لا أتعرّض للأدوية الكيميائيّة هاته الفترة ورغم ما يسببه ذلك من إنسيابات نفسيّة حادّة نحو أسفل المنحدر، حيث كثيرا ما يكون القلق مقبعا ومسيطرا إلّا أنّني أجد العزاء بموسيقات الروك البسيكيدلي وبعض قطع الموسيقى الكلاسيكية والجولات الليلية بين حقول الزياتين … “العالم يتحرّك نحو الأسفل و..يسرع نحو هلاكه ..” هكذا تحدّثني شجرة الزيتون ..
“العالم يتحرّك نحو الأسفل و..يسرع نحو هلاكه ..” .. بعد أشهر من الآن، سأصل تلك النقطة الزمنيّة المحدّدة الّتي كتب بها “لارس فون ترير” فيلم “عدو المسيح” ..سأكون الأم الملتاعة الحزينة وسوف تُفْتَتَحُ نهايتي بموسيقى هاندل ليأتي صوت من بعيد ويغني “اسمحوا لي ..أن أبكي مصيري القاسي..”. ثمّ سوف أُقْلى كسمكة في إناء كبير من الزيت النباتي السّاخن جدّا وأتقلّب ألما وعنفا، سأشعر بالذّنب والجنون وفقداني صغيري وسوف أتعرّض للخفقان وجفاف الفم والإرتجاف والتّعرق والفجوات وألتهم بنهم الأطباق الجنسيّة أسفل جذوع الأشجار وأمارس عنفا مرئيا ضدّ ذكر “عدو المسيح “. وبطريقة غير عقلانيّة، سيجري الجنون في عروقي مجرى الدّم … بعد أشهر من الآن وعدّة أيّام سوف أقتل ويحرق جسدي، جسمي بشدة.
“العالم يتحرّك نحو الأسفل و..يسرع نحو هلاكه ..” هكذا تحدثني شجرة الزيتون ..غدا ..أو بعد غد أو بعد اشهر من الآن وإن أصررت على استمراريّة عدم التّعرض للأدوية الكيميائيّة أيّاما أخرى، وما إن أسقط ونسقط أسفل ..قاع المنحدر حتّى يتجلّى الإله العظيم “ديونيسيس” ويقف عاليا، متعاليا، أعلى سفح الاكروبوليوس وينزل العقاب عاجلا، مضطهدا كتاب المسرحيات والأفلام ومؤلفي الروايات والكتب بنا نحن، معشر المستهلكين..من شهدوا الملاحم من خارج خشبات المسارح ومشاهد الكاميرا وصفحات الكتب ولم يمدوا الأيادي نحو الأمام أو يحركوا ساكنا للإنضمام أو المشاركة ..من شاهدوا شخوص التراجيديا من البعد الآخر، مراقبين وكثيرا ما أرادوا ان يحضنوهم ويمارسوا التّقبيل أو يجاهروا بشدة رغبة الإحتواء المقيتة..
“اليوم نضمكم إليهم ونبعثهم فيكم ..”
” هلمّوا للركح وإجتياز لوحات العرض الرقميّة ومثيلاتها الورقية “..”أنا “ديونيسيس”، أشهد من عليايا ملحمتكم الأخيرة وألعب اللّعبة السّاخرة.. فقدموا لي المأساة والكوميديا ”
“يتحرّك العالم نحو الأسفل و.. يسرع نحو هلاكه ” هكذا تحدثني شجرة الزيتون.. سوف يلقى بنا في عالم يخض بالأوراق والصور والحبر ونلقى مصير أبطال التراجيديا ..يتعرّض “ايكس” لدفع صخرة سيزيف أعلى التلة ثمّ يشاهدها تتدحرج وتتراجع نحو الأسفل ليضطر أن يبدأ العملية برمتها من الأول ..من جديد ..ينتظر “إغريغ” جودو بإحتراق ..يحترق “زاد” بالنار السماوية للإله يهوى ..أحتل أنا جسد أنثى “عدو المسيح”: رقعة واسعة وجلباب يسع الحزن، الندم وعين تبكي صغيري..
لا أتعرّض للأدوية الكيميائيّة هاته الفترة ويكاد القلق يُسْقطني لكنّي أقص شعري و لا أجرح جسدي، قد أفكر بما ينتظرني بعد أشهر من الآن ..”تحوّل هائل” وقد أقول لنفسي “فلا تحتاج الأم لجدائل طويلة..”
يضحك الرّب عاليا واقهق أنا باكيا
يضحك الرب عاليا واقهق أنا باكيا “مصيري القاسي”
و”يتحرّك العالم نحو الأسفل و.. يسرع نحو هلاكه “.. ولا أتعرّض للأدوية الكيميائية وأصر أكثر..أواصل فتبدو لي أشجار الزيتون ليلا معالق للمشانق ..يجتاح بساتين الزياتين بشريون بثياب مفضفضة بيضاء وبطاقة مشوشة، يعوون ويرقصون.. يرددون ما يرددونه
لا أخافهم ..لكنّني قد أنضم إليهم..