآن باسم الفاتحة. تبدأ صلاة سامرية يمكن اعتبارها شهادة أيمان بهذه الكلمات: "عمَدتي كَمێخا أل فَتَح رَحْمێِكا," أي "أقف أمامك عند بوابة رحمتك." إن "فتح" هي "الفاتحة" أي المدخل أو البوابة.
كان كتاب السامريين المقدّس هو التوراة, الذي كان يضم الوحي الأعلى للمشيئة الإلهية, وهكذا كان موقرا بشكل شديد. يبدو أن محمدا كان يعرف بأمر التوراة والمزامير فحسب, ولا يبدي أي معرفة بالكتابات النبوية والتاريخية.
يكن السامريون تقديرا كبيرا لموسى, لكونه النبي الذي أوحي إليه بالشريعة. بالنسبة للسامريين كان جبل جرزيم المركز الشرعي لعبادة يهوه, وكان مرتبطا أيضا بآدم وشيث ونوحا وبضحية إبراهيم بإسحاق. كان توقع مجيء المسيّا عقيدة إيمانية أيضا, وكان الاسم المعطى للمسيا هو "المعيدُ." يمكننا أن نلاحظ أيضا شبه ذلك بالإشارة الإسلامية على المهدي.
يمكننا أن نجدول التناظرات القريبة بين عقيدتي السامريين والمسلمين بهذا الشكل:
موسى: محمد
الخروج: الهجرة
التوراة: القرآن
جبل سيناء/جرزيم: جبل حراء
شكيم: مكة
تحت تأثير السامريين, قام العرب بوضع محمد في دور موسى معتبرين إياه قائدا لخروج (أو هجرة), وحاملا لوحي جديد (القرآن) ومتلقيا إياه في جبل مقدس ملائم (عربي) هو جبل حراء. بقي عليهم بعد ذلك أن يؤلفوا كتابا مقدسا. يشير ك ك إلى التقليد الذي يقول بأن القرآن كان كتبا عديدة لم يبق عثمان (الخليفة الثالث بعد محمد) إلا كتابا واحدا. ولدينا الشهادة الإضافية للراهب المسيحي الذي يفرّق بين القرآن وسورة البقرة باعتبارهما مصدرين للشريعة. وثيقة أخرى تخبرنا بأن الحجاج (661-714) حاكم العراق, قد جمع ثم أتلف كل الكتابات التي دونها المسلمون الأوائل. ثم استنتج ك ك, متبعين بذلك وانزبرو, أن القرآن "يفتقر للهيكلية العامة بشكل يثير الصدمة, وأنه كثيرا ما يكون غامضا وعبثيا في اللغة وفي المحتوى كذلك, وأنه روتيني في ربطه بين مواد متباينة وأنه مستسلمٌ للتكرار في فقرات بأكملها وذلك بصيغٍ متباينة. على هذا الأساس يمكن بشكل معقول ظاهريا أن تطرح فكرة تقول أن الكتاب (القرآن) هو نتاج تنقيح متأخر وغير دقيق لمواد قد أتت من تقاليد عديدة."
لقد رفض السامريون قدسية أورشليم, واستبدلوها بالحرم الإسرائيلي القديم في شكيم. وعندما انفصل المسلمون الأوائل عن أورشليم, وفرت لهم شكيم نموذجا ملائما لخلق حرمٍ خاصٍ بهم. إن التناظر مهول. فكلا الحرمين يمثل هيكلية مزدوجة تتكون من مدينة مقدسة ترتبط بشكل وثيق بجبل مقدس قريب, وفي كلتا الحالتين يكون الطقس الأساسي هو الحج من المدينة إلى الجبل. في كلتا الحالتين يكون الحرم قائما على أسس إبراهيمية, فيجد العمود الذي قدم عليه إبراهيم الذبيحة في شكيم مقابلا له في الركن اليماني من الكعبة من الحرم المكي. وأخيرا, يرتبط الحرم الحضري في كلتا الحالتين بشكل وثيق لقبر السلف الملائم: يوسف (في مقابل يهوذا)في الحالة السامرية, وإسماعيل (في مقابل إسحاق) في الحالة المكية. يستمر ك ك فيطرحان فكرة أن المدينة التي نعرفها باسم مكة في وسط الجزيرة العربية (الحجاز) لا يمكن أن تكون مسرحا للأحداث الخطيرة المحببة جدا في التقليد الإسلامي. بغض النظر عن فقدان أي إشارة غير إسلامية مبكرة إلى مكة, فإن لدينا الحقيقة المروعة التي تقول بأن الجهة التي كان المسلمون الأوائل يصلّون إليها (القبلة) كانت شمال غرب الجزيرة العربية. يأتينا الدليل من اتجاه مساجد مبكّرة محددة, والدليل المكتوب القادم من مصادر مسيحية. بكلمات أخرى, اختيرت مكة حرما إسلاميا من قِبل المسلمين في وقت متأخر جدا, لغرض نقل تأريخهم المبكر إلى الجزيرة العربية, لإكمال انفصالهم عن اليهودية, وتأسيس هويتهم الدينية المستقلة أخيرا
في الجزء المتبقي من كتابهم المذهل, ينطلق ك ك ليريانا كيف أن الإسلام قد صهر في بوتقته كل التأثيرات الأجنبية التي خضع لها نتيجة للفتوحات السريعة,, وكيف أن الإسلام قد نال هويته الخاصة من خلال الإلتقاء بالحضارات القديمة الأكثرسنا, وذلك من خلال احتكاكه باليهودية الربينية, والمسيحية (الشريعة الربينية, والفلسفة اليونانية, والأفلاطونية الحديثة , والقانون الروماني, والفن والعمارة البيزنطيتين). إلا أنهما أشارا أيضا إلى أن كل هذا تحقق بتكلفة تقافية عظيمة: "بسرعة, دمّرت الفتوحات العربية إمبراطورية وفصلت إلى الأبد مناطق واسعة عن إمبراطورية أخرى. كان هذا كارثة مروعة حلت بالدول المذكورة."
في كتباها "عبيد على خيول: تطور الدولة الإسلامية" (1980) ترفض پاتريشيا كرون التقاليد الإسلامية بخصوص الخلافة المبكرة (حتى ثمانينيات القرن السابع) معتبرة إياها قصص موضوعة لا فائدة منها. في كتابها "التجارة المكّية وظهور الإسلام" (1987), تطرح كرون فكرتها القائلة بأن العديد مما يسمى بالأخبار التاريخية هي في الحقيقة "تلفيقات خيالية لفقرات قرآنية صعبة الفهم." في عملها الأخير تبين كرون بشكل مقنع كيف أن القرآن" قد أنتج كمياتٍ من المعلومات الكاذبة." إن الأحداث التاريخية العديدة التي من المفترض أنها كانت سبب نزول آيات محددة (على سبيل المثال, معركة بدر, أنظر أعلاه), "تعزى في بعض جوانبها على الأقل, وأحيانا في وجودها نفسه, إلى القرآن" من الواضح أن القصاصين كانوا أول من اختلق مضمونا تاريخيا لآيات قرآنية معينة. إلا أن الكثير من معلوماتهم متناقضة (على سبيل المثال, يقال لنا بأن عندما المدينة كانت تمزقها النزاعات عندما أتاها محمد لأول مرة, وبالرغم من ذلك يُطلب منا أن نصدّق بأن أهل المدينة قد توحدوا تحت قيادة قائد لا منافس له هو أبي بن سلول), وكان هنالك ميل "إلى أن تتقلص روايات مستقلة إلى درجة صيغ مختلفة لفكرة عامة مشتركة." (على سبيل المثال, هنالك العدد الكبير من القصص الموجودة التي تدور حول فكرة "التقاء محمد بممثلين لديانات غير إسلامية عرفوا فيه نبيا مستقبليا"). وأخيرا, كان هنالك ميل لأن تنمو المعلومة كما كلما ابتعد المرء في الزمن عن الحدث الموصوف. على سبيل المثال, إن صادف أن ذكر قصاصٌ غزوة, فإن التالي سيخبرك بالتاريخ الدقيق لهذه الغزوة, وسيزودك الثالث بتفاصيل أكثر من ذلك. كان الواقدي (ت 823), والذي كتب بعد ابن إسحاق (ت 768) بسنوات, يعطي دوما تواريخ دقيقة, ومواقع, وأسماء لم يذكرها ابن إسحاق, وروايات عن السبب الذي أدى إلى الحملة, ومعلومات منوعة تمنح الحدث لونا خاصا, بالإضافة إلى أسباب لعدم حدوث قتال, كما هي الحال عادة. لا عجب أن المختصين مولعون بالواقدي: أين بإمكاننا أن نجد مثل هذه المعلومات الدقيقة بشكل رائع عن كل ما يرغب المرء في معرفته؟ ولكن إن كانت هذه المعلومات كلها غير معروفة لابن إسحاق, فإن قيمتها مشكوك بها للغاية. وإن كانت معلومات كاذبة قد تراكمت بمثل هذا المعدل في الجيلين الواقعين بين ابن إسحاق والواقدي, فمن الصعب أن نتجنب الاستنتاج بأن ما هو أكثر من ذلك يجب أن يكون قد تراكم خلال الأجيال الثلاثة الواقعة بين النبي وابن إسحق. من الواضح أن هؤلاء المؤرخون المسلمون المبكرون قد استقوا من معين مشترك من بمواد قد اختلقها القصاصون.
تحرص كرون على توبيخ عدد معين من المؤرخين معاصرين محافظين, كواط Watt, لكونهم متفائلين بشكل غير مبرر حول القيمة التاريخية للمصادر الإسلامية التي تدور حول ظهور الإسلام. وسوف ننهي هذا الفصل حول المصادر باقتباس استنتاج كرون بخصوص جميع هذه المصادر الإسلامية: "(تستند طريقة واط) إلى تقدير في غير موضعه لهذه المصادر. إن المشكلة هي عين نقطة أصل التقليد, لا تحريفات هيّنة دخلت لاحقا. إن القبول بحدوث تحريفات من عصبيات مختلفة ضمن الإسلام نفسه كتلك التي لمنطقة معينة أو قبيلة, أو فرقة أو مدرس فقهية لا يفعل شيئا من شأنه تصحيح التحيز الناشئ من عصبية الإسلام نفسه. إن التقليد بأسره متحيّز, وهدفه تشكيل هِلگشخته Heilgeschichte (لفظة ألمانية تعني دراما لم تختتم بعد. المترجم) عربية, وقد شكل هذا التحيز الحقائق كما نعرفها اليوم, فلم تضف ببساطة عبارات متحيزة بإمكاننا أن نميزها.
الكاتب: ابن الوراقترجمة: ابن المقفعالمصدر منتدى الملحدين العرب