(سوريا)
ظهرت في الآونة الأخيرة أكثر من أنثولوجيا للشعر السوري تجاهلت الشعراء الكورد بامتياز متعمد, ليس فقط الذين يكتبون باللغة الكوردية بل وأيضًا الذين يبدعون بالعربية.
في محاولة متواضعة، أحاول في هذا الملف أن أترجم عدداً من الشعراء الكورد السوريين ليكون المشهد الشعري السوري في كماله المتعدد .
شعراء مميزون تمكن كل واحدٍ منهم من أن يكرس تجربته بما يدل عليه, ولأن الترجمة في الأصل خيانة فإن من الممكن ان لا يظهر هذا جلياً في القصائد المترجمة, علاوة على أن اختيار قصيدة أو أثنتين لكل شاعر لا يمكن بحال أن تعبر عن تجربته ككل.
الملف لا يشمل بالطبع كل الشعراء الكورد في سوريا, فمنهم من يكتب بالعربية ونتاجهم جدير بالتعريف بهم , ومنهم من لا يزال في الأرجوحة المتنقلة بين الكتابة بالعربية والكتابة بالكوردية / وأنا منهم / وهؤلاء أيضاً لا تقتضي ضرورة التعريف بهم سوى الإطلاع على نتاجهم بالعربية فظلال كل من اللغتين تلقي بنفسها على النتاج المكتوب باللغة الأخرى, وهناك أيضاً شعراء في الوطن لم يتمكن لي أن أطلع على نتاجهم أو الاتصال بهم وأخص هؤلاء بالإعتذار لهم على رغبة أن يكون لي فرصة مع نتاجهم في فترة قريبة, ولهذا سأعتبر هذا الملف جزءاً أولاً سيتبعه بالتأكيد ما أتمكن من ترجمته لاحقاً.
* ليس لترتيب الشعراء في الملف أي اعتبار سوى تتالي وصول نتاجهم إلي, على أن في الملف شعراء من الجدير ترجمة دواوين كاملة لهم وأخص منهم الشاعر " أحمد الحسيني" المشهود له بجهد مبدع في تطوير اللغة الأدبية في اللهجة الكورمانجية منذ بدء الحداثة فيها, بعد مرحلة الشعر الكلاسيكي التي ارتبطت باسم الكبير" جكرخوين" .
وثانية ً لأن الترجمة خيانة ولأن لكل لغة جمالياتها الخاصة بها ولكل تراث صوره ورموزه وإيحاءاته التي قد لا تعطي ذات المقصود في ترجمتها إلى لغة أخرى, فقد حاولت في تقصدي للترجمة أن أكون شاعرة بما أنا متمكنة منه في اللغة العربية يعينيي في ذلك انتمائي الى الشعر الذي أنا مقدمة على ترجمته في ميثولوجيته الكوردية.
اللغة الكوردية لغة شعر أصلاً, لغة ٌ لم يتمكن شعراؤها المعاصرون على الرغم من محاولاتهم إلى الشعر أن يوفقوا في اكتشاف براعتها وزخمها ورقتها إلا في القليل النادر من الأمثلة حتى الآن. شعراء وإن كان لدى كلٍ منهم ما يميز تجربته قليلاً أو كثيراً إلا إن اختلافهم ليس بالقدر الكافي الذي يسمح بالقول بتشكل مذاهب متفردة في القصيدة الكوردية.
والشعر الكوردي كغيره من الآداب العالمية موزع على مذاهب شتى, وهناك أيضاً الخصوصية التي تمكنها كل شاعر لنفسه, فهناك من أشتغل على اللغة حتى أُشكلت عليه الصورة, وهناك من أغرته الصورة فأسلس لها حتى أفلت منه الإيقاع وأسهب على حساب كثافة الشعر الأنيقة, وهناك أيضًا من برع في جدل الصورة بلغة ٍ رشيقة ٍ منسابةٍ كالماء, وهناك من أخذ من حنينه مدخلاً لفلسفة إنسانية راقية, هناك من ألتقط من اليومي صورة ً باذخة ً في مدلولاتها الإنسانية وتمكن من القبض عليها في قصائد تشبه الومضة.
تبادل الشعر والنثر المواقع بين شاعر وآخر وأعتمد تقسيم الأشطر على طريقة الشاعر في الإلقاء أو إحساسه الشخصي بالقصيدة / في تخميني/ إلا في استثناءات قليلة انحاز فيها التوزيع على صفة فنية تقصدت الإنزياح في المعنى القابل للتأويل في أكثر من وجهة.
*****
أحمد الحسيني
نوستالجيا
حبيبتي......
الدوامة اليافعة الشاردة, تنبثق من خيال الفلاة,وأمام العتبات المهترئة لقلبي تهب غبارها لجدث الذكريات.
