الفصل الثامن: النداء من الأعماق

أفاق في منتصف الليل، حيث كان السكون يعم المكان. كان يرقد في غرفة معزولة بالمستشفى الجبلي، يتعافى من صدمة البقاء. ضوء خافت يتسلل من النافذة المكسوة بالثلج، وأصوات الأجهزة الطبية تنبض بهدوء في الخلفية. ورغم الراحة الجسدية التي بدأت تغمره، كان ذهنه ما زال محاصرًا بالأفكار، والأسئلة التي لا جواب لها.
كانت تلك الأصوات، التي سمِعها تحت الجليد، لا تزال تترنح في ذاكرته. "هل كانوا أصوات الناجين؟ أم كانت مجرد صدى لذكرياته الغارقة في العدم؟"
في الظلام، شعر بشيء يشدّه نحو أعماقه. لم يكن مجرد ألم أو خوف، بل كان نداءً خفيًا، كما لو أن هناك شيئًا، أو ربما شخصًا، لا يزال ينتظره في الجبل. زحف هذا الشعور العميق داخله كما يزحف البرد في العظام. هل يمكن أن يكون أحد رفاقه على قيد الحياة هناك، في انتظار المساعدة؟ أو هل كان هذا النداء من داخله، انعكاسًا لتلك الرغبة التي لم تخمد أبدًا في التحدي والعودة إلى المجهول؟
بدا له الأمر وكأن الجبل نفسه يناديه، كما لو أنه كان شاهداً على شيء أكثر غموضاً مما كان يتوقع. وبدأت تتراكم الأسئلة: ماذا حدث حقًا في تلك اللحظة الحاسمة؟ هل كان ذلك الانهيار مجرد حادث طبيعي أم أن هناك شيئًا آخر خفيًا خلفه؟
في الصباح التالي، جاء قائد فريق الإنقاذ ليطمئن على حالته. جلس بجواره لبضع دقائق دون أن يتحدث. ثم، بصوت منخفض، قال: "لقد وجدنا البعض من رفاقك. لكن لا تزال هناك أسماء مفقودة."
كانت تلك الكلمات مثل خنجر غرس في قلبه. "من هم المفقودون؟" سأل بصوت مبحوح، محاولاً التحكم في مشاعره.
"لم نعثر على سارا بعد..." قال الرجل بتردد.
سارا. كانت هي الشخص الذي وثق به طوال المغامرة، وكانت دائمًا الشخص الذي يرى الخطر قبل أن يراه الجميع. ابتلعت دموعه وهو يسترجع تلك اللحظة التي نظر فيها إلى وجهها النحيف على قمة الجبل قبل الانهيار.
قرر فورًا: يجب أن يعود. لم يكن مستعدًا للتخلي عنها. مهما كان الثمن.
في الأيام التالية، استعاد قوته تدريجيًا، رغم التحذيرات الطبية بالبقاء في المستشفى. لكنه كان يعرف أن الوقت ليس في صالحه، فالجبل لن يبقي أسراره مدفونة إلى الأبد. وشيء ما بداخله كان يصر على أن هناك ما ينتظره هناك.
بعد إقناع فريق الإنقاذ، عاد إلى الجبل، مصحوبًا بعدد قليل من المتطوعين. كان الطريق صعبًا والجليد أكثر غدرًا، لكن إصراره لم يتزعزع. عندما وصلوا إلى الموقع، شعر بأن الجبل يراقبهم بصمت رهيب.
كان المكان الذي اختفت فيه سارا مغطى بالجليد الكثيف، ولكن كان هناك فجوة صغيرة، وكأن الأرض ابتلعتها. بدأ الحفر بشراسة، عقله مشوش بين الحقيقة والخيال، وبين الخوف والأمل.
ثم، فجأة، سمع صوتًا خافتًا، كأنه أنين قادم من الأعماق. تجمد في مكانه، وأصغى بتركيز شديد. لم يكن هناك شك. كان ذلك النداء نفسه، الذي كان يسمعه في حلمه، يعود إليه الآن.
"إنها هنا!" صرخ بأعلى صوته، وبدأ الجميع بالحفر بجنون.
مع كل مجرفة جليد يزيلونها، كان الأنين يزداد وضوحًا

» الفصل الثامن قوانين الإيمان
» الملكية البرلمانية، النداء الأخير
» الفصل الثاني: صوت الريح
» الفصل الخامس: الانهيار
» الفصل السادس: تحت الجليد

الفصل الثامن: النداء من الأعماق

الفصل الثامن: النداء من الأعماق :: تعاليق

الفصل الثامن: النداء من الأعماق

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة