دائماً كان إشكاليا، وعلى الدوام لم ينف التهمة، على الدوام كان ساخراً، وعلى االدوام كان في ذروة الجد، خلال السنوات الاربع الفائتة أنتج خمس أعمال روائية هي على التسلسل:“آخر أيام الرقص، سرير بقلاوة الحزين، بانسيون مريم، موت رحيم، حانوت قمر”، وهذه روايته السادسة خمّارة جبرا تحت الطبع، وهو يدير اليوم مركز البوصلة للدراسات والبحوث وقد صدر عن المركز حتى هذا اليوم (16) كتاباً لابد وأن الكثيرين يرونها تحمل أهمية كبيرة.
إنه الروائي السوري نبيل الملحم، الذي يقول كما يرغب في أن يقول، خارجاً من كل الحسابات.. رجل بالوسع القول عنه أنه:“يلعب مع الوقت”، هو لعب ربما يمكن تسميته في لحظة ما “لعب مميت”.
هو خارج التنظيمات، وهو يقول لنا:“مرة واحدة ذهبت في رحلة مع مجموعة من الطلبة.. كانت الرحلة من القاهرة الى أسوان.. نزلت في منتصف الطريق لأنني لا أرغب في رحلة يشاركني بها أحد.. أنا شريك فاشل في كل شئ.. شريك لا يحتمل الشراكات”.
في هذا الحوار وكما عادته، يكثّف بما لا يسعنا سوى أن نعيد قراءته مرة أو اثنتين.. هو كذلك.. ليس بوسعنا تغييره.. تغييره في يد الله وحده.
• دعني أبدأ معك من المسألة الدينية، في أعمالك تسخر من رجال الدين، وتناصبهم العداء، هل تظن أن الرواية قادرة على مواجهة الفكر الديني؟
• لا .. الأمر ليس هكذا، في رواياتي هنالك رجال دين، شخصيات دينية، وكذلك هنالك شخصيات إيمانية، أنا لا أتقصد السخرية منهم، أنا أسير وفق مقتضيات الشخصية الروائية، وهي شخصية لا يسعني أن أتحكم بها وليس من حقي التحكم بها، أنا لا أكتب بيانا سياسياً، أنا أكتب رواية، أما عن الشق الثاني من السؤال، فالمسألة الدينية لا تواجه بالخطاب ولا بالفكر وحدهما، المسألة الدينية والتشدّد الديني في بعد من أبعاده هو منتوج اليأس، هو الابن الشرعي لمستوطنات اليأس، هو درب اليائسين، خفّف من وطأة اليأس تخفّف من وطأة الفكر الديني.. المطلوب زرعاً آخر لا ينبت التشدّد الديني، ما حدث في بلادنا ليس بفعل قوّة العقيدة الدينية وتماسكها، هو نتاج سقوط وعد الحياة الذي يحيل الناس الى وعد الآخرة.. الفكر الديني لا يواجه بالحوار وحده، ليس حلبة صراع مابين فكرين، علماني في مكان وآخر في المكان المقابل من الحلبة، هاتي تنمية وطنية طيبة، هاتي شيء من أسباب الحياة تتحوّل الآخرة الى حلم فردي، الى تأمل وليس الى ساطور.. اليأس، افتقاد الأمل، الخيبة، هذه هي أذرعة التشدد الديني وأقدامه وسواعده ورئته.
• دعني أنتقل معك إلى اتهامات توجه اليك.. هل أنت جاهز؟ هل يتسع صدرك
• جاهز.. أكتافي أعرض من حائط.
• منذ بداية الثورة السورية، أو الانتفاضة السورية، أو الأزمة السورية، وأنت صامت.. لم تظهر على محطة تلفزيونية، ولا في حوار اذاعي ولا حتى في لقاء صحفي.. بعض اصدقائك يحيلونها الى التردد في حسم الموقف.
• لا .. بعض الأصدقاء يرغبون في رسمك، ومن ثم في تظهير صورتك على الشكل الذي يرغبون، بعضهم الآخر يَحار في أي من الصناديق سيضعك، ولهذا يربكون، والمربكون هم ممن ينتمون الى الانسان النمطي، ذاك الذي يمكن أن تنطبق عليه مقاييسهم، بمعنى آخر ذلك الإنسان المتكّرر .. سهل القراءة، وأنا لا أرغب أن اكون كذلك، ولم أكن ولا في يوم من الأيام من هؤلاء.
• أليس هذا نوعا من التعالي؟ نوعا من الأحساس بالتفرد؟
• هو كذلك، وهذا حقي، من حقي أن أرغب في أن أكون :“أنا أنا”، وسبق وكتبت مايقارب هذا المعنى من زمان، كان قد جاء هذا الكلام كمقدمة لكتاب “ظلال شخصية”، يومها قلت:“عندما أكون أنا أكون أنا.. عند ذلك لن يون العالم سافلا”.
• هذه فلسفتك؟
• هذه فلسفتي وقد عثرت عليها اليوم وأنا اتصفح كتاب الزرادشتية.. الفجر – الغروب.
• وهل لهذه الفلسفة مكانها في الهبّات الشعبية؟ في الثورات؟
• عكسها يدمر الهبّات الشعبية والثورات، وهذا ما حدث في سوريا.
• ماذا تقصد؟
• أقصد أن معظم المثقفين وأصحاب الرأي الذين التحقوا بالحالة السورية، التحقوا بالموديل.. بالنموذج، بالكاراكتر، والصورة، بالكادر، ولهذا لم ينتجوا شيئا لثورتهم، أو مايدّعون أنها ثورتهم.. التحقوا ببيوت المال، والبزنس، ولصورة، فلم ينتجوا ثورة ولم ينتجوا نصاً ابداعياً.
• وأنت هل أنتجت هذا النص الابداعي؟
• أنتجت روايتي.. أنتجت كل المؤجل من حياتي.. خمسة أعمال روائية خلال هذه المعضلة، والرواية السادسة قيد الطبع.
• وهل تعتبر هذه الروايات من نتاج الحالة السورية؟
• لا.. ولا أرضى لها أن تكون تسجيلاً لحالة، هي روايتي، ولكن الحالة السورية.. الطوفان السوري كان واحداً من محفزات الرواية، واحداً من محفّزات إنتاج المؤجل.
• هل تعتبر أن هذه الرواية، أعني مجموع رواياتك توثيقاً في بعد من أبعادها؟
• لا .. أبداً، أنا لست مؤرخاً ولم أختر مقعد المؤرخ.. في التاريخ إما أن تنال علامة 100% أو تنال صفراً، في التاريخ ليس ثمة ثلاثة أرباع العلامة أو نصف العلامة.. في الرواية ثمة فسحة لك أنت.. لتقرأ تاريخ اللحظة من موقعك وزاوية رؤيتك، مايجوز في التاريخ لا يجوز في الرواية.. الرواية فسحة للحرية.. لحرية الخيال.. التاريخ مقيد بألف قيد وقيد.
• ولكن في كل روايتك للحدث السوري حضوره.
• هو بيئة الرواية، حاملها، ولكن مساحات الرواية أبعد بما لايقاس من هذه المساحات.
• أنت لم تلتحق بالثورة.
• أنا لا ألتحق بأحد.. ثورتي في نصي.. فيما أكتب.
• هذا الموقف أقرب الى موقف أدونيس.
• أنا لا أحب أدونيس، لم أحبه يوماً، ولا يحلو لي أن أشبهه، مع ذلك فأدونيس واحد ممن أسّسوا لعقل مفتوح يتجاوز العقائدي والديني بل ويتجاوز نفسه.
• ماموقفك ممن هاجموا أدونيس؟
• لو كانوا ممن تخطّوه لصفقت لهم.. من هاجمه اليوم كان قد قدّسه بالأمس، وهذه معضلة المثقف السوري الذي يدور مابين ضفّتين، التقديس أو التدنيس وهذا عيب قاتل.
• ولكنك هاجمت معظم المثقفين السوريين في صفحتك على الفيس بوك.
• هاجمت مَنْ؟ هاجمت الذين ركبوا موجة الثورة باعتبارها السفينة الناجية.. هرباً من السفينة الغارقة.. هاجمت مخبري الأمس الذين تحوّلوا إلى ثوريي اليوم، هاجمت من ذهب إلى أمجاد الثورة بعد أن استنزف مكاسب السلطة.. هاجمت الكذّابين.