ليلة ٌ حالكة تملأ جوانحي برائحة الحناء وعطر البابونج. أتعلم التحليق من عش الأنين برفقة النافذة المشرعة بعينها المتضورة, الزهور التي من ذبولها تتهاوى وأجنحة الموت.نعم يا حبيبتي
ها أنا
في حضن الحِداد الصعب,بين يدي إله ٍ جبار, أرتعش كمُريد ٍ مذنب. أمسك بذراع تعبي في ومض الزمن وأسجد بعنق ٍ منحن ٍ. أروض في حدقتيّ الصعاب والسهرات النزقة,بلا مَساند ولا قناديل. أنا الكائن الهش مقوض الحلم في وخز الموت الموحش.من أي وجهةٍ سأغرق نفسي في تدفق أنينكم ؟
تحت أية سماءٍ سأختار لي تراباً بارداً لينعم جسدي بيرقات العتمة والصمت ؟كنت أتأمل
كيف تمرّ الحياة
كيف وبصمتٍ فسيح يأتي الموت
حيواتنا جداول
تمازج نفسها بالبحر
البحر أيضا موت
غورغي مانريك ( 1440 - 1478)أي قمرٍ سأزرعه في جنازتي آن الرحيل, لتختنق ملائكة البكاء في انهمار الموج حفنة ً حفنة , برعماً فبرعماً,جهنماً جهنماً,وفي انتفاضة عطش الفتنة ؟حزين ٌ يا حبيبتي
دورة هذا المساء عالقة ٌ في أوشحة غناءكِ الطويل, لا الطفولة ولا الأحصنة المترددة بقادرةٍ على إيداع وهج هذه الأناشيد في جدول الزمن.لا الغبار يقارب هارمونيا القبقبة, ولا حجلان السواد تلوذ بأول التحليق.
أخمّركِ تحت لساني/ أشعلك ِ في موقد أضلعي/ في غمد اللحظات,في مهد الفراشات,في تدفق الحوريات, أهدهدكِ / أزين جدائلكِ بالتمائم ,بمواويل الهجرة والمنافي, بالمحطات والعتبات, بالمخيمات, بالشرايين , والأشهر العمياء." كل الألوان العتيقة لها إضاءة حزينة في قلبي, أهي في الطبيعة أيضا هكذا, أم أن في عينيّ مرض "
فان كوخرونو:
على عتبة تلك القارة المغبرة, كان لون قدرنا يُحلب من ضرع الدوامة.كلما اندلق معجم الألوان في تل "شرمولا " المنهك,سال لون القهوة نقطة ً نقطة, من السنابل والوريقات,ومن قلق الأرانب والقطا.إنه لون القهوة, لون طفولتنا المختزلة.في البرية محمية الغبار تلك, عندما يولد التراب والأنين,عندما تفطم القناديل من نهد الوجع,سيرتب الأموات شوقهم للأحياء. لكن كيف سينسى الأحياء لون القهوة في عيون الأموات؟.
عزيز خمجفين
صباحات بنفسجية
آن أسدلُ خيالك ِ
على عينيّ
أحصي ثلاث مئة ٍ وخمسة ٍ وستين
صباحاً بنفسجياً
على أصابعي
أضمها في وهج الروح.مئة ٌ أسميهن باسمكِ
مئة ٌ أندّيهن من عينيك ِ
مئة ٌ وخمسة وستون حصاناً
بزينة ٍ ذهب ٍ
بأسرجة ٍ قشيبة
أرحّلها من قلبك.ابتسامة الأناشيد
خطوات القطا
أصوغها أليفة ً في دفء جوارحكِ
يا توأم الروح
ومن أوكسجين رحم العشق
من أوردتي
أُحييها.قوس القمر العاشق
في حكايتنا
يصبح خاتماً
طوقاً
ساعة
يصبح حناءً برية
على أكف حوريات الجنة
يصبح حلوان المًُباركة.النهار كان طيباً
نَفَسُها أحيا نَفَسي
سأل الزمن
ترى.....
فقط في شتاء ضحكتها
يبتهج النرجس ؟.إعتذار الفرح منّا
غنج همساتكِ
أباركها كحجارة " لا لش " المقدسة.
كؤوس خمر التفاح
من أثداء الجُمَل
من النظرة المُسبلة
من عمامة الصبية " البرازية"
من البطاقات المسائية
تعبر .كحل العيون العسل
آلت بمهادناتنا
إلى جدول ٍ يتمازج فيه
كلا الدمين
واليقين الأول.أنفاس قافلة الأحلام
في فصل الحب هذا
على حدود الشوك
خطوتها بهذه الأقدام.
مثل الإسكندر ذو القرنين.
