التاريخ علم له
أصوله وقواعده ويخضع للفحص
والتمحيص كما تخضع بقية العلوم
التطبيقية والنظرية. وكل معلومة
تاريخية يجب أن يكون لها سند
كتابي أو تصويري أو نحت يُثبت
صحتها ويخضع للتحليل العلمي.
فنحن عندما نتحدث عن تاريخ الأسر
الحاكمة في مصر القديمة لابد أن
نستوثق من ذلك التاريخ بالرجوع
إلى الكتابات الفرعونية التي
عثر عليها الباحثون في مقابر
الفراعنة وفي إهرامات مصر
العديدة ومكتبات الإسكندرية
وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة
للتاريخ اليوناني القديم
والتاريخ الروماني والفارسي
وغيره من تاريخ الأمم السابقة.
وإذا لم تثبت الحفريات
والمخطوطات كل نواحي حادثة
بعينها، يمكن أن نلجأ إلى
الاستنتاج من القرائن التي
ترتبط بتلك الحادثة، فإذا
اتخذنا مثالاً من تاريخ الحرب
العالمية الثانية، وفترة الحكم
النازي في ألمانيا والدول التي
استولت عليها بقوة السلاح، نجد
بحوزتنا صوراً فوتوغرافية
وأفلاماً وثائقية عن المعتقلات
والمحرقة التي قام بها جهاز
الجستابو الهتلري بحق اليهود
والغجر وغيرهم من الإثنيات
الأخرى. ولكن هذه الوثائق لا
تثبت لنا أن شخصاً أو أشخاصاً
بعينهم قد قادوا اليهود
وأدخلوهم إلى غرف المحرقة، رغم
أننا نعرف أسماء قواد الجستابو
وأسماء بعض المسؤولين الذين
أشرفوا على معسكرات الاعتقال.
وفي مثل هذه الحالات يمكن أن
نلجأ إلى القرائن ونسأل أنفسنا
لماذا يهرب طبيب بالجيش النازي
بمجرد وصول الحلفاء إلى أطراف
برلين؟ فالطبيب جوزيف منغلي Josef
Mengele هرب متنكراً إلى الأرجنتين
وخضع لعمليات جراحية لتغيير
مظهره. وعندما قال بعض الناجين
من المحرقة إن بعض الأطباء كانوا
يجرون تجارب على المعتقلين بتلك
المعسكرات، نستطيع أن نقول بما
يشبه التأكيد إن دكتور منغلي قد
شارك في تلك التجارب، وإلا لماذا
هرب وهو لم يكن محارباً بالجيش
بل طبيباً لا يدعوه عمله إلى
الهرب. وسوف ألجأ لمثل هذه
القرائن عندما اتحدث عن التاريخ
الإسلامي.
تاريخ جزيرة العرب في أغلبه غير
موثق حتى الآن إلا في اليمن
ومنطقة الهلال الخصيب. ففي اليمن
لدينا مخطوطات ونقوش حجرية
عديدة منذ الألفية الثانية قبل
الميلاد تخبرنا عن الدولة
المعينية وملوكها وآلهتها
ومعابدها، وكذلك عن دولة حضرموت
ودولة سبأ وبناء سد مأرب وترميمه
بواسطة الحاكم الحبشي أبرهه،
وغير ذلك الكثير.
منطقة الحجاز وأواسط الجزيرة
العربية لم يعثر الباحثون فيها
على أي مخطوطات باللغة العربية
للفترة التي سبقت الإسلام، بل
عثروا على مقاطع صغيرة تدل على
أن اللغة العربية كانت لغة يتحدث
بها الناس لكنها كانت تفتقر إلى
النقاط وعلامات التنوين وحروف
العلة vowels التى تمثل الحروف a,
o, e, i في اللغة الإنكليزية،
واستعاض عنها أهل العربية
بالفتحة، والضمة، والكسرة،
والتنوين لاحقاً. وعلامات
الترقيم هذه قد أخذها أهل اللغة
العربية من اللغة الآرامية أو
السريانية بعد ظهور الإسلام.
وأقدم مخطوطة عُثر عليها حتى
الآن هي مخطوطة "الرقش" أو
"الرقشة" ويرجع تاريخها إلى
عام 267 ميلادية
المصدر MSM Saifullahm Mohammad Ghoneim & Shibli
Zamam
From Alphonse Mingama To Christoph Luxenberg: Arabic
Script & the Alleged Syriac Origins of the Quran
الكتابة على يسار المخطوطة
عبارة عن خليط من النبطية
والعربية التي ليس بها أي نقاط
أو علامات ترقيم. والكتابة
العمودية إلى يمينها هي كتابة
ثمودية. والكتابة التي على يمين
الصورة هي فك تلك الرموز النبطية
والعربية إلى اللغة العربية
المعاصرة. ويظهر من هذه المخطوطة
أن اللغة العربية لم تكن لغة
مكتوبة كما هي اليوم.
فإذا كانت هذه هي الكتابة
العربية حتى عام 267 ميلادية، أي
قبل حوالي ثلاثمائة سنة قبل ظهور
القرآن، نستنتج من هذا أن اللغة
العربية لم تكن لغة مكتوبة
ومقروءة وإنما لغة تخاطب بين
الناس في الغالبية العظمى من
الوقت. ويذهب بعض علماء اللغات
إلى أن العربية المكتوبة في أيام
ظهور القرآن كانت كلمات عربية
مكتوبة بالحروف الآرامية أو
السريانية لأن اللغتين الآرامية
والسريانية كانتا لغة الكتابة
السائدة في ذلك العصر.
وعليه نستطيع أن نقول إن التاريخ
الإسلامي كله تاريخ شفهي لم
يُكتب إلا بعد أن تطورت اللغة
العربية وأُدخلت عليها النقاط
وعلامات الترقيم في نهاية القرن
الأول الهجري ومنتصف القرن
الثاني. فتاريخ يعتمد على ذاكرة
الرواة على مدى مائة عام أو
يزيد، تاريخ لا يمكن الوثوق به
إطلاقاً. وفي هذه الحالة لا
يمكننا إلا الاعتماد على
القرائن فقط.
ولكن الإشكال في الإسلام هو أن
المسلمين يأخذون كل ما يسمعونه
من رجالات الدين مآخذ الجد
ويعتبرونه حقيقة لا تقبل الجدل،
ناهيك عن التفكير فيما سمعوا أو
نقده. وإذا أخذنا مثلاً قصة زواج
محمد من خديجة وعدد أطفاله منها،
يتضح لنا مدى ركاكة ذلك التاريخ.
فكل كتب السيرة وتاريخ البخاري
وكتب الأحاديث متفقة على أن محمد
تزوج خديجة عندما كان عمره خمس
وعشرين سنةً وكان عمرها أربعين
سنةً، وكان لها زوجان قبله.
وأنجبت له عدداً من الأطفال لم
يتفق الرواة على عددهم أو ترتيب
ولادتهم. يقول ابن كثير في مختصر
السيرة النبوية (قال ابن عباس
كان أكبر ولد رسول الله القاسم،
ثم زينب، ثم عبد الله، ثم
أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية) (ص
512). وقال أبو الفرج المعافى بن
زكريا الجريري، عن ابن عباس: (ولدت
خديجة من النبي ابنه عبد الله ثم
ولدت له زينب ثم ولدت له رقية ثم
ولدت له القاسم ثم ولدت الطاهر
ثم ولدت المطهّر ثم ولدت الطيب
ثم ولدت المطيّب ثم ولدت أم
كلثوم ثم ولدت فاطمة، وكانت
أصغرهم) (نفس المصدر ونفس الصفحة).
ففي هذه الرواية ولدت خديجة عشرة
أطفال لمحمد. وكلا الروايتين عن
ابن عباس، وهذا يبين لنا إما أن
ابن عباس كان يعتمد على ذاكرته
التي يبدو أنها خانته كثيراً، أو
أن الرواة عنه كانوا يكذبون.
ونحن نعرف من علم وظائف الأعضاء
physiology أن المرأة بعد سن الأربعين
يقل عندها إفراز هورمونات
الأنوثة ويبدأ عندها ما يُعرف في
الطب ب menopause ويقول عنه العرب "سن
اليأس" الذي يبدأ فيه عدم
انتظام الدورة الشهرية،
وبالتالي يصبح احتمال الحمل
ضعيفاً، وفي الغالبية العظمى من
النساء تتوقف الدورة في سن
الخامسة والأربعين ويصبح الحمل
غير ممكنٍ بعد ذلك. فمن المستحيل
علمياً أن تلد امرأة تزوجت في سن
الأربعين عشرة أطفال قبل أن تموت
وعمرها خمس وستون سنة. ثم أن محمد
الذي ولد له من هذه المرأة
الأربعينية كل هؤلاء الأطفال،
كيف لم تلد له عائشة البكر ولا
صفية الشابة التي تزوجها ليلة
قتل زوجها، ولا أي زوجة أو محظية
من زوجاته العديات ومحظياته
الشابات من اليهوديات مثل
ريحانه، أي طفل مع أن أغلب
زوجاته كان لهن أطفال من أزواجهم
قبله؟
القرائن تؤكد لنا هنا أن خديجة
لم تلد لمحمد الأطفال الذين نسب
المؤرخون الإسلاميون أبوتهم له،
وربما كانوا أطفال خديجة من
زوجيها السابقين. وإذا اعتمدنا
تاريخ الإخباريين هذا فإن فاطمة
وهي أصغر أطفال محمد تزوجها علي
بن أبي طالب سنة اثنين هجرية
وكان عمرها خمس عشرة سنة (العجاب
في بيان الأسباب، لابن حجر
العسقلاني، ص 77). وخديجة توفيت
عام عشرة من بدء الرسالة، أي قبل
ثلاث سنوات من الهجرة. فإذاً كان
عمر فاطمة عشر سنوات عندما توفيت
أمها. وخديجة ماتت وعمرها 65 سنة.
إذاً لابد أنها ولدت فاطمة
وعمرها يومئذ خمس وخمسون سنة.
وهذا في رأيي أمر لا يمكن القبول
به من ناحية علمية. ولكن مجرد ذكر
هذه الحقيقة يجعل من الكاتب
شخصاً مرتداً وشاتماً للرسول،
عقابه السيف، كما يقول ابن تيمية
في كتابه "الصارم المسلول على
شاتم الرسول"
تاريخ الإسلام كله، بما فيه
تاريخ نزول وجمع القرآن، تاريخ
مزيف كتبه الرواة بعد مرور عشرات
السنين بعد ظهور الإسلام، وكان
الغرض الرئيسي منه هو تأليه محمد
وتمجيد الإسلام عامةً، والقرآن
على وجه الخصوص. وسوف استعرض في
الحلقة القادمة إستحالة أن يكون
القرآن الذي بين أيدينا هو
القرآن الذي يقول المسلمون إنه
نزل على محمد من عند الله بواسطة
جبريل.