• مثل مَنْ؟
• أنت تعرفين.. سؤالك يقول أنك تعرفين.
• لا أرغب في ذكر أسماء..
• وأنا لاأرغب، ولكنني أرغب في سرد حادثة، أو قصة، كان في بيتي اثنان، واحد منهما هراني بالتقارير لمدة تزيد عن عقد من الزمن، والآخر سجيناً سياسياً أمضى في السجن مايزيد على 22 عاماً.. المُخْبِر بات يحكي ليس عن إسقاط النظام فحسب، بل عن مواجهة النظام بالسلاح والحديد والنار، والثاني كان يدعو إلى التغيير السلمي، هذا واحد من النماذج.. مسطرة يمكن القياس عليها.
• أنت تحكي عن ثورة.. تستخدم مصطلح ثورة.
• أنا لست من مؤيدي الثورات، بالمطلق، لا اليوم ولا بالأمس.. أنا مع البناء على التغيير المتدرّج والسلمي.. أنا من أنصار الكقاح المطلبي والبناء على إنجازاته، خصوصاً حين يكون هذا الاختلاط.
• عن أي اختلاط تتحدث؟
• أتحدث عن اختلاط الدولي بالاقليمي، عن لعبة الأمم حين تأخذ عنوان الثورات وليست سوريا نموذجها المتفرد.. الثورات البرتقالية سبقتنا من زمان، والنموذج الليبي والمصري واليمني وسائل إيضاح تكفي.
• اليوم أين أنت؟
• أنا اليوم متفرج، مجرد شاهد ليس لشهادته أي معنى.
• وهل تقبل بهذا الدور؟
• ليس متاحاً لي سواه.
• لماذا؟
• لأنني لست في أي من ضفتي الصراع.. لست في خندق السلطة ولست في خنادق المعارضة.
• وكأنك تساوي مابين السلطة والمعارضة؟
• لا .. لا أساوي.. السلطة هي تراكم الطغيان والفساد، والمعارضة هي الطامحة لتؤسس للطغيان والفساد.. الفارق هو كالفارق مابين الأصل والكوبي.
• دائما إجاباتك حادة.
• الوقائع هي الحادة وليست إجاباتي.
• إلى أين تذهب سوريا اليوم؟
• لن تذهب.. ستدور في مكانها حتى آخر سوري على قيد الحياة.
• كيف تبرر مثل هذا الكلام؟
• سوريا جزء من لعبة أوسع.. سوريا هي العتبة التي ستقفز فيها الأحداث لتعمم التجربة السورية على مجمل الإقليم.
• ماذا تقصد؟.
• أقصد أن تفكيك الدولة الوطنية هو مشروع القرن الواحد والعشرين، وفي سوريا البروفا.. العرض لن يكتمل في سوريا بمفردها.. العرض سيطال المنطقة برمتها ولن يُعفى أحد من لهيبه.. كرة النار السورية ستتدحرج إلى الإقليم برمته وستطال بمن في ذلك لاعبين أساسيين.
• مثل من ؟
• مثل تركيا على سبيل المثال.
• كيف؟
• لن تكون تركيا في مأمن، داعش في قلبها اليوم.. كانت في رعايتها وستتحول إلى مخلب في مواجهتها.
• هل تعتقد ذلك؟
• لا .. أنا متيقن ولا أعتقد.
• كيف؟
• تركيا أردوغان تطمح إلى زعامة الإسلام بشقّه السنّي، وعملياً باتت داعش هي هذه الزعامة، هي الزعامة بلا منازع وقد وضعت يدها على ثلثي العراق وثلثي سوريا وباتت ذراعها فوق منابع النفظ وذراعها الأخرى على السلاح.