يذوب البرج الثلجي
أمام شمس أمنيتي,
عالمكِ من الشرق إلى الغرب
مكّن يداي من قفير البراعم
وباليد التحية
فتحتِ لي
زنزانة الحوار.في العشاء المتأخر
على مائدة القلب
من أطلالها
طوقتْ " زين زيدان " وجهكِ
بالنرجس والأقحوان.بصليبي
وطاووسك
كنتُ " سالار"
على تراب " ميديا "
أشرعت ِ الصدر والأحضان
فتبرعم الزهر على الشفتين.وجه القمر الأبيض
الكلمة التي ألِفتْ
سماع اسمك
القلم الذي بين الأصابع تلك
ذو أسرار وعجائب
الحروف الثملة من خمر لسانك
احترقت أجنحتها
من نار موقد القلب .المفاصل
والأغصان العالية لأسرار العشق
أسرار الحبكة
دَوَرتنا في شِباك بعضنا.القش الذي أحضرناه بمناقيرنا
على حافة الجدار
جدلناه بالرحيق .باللحظات المخملية
في الحضن النارنجي
كان عشنا ينطق بكل اللغات
طوال النهار.أزحت ُ الخصلات عن الوجنتين
أحاطتني النجمتان بالوميض والوله
تململ الفم
هوى اللسان من قامته
تلعثم
حتى الألف والباء استعصت
تلكأ بلفظها
واستغاث ب " زند أفستا " المقدس. إدراك رسائل الأنبياء
هوبيان تميمة الحياة
من الخطوة الأولى
حين رعت نطفة آدم الأب
في رحم أم الحياة
من صراع الذكر والأنثى
ومن لحظة الخلق الأولى
نُقشت أسماءنا في لوح الحياة.داهمتنا الحمى والرياح
حررنا أمانينا من الحناجر.
متقاربين
نحن العراة
صارت أوراق الشجر ثيابنا والكساء.البعض ألقوا بنا في السجون
البعض نهبنا
والبعض
ومع يوسف النبي
رمونا في الجب
كلما أرتفع الدلو عن أفواهنا
نحن الفراخ
أمعّنا في اللهاث.الليل الملتف على قاماتنا
اللحاف الذي مغطى بالعسل
في طياته
كنحلتين
أجنحتنا ملتفة على بعضها.هكذا.........
2616 عاماً
عمر لقاءنا أنا وأنت ِ
ما انفصل جسدانا
ودفق أحاسيسي في روحكِ
تشارف المغيب. تشظى اسمك أربعة أحرف
قصمتْ الحدود
بعزيمتي
في الظل الوراف
بالقبل الخضر
البيض
الحمر والزرق
ألملمها.تحلق العنقاء
وأنا وأنت
في خرائط الندى والضباب
عشاق الورد
عشاق الحياة
احرارٌ
بالحب
ودفء المشاعر .
هوشنك بروكا
في غياب يديك ِ
العشب الذي
منذ خافقينا
في ذروة الطلِّ
بيننا
يتسامق
ما عاد يصحو
على صباحات صوتكِ الحرير
وهديل الحمام .النوافذ الباكرة
التي من أول الزقزقة
من أول الناي
من أول الأغنية
من أول ندى
العناق
والقبل
من أول "إينانا " الحب
الإله
الأنوثة
والمُطارحة؛
النوافذ الباكرة
التي مددتُ يديّ خللها
إلى فاكهة قامتكِ
ما عادت تحتفي
بوقع أقدامك
في المطر.ال"الديلوك"
المتبرعمة
من ذاكرة الماء
ومن الأجاصة على شفا جرحي
التي كل صباح
قبل سلام المرايا
كنتِ تدللينها
بنهدك الذي أُريد
ما عادت تعرف
اللهاث الذي
كان ينضج على نهديكِ.
القهوةالقهوة التي بيني
وبينكِ
وبين هذا الصباح الذي
من خميلة ٍ متأخرة
لحن ٍ متأخر
جرح ٍ متأخر
أيد ٍ متأخرة
ما عادت تروي حضورك ِ
تغني بتلات يديك ِ
تتلمس
يديكِ
اللتين كل صباح
ننضج بهما لوقت
النوافذ
وأوانُ خطى الريحان.
تنكزار ماريني
ومضاتُ حلم ٍ هارب
دموع
من أجل عينيك ِ
فقط من أجل عينيك
ينهض هذا العشب
للرقص.الغياب
غياب النوم
يقاربُ التشظي
ومع ذلك
يلثم هذا العشب
ربه.بلى
فقط من أجل عينيك
بالموج المتلألأ
لنظراتكِ
أحيط بنفسي
وفي عينيك أيضاً
أتلاشى .الدمع
عن مقلتيك
العسل
أبعديه.في
وجع أنينك
يم الذكريات
أغرق.لا تذريني
وحدي
في ليلة ٍ مهترئةٍ
بسماءٍ حزينة ٍ
فقط شفتاي
أومأي لهما بالنهوض
لقبلتكِ .فقط
لعينيكِ
هذه الروح
تضحك تبكي.لا
ترمينني
بعينيكِ
اللتين
في عيناي
تنغرسان.على قلبي
كلماتكِ
تتخدر.مطرٌ دافئ
أزهر فيه
دمعكِ .