• وهل تعتقد بأن المسألة الكردية ستفجر في تركيا؟
• الأكراد صبورون.. تاريخياً كانوا كذلك، ومن حقهم اليوم، بل لزاماً عليهم أن يدركوا أنهم أمة، وبكل مقاييس الأمة، أمة في الميراث وفي اللغة وفي التراكم الثقافي الحضاري، ولقد انسحقوا تحت ظل العثمانية القديمة كما العثمانية الجديدة ومن حقهم البحث عن موقعهم تحت الشمس.. أليسوا أبناء الشمس؟
• مالذي تقوله عن محاولات التصالح السوري السوري؟
• هو مجرد لعب مع الوقت.. من يحكم على الأرض يحدد وقائع السياسة.. السياسة باتت اليوم للبنادق، لمن يضع يده على السلاح، وماتبقى لعبة سخيفة مع الوقت.. سياحة مع السياسة والسياح ليسوا من سياح الدرجة الأولى.. سائحون في فنادق رطبة ومظلمة، ودعيني أسألك: أعطني اسم واحد منهم يمثل فعلياً مجموعة فاعلة على الأرض، من يثمل فعلياً على الأرض؟
• أجب أنت.
• لايمثل حتى نفسه.. مسرحية كل أبطالها من الكومبارس، من الذين يمسكون بسروج الخيول لا ممن يمتطون الخيول.. ناس الوقت المستقطع.
• أنت تغلق جميع البوابات.
• لأنها مغلقة، ليس بيدي فتحها ولا إغلاقها، ولكنها مغلقة ومنذ أن اختار السوري السلاح.. السلاح لن يوصل إلا إلى ماوصلنا إليه.
*على هذا الحال إلى أين ستصل البلاد حسب ظنك؟
*ستصل الى حيث مرسوم لها أن تصل، الى ديمومة الاشتباك، بما يقود الى خرائط جديدة، وجغرافيات جديدة وتفكيك للدولة الوطنية، إن ماأقوله ليس استخلاصاً حصريا بي، إن هذه الخرائط مرسومة ومنشورة وليس علينا سوى الخروج من كسلنا قليلاً وندخل الى محرك بحث مثل غوغل ونسأل: ما الذي كتبه زبينغو بريجنسكي منذ نهايات القرن الفائت، ليس علينا سوى أن نتطلع الى الفوضى الخلاّقة التي صاغتها كونداليزا رايس، ومن المهم جداً أن نتطلع على ما انتجه هنري كيسنجر من أفكار، ان العالم يسير نحو الشركة، الشركة التي تلغي الدولة الوطنية لحساب الكارتيلات الكبرى، نحو احتكار الثروة والقوة في المركز فيما تبقى الأطراف على بوابات التسوّل، ان هذا كان مدركاً من قبل الكثير من المفكرين ومن بينهم مفكرون عرب لم نسمع اصواتهم من مثل المفكّر العظيم سمير أمين، واذا لم يكن لدينا الوقت أو المزاج للاطلاع على المشروعات السابقة من حيث التنظير لها، بوسعنا أن نتطلع الى الوقائع على الأرض، فهذا هو السودان الذي كان يسمى سلّة الغذاء العربي، ما حاله؟ أكثر من ذلك ما حال مصر ما بعد تقسيمه واشادة سدود اثيوبيا وبالتواطئ مع السودان الجديد، ما حاله ما بعد الاعلان عن سدّ النهضة الذي سيصحّر مصر، ثم ماهو السرّ وراء تطويق مصر بكل هذه الأسوار.. ليبيا من الغرب حيث القوى الاصولية، وطوق آخر من سيناء وهاهي المتفجرات تنال من الجيش المصري يوما بعد يوم، ومن قال أن السعودية ليست في الطريق الى الانهيار، اقله عبر لعبة النفط اليوم، وغدا عبر اثارة القلاقل في شرقها؟ كلها تقول أن المنطقة برمتها ذاهبة نحو الانهيار.
*وكأك تحيل كل شئ الى المؤامرة؟ أنت من انصار نظرية المؤامرة؟
*لا .. للتاريخ مساره صعودا ونزولا ولكن المؤامرة فعل من أفعال التاريخ، المؤامرة تعجّل أو تؤجل في هذا المسار، ثم من قال أن المؤامرة ليست جزءا من فعل صراعي واسع، حتى في الأدب، على ماذا بنى وليم شكسبير النبي معظم أعماله؟ أليس على أفعال المؤامرة بشكل أو بآخر؟ القرآن نفسه كنص أدبي، وككتاب منزل بالنسبة الى الدينيين، ألم يحكي عن الخدعة والمؤامرة؟ أنا لا ابني على المؤامرة ولكن لابد لي من أن أراها واتعرف على مفاعيلها واذا لم أكن كذلك سأكون ساذجا.
*والشعوب؟ ماهو دورها في هذا الصراع؟
*لن اقلل من شأن الشعوب، ولكننا اليوم في زمن الشركات الكبرى، والاعلام الهائل الذي يسوق البشرية نحو مايرسمه من امزجة وثقافات.. ها أنت ذا ترتدين الجينز.. أليس كذلك؟ من قال أن الجينز اريح أو أجمل أو اشيك من المخمل أو الكتان؟ ثقافة الشركة عمّمت الموديل.. الموضة، وهانحن تحوّلنا الى مارسمنا، رسمونا لنكون بنات جينز، فصرنا بنات جينز ونسينا عذوبة وروعة الفستان.
*وكأنك تمزح؟
*أنا لاأمزح، أنا جاد جدا فيما اقول، عندما تحيكين فستانك بيدك، فلابد لفستانك ان يشبهك، أن يحمل مزاجك وخصائصك، وحين ترتدين منتجات الشركة فالشركة تهندسك وتهندس مزاجك، وهنا الفارق مابين مجتمعات الفرد، ومجتمعات الشركات الكبرى.. نحن في عالم يسحق الفرد.. يلغي خصوصيته، لا .. بل يلغي ارادته، في مجتمعات ماقبل الدولة كان الفرد مطلق الحرية، في الدولة القومية انحسرت هذه الحرية لدرجة تقليد الطاغية ومحاكاته، في الدولة – الشركة، انتهى الفرد، انسحق تماما لدرجة التماهي مع البرغي والآلة وعبثية التداول النقدي والفيزت كارت، وكان الرائع شارلي شابلن قد تنبأ بذلك منذ مايزيد عن قرن من اليوم.. هذه هي الحكاية.. أنصح من يقرا هذا الكلام بالعودة إلى مشاهدة أضواء المدينة لشارلي شابلن.. هذا الرجل نبياً.
*اذن ماقيمة النخب الثقافية والسياسية؟
*أية نخب؟
*المعارضات السياسية وسواها؟
*عن جد؟ مساكين، هؤلاء يتسلون في الوقت الضائع، تماما كما حال الدمى في مسرح العرائس، بفارق أن الدمى أقل امتنانا لليد التي تحرّكها.
• وكأنك تتعامل مع شخصيات المعارضة بنوع من السخرية.
• لا .. في المعارضة شخصيات محترمة، بل بالغة الاحترام، ولكن هؤلاء ليسوا في فرغونات القطار.. هؤلاء يقفون على السكة في مواجهة مصير لن يكون سوى أن يكونوا تحت عجلات القطار.. المعارضون الذين يشكلون قوّة المثل بالنسبة للسوري باتوا في الظل، الواجهة الآن للقوّداين إن شئت، إذا مالزم الأمر بالوسع تعدادهم واحداً واحداً.
• تعداد من؟
• القوادين.
• والذين تعتبرهم مناضلين.. من هم؟
• بت أخاف من امتداح الأحياء لأنهم يتغيرون.. الأحياء احتمالات.. ليس بوسعي سوى الكلام عن الموتى.. هؤلاء هم اليقين.
• فظيع كم أنت يائس.
• ماذا تفترضين؟ أن أكون متفائلاً في بلد نصف سكانه مُهجّر، والنصف الآخر تحت الموت، أشجاره قطعت لتتحول إلى حطب وآثاره نهبت كي يغدو بلا تاريخ.. ماذا تتوقعين.
• أنت الآن تدير مركز البوصلة للبحوث.. على ماذا تراهن؟
• ولا على شيء.. هو نوع من الهروب نحو المعنى.. نوع من خلق معنى.
• وهل وصلت لمعنى؟
• سأعرف لاحقاً.. حتى الان لم أفكّر بسؤال كهذا.